دائمًا ما يبحث الإنسان في أي زمان ومكان عن السبل التي تعبر عن ذاته وجماعته وعن أمور معيشتهم وأحوالهم، وكان الرسم والفن - وما زال - أحد أهم وأقدم الوسائل التي استخدمها لتوثيق حضاراته وتخليد قاداته أو للسخرية والتهكم على الواقع، من عصور ما قبل التاريخ.
الرسم ما قبل التاريخ
يقول الكاتب السوري دلدار فلمز في كتابه التأريخي "تاريخ الرسم" أن العلماء اكتشفوا لوحات في فرنسا وإسبانيا يعود تاريخها إلى ما يقرب من 2000 عام قبل الميلاد، ودلت جودة ودقة هذه اللوحات على أن التصوير التشكيلي نشأ قبل هذا التاريخ بفترة طويلة.
لم تبد مميزات فردية واضحة على الرسوم الإنسانية القديمة البارزة منها أو المحفورة على مواد صلبة، حيث لم يهتم نحاتو ما قبل التاريخ بتوضيح الوجوه، بل اهتموا بمميزات الجسد عند المرأة مثلًا، ويرجع فلمز السبب في ذلك للاعتقاد بأن هذه التماثيل الصغيرة تمثل آلهة الأمومة، أو أنهم أرادوا فقط تصوير الأشياء التي يُقدرونها من الناحية الجنسية أو الجمالية.
يرى المؤرخون أن فترة أسرة "سونج" (960-1279) في الصين القديمة، تعتبر قمة ما وصل له التصوير الصيني رغم أنه بدأ قبل 2000 عام، وقد تأثرت به كل الفترات اللاحقة حتى بداية القرن العشرين
كما صور الرسام البدائي الحيوانات التي ساهمت في التعرف على طبيعة الحيوانات الموجودة قديمًا، واستخدمها الإنسان في حياته كالصيد مثلاً، ومنها ما هو موجود حتى اليوم ومنها ما انقرض كالماموث والغزال الضخم، وكانت الخيول والخنازير البرية والأسماك والطيور والرنة والثيران الأمريكية من أكثر الحيوانات التي تم رسمها في هذه المرحلة.
تناولت الرسومات في الهند القديمة قصص الآلهة والقديسين، فالصورة الجدارية الموجودة في كهف "أوجانتا" تمثل تطور التصوير لعدة قرون (200 ق.م. - 600 م.)، كرسومات "بوذة" والناس الذين كانوا معه.
يرى المؤرخون أن فترة أسرة "سونج" (960-1279) في الصين القديمة، تعتبر قمة ما وصل له التصوير الصيني - رغم أنه بدأ قبل بـ2000 عام، وقد تأثرت به كل الفترات اللاحقة حتى بداية القرن العشرين، حيث اهتموا بتصوير المناظر الطبيعية كالطيور والزهور والجبال والبحار باستخدام الفرشاة.
أما عن التصوير التشكيلي في مصر القديمة، فقد طوّر المصريون القدامى أسلوبًا خاصًا بهم، ليزينوا به قصورهم ومعابدهم وقبورهم، فقد صوروا الأشخاص صورًا جانبية، مع ترتيب الناس حسب وظائفهم، فكلما علت رتبة الشخص كَبُر حجم صورته، ونرى رسوماتهم في جميع المقابر وجدران المعابد والوديان ومعظمها تظهر بارزة وملونة.
ارتبط الرسم التصويري عند الإغريق بفن النحت الذي تطور من خلال الدور الهندسي
استعمل المصريون في رسمهم اللون الأصفر والأحمر والأزرق والأخضر والأسمر والأبيض والأسود والنيلي، لكن رسوماتهم لم تستقل عن الحفر البارز إلا في لوحات قليلة، كصورة الإوزات الستّة وهي تميل برقابها يمنة ويسرة باحثة عن طعامها.
فيما ارتبط الرسم التصويري عند الإغريق بفن النحت الذي تطور من خلال الدور الهندسي، ويقول فلمز إن معلوماتنا عن التصوير الإغريقي مستمدة من الصور المرسومة على الأواني أو من الصور التي نقلها الرومان، أما الصور الأصلية فقد ذهبت جميعها.
ومن أشهر المصورين الإغريق في القرن الخامس ق.م. لفدياس وبوليجنوتس الذي حاول أن يُعبر عن البعد الثالث "العمق" بوضع الأشخاص فوق بعضهم بعضًا، كذلك الرسام أبوللو دورس 415 ق.م. الملقب بـ"صانع الظلال"، حيث إنه كان يُجسم الأشخاص في لوحاته حسب الاتجاه الطبيعي في ذلك الوقت.
حظي التصوير التشكيلي الروماني ببقاء لوحات كثيرة لهم مكنت الباحثين من معرفة أصول فنهم التي تميزت بأنها تُحاكي الواقع إلى حد كبير، وتهتم بإيجاد إيحاء بالعمق وبالظلال والأضواء وانعكاساتها في اللوحة.
اختص الرومان بالصور الشخصية، فكانوا يرسمونها داخل إطارات مربعة أو مستديرة وسط الحوائط الملونة بلون واحد وخالية من الزخرف، وتمثل هذه الصور صاحب المنزل
الرومانيون هم أول من فكر في تطوير المنظور أي إيجاد الشعور بالعمق على مساحة مسطحة، وقد صار تصويرهم مع النحت وزخرفة المباني والصور الحائطية الباقية حتى الآن في "بومبى" التي أنجزوها بطريقة "الإفريسكو".
وكانوا يرسمون تفاصيل البيوت وما حولها، كذلك نجد صورًا على الجدران تستعمل في طقوس المعابد، كما اختص الرومان بالصور الشخصية، فكانوا يرسمونها داخل إطارات مربعة أو مستديرة وسط الحوائط الملونة بلون واحد وخالية من الزخرف، وتمثل هذه الصور صاحب المنزل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق