"قم للمعلم وفه التبجيلا".. يبدو أن هذا البيت الشعري الشهير لأمير الشعراء أحمد شوقي، ما عاد معمولا به كما يجب هذه الأيام، حيث اعتدى ذوو طالبة عراقية على مديرة مدرستها والكادر التعليمي، في إحدى مدارس مدينة البصرة، أقصى جنوبي البلاد، في واقعة أثارت غضب الرأي العام.
وأصدرت على إثر ذلك المديرية العامة للتربية في البصرة، بيانا حول الواقعة جاء فيه أنها "تستنكر حادثة الاعتداء بالضرب من قبل أحد أولياء أمور التلميذات وزوجته على مديرة مدرسة الوحدة العربية للبنات الواقعة في محلة الهادي، أثناء تأديتها لواجبها، وأمام أنظار ملاك المدرسة، في واحدة من حالات الاستهتار والتجاوز على الحرم التربوي".
وأضاف البيان أن مثل هذه الحوادث "تتكرر باستمرار، مما يعد مؤشرا خطيرا على انتهاك القوانين والأنظمة التربوية".
وأشار إلى أن مديرة المدرسة قدمت "شكوى أصولية في مركز الشرطة، وكذلك شكوى إلى مديريتنا، حيث ستتم متابعتها من خلال مشاورنا القانوني بحسب توجيه السيد المدير العام".
أخبار ذات صلة
معلمة ذوي احتياجات خاصة ترتكب "الجرم الأكبر" بحق طلابها
وتابعت المديرية: "في الوقت ذاته، نهيب بالحكومة المحلية والقوات الأمنية كما هو شأنهم دائما، لوضع حد لتكرار حالات الاعتداء على ملاكاتنا، وملاحقة كل من تسول له نفسه المساس بحرمة مدارسنا ومؤسساتنا التربوية، إنصافا لرسل العلم وصناع الحياة".
وأعلنت مديرية شرطة البصرة "تمكن مفارز مركز شرطة الهادي في محافظة البصرة، من إلقاء القبض على المتهمين الذين اعتدوا على مديرة المدرسة أثناء مزاولتها لمهامها، وذلك تنفيذا لأمر قبض قضائي وفق المادة 230 من قانون العقوبات العراقي".
وأوضح بيان لشرطة البصرة، أنه تم اتخاذ الإجراءات القانونية بحقهما، وإحالتهما إلى القضاء لـ"ينالا جزاءهما العادل".
حوادث تعيد نفسها
وعادة ما تتكرر حوادث مشابهة لاعتداء الطلاب والتلاميذ، أو ذويهم على المعلمين والمدرسين، في العديد من المدارس العراقية، تحت ذرائع مختلفة، الأمر الذي يعده خبراء ومشرفون تربويون، مؤشرا على "تأزم مجتمعي عام" في بلاد الرافدين.
وقال المدرس سامان عوني، في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية": "نواجه صعوبات جمة في هذا المجال، كون الجيل الجديد صعب التعاطي معه، وهو متطلب ولديه مغريات كثيرة تلهيه عن دراسته، فالطلبة في العصر الرقمي هذا مثلا، وهم ما زالوا في بدايات مراحل دراستهم الابتدائية، يمتلك العديد منهم أجهزة كومبيوتر لوحية، وحتى هواتف متحركة، يقضون جل وقتهم متسمرين أمامها".
وتابع: "هذا الأمر يسهم في تردي مستوى الطالب الدراسي، وتاليا تردي علاقاته مع معلميه، وفي كثير من الحالات تتطور الأمور للأسف إلى التصادم والاحتكاك بين ذوي بعض الطلاب والطواقم الإدارية والتدريسية في المدارس، التي يدرس فيها أبنائهم".
وأشار إلى أنه "بدلا من تحمل الأهل القسط الأكبر من توجيه أطفالهم وحثهم على المثابرة على الدراسة، فإن العكس يحدث، حيث يتم اتهامنا كمعلمين، من قبل بعض أولياء الأمور، بالتسبب في تراجع مستوى أولادهم أو رسوبهم، وهذا تهرب طبعا من قبلهم من مسؤوليتهم الأولى عن ذلك".
أخبار ذات صلة
الضرب في المدارس.. آفة التعليم العربي
وقال مصدر بوزارة التربية والتعليم في أربيل، لموقع "سكاي نيوز عربية": "صحيح أن للمدرسة وللمعلم دور لا يقل أهمية عن دور الأسرة في تنشئة الطلاب وإرشادهم، لكن يبقى الأهل هم من يتحملون المسؤولية الأساسية في هذا المضمار، قانونيا وأخلاقيا، فليس المطلوب من المدرسة أن تحل بديلا عن الأسرة، بل أن يكون هناك تكامل بين الطرفين وتعاون لما فيه خير وصلاح الأبناء التلاميذ ونجاحهم".
واستطرد قائلا: "في النهاية من الطبيعي أن يحدث سوء تفاهم بين ذوي الطلاب والمدارس، لكن هذا لا يعني أن يتطور الأمر لحد الاعتداء على الكوادر التعليمية بالضرب والإهانة، وحتى التهديد بالقتل في بعض الحالات".
وشدد المصدر على أن "المطلوب من الجهات التنفيذية والتشريعية إصدار تشريعات وقوانين وقرارات رادعة، خاصة بحماية منسوبي السلك التربوي عامة، لا سيما فيما يتعلق بالتهديدات والاعتداءات التي يتعرضون لها، من قبل بعض أولياء أمور الطلاب".
ويعاني القطاع التربوي في العراق بصورة عامة، شأنه شأن مختلف القطاعات الحيوية في البلاد، من التردي، حيث تتفشى ظواهر مثل تسرب التلاميذ، واهتراء قسم كبير من المباني المدرسية ونقص عددها، واكتظاظ الصف المدرسي الواحد بعشرات الطلاب، وضعف الشروط الصحية والتعليمية الحديثة في معظم تلك المؤسسات التدريسية، بحسب تقارير المنظمات المحلية والدولية المختصة بمراقبة وتقييم مؤشرات جودة التعليم.
وكان آخر تلك التقارير وأهمها، مؤشر جودة التعليم العالمي للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، الذي أخرج العراق من مؤشر التنافسية في تصنيف جودة التعليم لسنة 2021.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق