منذ أن عانقت أمه الأبدية، وهو يطارد قوس قزح، كي يرى ألوانها التي تجلت في عيون الأطفال المكفوفين: "أكل السكري عيون أمي، لكنها هزمته، وحلقت". سافر سهيل بقاعين خارج السرب، وخارج الخيال، محاولاً اكتشاف جزء من حلم اليقظة أﻻ وهو الأمل.
رسم مكفوفون أعمالاً لفتت انتباه الكثيرين وصار لهم شرفة لتلوين العالم الذي كان من قبل مظلماً وحزيناً
وخلال هذه الرحلة، خاض بقاعين مشاريع إبداعية أبرزها تعليم مكفوفين الرسم من خلال استعمال حاسة الشم. وقد أثمرت هذه التجربة المدهشة نتائج مبدعة؛ حيث رسم مكفوفون من الجنسين أعمالاً لفتت انتباه الكثيرين، صار لهؤلاء المكفوفين شرفة لتلوين العالم الذي كان من قبل مظلماً وحزيناً.
يشتغل سهيل بقاعين على أسلوب يخص المكفوفين، يعدّه نوعاً جديداً في المدارس التشكيلية، ويطلق عليه "أسلوب المكفوفين". وقد تمكن أخيراً من عرض أعمال المكفوفين في العاصمة الكوبية هافانا، بعد أن قدمها في الجامعة الأمريكية للثقافة والعلوم في بيروت عام 2015، وفي مدينة كان الفرنسية عام 2016.
وقبل هذه المغامرة، أطلق بقاعين عام 2009 فكرة المتحف المتنقل في اليوم العالمي للمتاحف، وزار مختلف المناطق الأردنية عبر 500 رحلة، واستفاد من المشروع 50 ألف طالب.
الفنان سهيل بقاعين
يقول بقاعين لـ "حفريات": زرعتُ ألواناً جميلة فأعطاني هذا الوضع حالة من الإندفاع والتطوع والإنقاذ والسفر إلى أبعد نقطة في العالم لكي نحضر لهم ألواناً جديدة، ولكن في قرارة نفسي كنت أعرف بأنّ ألواننا في شرقنا الجميل هي الأجمل، فهي التي جذبت جميع فراشات العالم.
بعث الأمل وتحفيز المخيلة
ويصف تجربته مع المكفوفين، بأنّها الأكثر بعثاً على الأمل، والأشد تحفيزاً للمخيلة. قمت برفقة مبدعي طلبة الأكاديمية الملكية للمكفوفين بعدة معارض: ما وراء البصر، ظلال، الرؤية هي الإمان ( seeing is believing )، وقارئ اللون، وعبق اللون.
استخدم المكفوفون، الذين أبهروا بلوحاتهم الجمهور في هافانا الشهر الماضي، حاسة الشم في اختيار اللون، فالأخضر برائحة النعناع لرسم الأعشاب، مثلاً، والأصفر برائحة الليمون لشعاع الشمس، والأحمر برائحة البندورة (الطماطم) لرسم الورود والأزهار، والبني برائحة القرفة لرسم سيقان الأشجار ووجوه الناس. لقد أبدع هؤلاء المكفوفون لوحات جميلة ومميزة يعجز عن رسمها المبصرون.
تم تحويل الإعاقة إلى طاقة، والظلام إلى نور بعد تلوين قلوب المكفوفين وعقولهم وبصيرتهم بألوان قوس قزح
عبر هذا المشروع، تم تحويل الإعاقة إلى طاقة، والظلام إلى نور ممزوج بألوان قوس قزح.. أحاول تلوين قلوب أولئك المكفوفين وعقولهم وبصيرتهم بألوان قوس قزح. لذا قمنا بإنشاء حديقة معطرة بألوان اللفنادر، والحبق، والليمون، والنعناع، وقامت الطالبة ﻻنا بكتابة قصة عبق اللون ورسم جميع اللوحات وترجمتها إلى برايل للمكفوفين باللغة العربية والإنجليزية.
ويرى الفنان بقاعين أنّ مراحل انتقال طلبة الأكاديمية من خلال ورشات الرسم لفنانين عالميين أمثال ماوديليني، فان كوخ، وخزفيات بيكاسو، وفخر النساء، أعطتهم قوة ومعرفة بأهمية احترام اللوحة، وأيضاً التحدث عن تلامس الحضارات وأهمية أوروبا لنا، وأهميتنا لهم، وتسليط الضوء على مختلف اﻷنشطة التي تحقق هذا التقارب.
استشارة أخصائيين نفسيين
وعن استشارته أخصائيين نفسيين أو أطباء أو خبراء عند إطلاق هذه التجارب الصعبة، يوضح سهيل بقاعين: في "قارئ اللون" قمت باستشارة طبيب أنف وأذن وحنجرة، وأكد لي أهمية تفعيل حاسة الشم لدى المكفوفين.
أما بالنسبة إلى الأطباء النفسيين، فتمنيت لو أكون سلفادور دالي ليكون صديقي فرويد.
كثر الحديث عن العلاج بالرسم ( art therapy). وهناك من يساعدهم هذا العلاج في الأكاديميا ابتداءً من الصفر والصف الأول، فضلاً عن عمليات الدمج في بعض المدارس، وقد حقق ذلك مساعدة كبيرة للطلبة.
يحلم بقاعين بالمتحف الطائر؛ "للسفر إلى سائر أنحاء العالم، وإقامة ورشات رسم للأطفال داخل الطائرة، والحديث عن مبادرتي في قارىء اللون وعبق اللون، وتأكيد أهمية هذه المدرسة المكففوفية في عالم الفن التشكيلي".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق