ظهور المدرسة الواقعية كانت ضرورة زمنية فرضتها الحياة اليومية للانسان، فالابتعاد عن الواقع واهمال الجانب الواقعي للوجود، والحياد عن المشاكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والدينية، واللجوء الى عالم الاحلام والخيال لم يكن ليشبع لهفة الجمهور لاحساسهم بان الفنان يعيش معهم على أرض واقع ملموس، وليس مختلفا عنهم، وهنا محت المدرسة الواقعية مدرسة الرومانسية التي كانت بعيدة كل البعد عن الواقع.
وقد جاءت المدرسة الواقعية لتتعايش مع الظروف المحيطة بالانسان، ورصد كل انفعالاته وحركاته بدقة متناهية، وتصوير الواقع كما هو متجردا من اي مشاعر دخيلة عن الموضوع، ونقله كما ينبغي ان يكون رغبة منه في توثيقه للحدث بدقائقه ولحظاته من خلال لوحة تصويرية تفصيلية للواقع، تصل للجمهور بكل طبقاتهم ومستوياتهم، وبسلاسة وبساطة دون تعقيد قد لا يفهمه البعض.
ومن رواد المدرسة الواقعية الفنان الفرنسي "غوستان كوربيه" فبعد انغماسه بالفن الباروكي ثم انتقاله الى الرومانسية فقد وجد نفسه اقرب الى الواقعية، باعتبارها الشيء الحقيقي في الوجود، وان عليه مسؤولية المساهمة في الرقي بشعبه ومساعدتهم بتسليط الضوء في لوحاته على مشاكل المجتمع وتبصير الحلول، وبأن اي فن بعيد عن الواقعية هو الهروب من مواجهة صعوبات الحياة ومعالجتها، وهو الذي قال مقولته الشهيرة " انني لا أستطيع ان أرسم ملاكا، لانني لم يسبق لي ان شاهدته".
لوحة "مغربلات القمح" للفنان "غوستاف كوربيه"
كما انبثقت من المدرسة الواقعية نوعين اخرين من المدارس وهما المدرسة الواقعية الرمزية والمدرسة الواقعية التعبيرية.
واذا ما اردنا العودة الى نشأة المدرسة الواقعية فعليا سنجدها انها قامت على أنقاض الفن الكنائسي اذا جاز لنا التعبير، بسبب انحصارها سابقا بلوحات مقيدة بمواضيع معينة تحت اشراف الكنيسة بحجة المحافظة على الدين المسيحي، واي خروج عن الموضوع يعد جريمة لا تغتفر، وضحاياها من الفنانين كثر بسبب محاربتها الدائم لهم، ولهذا فالفن القديم كان ضيق الحدود غير مختلف ولا متطور منعزل عن اي شيء يربطه بالحياة، وظل ذلك الامر حتى النهضة الفنية بايطاليا التي فتحت ابواب الحرية الفنية في جميع انحاء أروبا لينطلق بذلك تدرج المدارس الفنية تلو الاخرى.
هذا دون ان ننسى التطور الصناعي الذي حدث في منتصف القرن التاسع عشر الذي كان نقلة لافتة في جميع المجالات، غيرت مفهوم نظرة الانسان للواقع واعتبر العلم من اساسيات اي حضارة، فالتطور في علوم الطبيعة والكيمياء ثم الميكانيكا وانتقالا الى الالات الحديثة التي جعلت مجال الزراعة والتجارة ثانويا، كان لابد للادب والشعر وجميع الفنون ان تتأثر بهذا التطور، وان يستمد فنانيها ابداعاتهم منها حيث بدأوا الفنانين يدرسون علاقة الضوء بالألوان وانعكاسه على الاشياء، وهنا كانت البداية.
ومن الفنانين المنتمين ايضا الى هذه المدرسة هناك الفنان "كارفاجيو"، "هنري دومييه"، "جون فرانسوا مليت"، وغيرهم من الفنانين.
لوحة "ركاب الدرجة الثالثة" للفنان "هنري دومييه"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق