تجلى الصراع الدولي على النفوذ في ليبيا خلال العام 2020 الذي يمضي أيامه الأخيرة، وبدا واضحاً أن مستقبل هذا البلد الذي يعاني أهله من انهيار اقتصادي واجتماعي بات مرهوناً بصفقة دولية كبرى تضمن تقسيم الغنائم.
واذا كانت 2020 من أصعب السنوات التي مرت على العالم في ظل جائحة كورونا، فإنها كانت أكثر مرارة وألماً على الليبيين، ففي نهاية ربعها الأول توقفت طبول الحرب بعد انسحاب قوات الجيش الوطني الليبي من محيط العاصمة طرابلس وسقوط مئات الضحايا، وتبعها رسم خط وهمي شق ليبيا الى شطرين بين معسكري الشرق والغرب، قبل أن تنطلق في ربعها الأخير عجلة الحوارات السياسية، بعد تعيين الأميركية ستيفاني وليامز موفدة للأمم المتحدة الى ليبيا خلفاً لغسان سلامة، وما بين الربعين (الأول والأخير) كان الفرقاء وداعموهم الدوليون يحشدون قواهم ويعززون من نفوذهم على الأرض الليبية.
ومن القاهرة والغردقة في مصر إلى بوزنيقة المغربية وجنيف السوسرية وصولاً إلى تونس، تنقل الفرقاء الليبيون خلال الأشهر الأخيرة، بحثاً عن اتفاق ينهي أزمة طالت لعشر سنوات، لكن ظل غياب الصدقية بين الطرفين يقوّض الآمال في حل، حتى بدا الأمر وكأن جلوسهما الى طاولة واحدة في حد ذاته إنجاز.
فالعسكريون اتفقوا على تثبيت وقف إطلاق النار في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، لكن بقيت معضلة الميليشيات والقوات الأجنبية من دون حل، فيما اتفق السياسيون تحت ضغط المبعوثة الأممية على إجراء انتخابات خلال عام ونصف، لكن الفشل ظل يحيط بجلساتهم المتكررة لاختيار سلطة تنفيذية تُدير المرحلة الانتقالية.
حزمة عوامل وتشابكات ذات أبعاد داخلية وإقليمية ودولية انعكست بقوة على إمكان إنهاء الصراع الليبي، فالتنافس لا يزال على أشدّه بين المحور الإقليمي المناهض للإسلام السياسي عموماً وجماعة الإخوان المسلمين خصوصاً، من جهة، والمحور التركي - القطري الداعم لهما من جهة أخرى، ولعل الاتفاقات الأمنية والعسكرية التي وقعتها أنقرة والدوحة مع حكومة الوفاق الوطني المسيطرة على الغرب الليبي، تندرج في هذا الإطار، وهي أحد الإشكالات التي تبحث عن حل ضمن اتفاق التسوية.
كما أن التنافس على النفوذ في ليبيا تصاعد بين روسيا من جهة، والولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين من جهة أخرى، واستغلت تركيا مخاوف المحور الأخير من إطلالة جديدة لروسيا على البحر المتوسط بعد سورية، وفي خلفية هذا التنافس صراع على أكبر حصة من النفط الليبي. ليظل التساؤل مفتوحاً عن مدى إمكان نجاح وليامز في إنجاز اتفاق قبل مغادرتها منصبها، في ظل ارتفاع نبرة المخاوف من أن يصبح التقسيم الحالي للبلاد أمراً واقعاً تفرضه القوى المسيطرة على الأرض.
أما الشعب الليبي الذي أنهكته الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، فيرنو إلى إنهاء هذه الأزمة بكل معضلاتها وتفرعاتها. كما يأمل قيام مؤسسات موحدة تكرّس استقراراً يمهّد لانتعاش اقتصادي.
وذهب المحلل السياسي الليبي رضوان الفيتوري إلى أن "الحرب قادمة في ليبيا". وقال في تصريح لـ"النهار العربي": "بعد تحرير الجيش الوطني الليبي مدن بنغازي ودرنا والجنوب الليبي والحقوق والموانئ النفطية، مطلع العام، من سيطرة الجماعات الإرهابية، لم يتبق إلا جزء في الغرب الليبي يشمل العاصمة طرابلس ومصراتة، وكان على الجيش أن يُكمل المشوار ... كان التقدم سريعاً جداً وحصلت انتصارات على تخوم طرابلس، لكن بحكم التدخلات التي جرت، انسحب الجيش الى خط سرت الجفرة وترك المجال أمام العملية السياسية وشجع المبادرات الدولية والمحلية لكننا لم نصل الى أي نتيجة".
ورأى أن "الأتراك هم المستفيدون من تلك المبادرات، إذ كسبوا الوقت لإرسال المزيد من المقاتلين والمرتزقة والأسلحة. والأمم المتحدة غضّت البصر عن الجسر الجوي التركي"، مؤكداً أن "أنقرة عينها على احتلال الموانئ والحقول النفطية". وأرجع الفيتوري الفشل الذي وصفه بـ"الذريع" في العملية السياسية إلى أن المتحاورين "يبحثون عن المناصب ومكان في المستقبل السياسي الليبي". واعتبر أن الذي يعتمد على المجتمع الدولي في حل مشكلاته "خاب مسعاه... تعلمنا من الدروس السابقة أن المجتمع الدولي مع الأقوى والمسيطر على الأرض وتهمه مصالحه أولاً وأخيراً، ويحتاج إلى شريك قوى يتفاهم معه ويحمي جنوب أوروبا".
وقال: "الذي يرى هذا التحشيد التركي من الأسلحة والمرتزقة ويتأمل المشهد السياسي يتيقن أن حرب التحرير هي الحل ... الحل لن يأتى إلا على يد الجيش ... بالتأكيد لا أحد يريد الحرب وسفك الدماء، لكن الحاصل في ليبيا هو احتلال، والعملية العسكرية هدفها تحرير الوطن من المحتل من ثم تتوحد المؤسسات وتتفعل الشراكة الدولية التجارية والنفطية وفي كل المجالات"، مضيفاً: "الذي لا يسمع دقات طبول الحرب بالتأكيد أصم ... الحرب قادمة لا محالة وستكون حاسمة هذه المرة"، متوقعاً أن نرى "تحولاً مفاجئاً بين ليلة وضحاها
=====================
المصدر: النهار العربي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق