2020 أميركا... قاتمة بامتياز وتاريخية بامتياز

. . ليست هناك تعليقات:



بدت سنة 2020 للأميركيين وكأنها أطول بكثير من أشهرها الاثني عشر. سنة حفلت بكوارث ومآس لا تحدث إلا في قرن وتترك آثارها العميقة لأجيال تالية.

إنها سنة أخطر جائحة منذ جائحة الإنفلوانزا في 1918. سنة الأزمة الاقتصادية الأخطر منذ عقد الكساد الكبير في ثلاثينات القرن الماضي. إنها سنة الاضطرابات السياسية والعنصرية والاجتماعية الأكثر خطورة منذ ستينات القرن الماضي، والتي لا تزال الولايات المتحدة تعيش مضاعفاتها حتى الآن. إنها سنة انتخابات رئاسية مماثلة في استقطاباتها السياسية لسنة 1968، ولسنة ألفين التي حسمتها المحكمة العليا بعد أسابيع من يوم الانتخابات.

عندما طلبت صحيفة "الواشنطن بوست" من قرائها وصف سنة 2020 بكلمة واحدة، اختارت الأغلبية كلمة "مرهقة"، وعقبتها كلمة "ضائعة". عبارة "أكره 2020" كانت أكثر رابطة #Hashtag شيوعاً على شبكة "تويتر". جائحة فيروس كورونا أدخلت مفردات صحية واجتماعية جديدة الى اللغة الإنكليزية مثل كوفيد-19 COVID-19 والتباعد الاجتماعي Social distancing والإغلاق التام Lockdown والحجر الصحي الذاتي Self-quarantine وغيرها.

الجائحة جلبت معها أزمة اقتصادية خانقة أدت الى خلق جيش جديد من العاطلين من العمل، وصل الى أكثر من عشرين مليون أميركي، ما رفع من معدلات البطالة الى حوالي 15 بالمئة، والى إغلاق ملايين الشركات والمصالح المتوسطة الحجم أو الصغيرة. كما أدخلت الجائحة أنماط عمل جديدة فرضها اضطرار الملايين للبقاء في منازلهم وشققهم حيث اكتشفوا منصة Zoom واستخدموها لتصريف أعمالهم، وتنظيم اجتماعاتهم، وللتحصيل العلمي، وتنظيم مختلف أنواع الاجتماعات الصغيرة والموسعة. وكان من الطبيعي أن يتطور استخدام هذه المنصة لعقد القران، وتنظيم الحفلات، وحتى المآتم.

ونظراً لرفض الرئيس ترامب وضع الكمامات الواقية، إلا في حالات نادرة، واستخفافه في أكثر من مناسبة بالذين يلبسون الكمامات، تحوّل لبس الكمامة الى مسألة سياسية خلافية، وادّعى الذين يرفضون لبس الكمامة أن فرضها عليهم يحرمهم من ممارسة حرياتهم الفردية. وفجأة اكتشف الأميركيون أن أكثرية الذين يلبسون الكمامات هم من الديموقراطيين، وأكثرية الذين يرفضون لبسها من الجمهوريين. الولايات المتحدة، كانت الدولة الوحيدة التي جرى فيها مثل هذا الجدال السياسي حول إجراء صحي وقائي يفترض أن يكون بسيطاً للغاية. وخلال أسابيع قليلة بعد انتشار الجائحة، أدى الخوف من خطر الجائحة الى إغلاق المحال التجارية والمدارس والجامعات والمصانع ونوادي الرياضة ودور العبادة.

منذ وصول الجائحة الى الولايات المتحدة، تعامل معها الرئيس ترامب بأسلوب متهور وغير مسؤول، حيث لجأ الى تضليل الأميركيين حول طبيعة الخطر، رافضاً الاعتماد على توصيات الخبراء في مكافحة الأوبئة، على الرغم من أن الاختصاصيين والمسؤولين عن الصحة العامة أطلعوه على خطر الجائحة وكيفية التصدي لها، وهو ما اعترف به في حواراته مع الكاتب والصحافي بوب وودوورد. لاحقاً ادّعى ترامب أنه كان يريد تفادي تخويف الأميركيين من الجائحة. ولكن تصريحات ترامب وتغريداته العلنية تميزت بالغيبيات، حين تحدث عن اختفاء الجائحة بفعل أعجوبة. ووصل تهور الرئيس واستخفافه بالجائحة الى درجة أنه بدأ يبشّر بجرع المطهرات الكيماوية الخطيرة، الأمر الذي أثار الرعب في أوساط فريقه الطبي المسؤول عن مكافحة فيروس كورونا. استخفاف ترامب بلبس الكمامات، وتفاديه في نشاطاته الانتخابية واجتماعاته في البيت الأبيض للتباعد الاجتماعي، كان له وقع كبير على الحكام الجمهوريين الذين لم يطلبوا من سكان ولاياتهم اعتماد هذه الأساليب لمكافحة انتشار الفيروس، ما ساهم في الارتفاع الكبير لعدد الإصابات والوفيات في الولايات المتحدة. ووصل عدد الإصابات في البلاد الى أكثر من 19 مليوناً ونصف مليون حالة، وفاق عدد الوفيات 340,000 ضحية، وهذه أرقام سياسية غير موجودة في أي دولة أخرى.

في الخامس والعشرين من شهر أيار (مايو)، صُعق الملايين من الأميركيين وهم يشاهدون على شاشات التلفزيون شريط فيديو من مدينة مينيابوليس، بولاية مينيسوتا، مدته أكثر من ثماني دقائق، لشرطي أبيض وهو يضع ركبته على عنق رجل أفريقي الأصل اسمه جورج فلويد وهو ممدد فوق الإسفلت، الى أن لفظ نفسه الأخير. فلويد كان من بين عدد من الأميركيين من أصل أفريقي الذين قتلوا على أيدي الشرطة أو أفراد يؤمنون بتفوق العنصر الأبيض. قتل فلويد فجّر شرارة حركة احتجاجية عمّت جميع الولايات تقريباً، حيث نظّم الملايين من الأميركيين من مختلف الإثنيات والخلفيات التظاهرات التي شابها في بعض الأحيان بعض أعمال الشغب والعنف من متظاهرين أو من جماعات عنصرية مضادة، ما أدى الى نشوب حرائق واشتباكات في عشرات المدن. ترامب سارع الى استغلال التظاهرات لاتهام الديموقراطيين بأنهم يريدون إغلاق مراكز الشرطة من خلال وقف تمويلها، أو الادعاء بأنهم يريدون أن تعمّ الفوضى البلاد والتمهيد لسيطرة اليسار والاشتراكيين على السلطة. وبدأ ترامب بالتهديد باستخدام القوات المسلحة لقمع التظاهرات في شوارع المدن الأميركية، على الرغم من وجود قوانين تمنع استخدام القوات المسلحة داخل البلاد، إلا في حالة وجود عصيان مسلح. خلال شهر يونيو –حزيران، وعندما أحاطت التظاهرات السلمية بالبيت الأبيض، أمر ترامب باستخدام قوات عسكرية لتفريق المتظاهرين بعد استخدام الغاز ضدهم، ليخرج من البيت الأبيض كفاتح يحمل بيده نسخة من الإنجيل الذي رفعه بيده بعدما اجتاز حديقة لافاييت قبالة البيت الأبيض ليقف أمام باب كنيسة يصلي فيها الرؤساء بين وقت وآخر. في هذه الأيام العصيبة، برزت مخاوف حقيقية من أن يلجأ ترامب الى استخدام القوات المسلحة للانتقام من المتظاهرين، الأمر الذي دفع بوزير الدفاع آنذاك مارك أسبر ورئيس هيئة الأركان العسكرية المشتركة الجنرال مارك ميلي الى الإدلاء بتصريحات رفضا فيها استخدام القوات المسلحة لقمع التظاهرات، ما أثار غضب ترامب، الذي أقال وزير الدفاع فور انتهاء الانتخابات.
بدأت السنة بمحاكمة الرئيس ترامب في مجلس النواب الذي صوّت بأكثريته الديموقراطية على إقالته، ولكن مجلس الشيوخ بأكثريته الجمهورية قرر إبقاءه في السلطة. الرئيس ترامب رأى في قرار مجلس الشيوخ تبرئة كاملة، أعطته حصانة جديدة للانتقام من خصومه داخل مؤسسات الدولة وخارجها، حيث فصلهم من وظائفهم أو عزلهم.

وخلال معركة محاكمة ترامب، بدأت معركة الانتخابات الحزبية للمرشحين الديموقراطيين، والتي كان فيها أداء المرشح جوزف بايدن ضعيفاً في الولايات الأولى، قبل أن يؤيده النائب الديموقراطي الأفريقي الأصل والنافذ جيمس كلايبرن وساعده على الفوز بولاية ساوث كارولينا في انتخاباتها الحزبية في مارس - آذار. تأييد كلايبرن لبايدن كان محورياً وأعطاه زخماً كافياً لإقناع بعض المرشحين الآخرين بالانسحاب من السباق ووضع ثقلهم وراء بايدن. في هذا الوقت بدأت جائحة كورونا تغيّر من طبيعة النشاطات الانتخابية. وهذا ما يفسّر العدد الكبير للأميركيين الذين صوّتوا عبر البريد، أو قبل موعد الانتخابات في الثالث من تشرين الثاني (نوفمبر).

وفي الأشهر والأسابيع التي سبقت التصويت، بدأ ترامب بالادعاء أن الديموقراطيين سوف يزوّرون الانتخابات ويلجأون الى عمليات الغش، وكالعادة من دون أن يقدّم أي دليل. وعندما لم يُعلن فوراً عن نتائج الانتخابات، كما توقع معظم المسؤولين المحليين عن الانتخابات من ديموقراطيين وجمهوريين، وغيرهم من المحللين، صعّد ترامب من هجماته ضد نزاهة الانتخابات، تمهيداً لحملة الطعون والشكاوى التي كان يحضّر لها قبل الانتخابات. الحملة الشاملة التي شنها ترامب لإعادة فرز الأصوات، وعشرات الطعون التي قدمها في الولايات التي بدت فيها النتائج متقاربة مثل بنسلفانيا وميشغان وجورجيا ونيفادا، كلها إما رفضت المحاكم الفدرالية النظر فيها لأنها لم تكن جدية على الإطلاق، أو رفضتها بعد مراجعة أولية لأنها لم تكن مدعومة بأي أدلة. وحتى عندما وصلت الشكاوى الى المحكمة العليا، رفضتها المحكمة بالإجماع، على الرغم من أن ترامب الذي عيّن ثلاثة قضاة للمحكمة العليا، كان يتوقع أن يصوّتوا لمصلحته.

وبعد أقل من شهر من انتهاء ولايته، لا يزال ترامب يدّعي أنه هو الفائز بالانتخابات، ولا يزال يأمل أن يتحدى الجمهوريون في مجلس الشيوخ التصديق النهائي على نتائج الانتخابات في السادس من بناير – كانون الثاني المقبل. ومع انهيار دفاعات ترامب الواهية، واعتراف بعض قيادات الحزب الجمهوري في الكونغرس، ومن أبرزهم زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ السناتور ميتش ماكونال، بشرعية انتخاب جوزف بايدن بعد التصويت النهائي للمجمع الانتخابي في الرابع عشر من ديسمبر – كانون الأول، صعّد ترامب من حملته الانتقامية من الجمهوريين في الكونغرس مثل ماكونال، وفي حكومته مثل وزير العدل وليام بار الذي استقال قبل أيام، بعدما انتقده ترامب لأنه تجرأ على القول إنه لم تحدث عمليات تزوير في الانتخابات تقتضي تغيير النتائج. وفي الأسابيع الماضية عزل ترامب نفسه في البيت الأبيض وبدأ يتصرف وكأنه محاصر، ويرفض القيام بواجباته الرسمية، وقضاء وقته في اجتماعات عقيمة وتآمرية مع بعض مؤيديه الذين يقترحون عليه اتخاذ إجراءات غير دستورية، مثل فرض حالة طوارئ في بعض الولايات، وهي طروحات رفضها مدير البيت الأبيض مارك ميدوز ومحامي البيت الأبيض بات سيبيلون. وخلال هذه الفترة كان ترامب يطلب من مؤيديه إرسال التبرعات المالية الى حملته لتمويل كلفة الطعون والشكاوى لقلب نتائج الانتخابات، على الرغم من أن معظم هذه التبرعات سوف تنتهي في حساب باسم لجنة سياسية تابعة لترامب، حيث سيستخدم هذه التبرعات التي ستصل الى 300 مليون دولار مع نهاية ولايته لأغراضه السياسية، ولتمويل نشاطاته بعد انتهاء ولايته.

وقبل لجوئه الى منتجعه في ولاية فلوريدا لقضاء فترة الأعياد، أساء ترامب استخدام صلاحياته الدستورية حين أعلن العفو عن عشرات من المتهمين أو المسجونين، ومن بينهم عدد من مساعديه ومستشاريه السابقين الذي حكم عليهم بتهم الفساد أو محاولة تضليل التحقيقات القضائية. كما عفا عن مشرّعين جمهوريين سرقوا المال العام وكان ينفذون عقوبات بتهم الفساد. ولكن أسوأ ما فعله ترامب في هذا السياق كان إصدار عفو عن 4 متعاقدين أمنيين أميركيين كانوا يخدمون في العراق في 2007، حين ارتكبوا مجزرة في قلب بغداد أدت الى قتل 17 مدنياً، من بينهم طفلان، وحكم عليهم القضاء الأميركي بالسجن.

بدأت سنة 2020 بجائحة قاتلة، وانتهت بوصول لقاحين أعطيا الأمل للأميركيين بأنهم يقتربون من بداية نهاية كابوسهم الصحي. كما بدأت السنة برئيس غاضب وفي مزاج انتقامي بعد محاكمته في الكونغرس، وانتهت برئيس غاضب أكثر من أي وقت مضى، ولا يزال يرفض الاعتراف بهزيمته الانتخابية، وبأنه تعرّض لأوجع إهانة في حياته، على يد منافس حاول الاستخفاف به والتقليل من أهميته.

الحوادث التي هزّت الولايات المتحدة بالعمق في سنة 2020: الجائحة، والأزمة الاقتصادية، والتظاهرات الاحتجاجية والانتخابات الرئاسية، كل منها تستحق أن توصف بأنها مفصلية وسوف تتحول الى موضوع يناقشه المؤرخون لوقت طويل. ولكن حدوث هذه التطورات في سنة واحدة، خاصة أن مضاعفاتها سوف تبقى مع الأميركيين لسنوات وحتى عقود، فهذا يجعل سنة 2020 سنة قاتمة بامتياز، وتاريخية بامتياز.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ابحث في موضوعات الوكالة

برنامج ضروري لضبط الموقع

صفحة المقالات لابرز الكتاب

شبكة الدانة نيوز الرئيسية

اخر اخبار الدانة الاعلامية

إضافة سلايدر الاخبار بالصور الجانبية

اعشاب تمنحك صحة قوية ورائعة

اعشاب تمنحك صحة قوية ورائعة
تعرف على 12 نوع من الاعشاب توفر لك حياة صحية جميلة سعيدة

روابط مواقع قنوات وصحف ومواقع اعلامية

روابط مواقع قنوات وصحف ومواقع اعلامية
روابط مواقع قنوات وصحف ومواقع اعلامية

احصائية انتشار كورونا حول العالم لحظة بلحظة

احصائية انتشار كورونا حول العالم لحظة بلحظة
بالتفصيل لكل دول العالم - احصائيات انتشار كورونا لحظة بلحظة

مدينة اللد الفلسطينيةى - تاريخ وحاضر مشرف

الاكثر قراءة

تابعونا النشرة الاخبارية على الفيسبوك

-----تابعونا النشرة الاخبارية على الفيسبوك

الاخبار الرئيسية المتحركة

حكيم الاعلام الجديد

https://www.flickr.com/photos/125909665@N04/ 
حكيم الاعلام الجديد

اعلن معنا



تابعنا على الفيسبوك

------------- - - يسعدنا اعجابكم بصفحتنا يشرفنا متابعتكم لنا

جريدة الارادة


أتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الارشيف

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام
الانستغرام

نيو سيرفيس سنتر متخصصون في الاعلام والعلاقات العامة

نيو سيرفيس سنتر متخصصون في الاعلام والعلاقات العامة
مؤسستنا الرائدة في عالم الخدمات الاعلامية والعلاقات العامة ةالتمويل ودراسات الجدوى ةتقييم المشاريع

خدمات نيو سيرفيس

خدمات رائدة تقدمها مؤسسة نيو سيرفيس سنتر ---
مؤسسة نيوسيرفيس سنتر ترحب بكم 

خدماتنا ** خدماتنا ** خدماتنا 

اولا : تمويل المشاريع الكبرى في جميع الدول العربية والعالم 

ثانيا : تسويق وترويج واشهار شركاتكم ومؤسساتكم واعمالكم 

ثالثا : تقديم خدمة العلاقات العامة والاعلام للمؤسسات والافراد

رابعا : تقديم خدمة دراسات الجدوى من خلال التعاون مع مؤسسات صديقة

خامسا : تنظيم الحملات الاعلانية 

سادسا: توفير الخبرات من الموظفين في مختلف المجالات 

نرحب بكم اجمل ترحيب 
الاتصال واتس اب / ماسنجر / فايبر : هاتف 94003878 - 965
 
او الاتصال على البريد الالكتروني 
danaegenvy9090@gmail.com
 
اضغط هنا لمزيد من المعلومات 

اعلن معنا

اعلان سيارات

اعلن معنا

اعلن معنا
معنا تصل لجمهورك
?max-results=7"> سلايدر الصور والاخبار الرئيسي
');
" });

سلايدر الصور الرئيسي

المقالات الشائعة