رغم أن ما من شيء بات اعتيادياً في يوميات السوريين، إلا أن عام 2020 شكل مرحلة مفصلية بعدما تربع على عرش أكثر السنين سوءاً على الصعيد المعيشي الملامس ليوميات المواطن، السنة الأقسى والأكثر مرارة في تاريخ سوريا الحديث بعامة، وتاريخ حربها بخاصة.
يمكن توصيف هذا العام بأنه كان حصاداً للأعوام التسعة التي سبقته، أعوام الحرب، ففيه ترسخت أسس التهاوي الاقتصادي ومعه تبلورت مصائب الناس التي كانت تنقلها الحكومات السابقة من عام الى آخر بسلاسة ومرونة قبل أن تحط رحالها في العام الأخير منفجرة على رؤوس السوريين في بلد ما عاد يشكل لهم مظلة آمنة اقتصادياً للعيش فيه، ولو بالحد الأدنى من المقومات، الحد الذي قبل به السوريون فلم يقبل بهم، لم يقبل بهم لجملة من الظروف الطارئة وغير الاستثنائية لأي بلد يشهد حرباً، إلا أن حرب السوريين كانت أقسى لأن الفساد كان ركيزتها الأساسية، فالحكومات المتعاقبة فشلت وفق كل المقاييس بإدارة دفة البلاد لتجنيبها مرحلة الانفجار الذي حصل.
الناس جياع، هذا هو عنوان المشهد، وأي حديث في السياسة بات يعتبر رفاهية في غير مكانها، الناس تبحث عن طعامها في الشوارع، وتبحث عن فرص عمل معدومة، وأجور تكاد تكون الأدنى عالمياً، إذ إن متوسط المرتب السوري شهرياً بلغ نحو 20$ فقط، أما المعيشة الشهرية للأسرة فتتطلب، وفق دراسات عدة، رقماً قد يصل متوسطه حتى مئتي دولار شهرياً، وبين الواقع والحاجة ضاعت مئات ألوف الأسر السورية لتقع تحت خط الفقر والحاجة، قياساً برؤوس أموال أثرت نفسها خلال سنوات الحرب وباتت تعيش في قصور يفصلها فيها عن الناس حرس وأسلحة ومتاريس.
حتى أن المسار العسكري قد حكم بالاتفاقيات الدولية، أقله في ما يتعلق بملف إدلب، إدلب التي توقفت فيها العمليات العسكرية الكلاسيكية المباشرة اعتباراً من الربع الثاني من العام الجاري من دون أن تستأنف مجدداً.
دخلت البلاد مع وقف الأعمال العسكرية مرحلة كورونا التي اتضحت فيها رداءة النظام الصحي مع غياب وتخبط كامل في قرارات الحظر والإغلاق والافتتاح، ما أسهم في مجموعه في انتشار الفيروس ودخوله الانفجار مع ذروة الموجة الثانية في الشهر الأخير من العام، مروراً بقانون قيصر وحزمة عقوباته الاقتصادية التي تحظر على سوريا الاستيراد وتعرّض كل من يتعامل معها لعقوبات اقتصادية شديدة، وصولاً إلى انهيار العملة المحلية لخمسين ضعفاً مقابل الدولار الأميركي خلال الربع الثاني من العام الحالي، ولتتحول سوريا لاحقاً بلداً لطوابير الانتظار للحصول على الغاز والبنزين والخبز... في ظل شبه فقدان للمواد قبل أن تعود لتتوافر فجأة بعد قرار الحكومة مضاعفة أسعارها بالتزامن مع فرض مبلغ مئة دولار أميركي على كل سوري يدخل بلاده، وصولاً إلى عقد مؤتمر عودة اللاجئين في دمشق والذي تضمّن جدول أعماله خططاً ومشاريع ورؤى من شأنها، بحسب القائمين على المؤتمر، تذليل العقبات أمام عودة السوريين إلى بلادهم التي شهدت في الشهر السابق للمؤتمر موجة غير مسبوقة من الحرائق التي طالت آلاف الدونمات الزراعية وقضت على جنى عمر آلاف العائلات من الفلاحين.
عسكرياً
في نهايات شهر كانون الثاني (يناير) سيطر الجيش السوري مدعوماً بغطاء روسي على مدينة معرة النعمان في ريف إدلب، وهي ثالث أكبر مدن المحافظة الشمالية، والتي كانت تسيطر عليها مجموعات مسلحة منذ نهاية عام 2012، تحديداً منذ تشرين الأول (أكتوبر)، وسبق السيطرة على المدينة سقوط عدد من القرى والبلدات تباعاً في طريق تقدم الجيش نحو معرة النعمان.
في موقعها ومكانتها الاستراتيجية، شكّل سقوط المعرة حالة استثنائية في خط سير المعارك جنوب إدلب، باعتبار أن المدينة كانت محصنة ومدعمة بالمتاريس والحواجز على مدار ثماني سنوات من عمر الحرب السورية، لتتغير مع سقوطها معادلات القوى المسلحة في الشمال السوري ولجوئها إلى البحث مع الضامنين التركي - الروسي عن مصير المنطقة استناداً الى مخرجات ومقررات انبثقت سابقاً عبر أكثر من مؤتمر دولي.
بعد أقل من شهر على سيطرة الجيش السوري على المعرة، تحديداً في نهاية شباط (فبراير) أعلن الأتراك بدء عملية "درع الربيع"، وهي عملية عسكرية برية تشاركت فيها القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها على مدينة إدلب، رداً على تقدم الجيش السوري في المحافظة ذاتها.
أسفرت العملية عن استعادة القوات التركية وفصائلها السيطرة على بلدات صغيرة شمال سراقب في ريف إدلب، قبل أن تتوقف العملية، وتختفي أخبارها من التداول، بعدما اجتمع الرئيسان التركي والروسي وتباحثا في أمر العملية ليقرر الاثنان وقف العملية وإبقاء خطوط التماس كما هي مع احتفاظ الجيش السوري بسيطرته على سراقب الاستراتيجية، وفضلاً عن ذلك، تم الاتفاق على تسيير دوريات عسكرية مشتركة بين روسيا وتركيا على طول طريق m4 الدولي، وبالتالي وقف كل الأعمال القتالية على طول خط التماس.
وبذا توقفت العمليات العسكرية الرسمية في سوريا، اعتباراً من آذار (مارس) 2020 وحتى نهاية العام، ليكون العام السوري الأول الذي شهد العدد الأقل من المعارك اعتباراً من بداية اندلاع الحرب عام 2011.
أزمة كورونا
في الثاني والعشرين من آذار (مارس) سجلت سوريا رسمياً أول حالة إصابة بفيروس كورونا في البلاد، وحتى الأيام الأخيرة من العام سجلت نحو 10 آلاف إصابة رسمية في مناطق سيطرة الدولة السورية مع أقل من 600 وفاة، فيما سجلت مناطق سيطرة المعارضة المسلحة نحو 19 ألف إصابة، ومناطق سيطرة الأكراد (قوات سوريا الديموقراطية – قسد) في شمال وشمال شرقي سوريا نحو ثمانية آلاف إصابة.
ملف كورونا عرّى النظام الصحي في سوريا، ومنه نظام الاستجابة الطارئة، الذي اتضح أنه مترهل وغير مهيأ أو مجهز للتعامل مع الملفات الطبية، في حين أن الحكومة السورية أرجعت الأمر إلى سنوات الحرب وما تخللها من تدمير للمنظومة الصحية، إلا أن الحقيقة الثابتة أن المشافي السورية ما زالت غير جاهزة لاستقبال المزيد من الحالات في ظل الانفجار الذي بدأ مطلع الشهر الحالي، مع وصول سوريا إلى ذروة الموجة الثانية وهي الأقسى، ليظل التخبط في التعامل مع الحالة ونقص القدرة الاستيعابية وحصر عدد المسحات هو عنوان المشهد الطبي.
قانون قيصر
في السابع والعشرين من حزيران (يونيو) أقرت الولايات المتحدة قانون قيصر على سوريا، القانون الذي سرعان ما انعكس أزمات اقتصادية متعددة ومتشعبة طالت معظم مفاصل الحياة اليومية لمواطني الجمهورية، وأسفرت عن تكريس لحالة الجوع التي استغلتها الحكومة أحسن استغلال في تعويم المعوم أساساً من انتهاك ليومياتهم بقرارات اقتصادية شأنها تدعيم حال فقر الناس.
قبل الحديث عن قانون قيصر لا بدّ من الإشارة إلى أن القانون ذاته أحدث مفارقة مجتمعية بالغة الخطورة لفتت أنظار السوريين إلى خفايا ما يحصل، باعتبار أن شركة "إيماتيل" الخاصة لبيع الأجهزة الخلوية في سوريا تمكنت، وبعد قانون قيصر، من استيراد كميات كبيرة من أجهزة iphone 12، لتفاخر الشركة إياها بكونها أول جهة تستورد الأجهزة الحديثة اعتباراً من لحظة الإعلان عنها كأول شركة تستورده على مستوى الشرق الأوسط، لتسبق دبي وأبو ظبي والدوحة والمنامة وأنقرة والقاهرة، العواصم والمدن التي لا تخضع لقوانين حصار مشابهة تحظر عليها الاستيراد، وما زاد في الأمر هو توارد الصور المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي لسيارات حديثة من إنتاج 2020 تسير في شوارع البلاد برغم حظر الاستيراد، ما حدا بالسوريين الى رفع صوتهم مراراً متسائلين عن ماهية الحصار، وهل هو حصار غربي - حكومي مشترك على الفقراء من دون أن يشمل أغنياء سوريا ومتنفذيها؟
"قيصر" الذي وقعه ترامب فرض عقوبات على المصانع السورية المتعلقة بالبنى التحتية والصيانة العسكرية وقطاع الطاقة، وفرض عقوبات على روسيا وإيران وأي دولة تدعم الحكومة السورية أو تتعامل معها اقتصادياً من دون استثناء.
أزمة العملة المحلية
في الفترة ما بين تسجيل أول إصابة كورونا وبداية قانون قيصر، سجلت الليرة السورية انهياراً بلغ 50 ضعفاً أمام الدولار الأميركي، ليسجل الدولار الواحد نحو 3000 ليرة سورية، قبل أن ينخفض أخيراً نحو مئتي ليرة سورية، ما كرّس حالة الاحتياج الجماعي السوري لإيجاد سبل لتأمين لقمة العيش، فالانهيار أدى الى ارتفاع أسعار جنوني في الأسواق، بل دفع الكثير من أصحاب المصالح الى إغلاق أعمالهم، من دون تدخل حكومي يذكر، سواء على صعيد خفض قيمة الدولار، أم تفعيل الرقابة التموينية بصورتها الحقيقة في الأسواق.
فيزا للسوريين إلى بلدهم
فيزا للسوريين إلى بلدهم
في شهر أيلول (سبتمبر) أقرت الحكومة السورية في دمشق فرض مبلغ مئة دولار على كل سوري يريد دخول بلاده عبر المنافذ الحدودية، القرار اقتضى إجبار الداخل من مواطني سوريا على تصريف المبلغ حدودياً على سعر الصرف الرسمي في البنك المركزي، الذي يجعل المبلغ يخسر نصف قيمته تماماً، باعتبار أن سعر الصرف المركزي هو 1250 ليرة سورية مقابل كل دولار، أما سعر الدولار الواحد في السوق السوداء فقد بلغ 2800 ليرة سورية، ما جعل أصوات السوريين ترتفع، ليس في الخارج فحسب، بل في الداخل أيضاً، معتبرين أنه من غير المنطقي أن يدفع السوري الداخل إلى بلده ما يشبه الجمارك على نفسه، وفي أحسن الأحوال ثمن فيزا إلى بلده.
ما زال الموضوع حتى اليوم يخضع لردود الفعل، لا سيما مع مناظر سوريين كثر عالقين على الحدود بين سوريا ولبنان ولا يملكون مبلغ مئة دولار لتصريفها، فضلاً عن مشكلات القانون ذاته في ما يتعلق بالمظلومية القائمة على اعتبار خروج المواطن من سوريا لقضاء أمر أو مراجعة طبيب أو احتمالات كثيرة ليوم واحد أو اثنين في لبنان أو العراق وحتى الأردن، يجب ألا يرتّب عليه دفعاً حدودياً، إلا أن الحكومة السورية ما زالت متعنتة ومتشبثة بقرارها مغلقةً باب النقاش حوله.
بلد الطوابير
اعتباراً من شهر أيلول (سبتمبر) أيضاً غصّت سوريا بطوابير الانتظار على مواد البنزين والمازوت والغاز والخبز، ففي أحسن الأحوال فرضت أزمة البنزين على المواطنين الانتظار لمدة بلغت يومين أحياناً في دورهم في "الكازيات"، في وقت أعلنت فيه وزارة النفط أن سبب الأزمة هو عمليات صيانة طارئة لمصفاة بانياس، لتستمر الأزمة شهراً ونصف شهر، قبل أن تحل بصورة شاملة ومفاجئة منذ اللحظة التي قررت فيها الحكومة رفع سعر البنزين، الى حدود الضعف، ما أعطى انطباعاً استنتاجياً بأن المشكلة لم تكن في مصفاة بانياس وصيانتها، إنما كانت مقدمةً للضغط على الشارع لرفع سعر المادة، الأمر ذاته الذي انسحب على الخبز بانقطاعه قبيل توفيره مع ارتفاع سعره، في ظل انتشار قضية فساد في ملف الطحين تجلت في إهمال الوزارة لعشرات الأطنان في المنطقة الشرقية وتركها لتكسد في محاولة لبيعها كعلف حيواني من دون أن أي تدخل حكومي لمعالجة المشكلة الكبرى في بلد ينتظر مواطنوه لقمة عيشهم في ظل صعوبات تأمينها.
الحرائق
اندلعت موجتان من الحرائق في سوريا، في شهري آب (أغسطس)، وتشرين الأول (أكتوبر)، إلا أن الموجة الثانية التي شملت أرياف اللاذقية وجبلة وبانياس وطرطوس وحمص كانت الأقسى في سوريا، الأقسى في التاريخ الحديث، والتي أدت الى خسائر وصلت الى آلاف الدونمات الزراعية والحرجية، وتطلّبت أياماً طويلة لإخمادها.
في الأيام الماضية، بثت قنوات الإعلام الرسمي وثائقياً من ثلاثة أجزاء بعنوان "شياطين النار"، بثت فيه اعترافات 39 شخصاً ألقي القبض عليهم معترفين بضلوعهم في التخطيط والتنفيذ لقاء مبالغ مالية تراوحت بين مئتي ألف ليرة سورية ومليونين، مؤكدين تمويلهم من جهة خارجية من دون أن يسموها.
مؤتمر اللاجئين
في الأيام الماضية، بثت قنوات الإعلام الرسمي وثائقياً من ثلاثة أجزاء بعنوان "شياطين النار"، بثت فيه اعترافات 39 شخصاً ألقي القبض عليهم معترفين بضلوعهم في التخطيط والتنفيذ لقاء مبالغ مالية تراوحت بين مئتي ألف ليرة سورية ومليونين، مؤكدين تمويلهم من جهة خارجية من دون أن يسموها.
مؤتمر اللاجئين
في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) استضافت سوريا بالاتفاق مع روسيا مؤتمراً لعودة اللاجئين السوريين، في دمشق، من أجل دعم جميع السوريين الراغبين في العودة إلى بلادهم، حضرت المؤتمر دول عدة بينها روسيا والصين ولبنان وإيران والإمارات وباكستان وعمان، وغابت دول غربية كبرى.
المؤتمر ركز على ضرورة عودة اللاجئين وتهيئة المناخ المناسب لعودتهم مع تذليل كل العقبات والصعوبات في وجههم.
المؤتمر ركز على ضرورة عودة اللاجئين وتهيئة المناخ المناسب لعودتهم مع تذليل كل العقبات والصعوبات في وجههم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق