الخوارج وبقية الفرق المنشقة
يشرفني متابعتكم أعزاءي القراء، هذا هو الجزء الأخير من الحديث عن الطوائف الإسلامية.
كما شاهدنا في الجزئين السابقين أن المسلمين متفرقين إلى ملل كثيرة وغالبيتهم يكفرون بعضهم البعض، وهناك اختلاف أساسي عقائدي في كل فرقة.
رأينا المذهب السني وهو الأغلب وفرقه المتناحرة، وكذلك الشيعة وطوائفهم الكثيرة التي تكاد لا تحصى.
سنتحدث اليوم عن المذهب الثالث من المذاهب العظمى التي نشأت في بداية الإسلام وكانوا يلقبون نفسهم بالمُحكمة وهم الخوارج وفرقهم.
كذلك سنكمل عن بقية الطوائف التي انشقت عن الإسلام وظهرت في وقت حديث ومن أشهرها القرآنيون والقاديانية، وأخيراً البهائية.
الخوارج
الخوارج هم إحدى الفرق الإسلامية التي ظهرت بعهد عثمان بن عفان عندما وجدوه يحكم بغير ما انزل الله على حد زعمهم فقتلوه.
وفق معتقد أهل السنة أن المدبر الرئيسي لهذه الفتنة هو عبد الله بن سبأ الذي كان يهودياً وأظهر الإسلام في عهد عثمان، فاتبعه الكثير، منهم من شارك على محاصرة عثمان في داره وزوروا عليه كتاباً ورد فيه بأنه يريد قتلهم بعد أن أعطاهم الأمان على أنفسهم. وعندما اشتد أمر أهل الفتنة وتهديدهم له بالقتل تحرك الصحابة لردهم وقتالهم وهو ما رفضه عثمان وأمر بألا يرفع أحد السيف للدفاع عنه، مما أدى إلى مقتله، والغريب في الأمر أن من قتله مجموعة من أبناء صحابة كمحمد ابن أبي بكر وتابعين كبار!
بينما تقول الرواية الشيعية أن أهل المدينة كانوا من الثائرين على عثمان، وبعضهم غير مناصر له، وأنهم كتبوا إلى الأمصار بالقدوم إلى المدينة وأنّ الجهاد فيها. ويرون بأن هناك من الصحابة من هم قد خرجوا على عثمان ولم ينصروه، فأرسل إلى معاوية بن أبي سفيان ليقاتلهم، ولكنه لم يبعث بجيش إلى نصرة عثمان، وقد علّل ذلك بأنّه كره مخالفة أصحاب النبيّ. كما يرى الشيعة بأنه لا وجود لعبد الله بن سبأ وأنه شخصية خرافية.
هاجم المتمردون دار عثمان وأصيب ذلك اليوم أربعة من شبان قريش وقُتل منهم أربعة، ثم هجموا على عثمان فقتلوه شر قتلة، وهو يقرأ القرآن وانتضح دمه وتحرشوا بزوجته.
وكان ذلك في يوم الجمعة الموافق 18 من شهر ذي الحجة سنة 35 هـ
استمر وجودهم بعد ذلك في عهد علي بن أبي طالب وقويت شوكتهم وخرجوا على حكمه واعتبروه باطلا لتصالحه مع معاوية بن أبي سفيان بعد معركة صفين، لذلك سموا بالخوارج.
فحصلت بينهم وبين علي أول الحروب وهي موقعة النهروان المشهورة بعام 38هـ حين انتصر عليهم علي واخمد نار ثورتهم في زمنه وقتل الآلاف منهم.
بعد تلك الحرب المريرة انقسم من تبقى من الخوارج إلى فرق كثيرة أشهرها الأزارقة والنجدات والصفرية وغيرها الكثير ولم يتبقى منهم اليوم إلا الاباضية.
لا نستطيع الخوض فيها جميعاً، لكن سنتحدث عن من كان له أثر كبير في تاريخ المسلمين.
الأزارقة
أول فرقة ظهرت وكانت الأشهر هم الأزارقة وسميت بذلك نسبة إلى مؤسسها نافع بن الأزرق الذي خرج على حكم عبدالله بن الزبير بمكة ونشر دعوته في بلاد فارس.
استطاع نافع بن الأزرق بنجاح جلب الكثير إلى دعوته الجديدة، لذلك تمكن الأزارقة من جمع حشود لهم بإقليم خرسان بفارس وأصبحوا قوة لا تقهر وكانوا يكفرون أي شخص لا يتبعهم أو يخالف عقيدتهم وحتى إن كان خارج معسكرهم، وشكلوا تهديدا كبيرا للأمويين.
استطاع بنو أمية بعد حروب مريرة إخمادهم والقضاء عليهم جميعاً بعد 20 سنة على يد الحجاج بن يوسف الثقفي لكنهم ليسوا آخر الخوارج، لأنهم استمروا الظهور باستمرار في أكثر من حقبة في تاريخ الإسلام.
من أشهر صفاتهم أنهم يشاركون المرأة بالحروب وكانوا شديدي العبادة بالصلاة والصوم المستمر لكن يستبيحون دماء البشر بكل سهولة، حتى أنهم خشوا أن يقطفوا ثمرة من مزرعة شخص غريب، وفي نفس الوقت استباحوا قتل امرأة حامل وبقر بطنها وقتل طفلها!
لا يعترفون بوجود الناسخ والمنسوخ بالقرآن وقد تحدثنا عنه بالتفصيل في مدونتي باسم السنة وفرقهم، وبذلك أسقطوا حد رجم الزاني والزانية، وأن المرأة وجب عليها الصلاة والصوم وهي بفترة الحيض والنفاس.
يقولون أيضاً بأن مرتكب الكبيرة مخلد بالنار وقد اتفقوا مع المعتزلة بذلك كما ذكرنا مسبقاً، ويقولون أن إمامة المسلمين لا يجب أن تكون لقرشي بل حتى أي شخص وإن كان غير عربي.
لا يجوز لأحد عندهم أن يقطع صلاته أبدا حتى لو ضربه شخص أو سرق ماله وهو يصلي!
هذا الحكم نراه في الإباضية كذلك، وسنجد الكثير من الأحكام مشتركة بين الإباضية والفرق الخارجية الأخرى.
–
النجدات
ننتقل لفرقة النجدات وتنسب لمؤسسها نجدة بن عامر الحنفي باليمامة لهم صفات مشتركة مع الأزارقة بتكفير عثمان وعلي ومعاوية.
يعتبر النجدات أن أي شخص لا يعترف بشرائعهم ولا يؤمن بها فهو كافر مستحل دمه وعرضه إلا الجهلة العوام فهم معذورون.
ويقولون أنه لا حاجة للمسلمين أن يكون لهم إمام أو حاكم في حالة السلم باستثناء حالة الحرب فقط، فإنه وجب وجود حاكم من قبل المسلمين يقودهم.
ويتبعون الأزارقة في قولهم أنه لا شرط بأن يكون الإمام قرشياً أو حتى عربي، فلا بأس بالأعجمي إن كان حكيماً ومحنكاً.
أسقطوا كذلك حد الخمر والزنا ويقولون بأن من سرق وكذب وزنى وفسق وهو مؤمن بدينهم فهو مسلم يدخل الجنة مباشرة من أوسع أبوابها.
—
الإباضية
الإباضية هي إحدى فرق الخوارج وهي الفرقة الوحيدة الناجية من هذا المذهب وسموا بذلك نسبة إلى مؤسسها عبد الله بن أباض التميمي.
يعتبر الإباضيون أقل فرق الخوارج غلوا فهم لا يكفروا الصحابة لكن يطعنون في عصمتهم ويقولون أنهم فسقة خاصة علي ومعاوية.
يرى الإباضيون أنفسهم أنهم ليسوا بخوارج لكن الحقيقة أن زعيمهم ابن اباض التميمي يرى نفسه من المُحكمة وهم الذين خرجوا على علي بعد معركة صفين،
لكن أعلام أهل السنة عبر التاريخ اعتبروهم من الخوارج أمثال ابن حزم والأشعري وابن حجر والغزالي والذهبي والسيوطي وغيرهم الكثير.
لهم مسند للأحاديث خاص بهم وهو الأساسي لشريعتهم وهو مسند الربيع ابن حبيب، لكن كلا السنة والشيعة يرون هذا المسند موضوع ومكذوب على محمد.
تأسست أول دولة إباضية في عام 778هـ على يد مؤسسها وهو عبد الرحمن بن رستم وسميت بعد ذلك بالدولة الرستمية.
بالنسبة لعقائد الإباضية فهم يشتركون مع المعتزلة بقصة خلق القرآن وينفون أن القرآن كلام الله لذلك تم تكفيرهم بإجماع ساحق من السنة وأنهم مرتدين عن الإسلام.
تحدثنا في مدونتي تحت موضوع السنة وفرقها في قائمة الإسلام ومذاهبه عن موضوع خلق القرآن لدى المعتزلة وفترة حكمهم في العهد العباسي حتى نهايتهم على يد المتوكل بالله.
كذلك يحرم السنة الصلاة خلفهم والكثير من علماء السلف كابن تيمية مثلا يرى أن من يشك بكفرهم فهو كافر مرتد مثلهم!
من أشهر عقائدهم كذلك أنهم ينكرون رؤية الله يوم القيامة وينكرون كذلك اعتلاء الله فوق السماء أو أنه مستوً على كرسي، فنرى هذا التشابه العقائدي كبير بينهم وبين المعتزلة في كل ما ذكرنا.
ويعتقدون أيضا بأن أي شخص لا يقر بعقديتهم فهو ليس بمسلم وهو منافق كأهل السنة والشيعة مثلا.
ينفون أيضاً وجود ما يسمى بالميزان يوم القيامة أو ما يسمى سراط مستقيم يتساقط منه الناس إلى جهنم السوداء الحارقة، وينكرون كذلك شفاعة محمد لمن يفعل المعاصي والآثام، وهم يتفقون مع المعتزلة بهذا الذين يعتقدون أيضاً أن محمد لا وساطة له يوم الحساب وأن ذلك يخالف العدل الإلهي.
كذلك يقرون بأن مرتكب الكبيرة مخلد بالنار ولا يخرج منها أبداً، حتى لو كان مسلماً موحداً ويصلي ويقوم بجميع الشعائر العبادية!
ينكرون جميع صفات الله التي ذكرت، ويرون أن من يعتقد أن لله لديه صفات فهو مشرك.
ولهم الكثير من التطرف فمثلا أفتى أحد كبار علماءهم وهو المفتي العام للدولة العُمانية بأن مسبل الثوب وحليق اللحية ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب أي أن من يفعل ذلك هو مخلد في النار كذلك!
ويشتركون مع الشيعة في التقية فيجوزونها ويرون أنه من الأفضل إخفاء حقيقة دينهم فلا يظهرون هذه التفاصيل التي ذكرناها لأحد أبدا.
بالنسبة للقضاء والقدر فهم يرون للإنسان حرية الاختيار المرتبطة بالكسب، أي أن للإنسان قدرة نسبية على الفعل، والله هو الذي خلق فيه القدرة، فليس هناك أي تعارض بين إرادة الله الخالقة لكل شيء، وكسب الإنسان، فالله يعذب على المقدور فقط.
ينتشر الإباضيون بليبيا والجزائر ولهم السلطة والحكم والنفوذ بسلطنة عمان حيث أن مذهبهم هو مذهب الدولة الرسمي هناك، لذلك تعتبر عُمان هي الدولة الوحيدة التي تمثل المذهب الإباضي الخارجي منذ موت محمد وحتى الآن.
–
–
القرآنيون
القرآنيون ويسمون أيضاً أهل القرآن، أطلق عليهم لقب القرآنيين من المناهضين لهم، رغم ذلك هم يفتخرون بهاذا اللقب، ويطلقون على أنفسهم أيضاً المسلمين الحنفاء.
هم فرقة تأسست بالهند على يد شخص يدعى أحمد خان بالقرن التاسع عشر الميلادي في نفس الحقبة التي كان فيها الاحتلال البريطاني مسيطراً على الهند، وذلك عندما وجد المسلمين مفرقين على مذاهب ونحل متناحرة، فحاول أن يفسر القرآن من منهج عقلي ذاتي دون الرجوع لتفسيرات الأولين، ذاع صيته حينها وانتشرت دعوته والكثير من المسلمين اليوم يتبعون المنهج القرآني.
القرآنيون هم تيار إسلامي يعتدون بالقرآن فقط كمنهج للتشريع الإسلامي، فيرفضون جميع الأحاديث المنسوبة إلى محمد آحاداً منها ومتواترة، وجميع وما نقل إلينا من سيرته، وكذلك يبطلون جميع تفسيرات الأولين للقرآن، لكنهم يؤمنون بالسنة الفعلية التي نقلت عن محمد كالصوم والصلاة رغم أن تفاصيلها مختلفة في جميع المذاهب فأي مذهب سيتبعون لتنفيذ الشرائع؟
لا يعترفون بإجماع الأمة من المسلمين أو القياس وأقوال المشايخ الأقدمين من سنة وشيعة وإباضية ويعتبرونها فرقاً باطلة، وأن القرآن هو الوحيد الذي تكفل الله بحفظه.
لكن مداخلتي هنا أنهم إن أنكروا تاريخ الإسلام جله وأبطلوه وسيرة نبيهم والأحاديث، فكيف عرفوا أن هذا القرآن حق وأنه لم يحرف وأنه نزل على محمد أصلا؟ فقد يكون مجرد كتاب تاريخي ألفه الأعراب منذ القدم وجعلوه منهجاً للاحتلال الشعوب وألفت قصة محمد الأسطورية ؟
لأنه من رفض كل ما نقل فلم لم يرفض القرآن لأنه منقول أيضاً وأقدم وثيقة له كتبت بعد 50 من وفاة محمد ولم تكن كاملة، وهناك اختلافات كبيرة بين القرآن الأثري والقرآن الحالي! ناهيك ادعاء وجود نسخ أخرى من القرآن كما يقول الشيعة! فآية “إنا نحن نزلنا الذكرى وإنا له لحافظون” لا تثبت أنه لم يحرف لأن مثل هذه الكتابات موجودة بكتب الأديان الأخرى أيضاً.
لا يعترف القرآنيون بوجود الناسخ والمنسوخ بالقرآن، رغم وجود آية صريحة تدل على أن هناك نسخ وهي قوله: ﴿مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا﴾.
لكنهم بمراوغة أولوا معنى النسخ إلى معنى التدوين! وهذه قمة الاستخفاف العقلي لأن الآية صريحة بأن الله جعل محمد ينسى الآيات ويبدلها بغيرها.
يؤمن القرآنيين بالديموقراطية والمواطنة وأن من حق الشعوب اختيار مصيرها، لذلك يؤمنون بحرية التعبير والنقد واختيار أي دين يشاؤه الإنسان دون حد ردة، وبدون أي عنصرية بين الطبقات الدينية أو الجنسية.
كذلك لا يؤمن القرآنيون بعصمة محمد من السهو والخطأ وأنه بشر مثل أي بشر يخطئ ويصيب، ومهمته فقط تبليغ الآيات التي أوحت إليه.
كذلك لا يؤمنون بعدل الصحابة وعصمتهم، وأن رؤيتهم للنبي لا تعطيهم أي ميزة، فيقولون أن منهم المنافق والكافر والخبيث وكذلك منهم الخير والصالح.
أجمعت الأمة الإسلامية بجميع مذاهبها من سنة وشيعة وإباضية على كفر القرآنيين لإنكارهم السنة والأحاديث الواردة على محمد، معللين ذلك بوجود آيات بالقرآن نفسه تحث المسلمين على إتباع السنة منها:
(مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً).
(قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)
–
القاديانية
القاديانية تُعتبر من أشهر الطوائف المنشقة من الإسلام وأجمع المسلمين بكامل فرقهم بكفرهم وأنهم ليسوا من فرق المسلمين أصلا وأنهم هراطقة.
لكن يتم ربطهم بالإسلام دائما وذلك من حيث نشوئهم والتشابه العقائدي في الكثير من الأمور، ويَعتبرون أنفسهم مسلمين ويلقبون أنفسهم بالأحمدية، ويعتبرون كلمة قاديانية مصطلحا ازدرائيا. لكن معظمهم، إن لم يكن كل الأحمديين، لا يعجبهم هذا المصطلح لأنه قد اكتسب دلالات مهينة على مر السنين.
نشأت بيد مؤسسها ميرزا غلام أحمد الذي أعلن أنه المهدي المنتظر والمسيح الموعود بعام 1890م بقاديان بإقليم البنجاب بالهند.
لكنه مقر بأن محمد هو خاتم الأنبياء لكنه يزعم بأنه جاء ليجدد الإسلام ويعيده إلى أصله الحقيقي وسلامته وأن دينه لا علاقة لهم بالسياسة وبعيد عنها.
بعد موت الميرزا غلام تبعه خمسة خلفاء راشدين كما يزعمون ومعظمهم من أبناءه وأحفاده وآخرهم هو حفيده المدعو ميرزا مسرور الذي يسكن لندن حاليا.
انتشرت دعوة الأحمديين بأماكن كثيرة بالعالم وتجاوز عددهم 15 مليون لكن العرب هم أقلهم اتباعاً له لذلك توجد أقلية عربية من الطائفة الأحمدية بفلسطين والمغرب.
وسبب قلة الانتشار في البلاد العربية غالباً لقلة المراجع العربية لدينهم وكذلك بسبب نشأتهم بالهند بلغة غير عربية.
انقسم الأحمديون بعد موت زعيمهم ميرزا إلى قسمين الفرقة الأولى تسمى الأحمدية أما الثانية فهم اللاهورية بمدينة لاهور، ووجه الاختلاف الكبير بينهما هو أن الفرقة اللاهورية تنكر أحقية الخلفاء الخمسة بالحكم بعد موت ميرزا غلام .
يرى مناهضو ميرزا غلام أنه شكل دينه الجديد لما وجد الاحتقان الشديد بين المسيحيين والمسلمين بالهند، وأن إنجلترا أثناء استعمارها للهند ساعدته بنشر دعوته.
وكان سبب هذا الدعم في رأي مخالفيه هو إيقاف الجهاد ضد الاستعمار الإنجليزي للهند وباكستان حيث أن شريعته تعتمد بشكل كبير على الخضوع للحاكم وعدم مقاومة الاحتلال وإلغاء عقيدة الجهاد.
يدعي ميرزا غلام أن الله أوحى اليه وحياً في بداية بعثته وأن الله كان يخاطبه بلغة الأوردو وليس بلغة العرب التي خاطب بها محمد من قبله، بالصورة بعض مما يزعم أنه وحي أنزل إليه.
حيث أن الميرزا غلام يدعي أنه من نسل المسيح ابن مريم ومن نسل محمد أيضا وهو مولود في الهند! وهذا تعارض كبير فيما يرويه إلا أن القاديانيون لهم اعتقاد مختلف تماماً عن المسيح مخالف لما ذكر باليهودية والإسلام والمسيحية.
فالقاديانون يعتقدون بأن المسيح ابن مريم صلب حقيقة وينكرون ارتفاعه إلى السماء وهم بذلك مخالفين لعقيدة المسيحين والمسلمين، لكنهم يزعمون أنه عندما صلب استطاع النجاة بأعجوبة غريبة! بعد الصلب وعاش وتزوج وأنجب ابناءا ويزعم ميرزا أنه من أبناءه كما ذكرنا.
يؤمن الأحمديون أن بوذا وهو مؤسس البوذية وكريشنا وهو زعيم للهندوس أنهما نبيين من عند الله كمحمد والمسيح وموسى، كذلك لا يؤمنون بوجود الجن ولا الملائكة رغم ورودهما بالقرآن!
وللأحمديون اعتقاد آخر وه أن الأعور الدجال قد ظهر فعلاً وهو الاستعمار الإنجليزي وأن زعيمهم ميرزا غلام هو المهدي المنتظر الذي سيحارب الاستعمار ويسحقه. ويدعون أن زعيمهم تواصل مع محمد وبارك له الأخير على دعوته!
كذلك يزعم أتباعه أن له معجزات منها نجاته وعائلته عندما اجتاح الطاعون بلدة قاديان ومات غيرهم من العدوى، كذلك أنه كان يباهل أعداءه فيموتوا بقدرة الله على حد زعمهم.
ويزعم أتباعه أيضاً أن من معجزات مهديهم هذا أنه استيقظ ذات يوما فوجد نفسه يجيد العربية الفصحى بطلاقة وأن الله أصبح يوحي له بالعربية وهذه من رسائله بالصورة!
وكذلك يدعون أن هناك نبوءة في يوم مولده بحد زعمهم وهي كسوف الشمس وخسوف القمر برمضان ذلك الشهر الذي ولد فيه.
ومن معجزاته المزعومة أيضاً أنه كان يشفي المرضى من جميع الأسقام، لكن الغريب أنه نفسه أصيب بمرض السكري وسلس البول في آخر حياته فكيف لا يستطيع شفاء نفسه وهو يشفي الآخرين؟
بداهةً سيكون إنكار المسلمين لمعجزاته أمراً طبيعياً لأنهم لم يشاهدونها ولا أدلة موثقة تثبت ما يزعم القاديانيون من ذكرهم لمعجزات سيدهم، لكن الغريب أن المسلمين يتعجبون إن أنكرنا نحن اللادينين معجزات نبيهم لأننا لم نشاهدها كذلك ولا دليل عليها، وما يحتجون به من معجزات بالقرآن ما هو إلا دجل وأكاذيب من مشايخهم الذين استغلوا جهل العقل المسلم.
كذلك يؤمنون بأن الجنة ليست هي نفس الجنة التي يؤمن غالبية المسلمين فيعتقدون أنها بلا فواكه وخمور وأنهار من عسل ولبن مصفى كذلك لا يوجد بها نساء أو نكاح ولا غلمان مخلدون، وأنها مجرد تعبد وخشوع لله، كذلك ينكرون الخلود بالنار!
يبشر الأحمديون بدينهم في جميع أنحاء العالم ويبنون مساجد خاصة بهم ويقيمون فيها بالصلاة ويمارسون كذلك بقية الشعائر الإسلامية كالصوم والحج لمكة مثل بقية المسلمين.
وهم يكفرون بقية الطوائف والفرق الإسلامية الأخرى الذين لم يؤمنوا بعقيدتهم أو أنكروا رسالة زعيمهم الميرزا غلام.
الأمر الغريب أنهم يؤمنون بقرآن المسلمين ويعتبرونه خال من التحريف إلا أنهم لا يؤمنون بأي تفسير له باستثناء تأويلاتهم الخاصة به.
في أوقات سابقة في باكستان والهند كان هناك اضطهاد على نطاق واسع ضد الأحمديين من قبل جماعات مسلمة مسلحة معينة غالبيتهم من السنة ومات منهم الآلاف ودمرت الكثير من مساجدهم. ولا تزال أعمال عنف متفرقة وكذلك اضطهاد ذو طابع أكثر دهاء ضد الأحمدية مستمرةً حتى اليوم.
البهائية
ننتقل الآن لدين جديد وهو البهائية وهو دين توحيدي ذو جذور إسلامية ويعتبرونه اتباعه ديناً سماوياً مستقلاً كالمسيحية والإسلام.
يؤمنون بجميع الرسل ويعتبرونهم مظاهر إلهية وأن الله أرسل للبشرية رسولاً لهذا الزمان ليجدد عقيدة التوحيد ويدعى بهاء الله.
نشأت البهائية من الديانة البابية التي بدورها انبثقت من الفرقة الشيعية المسماة الشيخية حيث كانوا يعتقدون بقرب ظهور المهدي.
بعام 1844م ادعى شخص يدعى علي الشيرازي أنه المهدي المنتظر والباب المؤدي لله وهو أحد تلاميذ المدرسة الشيخية، وبدأ بنشر دعوته سراً بين الناس ثم أصبح علناً واتبعه الكثير من الناس وسميت دعوته بالبابية.
بعد انتشار دعوته بإيران حظي بنفوذ كبير واتباع الكثيرين، حتى باتوا يشكلون خطراً على الحكومة الإيرانية، فقررت الأخيرة القبض عليهم واضطهادهم وتعذيبهم وسجنهم.
رغم كل هذا الاضطهاد لم تستطع السلطات الإيرانية اخماد ثورتهم، حتى استطاعوا القبض على زعيمهم الباب وسجنوه ثم قتلوه رميا بالرصاص وسحلوه أمام المارة لكن رغم ذلك استمرت دعوته من بعد موته.
من أشهر تلامذته الذين نشروا دعوته بعد ممات الباب هما صبحي أزل وأخوه الأصغر حسين علي النوري الذي سمي لاحقا ببهاء الله.
بعد استمرار نشاط الأخوين في الدعوة لدين سيدهم الباب، نفت السلطات الإيرانية الأخوين إلى العراق ومن ثم بمساعدة الحكومة العثمانية نفيا مرة أخرى إلى إسطنبول ومن ثم أدرنه بتركيا.
وهذا التنقل المتكرر كان نتيجة لاستمرار دعوتهما في كل بقعة يستقرا فيها أثناء نفيهم.
استمر نشاطهما التبشيري حتى عند وصولهما أدرنه ثم تطورت الأوضاع بينهما حتى نشب نزاع كبير بين الأخوين حينما ادعى حسين علي النوري أنه رسول من عند الله وقد بشر بقدومه الباب قبل موته!
كان هذا الادعاء مخالفا لوصية الباب قبل مقتله كما زعم صبحي أزل الأخ الأكبر، فادعى كليهما أنه الرسول الذي بشر به الباب مما فاقم الفتنة بينهم، وأصبح لكل منهما أتباع متناحرون ضد بعضهم البعض.
أدى ذلك أخيرا إلى تدخل الحكومة العثمانية ونفي بهاء الله “حسين” إلى عكا أما صبحي أزل نفي إلى قبرص واصبح كل منهم يبشر دعوته في جزيرته المنفية.
كان للشقيق الأصغر المسمى بهاء الله الحظ الأوفر للتبشير مقارنة بشقيقه الأكبر صبحي، لذلك نجد الدين الأكثر بالعدد اعتناقا وانتشاراً هي البهائية التي سميت بهذا الاسم نسبةً إلى مؤسسها بهاء الله، بينما أصبحت دعوة صبحي أزل محدودة الانتشار وسميت لاحقاً بالأزلية.
بعد وصول بهاء الله إلى عكا ألف كتاباً أسماه الكتاب الأقدس وادعى أن الله أوحاه اليه وهو في سجنه وأخبر أتباعه أنه أفضل كتاب في تاريخ البشرية وهو أفضل من التوراة الإنجيل والقرآن وفيه جميع أحكام العباد وشرائعهم!
هذه الصورة بالأعلى توضح مقتطفات من ذلك الكتاب المدعو الأقدس، ويتضح فيه بشكل جلي ركاكة النص وضعف البلاغة وتشتت المعنى وانعدام الفصاحة، وهذا يدل على أن كاتبه ضعيف بلغة العرب، وكان هذا من أكبر الأسباب التي جعلت الدين البهائي غير مرغوبٍ لدى العرب وقلة انتشاره بينهم.
يؤمن البهائيين بجميع الرسل للديانات الإبراهيمية كموسى والمسيح وداود ومحمد وغيرهم، كذلك يؤمنون برموز الديانات الغير إبراهيمية كبوذا وزراديشت وكمفيشيوس وأنهم جميعاً أنبياء من عند الله وأن آخرهم هو بهاء الله ونزلوا جميعاً لهداية البشر.
ولهم اعتقاد غريب في الرسل والأنبياء، فهم يعتبرونهم مظاهر إلهية أي أنهم يعكسون نور الله في الأرض كما تعكس المرآة نور الشمس!
يدعي البهائيون كذلك أن دينهم ناسخ لما سبقه من الشرائع والأديان الأخرى، لكن المسلمين يعتبرون أن المدعو بهاء الله كذاب، كما يعتقد المسيحيين أن محمد كذاب أيضاً، وأيضا لا يخفى عليكم أن اليهود يعتبرون أن المسيح هو ابن زنا مهرطق كذاب، وهكذا دواليك لا يعترف اتباع أي دين بمن جاء بعده من أديان!
بعد موت البهاء في سجنه بعكا اختلف ابنيه عبد البهاء عباس وميرزا علي على الخلافة من بعد أبيهم، فقد ادعى كل منهما أنه الغصن الأعظم والخليفة للدين البهائي.
فانقسمت البهائية إلى عباسية نسبة إلى عبد البهاء عباس، والفرقة الأخرى أتباع ميرزا سموا بالموحدين وهم الأقلية وعانوا كثيراً من الاقصاء والاضطهاد من العباسيين البهائيين حتى اصبح عددهم قليل جداً وأقل انتشارا!
أوصى عبد البهاء قبل موته لابنه شوقي أفندي الخلافة من بعده لإدارة شؤون البهائيين، فأصبح ابنه شوقي الخليفة من بعده، والغريب في الأمر أن شوفي مات فجأة دون أن يترك خليفة من بعده وهذا ما جعل البهائيين دون مرجع ديني لشريعتهم حتى الآن.
يؤمن البهائيون بثلاثة مبادئ رئيسية في دينهم وهي وحدة الخالق، ووحدة الأديان من إله واحد، ووحدة الجنس البشري وترك التعصب الديني.
كذلك يرون المساواة بين الرجل والمرأة وابطال تعدد الزوجات وأن التعليم اجباري للجميع ذكواً وإناثاً.
ويرون كذلك أنه وجب على البشرية تعلم لغة واحدة تجمعهم سويا، فرشحوا لغة تسمى الإسبرانتو Esperanto لمخترعها لودفيك زامنهوف Ludwik Zamenhof، وهي لغة مصطنعة حديثة أسست بعام 1887م كمشروع اتصال موحد للعالم، وتوحد لغة العالم.
يعتقد البهائيون بأن العمل والعلم هما أهم الطاعات للتقرب بها إلى الله وعدم التدخل بالسياسة ومحاولة وضع محاكم دولية لتفصل بين الأمم.
للبهائيين 3 صلوات يقرأون فيها أذكاراً خاصة ويتوجهون بصلاتهم إلى ضريح زعيمهم المسمى قصر البهجة بعكا وهو وجهتهم للحج كذلك.
كذاك يحرمون الخمر والنشاط الجنسي إلا بين الزوجين، والمفاجئ أنهم يشرعون حرق المرء حياً إن حرق بيت أي شخص فقط!
ولا يؤمنون بالملائكة ولا الجن كذلك لا يؤمنون بالجنة والنار، ويصل عددهم إلى حوالي 8 مليون شخص وينتشرون في دول كثيرة في أكثر من 230 دولة ومقاطعة تقريباً، ولهم معابد بعدة دول يقيمون صلاتهم فيها تسمى مشارق الأذكار.
أكثر انتشار لهم بإيران والولايات المتحدة الأمريكية خاصة بمدينة نيويورك ويشكلون فيها نادياً للتجمع يسمى قافلة الشرق والغرب.
يتواجدون أيضاً بأعداد قليلة بالعالم العربي خاصة بمصر ويطالبون فيها بحقوقهم واعتبارهم دين مستقل وفصلهم عن المسلمين، لكن الحكومة المصرية لم تقر الاعتراف بديانتهم حتى الآن، ويعانون من الاضطهاد والعنصرية الدينية.
لهم تقويم يسمى بالبديع تبدأ سنتهم عام 1844م والسنة تتكون من 19 شهر والشهر من 19 يوم ورأس كل سنة يحتفلون بعيد النوروز
ليس للبهائيين كهنة أو قساوسة أو حتى رجال دين ويتم تعلم الدين بالاجتهاد الشخصي، أما بالنسبة للأحكام المستجدة فلديهم مجلس شورى يسمى بيت العدل يقع في حيفا بفلسطين.
ذكرنا الكثير وبما فيه الكفاية من الطوائف الإسلامية المتناحرة مع أن الأكثر لا يسعنا ذكره، لكن قد تكون هذه السلسلة المكونة من الأجزاء مدخلا ومفتاحاً لمن أراد التوسع في هذا المجال، وهذا ما يثبت التشوش التاريخي، وانعدام التوثيق المتقن لتاريخ الإسلام، خاصة اختلاف النقل البين بين المذاهب الثلاثة الكبرى التي ذكرناها.
ولنعلم أن الإسلام كغيره من الأديان الأخرى، فهو دين مذاهب وفرق وتفرقة دينية ومذهبية، وكما تشاهدون الكل يدعي الحقيقة المطلقة مع ضعف الحجج وغياب الأدلة على مصداقية كل ملة.
شكرا لقراءتكم وأعدكم بما هو جديد دوماً
الخوارج وبقية الفرق المنشقة
يشرفني متابعتكم أعزاءي القراء، هذا هو الجزء الأخير من الحديث عن الطوائف الإسلامية.
كما شاهدنا في الجزئين السابقين أن المسلمين متفرقين إلى ملل كثيرة وغالبيتهم يكفرون بعضهم البعض، وهناك اختلاف أساسي عقائدي في كل فرقة.
رأينا المذهب السني وهو الأغلب وفرقه المتناحرة، وكذلك الشيعة وطوائفهم الكثيرة التي تكاد لا تحصى.
سنتحدث اليوم عن المذهب الثالث من المذاهب العظمى التي نشأت في بداية الإسلام وكانوا يلقبون نفسهم بالمُحكمة وهم الخوارج وفرقهم.
كذلك سنكمل عن بقية الطوائف التي انشقت عن الإسلام وظهرت في وقت حديث ومن أشهرها القرآنيون والقاديانية، وأخيراً البهائية.
الخوارج
الخوارج هم إحدى الفرق الإسلامية التي ظهرت بعهد عثمان بن عفان عندما وجدوه يحكم بغير ما انزل الله على حد زعمهم فقتلوه.
وفق معتقد أهل السنة أن المدبر الرئيسي لهذه الفتنة هو عبد الله بن سبأ الذي كان يهودياً وأظهر الإسلام في عهد عثمان، فاتبعه الكثير، منهم من شارك على محاصرة عثمان في داره وزوروا عليه كتاباً ورد فيه بأنه يريد قتلهم بعد أن أعطاهم الأمان على أنفسهم. وعندما اشتد أمر أهل الفتنة وتهديدهم له بالقتل تحرك الصحابة لردهم وقتالهم وهو ما رفضه عثمان وأمر بألا يرفع أحد السيف للدفاع عنه، مما أدى إلى مقتله، والغريب في الأمر أن من قتله مجموعة من أبناء صحابة كمحمد ابن أبي بكر وتابعين كبار!
بينما تقول الرواية الشيعية أن أهل المدينة كانوا من الثائرين على عثمان، وبعضهم غير مناصر له، وأنهم كتبوا إلى الأمصار بالقدوم إلى المدينة وأنّ الجهاد فيها. ويرون بأن هناك من الصحابة من هم قد خرجوا على عثمان ولم ينصروه، فأرسل إلى معاوية بن أبي سفيان ليقاتلهم، ولكنه لم يبعث بجيش إلى نصرة عثمان، وقد علّل ذلك بأنّه كره مخالفة أصحاب النبيّ. كما يرى الشيعة بأنه لا وجود لعبد الله بن سبأ وأنه شخصية خرافية.
هاجم المتمردون دار عثمان وأصيب ذلك اليوم أربعة من شبان قريش وقُتل منهم أربعة، ثم هجموا على عثمان فقتلوه شر قتلة، وهو يقرأ القرآن وانتضح دمه وتحرشوا بزوجته.
وكان ذلك في يوم الجمعة الموافق 18 من شهر ذي الحجة سنة 35 هـ
استمر وجودهم بعد ذلك في عهد علي بن أبي طالب وقويت شوكتهم وخرجوا على حكمه واعتبروه باطلا لتصالحه مع معاوية بن أبي سفيان بعد معركة صفين، لذلك سموا بالخوارج.
فحصلت بينهم وبين علي أول الحروب وهي موقعة النهروان المشهورة بعام 38هـ حين انتصر عليهم علي واخمد نار ثورتهم في زمنه وقتل الآلاف منهم.
بعد تلك الحرب المريرة انقسم من تبقى من الخوارج إلى فرق كثيرة أشهرها الأزارقة والنجدات والصفرية وغيرها الكثير ولم يتبقى منهم اليوم إلا الاباضية.
لا نستطيع الخوض فيها جميعاً، لكن سنتحدث عن من كان له أثر كبير في تاريخ المسلمين.
الأزارقة
أول فرقة ظهرت وكانت الأشهر هم الأزارقة وسميت بذلك نسبة إلى مؤسسها نافع بن الأزرق الذي خرج على حكم عبدالله بن الزبير بمكة ونشر دعوته في بلاد فارس.
استطاع نافع بن الأزرق بنجاح جلب الكثير إلى دعوته الجديدة، لذلك تمكن الأزارقة من جمع حشود لهم بإقليم خرسان بفارس وأصبحوا قوة لا تقهر وكانوا يكفرون أي شخص لا يتبعهم أو يخالف عقيدتهم وحتى إن كان خارج معسكرهم، وشكلوا تهديدا كبيرا للأمويين.
استطاع بنو أمية بعد حروب مريرة إخمادهم والقضاء عليهم جميعاً بعد 20 سنة على يد الحجاج بن يوسف الثقفي لكنهم ليسوا آخر الخوارج، لأنهم استمروا الظهور باستمرار في أكثر من حقبة في تاريخ الإسلام.
من أشهر صفاتهم أنهم يشاركون المرأة بالحروب وكانوا شديدي العبادة بالصلاة والصوم المستمر لكن يستبيحون دماء البشر بكل سهولة، حتى أنهم خشوا أن يقطفوا ثمرة من مزرعة شخص غريب، وفي نفس الوقت استباحوا قتل امرأة حامل وبقر بطنها وقتل طفلها!
لا يعترفون بوجود الناسخ والمنسوخ بالقرآن وقد تحدثنا عنه بالتفصيل في مدونتي باسم السنة وفرقهم، وبذلك أسقطوا حد رجم الزاني والزانية، وأن المرأة وجب عليها الصلاة والصوم وهي بفترة الحيض والنفاس.
يقولون أيضاً بأن مرتكب الكبيرة مخلد بالنار وقد اتفقوا مع المعتزلة بذلك كما ذكرنا مسبقاً، ويقولون أن إمامة المسلمين لا يجب أن تكون لقرشي بل حتى أي شخص وإن كان غير عربي.
لا يجوز لأحد عندهم أن يقطع صلاته أبدا حتى لو ضربه شخص أو سرق ماله وهو يصلي!
هذا الحكم نراه في الإباضية كذلك، وسنجد الكثير من الأحكام مشتركة بين الإباضية والفرق الخارجية الأخرى.
–
النجدات
ننتقل لفرقة النجدات وتنسب لمؤسسها نجدة بن عامر الحنفي باليمامة لهم صفات مشتركة مع الأزارقة بتكفير عثمان وعلي ومعاوية.
يعتبر النجدات أن أي شخص لا يعترف بشرائعهم ولا يؤمن بها فهو كافر مستحل دمه وعرضه إلا الجهلة العوام فهم معذورون.
ويقولون أنه لا حاجة للمسلمين أن يكون لهم إمام أو حاكم في حالة السلم باستثناء حالة الحرب فقط، فإنه وجب وجود حاكم من قبل المسلمين يقودهم.
ويتبعون الأزارقة في قولهم أنه لا شرط بأن يكون الإمام قرشياً أو حتى عربي، فلا بأس بالأعجمي إن كان حكيماً ومحنكاً.
أسقطوا كذلك حد الخمر والزنا ويقولون بأن من سرق وكذب وزنى وفسق وهو مؤمن بدينهم فهو مسلم يدخل الجنة مباشرة من أوسع أبوابها.
—
الإباضية
الإباضية هي إحدى فرق الخوارج وهي الفرقة الوحيدة الناجية من هذا المذهب وسموا بذلك نسبة إلى مؤسسها عبد الله بن أباض التميمي.
يعتبر الإباضيون أقل فرق الخوارج غلوا فهم لا يكفروا الصحابة لكن يطعنون في عصمتهم ويقولون أنهم فسقة خاصة علي ومعاوية.
يرى الإباضيون أنفسهم أنهم ليسوا بخوارج لكن الحقيقة أن زعيمهم ابن اباض التميمي يرى نفسه من المُحكمة وهم الذين خرجوا على علي بعد معركة صفين،
لكن أعلام أهل السنة عبر التاريخ اعتبروهم من الخوارج أمثال ابن حزم والأشعري وابن حجر والغزالي والذهبي والسيوطي وغيرهم الكثير.
لهم مسند للأحاديث خاص بهم وهو الأساسي لشريعتهم وهو مسند الربيع ابن حبيب، لكن كلا السنة والشيعة يرون هذا المسند موضوع ومكذوب على محمد.
تأسست أول دولة إباضية في عام 778هـ على يد مؤسسها وهو عبد الرحمن بن رستم وسميت بعد ذلك بالدولة الرستمية.
بالنسبة لعقائد الإباضية فهم يشتركون مع المعتزلة بقصة خلق القرآن وينفون أن القرآن كلام الله لذلك تم تكفيرهم بإجماع ساحق من السنة وأنهم مرتدين عن الإسلام.
تحدثنا في مدونتي تحت موضوع السنة وفرقها في قائمة الإسلام ومذاهبه عن موضوع خلق القرآن لدى المعتزلة وفترة حكمهم في العهد العباسي حتى نهايتهم على يد المتوكل بالله.
كذلك يحرم السنة الصلاة خلفهم والكثير من علماء السلف كابن تيمية مثلا يرى أن من يشك بكفرهم فهو كافر مرتد مثلهم!
من أشهر عقائدهم كذلك أنهم ينكرون رؤية الله يوم القيامة وينكرون كذلك اعتلاء الله فوق السماء أو أنه مستوً على كرسي، فنرى هذا التشابه العقائدي كبير بينهم وبين المعتزلة في كل ما ذكرنا.
ويعتقدون أيضا بأن أي شخص لا يقر بعقديتهم فهو ليس بمسلم وهو منافق كأهل السنة والشيعة مثلا.
ينفون أيضاً وجود ما يسمى بالميزان يوم القيامة أو ما يسمى سراط مستقيم يتساقط منه الناس إلى جهنم السوداء الحارقة، وينكرون كذلك شفاعة محمد لمن يفعل المعاصي والآثام، وهم يتفقون مع المعتزلة بهذا الذين يعتقدون أيضاً أن محمد لا وساطة له يوم الحساب وأن ذلك يخالف العدل الإلهي.
كذلك يقرون بأن مرتكب الكبيرة مخلد بالنار ولا يخرج منها أبداً، حتى لو كان مسلماً موحداً ويصلي ويقوم بجميع الشعائر العبادية!
ينكرون جميع صفات الله التي ذكرت، ويرون أن من يعتقد أن لله لديه صفات فهو مشرك.
ولهم الكثير من التطرف فمثلا أفتى أحد كبار علماءهم وهو المفتي العام للدولة العُمانية بأن مسبل الثوب وحليق اللحية ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب أي أن من يفعل ذلك هو مخلد في النار كذلك!
ويشتركون مع الشيعة في التقية فيجوزونها ويرون أنه من الأفضل إخفاء حقيقة دينهم فلا يظهرون هذه التفاصيل التي ذكرناها لأحد أبدا.
بالنسبة للقضاء والقدر فهم يرون للإنسان حرية الاختيار المرتبطة بالكسب، أي أن للإنسان قدرة نسبية على الفعل، والله هو الذي خلق فيه القدرة، فليس هناك أي تعارض بين إرادة الله الخالقة لكل شيء، وكسب الإنسان، فالله يعذب على المقدور فقط.
ينتشر الإباضيون بليبيا والجزائر ولهم السلطة والحكم والنفوذ بسلطنة عمان حيث أن مذهبهم هو مذهب الدولة الرسمي هناك، لذلك تعتبر عُمان هي الدولة الوحيدة التي تمثل المذهب الإباضي الخارجي منذ موت محمد وحتى الآن.
–
–
القرآنيون
القرآنيون ويسمون أيضاً أهل القرآن، أطلق عليهم لقب القرآنيين من المناهضين لهم، رغم ذلك هم يفتخرون بهاذا اللقب، ويطلقون على أنفسهم أيضاً المسلمين الحنفاء.
هم فرقة تأسست بالهند على يد شخص يدعى أحمد خان بالقرن التاسع عشر الميلادي في نفس الحقبة التي كان فيها الاحتلال البريطاني مسيطراً على الهند، وذلك عندما وجد المسلمين مفرقين على مذاهب ونحل متناحرة، فحاول أن يفسر القرآن من منهج عقلي ذاتي دون الرجوع لتفسيرات الأولين، ذاع صيته حينها وانتشرت دعوته والكثير من المسلمين اليوم يتبعون المنهج القرآني.
القرآنيون هم تيار إسلامي يعتدون بالقرآن فقط كمنهج للتشريع الإسلامي، فيرفضون جميع الأحاديث المنسوبة إلى محمد آحاداً منها ومتواترة، وجميع وما نقل إلينا من سيرته، وكذلك يبطلون جميع تفسيرات الأولين للقرآن، لكنهم يؤمنون بالسنة الفعلية التي نقلت عن محمد كالصوم والصلاة رغم أن تفاصيلها مختلفة في جميع المذاهب فأي مذهب سيتبعون لتنفيذ الشرائع؟
لا يعترفون بإجماع الأمة من المسلمين أو القياس وأقوال المشايخ الأقدمين من سنة وشيعة وإباضية ويعتبرونها فرقاً باطلة، وأن القرآن هو الوحيد الذي تكفل الله بحفظه.
لكن مداخلتي هنا أنهم إن أنكروا تاريخ الإسلام جله وأبطلوه وسيرة نبيهم والأحاديث، فكيف عرفوا أن هذا القرآن حق وأنه لم يحرف وأنه نزل على محمد أصلا؟ فقد يكون مجرد كتاب تاريخي ألفه الأعراب منذ القدم وجعلوه منهجاً للاحتلال الشعوب وألفت قصة محمد الأسطورية ؟
لأنه من رفض كل ما نقل فلم لم يرفض القرآن لأنه منقول أيضاً وأقدم وثيقة له كتبت بعد 50 من وفاة محمد ولم تكن كاملة، وهناك اختلافات كبيرة بين القرآن الأثري والقرآن الحالي! ناهيك ادعاء وجود نسخ أخرى من القرآن كما يقول الشيعة! فآية “إنا نحن نزلنا الذكرى وإنا له لحافظون” لا تثبت أنه لم يحرف لأن مثل هذه الكتابات موجودة بكتب الأديان الأخرى أيضاً.
لا يعترف القرآنيون بوجود الناسخ والمنسوخ بالقرآن، رغم وجود آية صريحة تدل على أن هناك نسخ وهي قوله: ﴿مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا﴾.
لكنهم بمراوغة أولوا معنى النسخ إلى معنى التدوين! وهذه قمة الاستخفاف العقلي لأن الآية صريحة بأن الله جعل محمد ينسى الآيات ويبدلها بغيرها.
يؤمن القرآنيين بالديموقراطية والمواطنة وأن من حق الشعوب اختيار مصيرها، لذلك يؤمنون بحرية التعبير والنقد واختيار أي دين يشاؤه الإنسان دون حد ردة، وبدون أي عنصرية بين الطبقات الدينية أو الجنسية.
كذلك لا يؤمن القرآنيون بعصمة محمد من السهو والخطأ وأنه بشر مثل أي بشر يخطئ ويصيب، ومهمته فقط تبليغ الآيات التي أوحت إليه.
كذلك لا يؤمنون بعدل الصحابة وعصمتهم، وأن رؤيتهم للنبي لا تعطيهم أي ميزة، فيقولون أن منهم المنافق والكافر والخبيث وكذلك منهم الخير والصالح.
أجمعت الأمة الإسلامية بجميع مذاهبها من سنة وشيعة وإباضية على كفر القرآنيين لإنكارهم السنة والأحاديث الواردة على محمد، معللين ذلك بوجود آيات بالقرآن نفسه تحث المسلمين على إتباع السنة منها:
(مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً).
(قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)
–
القاديانية
القاديانية تُعتبر من أشهر الطوائف المنشقة من الإسلام وأجمع المسلمين بكامل فرقهم بكفرهم وأنهم ليسوا من فرق المسلمين أصلا وأنهم هراطقة.
لكن يتم ربطهم بالإسلام دائما وذلك من حيث نشوئهم والتشابه العقائدي في الكثير من الأمور، ويَعتبرون أنفسهم مسلمين ويلقبون أنفسهم بالأحمدية، ويعتبرون كلمة قاديانية مصطلحا ازدرائيا. لكن معظمهم، إن لم يكن كل الأحمديين، لا يعجبهم هذا المصطلح لأنه قد اكتسب دلالات مهينة على مر السنين.
نشأت بيد مؤسسها ميرزا غلام أحمد الذي أعلن أنه المهدي المنتظر والمسيح الموعود بعام 1890م بقاديان بإقليم البنجاب بالهند.
لكنه مقر بأن محمد هو خاتم الأنبياء لكنه يزعم بأنه جاء ليجدد الإسلام ويعيده إلى أصله الحقيقي وسلامته وأن دينه لا علاقة لهم بالسياسة وبعيد عنها.
بعد موت الميرزا غلام تبعه خمسة خلفاء راشدين كما يزعمون ومعظمهم من أبناءه وأحفاده وآخرهم هو حفيده المدعو ميرزا مسرور الذي يسكن لندن حاليا.
انتشرت دعوة الأحمديين بأماكن كثيرة بالعالم وتجاوز عددهم 15 مليون لكن العرب هم أقلهم اتباعاً له لذلك توجد أقلية عربية من الطائفة الأحمدية بفلسطين والمغرب.
وسبب قلة الانتشار في البلاد العربية غالباً لقلة المراجع العربية لدينهم وكذلك بسبب نشأتهم بالهند بلغة غير عربية.
انقسم الأحمديون بعد موت زعيمهم ميرزا إلى قسمين الفرقة الأولى تسمى الأحمدية أما الثانية فهم اللاهورية بمدينة لاهور، ووجه الاختلاف الكبير بينهما هو أن الفرقة اللاهورية تنكر أحقية الخلفاء الخمسة بالحكم بعد موت ميرزا غلام .
يرى مناهضو ميرزا غلام أنه شكل دينه الجديد لما وجد الاحتقان الشديد بين المسيحيين والمسلمين بالهند، وأن إنجلترا أثناء استعمارها للهند ساعدته بنشر دعوته.
وكان سبب هذا الدعم في رأي مخالفيه هو إيقاف الجهاد ضد الاستعمار الإنجليزي للهند وباكستان حيث أن شريعته تعتمد بشكل كبير على الخضوع للحاكم وعدم مقاومة الاحتلال وإلغاء عقيدة الجهاد.
يدعي ميرزا غلام أن الله أوحى اليه وحياً في بداية بعثته وأن الله كان يخاطبه بلغة الأوردو وليس بلغة العرب التي خاطب بها محمد من قبله، بالصورة بعض مما يزعم أنه وحي أنزل إليه.
حيث أن الميرزا غلام يدعي أنه من نسل المسيح ابن مريم ومن نسل محمد أيضا وهو مولود في الهند! وهذا تعارض كبير فيما يرويه إلا أن القاديانيون لهم اعتقاد مختلف تماماً عن المسيح مخالف لما ذكر باليهودية والإسلام والمسيحية.
فالقاديانون يعتقدون بأن المسيح ابن مريم صلب حقيقة وينكرون ارتفاعه إلى السماء وهم بذلك مخالفين لعقيدة المسيحين والمسلمين، لكنهم يزعمون أنه عندما صلب استطاع النجاة بأعجوبة غريبة! بعد الصلب وعاش وتزوج وأنجب ابناءا ويزعم ميرزا أنه من أبناءه كما ذكرنا.
يؤمن الأحمديون أن بوذا وهو مؤسس البوذية وكريشنا وهو زعيم للهندوس أنهما نبيين من عند الله كمحمد والمسيح وموسى، كذلك لا يؤمنون بوجود الجن ولا الملائكة رغم ورودهما بالقرآن!
وللأحمديون اعتقاد آخر وه أن الأعور الدجال قد ظهر فعلاً وهو الاستعمار الإنجليزي وأن زعيمهم ميرزا غلام هو المهدي المنتظر الذي سيحارب الاستعمار ويسحقه. ويدعون أن زعيمهم تواصل مع محمد وبارك له الأخير على دعوته!
كذلك يزعم أتباعه أن له معجزات منها نجاته وعائلته عندما اجتاح الطاعون بلدة قاديان ومات غيرهم من العدوى، كذلك أنه كان يباهل أعداءه فيموتوا بقدرة الله على حد زعمهم.
ويزعم أتباعه أيضاً أن من معجزات مهديهم هذا أنه استيقظ ذات يوما فوجد نفسه يجيد العربية الفصحى بطلاقة وأن الله أصبح يوحي له بالعربية وهذه من رسائله بالصورة!
وكذلك يدعون أن هناك نبوءة في يوم مولده بحد زعمهم وهي كسوف الشمس وخسوف القمر برمضان ذلك الشهر الذي ولد فيه.
ومن معجزاته المزعومة أيضاً أنه كان يشفي المرضى من جميع الأسقام، لكن الغريب أنه نفسه أصيب بمرض السكري وسلس البول في آخر حياته فكيف لا يستطيع شفاء نفسه وهو يشفي الآخرين؟
بداهةً سيكون إنكار المسلمين لمعجزاته أمراً طبيعياً لأنهم لم يشاهدونها ولا أدلة موثقة تثبت ما يزعم القاديانيون من ذكرهم لمعجزات سيدهم، لكن الغريب أن المسلمين يتعجبون إن أنكرنا نحن اللادينين معجزات نبيهم لأننا لم نشاهدها كذلك ولا دليل عليها، وما يحتجون به من معجزات بالقرآن ما هو إلا دجل وأكاذيب من مشايخهم الذين استغلوا جهل العقل المسلم.
كذلك يؤمنون بأن الجنة ليست هي نفس الجنة التي يؤمن غالبية المسلمين فيعتقدون أنها بلا فواكه وخمور وأنهار من عسل ولبن مصفى كذلك لا يوجد بها نساء أو نكاح ولا غلمان مخلدون، وأنها مجرد تعبد وخشوع لله، كذلك ينكرون الخلود بالنار!
يبشر الأحمديون بدينهم في جميع أنحاء العالم ويبنون مساجد خاصة بهم ويقيمون فيها بالصلاة ويمارسون كذلك بقية الشعائر الإسلامية كالصوم والحج لمكة مثل بقية المسلمين.
وهم يكفرون بقية الطوائف والفرق الإسلامية الأخرى الذين لم يؤمنوا بعقيدتهم أو أنكروا رسالة زعيمهم الميرزا غلام.
الأمر الغريب أنهم يؤمنون بقرآن المسلمين ويعتبرونه خال من التحريف إلا أنهم لا يؤمنون بأي تفسير له باستثناء تأويلاتهم الخاصة به.
في أوقات سابقة في باكستان والهند كان هناك اضطهاد على نطاق واسع ضد الأحمديين من قبل جماعات مسلمة مسلحة معينة غالبيتهم من السنة ومات منهم الآلاف ودمرت الكثير من مساجدهم. ولا تزال أعمال عنف متفرقة وكذلك اضطهاد ذو طابع أكثر دهاء ضد الأحمدية مستمرةً حتى اليوم.
البهائية
ننتقل الآن لدين جديد وهو البهائية وهو دين توحيدي ذو جذور إسلامية ويعتبرونه اتباعه ديناً سماوياً مستقلاً كالمسيحية والإسلام.
يؤمنون بجميع الرسل ويعتبرونهم مظاهر إلهية وأن الله أرسل للبشرية رسولاً لهذا الزمان ليجدد عقيدة التوحيد ويدعى بهاء الله.
نشأت البهائية من الديانة البابية التي بدورها انبثقت من الفرقة الشيعية المسماة الشيخية حيث كانوا يعتقدون بقرب ظهور المهدي.
بعام 1844م ادعى شخص يدعى علي الشيرازي أنه المهدي المنتظر والباب المؤدي لله وهو أحد تلاميذ المدرسة الشيخية، وبدأ بنشر دعوته سراً بين الناس ثم أصبح علناً واتبعه الكثير من الناس وسميت دعوته بالبابية.
بعد انتشار دعوته بإيران حظي بنفوذ كبير واتباع الكثيرين، حتى باتوا يشكلون خطراً على الحكومة الإيرانية، فقررت الأخيرة القبض عليهم واضطهادهم وتعذيبهم وسجنهم.
رغم كل هذا الاضطهاد لم تستطع السلطات الإيرانية اخماد ثورتهم، حتى استطاعوا القبض على زعيمهم الباب وسجنوه ثم قتلوه رميا بالرصاص وسحلوه أمام المارة لكن رغم ذلك استمرت دعوته من بعد موته.
من أشهر تلامذته الذين نشروا دعوته بعد ممات الباب هما صبحي أزل وأخوه الأصغر حسين علي النوري الذي سمي لاحقا ببهاء الله.
بعد استمرار نشاط الأخوين في الدعوة لدين سيدهم الباب، نفت السلطات الإيرانية الأخوين إلى العراق ومن ثم بمساعدة الحكومة العثمانية نفيا مرة أخرى إلى إسطنبول ومن ثم أدرنه بتركيا.
وهذا التنقل المتكرر كان نتيجة لاستمرار دعوتهما في كل بقعة يستقرا فيها أثناء نفيهم.
استمر نشاطهما التبشيري حتى عند وصولهما أدرنه ثم تطورت الأوضاع بينهما حتى نشب نزاع كبير بين الأخوين حينما ادعى حسين علي النوري أنه رسول من عند الله وقد بشر بقدومه الباب قبل موته!
كان هذا الادعاء مخالفا لوصية الباب قبل مقتله كما زعم صبحي أزل الأخ الأكبر، فادعى كليهما أنه الرسول الذي بشر به الباب مما فاقم الفتنة بينهم، وأصبح لكل منهما أتباع متناحرون ضد بعضهم البعض.
أدى ذلك أخيرا إلى تدخل الحكومة العثمانية ونفي بهاء الله “حسين” إلى عكا أما صبحي أزل نفي إلى قبرص واصبح كل منهم يبشر دعوته في جزيرته المنفية.
كان للشقيق الأصغر المسمى بهاء الله الحظ الأوفر للتبشير مقارنة بشقيقه الأكبر صبحي، لذلك نجد الدين الأكثر بالعدد اعتناقا وانتشاراً هي البهائية التي سميت بهذا الاسم نسبةً إلى مؤسسها بهاء الله، بينما أصبحت دعوة صبحي أزل محدودة الانتشار وسميت لاحقاً بالأزلية.
بعد وصول بهاء الله إلى عكا ألف كتاباً أسماه الكتاب الأقدس وادعى أن الله أوحاه اليه وهو في سجنه وأخبر أتباعه أنه أفضل كتاب في تاريخ البشرية وهو أفضل من التوراة الإنجيل والقرآن وفيه جميع أحكام العباد وشرائعهم!
هذه الصورة بالأعلى توضح مقتطفات من ذلك الكتاب المدعو الأقدس، ويتضح فيه بشكل جلي ركاكة النص وضعف البلاغة وتشتت المعنى وانعدام الفصاحة، وهذا يدل على أن كاتبه ضعيف بلغة العرب، وكان هذا من أكبر الأسباب التي جعلت الدين البهائي غير مرغوبٍ لدى العرب وقلة انتشاره بينهم.
يؤمن البهائيين بجميع الرسل للديانات الإبراهيمية كموسى والمسيح وداود ومحمد وغيرهم، كذلك يؤمنون برموز الديانات الغير إبراهيمية كبوذا وزراديشت وكمفيشيوس وأنهم جميعاً أنبياء من عند الله وأن آخرهم هو بهاء الله ونزلوا جميعاً لهداية البشر.
ولهم اعتقاد غريب في الرسل والأنبياء، فهم يعتبرونهم مظاهر إلهية أي أنهم يعكسون نور الله في الأرض كما تعكس المرآة نور الشمس!
يدعي البهائيون كذلك أن دينهم ناسخ لما سبقه من الشرائع والأديان الأخرى، لكن المسلمين يعتبرون أن المدعو بهاء الله كذاب، كما يعتقد المسيحيين أن محمد كذاب أيضاً، وأيضا لا يخفى عليكم أن اليهود يعتبرون أن المسيح هو ابن زنا مهرطق كذاب، وهكذا دواليك لا يعترف اتباع أي دين بمن جاء بعده من أديان!
بعد موت البهاء في سجنه بعكا اختلف ابنيه عبد البهاء عباس وميرزا علي على الخلافة من بعد أبيهم، فقد ادعى كل منهما أنه الغصن الأعظم والخليفة للدين البهائي.
فانقسمت البهائية إلى عباسية نسبة إلى عبد البهاء عباس، والفرقة الأخرى أتباع ميرزا سموا بالموحدين وهم الأقلية وعانوا كثيراً من الاقصاء والاضطهاد من العباسيين البهائيين حتى اصبح عددهم قليل جداً وأقل انتشارا!
أوصى عبد البهاء قبل موته لابنه شوقي أفندي الخلافة من بعده لإدارة شؤون البهائيين، فأصبح ابنه شوقي الخليفة من بعده، والغريب في الأمر أن شوفي مات فجأة دون أن يترك خليفة من بعده وهذا ما جعل البهائيين دون مرجع ديني لشريعتهم حتى الآن.
يؤمن البهائيون بثلاثة مبادئ رئيسية في دينهم وهي وحدة الخالق، ووحدة الأديان من إله واحد، ووحدة الجنس البشري وترك التعصب الديني.
كذلك يرون المساواة بين الرجل والمرأة وابطال تعدد الزوجات وأن التعليم اجباري للجميع ذكواً وإناثاً.
ويرون كذلك أنه وجب على البشرية تعلم لغة واحدة تجمعهم سويا، فرشحوا لغة تسمى الإسبرانتو Esperanto لمخترعها لودفيك زامنهوف Ludwik Zamenhof، وهي لغة مصطنعة حديثة أسست بعام 1887م كمشروع اتصال موحد للعالم، وتوحد لغة العالم.
يعتقد البهائيون بأن العمل والعلم هما أهم الطاعات للتقرب بها إلى الله وعدم التدخل بالسياسة ومحاولة وضع محاكم دولية لتفصل بين الأمم.
للبهائيين 3 صلوات يقرأون فيها أذكاراً خاصة ويتوجهون بصلاتهم إلى ضريح زعيمهم المسمى قصر البهجة بعكا وهو وجهتهم للحج كذلك.
كذاك يحرمون الخمر والنشاط الجنسي إلا بين الزوجين، والمفاجئ أنهم يشرعون حرق المرء حياً إن حرق بيت أي شخص فقط!
ولا يؤمنون بالملائكة ولا الجن كذلك لا يؤمنون بالجنة والنار، ويصل عددهم إلى حوالي 8 مليون شخص وينتشرون في دول كثيرة في أكثر من 230 دولة ومقاطعة تقريباً، ولهم معابد بعدة دول يقيمون صلاتهم فيها تسمى مشارق الأذكار.
أكثر انتشار لهم بإيران والولايات المتحدة الأمريكية خاصة بمدينة نيويورك ويشكلون فيها نادياً للتجمع يسمى قافلة الشرق والغرب.
يتواجدون أيضاً بأعداد قليلة بالعالم العربي خاصة بمصر ويطالبون فيها بحقوقهم واعتبارهم دين مستقل وفصلهم عن المسلمين، لكن الحكومة المصرية لم تقر الاعتراف بديانتهم حتى الآن، ويعانون من الاضطهاد والعنصرية الدينية.
لهم تقويم يسمى بالبديع تبدأ سنتهم عام 1844م والسنة تتكون من 19 شهر والشهر من 19 يوم ورأس كل سنة يحتفلون بعيد النوروز
ليس للبهائيين كهنة أو قساوسة أو حتى رجال دين ويتم تعلم الدين بالاجتهاد الشخصي، أما بالنسبة للأحكام المستجدة فلديهم مجلس شورى يسمى بيت العدل يقع في حيفا بفلسطين.
ذكرنا الكثير وبما فيه الكفاية من الطوائف الإسلامية المتناحرة مع أن الأكثر لا يسعنا ذكره، لكن قد تكون هذه السلسلة المكونة من الأجزاء مدخلا ومفتاحاً لمن أراد التوسع في هذا المجال، وهذا ما يثبت التشوش التاريخي، وانعدام التوثيق المتقن لتاريخ الإسلام، خاصة اختلاف النقل البين بين المذاهب الثلاثة الكبرى التي ذكرناها.
ولنعلم أن الإسلام كغيره من الأديان الأخرى، فهو دين مذاهب وفرق وتفرقة دينية ومذهبية، وكما تشاهدون الكل يدعي الحقيقة المطلقة مع ضعف الحجج وغياب الأدلة على مصداقية كل ملة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق