دون رادع أخلاقي، يتحول العمل السياسي غالبا إلى مجابهة للوصول إلى السلطة، إما طمعا بها وإما لغايات فردية أو فئوية. الرادع الأخلاقي العقلاني المستند على قيم العدل والمساواة واحترام حقوق الإنسان يرسم طريقا واضحا للسياسي ليكون عمله منسجما مع مصلحة المواطنين. الأخلاق في السياسة هي الرابطة بين الحاكم والمحكوم. هو"عقد اجتماعي" يستند إلى قيم مشتركة ملزمة للأطراف. التصرف غير الأخلاقي للسياسي، في عدم احترام حقوق المواطنين واستغلال منصبه لغايات شخصية، يفصم العلاقة بينه وبين المواطنين ويضعه في موقع اللاشرعية واللامصداقية. بهذا يصبح التفويض الديمقراطي غير معقول، في حالة تناقض. لا أحد يفوض أحدا للعمل ضد مصلحته. إن عمل السياسي لصالح المواطنين تبعا للدستور المؤسس على مفاهيم العدل والمساواة والمساءلة هو الشيء المعقول والأخلاقي لضرورية العيش في دولة ديمقراطية. لقد انتخب الشعب ممثلين عنه لتنفيذ سياسات عادلة لخير الجميع. فالديمقراطية من حيث أنها آلية حقوقية لحكم الشعب، عن طريق ممثلين عنه، لها علاقة بالقيم الأخلاقية المتعلقة بالتمثيل والعمل السياسي.
الأخلاق هي حجر الزاوية في بناء ديمقراطية قوية وفعّالة. يمكن تلخيصها بالنسبة للسياسي بالنقاط التالية:
· قبول المسؤولية في حال المقدرة
· الاعتراف بالمساواة بين المواطنين والانفتاح على كافة فئات الشعب
· الإخلاص لمبادئ ووعود الحملة الانتخابية المستندة على العدالة وحقوق الإنسان وباقي الشرائع الدولية
· دعم العدالة الاجتماعية
· إدارة الشؤون العامة إدارة عقلانية دون استعمال السلطة لغايات شخصية أو فئوية
· قبول الاعتراف بالخطأ وإفساح المجال للنقد والمساءلة والشفافية
· العمل لسلام ورفاهية المواطنين
· المساهمة الفعّالة لحسن الجوار والسلام دون التضحية بالمصالح الوطنية والقومية والتعاون والتضامن مع الدول الأخرى لخلق عالم أكثر انفتاحا ومساواة بين الأمم.
على المواطنين بدورهم واجب أخلاقي تجاه السياسي المنتخب ديمقراطيا. عليهم احترامه ومساعدته عند المقدرة لأداء واجباته. حكم الشعب يستند هو أيضا على قيم لسلوك أخلاقي متحضّر، مثل التقيّد بالقوانين والعمل تبعا للعدل والمساواة في حدود جماعته السياسية وبقية الجماعات السياسية الأخرى. بين الأغلبية التي ستحكم وبين الأقليات المتعددة المعارضة.
الرادع الأخلاقي يبقى في حدود المبادرة الفردية، من الضروري تشجيعه وتنميته بشكل متواصل بالتربية والمثل الصالح . لكن من السذاجة تصور احترام القوانين والسلوك المهني "الاخلاقي" من قبل كل السياسيين والمسؤولين عن الشؤون العامة ، بشكل اختياري وبعيدا عن المراقبة والمساءلة. يجب وضع قوانين ملزمة للتقيد بهذه الواجبات "الأخلاقية-السياسية" لحسن سير مؤسسات الدولة لخدمة المواطنين. علم الواجبات هذا ليس لائحة ثابتة ودائمة . بل هي لوائح تحتاج الى تعديلات متلاحقة تتأقلم مع تطور المجتمع ومؤسساته الاجتماعية والسياسية.
في ديمقراطيات اليوم، من الصعب الحصول على أغلبية مطلقة في الانتخابات (50%+1) من عدد المواطنين الذين يحق لهم التصويت ، بسبب تعدد الأحزاب وخاصة في الدول ذات الديمقراطيات الحديثة. حتى في الديمقراطيات العريقة، هناك تجاوز ظاهر لثنائية الأحزاب، ذلك يعود إلى تنوع أكبر في الرؤية السياسية للمواطنين وتعدد الجمعيات المدنية التي تحاول التأثير على سياسة الدولة بخلق أحزاب سياسية جديدة وصغيرة مثل الاحزاب التي تدافع عن البيئة مثلا. تعدد الاحزاب السياسية في الدولة يضعف من شرعية الحكومة المنتخبة لأن "أغلبيتها " أغلبية نسبية، اقترانا بعدد المواطنين. لذا فالرادع الأخلاقي والتقيّد بالقوانين حيوي وضروري لكي لا يتحول "حكم الحزب الحاكم" المنتخب إلى ديكتاتورية رافضة للاستماع إلى بقية المواطنين ذات الأغلبية العددية





ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق