أسس وركائز وتطبيق الديمقراطية

. . ليست هناك تعليقات:



أسس وركائز وتطبيق الديمقراطية

مقدمة
"الحكومات الاستبدادية تحمل في ذاتها خميرة زوالها"
ريمون بولان: رئيس سابق لجامعة السوربون- باريس

يتخبط العالم العربي في متاهة من المفاهيم  والسلوكيات التي لا يمكن أن تساعد على ولادة  أي نوع معقول من الديمقراطية.  من هذه المفاهيم : القوة تصنع الشرعية، الدين هو الحل،  الدين أساس التشريع، حكم الفقيه، سلطة أهل الحل والعقد، طاعة ولي الأمر خشية الفتنة، العصبية الدينية والقبلية والشعوبية، الرئيس أو الملك أو الأمير الملهم، الأنظمة غير الشرعية التي تكتسب شرعيتها مع التقادم ، رئاسة الدولة حتى الموت، توريث الحكم، الشورى مكان الديمقراطية، رفض الحوار، رفض اختلاف الرأي، الرضوخ للواقع كقدر، الاتكال على الله لحل مشاكلنا...
يعيش هذا العالم تحت نير كثير من الديكتاتوريات السياسية أو الدينية أو الاثنتين معا. لا يعرف كيف الخروج من عالم الظلمات إلى عالم الحريات وعلى أي أساس يجب بناء الدولة الحديثة والمجتمع العادل واحترام حقوق المواطنين. وضعنا السياسي والاجتماعي اليوم على مفرق الطريق، بين الاتجاه الديني-السياسي وبين الاتجاه المدني العلماني الديمقراطي. اليوم نشاهد هجمة مخططة من الرجعية والأصولية الدينية، بأموال خليجية وسعودية بالدرجة الاولى، لكسب الشارع العربي والوصول إلى الحكم لوضع حكومات هدفها ديكتاتورية دينية  تمنع الناس من التفكير والتصرف الحر في حياتهم الخاصة والعامّة ووضعهم في قوالب مبرمجة  لا سبيل للنقد فيها. الشارع العربي اليوم، تشده الأفكار الأصولية الدينية، هذه التيّارات  الإسلامية ليس لها برنامج سياسي معقول وواضح يمكن أن يطوّر الدولة الحديثة ويوسع  هامش حريّات المواطنين  ولتتعامل بشكل مسالم مع العالم الحديث. آخر هذه الديكتاتوريات الدينية الجديدة، الدولة الاسلامية (داعش) وجبهة النصرة  الارهابية وغيرها من الحركات الاسلامية الاصولية التي ترتكب أبشع الجرائم  في سوريا والعراق، بحق الناس الابرياء وخاصة الاقليات من الديانات الاخرى كالمسيحيين مثلا في الموصل والرقة السورية وجوارالحسكة وغيرها من المناطق التي تسيطر عليها هذه الحركات الدينية التي حرّفت جذريا تعاليم الاسلام المعتدل المتسامح.
هذه التيّارات الإسلامية المتعصبة تأخذنا إلى متاهة التاريخ، تقدم لنا الماضي كأنه ذروة الحضارة، فيه العلم والمعرفة والعدل...  ويحمل بشكل سحري كل الحلول لعالمنا الجديد. لقد وضعوا ثوب القدسية على هذا الماضي من الناحية الدينية والثقافية وحتى السياسية وأقفلوا عقول الناس لكي لا تفكر وتجتهد لأن عصر الاجتهاد لا حاجة له. لقد قال وطبق الأسلاف كل ما يلزم. يكفي الأخذ به لنكون "خير أمّة". ما شاهدناه مثلا من محاولة الإخوان المسلمين في مصر كتابة دستور جديد للبلاد عام 2012 يكرس سيطرة الدين  الإسلامي المسيس على السياسة والمجتمع، كل هذا يدعونا إلى الحذر الشديد والصمود أمام هذه الهجمة الشرسة  للقضاء على هذه الثورة العربية الشعبية ضد حكامها المستبدين، والتي تعبر عن وجدان الشعوب العربية وتطلعها الى الديمقراطية.
هذه الديكتاتورية الدينيّة ستعود بنا إلى  التخلف. لقد كشف الإخوان المسلمون، بشكل جليّ، عن نياتهم  المخفية  منذ عقود طويلة ، للسيطرة على الدولة والقضاء الفعلي على التعددية الحزبية الديمقراطية.
تتدخل الحكومات العربية غير الديمقراطية في كل مستويات حياة شعوبها: توجه السياسة والاقتصاد والتعليم والفنون. وتجعل من الدين أداة دعاية لها. لقد حجّمت هذه الحكومات التعسفية إرادة الجماهير وجعلت منهم قطعانا يمكن تحريكها بسهولة أكبر. أبعدت الحكومات شعوبها عن المساهمة الفعّالة  في السياسية منذ أجيال كثيرة. "فبركت " أجيالا من المسيرين المطيعين لتقديس حكامها والرضوخ لهم دون أي مساءلة.
عدم ممارسة الديمقراطية أوجد فراغا هائلا في ثقافة المواطن العربي. هناك "أميّة سياسية" عند المواطن. تداول السلطة  وتشكيل أحزاب سياسية مدنية يعتبر في مفهوم سلاطين البلد خروج وتحدي لعبقرية الحاكم. حرية التعبير ونقد الحاكم، كل هذا غير متداول في ممالك العرب.
المجتمع العربي المعاصر هو جزء من العالم الحديث فمن الضروري لتقدمه أن يشاركه قيمه وتطلعاته وهمومه. فموضوع الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية هي تراث البشرية جمعاء. أي حديث عن "خصوصيات" عربية  في هذه المجالات الحيوية تبدو حججا واهية، الهدف منه كما تظهر الوقائع، هو تبرير سلوك الحكام ضد المواطنين، بالسيطرة على مصيرهم وعدم إشراكهم فيما يخصهم من حقوق سياسية واجتماعية والإبقاء على مصالح هذه الطبقات الحاكمة وأعوانهم الذين ينهبون خيرات البلاد.
رد فعل الرجعية العربية في السياسة وفي الدين، الرافض لأي رجوع للديمقراطية بحجة أنها "مفهوم غربي"، هو موقف غير معقول، لأنه ينفي عن العرب إمكانية مشاركتهم بالتجربة الإنسانية  ويفصلهم عنها وكأن العرب  شعوب أدنى  من غيرهم من الضروري "لصالحهم" العيش في عالم مغلق.
الديمقراطية المطبقة في كثير من الدول برهنت على أنها أفضل من غيرها من الأنظمة الموجودة من حيث احترام حقوق الإنسان والتقدم الحضاري وإفساح المجال أمام المواطن لتحقيق ذاته وبناء بلده. 
منذ 1970إلى 2008 ارتفع عدد البلاد الديمقراطية من 44 دولة إلى 89، حيث حقوق الإنسان مصونة وحيث توجد تعددية حزبية.
أما الدول غير الديمقراطية فتحولت من 69  الى 42
وتزايد عدد البلدان التي فيها شيء من الحرية من 42 إلى 62.
رغم هذا التقدم تبين أن 46%  فقط من سكان العالم يعيشون في بلاد ديمقراطية، ومنذ 10 سنوات ظهر ركود إن لم يكن تقهقر في ميدان حريات الصحافة والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات المدنية في أكثر من 30 دولة. الثورات العربية في 2011  مؤشر ايجابي "قد" تدخلنا الى العالم المتحضر الديمقراطي شرط ألّا نقحم الدين في السياسة.
الهدف من هذه الفصول عن الديمقراطية هو إعطاء فكرة أولية  وواضحة عن هذا المفهوم وعن أسسه وركائزه. فهي تجيب على تساؤلات المواطنين العرب الواعين بأوضاعهم الشاذة نسبة إلى مواطنين في أنظمة ديمقراطية. وتظهر القيم الإنسانية التي يمكن للدول تأسيس الحكم عليها لتتجاوب مع متطلبات الشعوب العربية الحاضرة والمستقبلية. طرح المواضيع فيها سهل الفهم ومتماسك فهناك علاقة عضوية بين فصل وآخر؛ علاقة توضيح أو تتمة. هذه الفصول المختصرة موجهة إلى عامة المواطنين العرب، خاصة إلى الشبيبة التي لم تعش في أجواء وثقافة وسياسة ديمقراطية سليمة. هذه الفصول المبسطة ليست حلولا جاهزة  للعيش في الديمقراطية وفهم السياسية ومداخلاتها الكثيرة. ما يراد هنا هي محاولة ومساهمة في التحول المرجو إلى الديمقراطية في البلاد العربية.
ستبدأ الشعوب العربية تعلم الديمقراطية من بداياتها. فالطريق طويل ولكنه يستحق المجازفة لتخطي "ثقافة" الخوف والرضوخ الأعمى للسلطان من كبيرهم إلى صغيرهم، للدخول في عالم أكثر تحررا، في عالم حقوق المواطن لجعل الشعب مصدر السلطة.هذا التحول سيكون شاقا وصعبا يحتاج إلى عدة أجيال ليتكيف المواطنون مع الثقافة والسلوك الديمقراطي بعقلية منفتحة ونقدية. المسيرة طويلة في درب الديمقراطية سوف تحمل  غالبا الكثير من النكسات بسبب المقاومة الشرسة التي سيأتيها  من الحكام الحاليين وأصحاب المصالح الاقتصادية والمالية ومن رجال الدين ومن الأحزاب  الدينية المستفيدين من هذه الأوضاع.  ونكسات  ستأتي من العقليات والأجواء  الموروثة ذات الجذور الموغلة في القدم. ونكسات  أخرى يمكن أن تأتي من التسرع في تطبيق  كل أبعاد الديمقراطية بشكل آلي دون تحضير منهجي وبعيد المدى وغير مصاحب لمستوى التطور الثقافي السياسي للمواطنين .
لقد كسر الشعب التونسي سنة 2014 حاجز الخوف وخطى خطوة رشيدة للدخول في الحداثة وبدء المشوار الطويل لتثبيت دعائم الديمقراطية والبرهنة على أن العرب يمكن أن يعيشوا في أنظمة ديمقراطية علمانية.
الديمقراطية هي الطريق الوحيد للدخول في الحداثة ولنصبح أمة متحضرة، لشعوبها الحق في تحديد شرعية الحكم وتقرير مصيرها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ابحث في موضوعات الوكالة

برنامج ضروري لضبط الموقع

صفحة المقالات لابرز الكتاب

شبكة الدانة نيوز الرئيسية

اخر اخبار الدانة الاعلامية

إضافة سلايدر الاخبار بالصور الجانبية

اعشاب تمنحك صحة قوية ورائعة

اعشاب تمنحك صحة قوية ورائعة
تعرف على 12 نوع من الاعشاب توفر لك حياة صحية جميلة سعيدة

روابط مواقع قنوات وصحف ومواقع اعلامية

روابط مواقع قنوات وصحف ومواقع اعلامية
روابط مواقع قنوات وصحف ومواقع اعلامية

احصائية انتشار كورونا حول العالم لحظة بلحظة

احصائية انتشار كورونا حول العالم لحظة بلحظة
بالتفصيل لكل دول العالم - احصائيات انتشار كورونا لحظة بلحظة

مدينة اللد الفلسطينيةى - تاريخ وحاضر مشرف

الاكثر قراءة

تابعونا النشرة الاخبارية على الفيسبوك

-----تابعونا النشرة الاخبارية على الفيسبوك

الاخبار الرئيسية المتحركة

حكيم الاعلام الجديد

https://www.flickr.com/photos/125909665@N04/ 
حكيم الاعلام الجديد

اعلن معنا



تابعنا على الفيسبوك

------------- - - يسعدنا اعجابكم بصفحتنا يشرفنا متابعتكم لنا

جريدة الارادة


أتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الارشيف

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام
الانستغرام

نيو سيرفيس سنتر متخصصون في الاعلام والعلاقات العامة

نيو سيرفيس سنتر متخصصون في الاعلام والعلاقات العامة
مؤسستنا الرائدة في عالم الخدمات الاعلامية والعلاقات العامة ةالتمويل ودراسات الجدوى ةتقييم المشاريع

خدمات نيو سيرفيس

خدمات رائدة تقدمها مؤسسة نيو سيرفيس سنتر ---
مؤسسة نيوسيرفيس سنتر ترحب بكم 

خدماتنا ** خدماتنا ** خدماتنا 

اولا : تمويل المشاريع الكبرى في جميع الدول العربية والعالم 

ثانيا : تسويق وترويج واشهار شركاتكم ومؤسساتكم واعمالكم 

ثالثا : تقديم خدمة العلاقات العامة والاعلام للمؤسسات والافراد

رابعا : تقديم خدمة دراسات الجدوى من خلال التعاون مع مؤسسات صديقة

خامسا : تنظيم الحملات الاعلانية 

سادسا: توفير الخبرات من الموظفين في مختلف المجالات 

نرحب بكم اجمل ترحيب 
الاتصال واتس اب / ماسنجر / فايبر : هاتف 94003878 - 965
 
او الاتصال على البريد الالكتروني 
danaegenvy9090@gmail.com
 
اضغط هنا لمزيد من المعلومات 

اعلن معنا

اعلان سيارات

اعلن معنا

اعلن معنا
معنا تصل لجمهورك
?max-results=7"> سلايدر الصور والاخبار الرئيسي
');
" });

سلايدر الصور الرئيسي

المقالات الشائعة