
متى يتحول الدين إلى مخدر للشعوب
إذا أردت أن تتحكم في جاهل
عليك أن تغلف كل باطل بغلاف ديني.
ابن سينا
يتحول الدين الى مخدر للشعوب عندما نضع العقل بين قوسين ليصبح فقط أداة لتبرير أقوال رجال الدين وأعوانهم من العقائديين الذين يقحمون الدين في السياسة للسيطرة على الحكم والتحكم بالناس وتسييرهم حسب عقليتهم.
التلفزيونات العربية من شرقها إلى غربها تتحفنا بمداخلات رجال الدين يوميا وعلى مدار الساعة واصلة إلى كل القارّات. هذه التحف والحلول يستنبطها هؤلاء العلماء من تصورات شخصية وغيبية محدودة الفهم تستند إلى مزاجهم وعلومهم المحدودة، وتفسيرات دينية من العصور الخالية يُؤخذ بها كمقدسات لا شك بها ، تحمل كل "الاضاءات " والمعارف اللازمة للعيش في عالمنا الحديث! يتم تفسير النصوص الدينية أكثر مما تتحمل عندما تؤخذ كعلوم اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية أو طبيعية وحتى طبية. هذه التفسيرات-التبريرات لا علاقة لها بالدين بقدر ما لها علاقة بأفكار وغايات دعاتها.
التنوع الهائل في تبرير وتفسير النصوص الدينية وإلحاقها بفتاوى خارقة والتي يدعو بعضها إلى الرجوع إلى قرون غابرة كوضع المرأة والجهاد وحتى قتل الآخر المخالف، كل هذا نراه في وسائل الإعلام وحتى في مراكز المعرفة من معاهد وجامعات! هذه الأوضاع تدعونا إلى الشك بنوايا هؤلاء المتزمتين دينيا والذين ينصبون أنفسهم "عقلاء" يريدون خير الأمة.
هذه الإتكالية جعلت الناس يتقبلون أي شيء دون نقاش. مثلا مفهوم الأمة لا تحديد واضح لأبعادها، فهي مفهوم مطاطي نضع فيه ما نشاء. هل الأمة هي جماعة المؤمنين؟ أو جماعة المواطنين؟ أين نضع الذي لا يؤمن من هذه الجماعة ؟ أين نضع غير المؤمنين أو الكفّار؟هل تنتمي جماعة المؤمنين إلى عقيدة واحدة؟ أين توجد هذه العقيدة الواحدة؟ هل عقائد الفرق الدينية في نفس الدين متساوية في الحقوق؟ ما هي أهداف هذه الأمة الدينية سياسيا؟ ما علاقة الأمّة بالمواطنة الحديثة؟ هل يمكن أن تكون في الواقع حزبا واحدا أو جبهة واحدة؟ أم أن الواقع يظهر لنا "أحزابا لله" مختلفة جذريا مع بعضها ... حتى التكفير والاقتتال؟
كل حزب ديني يدّعي الحقيقة المطلقة بغية احتكار السلطة دون منازع. عقيدته وحدها الصالحة لخير ما يتصورونه كأمّة. يطلب من أفراده الطاعة العمياء. الأفكار المغايرة تعتبر تحريضا وخروجا عن الجماعة. التفكير محتكر من قبل الموكلين عن هذه الأمّة. أي خروج عنها خيانة والحاد. الصراع العلني أو الخفي بين السنة والشيعة اليوم في العراق وغيرها برهان ساطع ومتوقع ومؤسف لهذه العقلية الدينية الشمولية.
· عندما نضع على تراثنا الديني هالة من القدسية رغم تناقضاته وتبريراته الخرقاء دون أي محاولة للفهم والتنقيح العلمي عما قيل ونقل. عندما نقبل اليوم مثلا عادات الأقدمين عن الحجاب ونصبغه بصبغة دينية غير مبررة. ونضع المرأة تحت سيطرة الرجل القوام على حقوقها ونقبل تعدد الزوجات كشيء "طبيعي"، مقبول شرعا في عصر حقوق الإنسان وتحرر المرأة في كثير من الدول. عندما نبرر الزواج العرفي أو ما يسميه منتقديه بزواج المتعة، الذي هو في واقع الأمر بغاء وأفظع احتقار للمرأة. هل شهوة الرجل أكثر جموحا "بطبيعته" من شهوة المرأة ؟ أم أن النساء العوانس "عليها" أن ترضى برجل متزوج أفضل من أن تبقى عانس وعالة على أهلها؟
بهذه الثقافة وهذه العقلية وهذا السلوك الديني-السياسي، وعلى مدى سنوات، تتخدر عقول الناس فيقبلون بواقعهم لأن هذا الواقع هو الوحيد الممكن لخيرهم كمواطنين- مؤمنين! واقع يظنون أنهم لا يمكن قهره ، كشيء مقدر عليهم. يتحول الكثيرون منهم إلى عالم الطلاسم والشعوذات و"الاتكال على الله" كليا دون أي تفكير فردي ونقاش عقلي للتغيير ونقد ومقاومة الشذوذ الدينية والسياسية. ميزة هذه المخدرات ، إن كان لها ميّزة! أنها تخفف نفسيا عن الناس وتدخلهم في عالم الأحلام والظلال.
الإنسان في المجتمع المتحضر والديمقراطي يستنبط الحلول الملائمة لا من عقول العقائديين الدينيين ولكن من الجهد العقلي الواعي والعمل الفعّال الجماعي لتجاوز المحن وتحسين أوضاع البلد وخلق مجتمع عادل يحترم الإنسان كإنسان دون أي تمييز ديني أو عقائدي




ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق