بقلم : محمد سالم
امتلاك الانسان لوعي وذاكرة كان هو الفيصل في تاريخه والذي جعله يتمايز عن الشجرة الحيوانية المنتمي لها فالحيوان لايعي الخطر الا في لحظته الانية ولايملك ذاكرة وعي الانسان الاخطار المحيطة حوله وامتلك ذاكرة اصبح يخزن فيها تجاربه في حياته التي يخطئ فيها ويصيب ليصوب من اخطائه او يكرر تجاربه الصائبة ومن الوعي والذاكرة الذين امكانا للانسان أن يجرب ويتعلم من اخطائه ولدت الحضارة ومع الوعي والذاكرة كان شعوره باغترابه في هذا الكون يطارده فهو يدرك انه يعيش حياة قصيرة ايا كانت هذه الحياة سواء كانت لينة سهلة رغيدة ام يشقي فيها ويتعس فهو يعلم انه سيموت في النهاية وادراكه لفكرة الموت يزيد من هلعه وخوفه من فكرة الفناء وآسااه علي حياته التي لايستطيع تعويضها لو كانت بائسة، ومن الخوف من فكرة العدم والفناء كانت فكرة البعث وان الانسان له حياة اخري يثاب فيها علي اعماله اويعاقب أن كانت خيرا او شرا.
وجدت تلك الفكرة بذرتها في حضارة مصر القديمة ثم تبلورت بعد ذلك عند الزرادشتية لفكرة الثواب والعقاب الاخروي الي الذي بلورت وطورت الاديان الإبراهيمية ملامحه وجعلت المسئولية الاخلاقية والضمير واخلاص القلب هو المعيار الذي سيثاب عليه الانسان او يعاقب عليه في يوم موعود يكون هو اخر يوم من ايام الخلق والحق ان كان لفكرة الثواب و العقاب دورا كبيرا في ضبط المسئولية الاخلاقية للانسان بجعله مترقبا يخاف من عذاب الله اذا ما ارتكب مايشينه او طمعه في الثواب والعقاب كان دافعه لفعل الخير الا انه اسقط عليه ماكان يتمناه بخسف بظالم او تعويض مايعانيه من حرمان لقد كان لفكرة البعث ميزة العزاء النفسي الذي يعين الانسان علي الحياة املا في تعويضها في نعيم سرمدي اذا ما امن واخلص بقلبه للاله والتزم الطاعات المفروضة عليه هذا الوعد بالنعيم يزيد شعور الانسان به مع تعقيد الحياة وتطورها وعصفها به وجعله يدور في رحا الشقي لكسب قوته او كان في بيئة قاسية.
جاء الاسلام متمما وخاتما للأديان الابراهيمية نزل القرآن في قوما لم يعهدوا برسالة قبل النبي محمد يعبدون الاوثان فدعاهم الاسلام لعبادة الاله الواحد والالتزام باوامره ونواهيه نظير الاثابة في الاخرة تكاد لا تخلوا سورة من القرآن من تذكير المؤمنين به باليوم الاخر وثواب المؤمنين ونكال الكفار والعصاة فيما عدا سورة الفيل وقريش والاخلاص والمعوذتين وعلي عكس الشائع من قاعدة صلاحية القرآن لكن زمان ومكان ايات وصف الجنة تدل علي انها مخاطب بها اقوام معينين هم قوم النبي العرب فنجد أن الله يوعدهم بالظل الممدود والماء المسكوب وهو امر صعب ايجاده في بيئة صحراوية قاسية لايوجد فيها زرع واشجار تظلل عليهم او بيوت وقصور تحميهم من حر الشمس وبرد الشتاء والماء يكون الحصول عليه بالترحال لاماكن ينقبون فيها عن الماء او بتخزين ماء المطر في حفر معدة لذلك معرض لحرارة الشمس والشوائب غير مستساغ ولايأكلون سوي فاكهة الواحات النادرة في بلاد العرب كالطلح والنخيل والرمان والعنب ويرتدون ثيابا خشنة من وبر الجمال امة غالبية افرادها من ذوي البشرة السمراء يعتبرون بياض بشرة النساء وصغر سنهن هو معيار الجمال فكان مايمنيهم هو الفوز بنساء بيض صغيرات ناهدات في الاخرة الشعور بان نعيم الجنة هو خاص بالعرب.
تنامي لدي العرب عندما دخلوا البلاد المجاورة التي تتمتع بمستوي عال من الحضارة والمدنية والرفاهية والذين اسلموا من تلك البلاد فلامعني بالوعد في سكن القصور في بلاد تكثر فيها القصور او الجنان في بيئات خضراء خصبة نجد ابن الراوندي الملحد الشهير في التراث العربي يتهكم علي ماذكر من نعيم فيقول أن اللبن ليس شراب مفضل للجميع وهناك ماهو اطيب من الطلح والرمان والعنب الاستبرق هناك ماهو اجود منه في الحرير ونجد الشاعر الصوفي حافظ الشيرازي لايري أن مافي الجنة افضل من شيراز مدينته التي تتمتع بمستوي عال من الحضارة والمدنية والرفاهية وبيئة خضراء خصبة وغنية وليس فقط النعيم الحسي وجد المسلمين في البلاد ذات الطبيعة الخلابة الخصبة والمدنيات المتقدمة في الرفاهية والحضارة ايضا الفلاسفة الذين ارتقوا عن كل نعيم حسي وأصبح نعيمهم في اللذة العقلية فنجد ابن سينا الفليسوف يري أن نعيم الجنة لايناسب الا الدهماء اما اصحاب الهمم العليا فنعيمهم في المعرفة ولذة العقل وهذا في عصر لم تبلغ فيه البشرية مستوي متقدم من الرفاهية مثل عصرنا فنحن متاح لنا شرب الماء البارد وامكانية تلطيف حرارة الطقس بالمبردات ونستطيع أن نجد الفاكهة بسهولة بفضل التقدم التكنولوجي في الزراعة وانتشار الاسواق وتقدم وسائل الموصلات لكن النعيم الحسي في الجنةليس فقط لم يعد مغريا لنا في عصرنا ايضا تصورات وافكار العرب الذي يعكسها هذا النعيم لم تعد مناسبة في زماننا فهم في عصر وبيئة قاسية وشحيحة القوة والغزو هي الوسيلة للحصول علي القوت والتكسب والنساء هن اكثر ضحايا هذه الغزوات وكان ينظر إليهن كجائزة فوعدهم أن تكون لهم كا جائزة وغنيمة باردة في الاخرة مطيعات مقصورات في الخيام من غير قتال ولاغزو لم يعد من المناسب تلك النظرة المتدنية للانثي في عصر حطم كل فكرة متدنية عن المرأة تجعلها في منزلة ادني من الرجل وتفرغها من انسانيتها ولعل النظرة المنحطة للمرأة لدي الذكور في بلاد الشرق هي نتيجة ما غذيا في الوجدان من التراث الديني الذي ينظر الي المرأة كجائزة موعود بها المؤمن في الاخرة
ايضا فكرة الثواب والجنة كما انها كان لهادورا في اذكاء الضمير الانساني وحثه علي فعل الخير كان لها دورا سلبيا في أن يحتمل كل تدني وشظف في حياته من الامراض والفقر والجهل الي مظالم واستبداد الحكام علي أن هذه الحياة هي مجرد معبر للاخرة وان هذه المصاعب التي يواجهها هي ابتلاء يعلي به الله درجته في الاخرة وكم سكن مشايخ السلطان غضب الفقراء بإن فقرهم سيثابون عليه في الجنة وصرفته عن النظر لاصل بلاءه في النظام الاجتماعي او السياسي او محاربة جهلة باسم أن مايحدث له اما ابتلاء او بسبب ذنوبه التي يعاقبه الله عليها فكان لها دورا في قبول الإنحطاط والتعايش معه واذكاء الخوف من الخروج منه حتي لايكون اعتراضا علي قدر الله فأصبح الدين من خلاص الانسان بيكون اداة لتضليله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق