بعد الجدل الذي أثَارته "خلجنة" الأغنية المغربية طمعاً في تحقيق انتشار أوْسَع في الوَطن العربي، عاد فنانو الجيل الجديد إلى أغانٍ مغربية استلهمت إيقاعاتها من الموسيقى التراثية، واستطاعت أن تحقّق نجاحاً كبيراً تجاوز الحدود الجغرافية للمغرب نحو الوطن العربي، الشيء الذي برّره الملحن والموزع محمد الشرابي باستعادة للثقة في الأغنية والموسيقى المغربية.
المُلحن المغربي، الذي اشتغل في الظّل إلى جانب عددٍ من الفنانين المغاربة حول الإيقاعات المغربية، أورد، في حديثه مع هسبريس، أنّ الجيل الجديد من الفنانين المغاربة كان قد فقد ثقته في الأغنية المغربية، الشيء الذي دَفعه إلى الاستنجاد بإيقاعات جديدة، خاصة الخليجية منها بهدف ضمان انتشار أكبر في الخليج والوطن العربي.
وتابع صاحب ألحان "أنَا ماشي ساهل": "الفنانون المغاربة بدؤوا يستعيدُون ثقَتهم في الأغنية المغربية، بفضل النجاح الذي حققته، واستوعبوا أنّ هذا النجاح ناتج عنْ قوتها كلمة ولحناً، الشيء الذي دفع العديد منهم إلى أن يتخلى عن الإيقاعات الخليجية، والعودة من جديد إلى الإيقاعات المغربية".
من جهته، أبرز نسيم حدّاد، الباحث في الموسيقى المغربية التراثية، أنّ "ما اصطلح عليه بـ"خلجنة الأغنية" يُصنف ضِمن الأغاني المَوسمية الجيلية التي تُعبر عن فكر جيل مُعين، واكبه فنانون إرضاء للسوق التجارية، ممّا أفقدها قوتها وحولها إلى موجة عابرة".
وتابع الباحث المغربي حديثه لجريدة هسبريس الإلكترونية: "الأغنية الجيلية غير قادرة على إرضاء الذّوق الفني، ودُخول نوع جديد من الموسيقى المسمى بـ"واي واي" جعل معظم الفنانين الذين اشتهروا بتقديم أغان بنفحات خليجية يبحثون في الموسيقى المغربية لإحياء نمطهم الفنّي من جديد، وكسب نوع من الإشعاع في آن واحد".
وعزا حدّاد عدم صمود هذه الأغاني للطريقة غير الصحيحة في التعامل معها، وأوضَح "تناول التراث من طرف الجيل الجديد من الفنانين لا يكون صحياً، لأنّهم لا يُفرقون بين الأغاني التراثية الحقيقية والأغاني الموسمية التّي قُدّمت من طرف فناني جيل سابق"، وأضاف: "الأغاني التي عاد إليها الجيل الجديد من الفنانين كانت بدورها أغان موسمية في فترة زمنية معينة ولا علاقة لها بالتراث المغربي".
وحمّل المتحدث المسؤولية للموزعين الموسيقيين، وأورد "المغني له اختيار فني، لكن المسؤولية تقع على عاتق الموزعين، الذين ليست لهم دراية كبيرة بالتراث الموسيقي المغربي، والتي تخول لهم الإبداع في الموسيقى المغربية التراثية"، مستدلا حديثه بمجموعة "ناس الغيوان" التي كانت "تصنف ضمن الموسيقى الجيلية، لكن قوتهم واستثمارهم الصحيح في التراث الموسيقى جعلها موسيقى تراثية من صنف آخر للمغاربة".
وعن تعامل الفنانين المغاربة مع التراث، يردّ "أولا، لا بد من الفصل بين المحافظة على التراث والاقتباس منه؛ فالتراث له أسس أكاديمية وضوابط من خلال التوثيق اللحني والنصي، أمّا الاقتباس فهو يشمل أخذ جملة موسيقية معينة رائجة بشكل كبير ويعاد استخدامها بطريقة أو بأخرى"، وأضاف متسائلا: "هل يسيء ذلك إلى الموسيقى التراثية؟ أبدا، الاقتباس عبارة عن مصالحة الفنان مع تراثه، ويسهم ذلك في إحياء التراث المغربي".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق