الحضارة المصرية القديمة كلها ألغاز، والموسيقى لغز من الغازها ،أما موسيقىالكنيسة القبطية فهى بوابتنا الوحيدة لمعرفة موسيقى مصر القديمة، فشامبليون لم يستطع تأويل لغة مصر القديمة إلا بعد دراسته اللغة القبطية، حينما ثبت له أن الاقباط هم السلالات الممتدة لشعب مصر القديم.
وقد اقتصرت الكنائس القبطية بمصر على تلاوة التراتيل والألحان الدينية التي كانت سائدة في المعابد المصرية القديمة وظلت ترتل باللغة القبطية، ولذلك احتفظت الكنيسة القبطية بالكثير من تراث أجدادها وخاصة الألحان المصرية القديمة وحفظتها من الزوال، وظلت الموسيقى القبطية تحتوى على حركة واحدة ويستمر الغناء عليها لمدة عشر دقائق تقريبا ويكون الترنم بكلمة واحدة هي " هللويا " ولذلك يأتي القداس طويلاً جداً مع وقوف الحاضرين طيلة الوقت في الكنائس، وهذه التراتيل تؤلف نغمه فيما بينها كما توجد في غناء الكنائس القبطية عشرة أنغام أو مقامات مختلفة ظهرت في قالبها النهائى في النصف الثاني من القرن الخامس الميلادي ولم تتطرأ عليها تغييرات كبيرة خلال القرون التي لحقتها حتى بعد دخول الإسلام مصر، حيث كان المسلمون يتعجبون من روعة هذه الموسيقي التي يرتلها المصريين في كنائسهم وهي تلك التي كان يرتلها اجدادهم في المعابد القديمة.
لما انتشرت المسيحية في البلدان المختلفة، وتكونت كنائسها، نشأ معها في كل قطر " فن موسيقى كنسى " تمشى مع النزعة الفنية الموسيقية لكل شعب، وشكّل كل شعب موسيقاه، بما يتفق مع ذوقه. فقد اقتبست ألحان لعبادتها الجديدة من الأنغام المصرية القديمة فقد بقيت في موسيقاهم الكثير من الألحان والأناشيد التي كان الكهان القدامى خلال عصر الآسرات المصرية القديمة والعصرين اليونانى والرومانى يرتلونها على الحركات السبع (أى المستخدمين للسلم السباعى الموسيقى)، وهذا يوضح لنا كيف انبثقت الموسيقى الكنسية المصرية الفن الموسيقى المصري، وليس أدل على ذلك من أن بعض الألحان الشائعة إلى الآن في الكنيسة المصرية تحمل أسماء بلاد ٌد اندثرت ولم يعد لها وجود بعد منذ أمد بعيد، وعلى سبيل المثال لا الحصر " اللحن السنجارى "، نسبة إلى بلدة " سنجار" التي تقع شمالي محافظة الغربية، وعرفت منذ أيام رمسيس الثاني وكانت تحوطها الأديرة في العصر القبطى، وكذلك اللحن " الأتريبى " نسبة إلى بلدة " اتريب " القديمة (بلدة في صعيد مصر بالقرب من موقع الديرين الأبيض والأحمر – أخميم – سوهاج الحالية.
والكنيسة القبطية من أغنى كنائس العالم – إن لم تكن أغناها – في فنها الموسيقى، ولكن الحقيقة التاريخية التي لاتدع مجالاَ للجدل هي أصالة الألحان والآلات الموسيقية القبطية التي تعود أصولها إلى العصر المبكر من عصر الآسرات المصرية القديمة، فهى الأقدم والأعرق بين كنائس العالم المسيحي المختلفة.
و الأصالة في الموسيقى القبطية جاءت نتيجة تناقلها من جيل لآخر دون أن تضيع، فقد وصلتنا كاملة منذ القرن الخامس الميلادي، لا تشوبها شبهة اختلاط بالموسيقى البيزنطية أو اللاتينية، فارسية، أو غير ذلك من أنواع الموسيقى المعروفة شرقية كانت أم غربية.
الموسيقي المصرية وشفاء المرضي
بحلول المسيحية في أرض مصر زاد ترتيل مزامير داوود في الكنائس بدرجة كبيرة والتي استخدمت لشفاء الكثير من الأمراض النفسية والعصبية والعضوية. واشتهر خلال القرن 3 م في مصر القديس أبو طربو والذي كان يرتل مزامير داوود وأجزاء كثيرة من الكتاب المقدس مستعيناً بالموسيقى وذلك بجوار المرضى المصابين بالصرع فكانوا يشفون منها لذلك سُميت صلاة شفاء الصرع باسم " صلاة أبو طربو "، كما استخدمت طريقة ترتيل المزامير للمرضى داخل الكنائس والأديرة في مختلف مناطق مصر والتي كان المسيح والعذراء قد إلتجأوا إليها أثناء رحلتهم المقدسة في مصر، وبنيت عليها أماكن للعبادة ذلك في مواقيت محددة سنوية عُرفت باسم " الموالد القبطية "، وخلالها كان القسس يقومون بالصلاة والترتيل بمصاحبة الموسيقى لعلاج المرضى، خاصة الأمراض النفسية والعصبية أو الأمراض العضوية المستعصية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق