مجموعة شعرية جديدة للشاعرة اللبنانية المقيمة في أميركا آمال نوار صدرت حديثاً عن دار الفارابي بعنوان: «امرأة الأدغال». نوّار الشاعرة البعيدة عن الاستسهال، والمتأنيّة في إصداراتها، تخبر أنها تحتاجُ إلى «قرابة الحريقين لكل مطرة»، تمنح في هذه المجموعة، قصائد من لهبٍ وعصبٍ، مكتملة، مكتوية، قادمة من مكابدات وجدانية باهظة، وأناة محنّكة، يلهث القارئ خلف ما تحتضنه من ترميز ومخزون حدسي وعاطفي، يسمه الغموض والاستعارات الباذخة من دون تكلّف. تقول:»الشّخصُ منا يَمُرُّ وحيداً في مناماته، وإنْ رأوه تحت مصباحٍ، يستخرجُ معانِيَ عاريةً من باطنِ الأرض، فلن يكونَ في وسعِهِ تفسيرُ البَرْد، ولا ذاكَ الماء المُظلم.»
بالصمت والتأمّل والفيض الوجداني ذي البعد الصوفي، تقارب نوار الشعر من منافذه الموجعة بعيداً من الرومنطيقية، متنقلةً بين ثيمات، أبرزها: الموت، الصمت، العزلة، الغياب، غربة الذات. وهي تقسّم أدغالها إلى خمسة عناوين فرعية: جرس الليل، صحراء بلا قمر، قبور بعيون مفتوحة، تحت عجلات الأبد، وغبار الشمس، لتتفاوت فيها أنماط الكتابة بين القصيدة الطويلة والقصيرة والمقطعية والفقرات النثرية والشذرات. وتبدو شعرية نوار وقد اختمرت مع التجربة الحياتية لتتسابق مع النار إلى أزرقها الأنقى، ولتحرق مراحلها كلها عند العتبة، فتقول:»أُودّع الأشياء لحظة تظنّ أني في استقبالها».
إنها شعرية الشفافية والهشاشة تلك التي ترى الشاعرة نفسها من خلالها:
«أجدني أعرفُ فداحة وجودي من شدّة الامّحاء
مثلما تُعْرَفُ النيازكُ من عُمْقِ الحُفَر».
تعويذتها الخفر والنبرة الخافتة والزهد، إذ تقول:
«بحبّات الرمل أقيس بُعدي عن الأشياء».
ثم هي وحدها روح الشاعرة المستوحدة ما تجعلها تكتب: «الربيعُ/ عُرْسٌ هندوسيّ، أتأمَّلُ أَكاليلُه من بعيد/ الآلامُ هُنَا تُزهرُ في الجليد».
يحضر الموت في مجموعة نوّار، في فواتن اللقطات المراوغة، لا سيما في قصيدتها «طائر الزئبق» المهداة إلى الشاعر محمود درويش؛ فهو الموت الذي يُزهر فوقه الخلود. تخاطبه الشاعرة سابرةً فراديسه:
«أيّها الموت.../ روحي معكَ بعيدةُ المَنَال/ تحتشدُ في خليّةِ أَلَمٍ/ لتصنعَ عَسَلَها السِّريّ/ حين تضعُ فمَكَ على فَمِي/ أشعرُ بالامتنان/ كما لو أنّ ناقوساً كَوْنياً/ يُوقظُ السُنبلة في غِمْدِها».
الصمت أيضاً، تتردد أصداؤه في أدغالها فنسمعها تقول: «أنا زئيرٌ في شَغَافِ الحياة ومع ذلك منذورةٌ للصمت».
«امرأة الأدغال» مجموعة تختزن وعياً متقدماً باللغة الشعرية، وعمقاً في المضمون المشرّع على أسئلة الوجود، والرؤى، وأيضاً على ثيمة الشعر نفسه، بوصفه فعل كينونة، وملاذاً أوحد للشاعرة التي تقول: «لا أُريد أنْ أُصبح روائية»، وذلك لأنّها «مصنوعة من برق».
آمال نوار شاعرة لبنانية ومترجمة. هاجرت إلى كندا عام 1992، ثم لاحقاً إلى أميركا حيث تقيم حالياً في مدينة كليفلاند من ولاية أوهايو منذ عام 1995. نشرت قصائدها ومقالاتها وترجماتها في الصحافة اللبنانية والعربية منذ منتصف الثمانينات من القرن الماضي، وفي مواقع أدبية متفرقة.»امرأة الأدغال» هي ثالث مجموعاتها الشعرية بعد: «تاج على الحافّة»، دار الفارابي 2004، و «نبيذها أزرق ويُؤنس الزجاج»، دار النهضة العربية، 2007.
جاءت المجموعة في 212 صفحة من القطع الوسط، وتباع النسخة إلكترونياً عبر موقع الدار:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق