كان يواكين سورويا احد أكثر الرسّامين الإسبان رواجا وانتشارا في زمانه. وقد عُرف بقدرته على رسم أكثر المشاهد تلقائيةً في الحياة اليومية وبطريقة فيها الكثير من الحميمية والأناقة.
كانت عائلة سورويا عماد حياته. والصور التي رسمها لزوجته وابنتيه ما تزال من بين أكثر أعماله جاذبيةً وجمالا. منزل الرسّام في مدريد كان عصريّا هو الآخر. وقد بناه بحيث يوفّر لأسرته أعلى مستوى من الراحة والرفاهية.
والديكور الذي استخدمه في البيت كان يعكس الذوق السائد في ذلك الوقت، أي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وكان يتضمّن قطع أثاث من طرز تاريخية متنوّعة بالإضافة إلى تصميمات حديثة.
كان سورويا يستمتع برؤية نفسه محاطا بعائلة حديثة. وكان هو وزوجته كلوتيلدا وابنتاه ماريا وايلينا يولون أهمية فائقة لأسلوب لباسهم، كما يظهر واضحا في صور الرسّام ورسائله. كما كانوا جميعا يتمتّعون بميل طبيعيّ للأناقة وللأسلوب العصريّ في اللباس والعيش.
وعندما كان يذهب في رحلات إلى خارج اسبانيا، لم يكن ينسى أن يعود محمّلا بالكثير من الهدايا لهم من ملابس واكسسوارات وغيرها من الأشياء التي رآها وأعجبته.
رسائل سورويا إلى زوجته عندما كان في رحلات إلى باريس تشي باهتمامه الكبير بالموضة، إذ يشرح لها الاتجاهات الجديدة في الموضة والملابس. كان يحبّ الملابس الصيفية ذات الألوان البيضاء الغارقة في ضوء الشمس والتي تهيمن على أعماله.
لكن زوجته وابنتيه كنّ متمسّكات بالأسلوب الاسبانيّ القديم في اللباس، أي شال فوق فستان اسود في مناسبات الزفاف أو الأعياد الدينية. وقد رسم زوجته كثيرا مرتدية ذلك الزيّ، لكنه أيضا رسمها في العديد من اللوحات وهي تمشي في الحديقة بفستان ابيض مع معطف اسود وقبّعة من ريش الطيور.
ولد يواكين سورويا في بلنسية عام 1893 وتعلّم الرسم على يد أكثر من فنّان. وفي سنّ الثامنة عشرة، سافر إلى مدريد وزار متحف برادو ودرس اللوحات التي كان يضمّها. ثم ابتُعث إلى روما ومنها إلى باريس التي تعرّف فيها على الرسم الحديث. وعند عودته إلى بلنسية، تزوّج من كلوتيلدا ديل كاستيللو التي تنتمي إلى عائلة ثريّة من الطبقة الوسطى.
وقد برع الفنّان في رسم البورتريه والمناظر الطبيعية، لذا عُرف برسّام الضوء لأنه كان يرسم غالبا في الهواء الطلق وتحت نور الشمس.
في ذلك الوقت كانت الطبقة الوسطى في اسبانيا تمرّ بفترة ازدهار، الأمر الذي أدّى إلى رواج رسم البورتريه واكتسابه شعبية إضافية.
كان سورويا معروفا باهتمامه بتفاصيل لباس شخوصه، وبالتدريج أصبح مؤرّخا عارفا بأحوال واتجاهات الموضة في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات العشرين. ولوحاته توفّر سجلا دقيقا للتغييرات التي طرأت على ميول وتفضيلات الناس أثناء تلك الفترة في ما يتعلّق بالأزياء والمجوهرات.
ولم يكن يكلَّف فقط برسم العائلات البورجوازية، وإنما أيضا برسم العائلة الملكية الاسبانية. وهو في لوحاته التي رسمها لهؤلاء يكشف عن روح النخبة وأساليب وطرز اللباس التي كانوا يفضّلونها. وفي تلك البورتريهات، تقف النساء أمامه في أجمل وأحدث الملابس، لأن ذلك جزء مهمّ من أناقتهنّ. لكن سورويا لم يكن يركّز في صوره على جمال المظهر الخارجيّ، وإنّما أيضا على حركة الشخصية ومشاعرها الداخلية.
وقد اكتشف الرسّام الخصائص العلاجية لشواطئ اسبانيا ورسم الملابس العصرية التي يكثر مرآها في تلك النواحي مثل المظلات والقبّعات. وسورويا كان شاهدا على ذلك العصر، كما أن أفراد أسرته يستأثرون بغالبية صوره التي رسمها في البحر.
في زياراته لباريس، رسم سورويا مقاهي وشوارع المدينة، بالإضافة إلى دور السينما والأوبرا وغيرها من الأماكن التي جذبت اهتمامه. ولم يكن ينسى أن يزور الأماكن التي تعرض الأقمشة والابتكارات الحديثة في اللباس. وكان يشتري بعض ما يراه ويضمّنه في صوره.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق