(3).. هو عنوان العرض السويسري "الخاص" الذي قدمته الفرقة السويسرية (7273) ضمن فعاليات النسخة الخامسة عشرة من مهرجان رام الله للرقص المعاصر، وتنظمه سريّة رام الله الأولى، وهو عرض خاص لكونه عُرض في مسرح في بلد الفرقة الأم، ونُقل عبر الأقمار الصناعية وعلى الهواء مباشرة لجمهور فلسطين، وتحديداً في الساحة الخارجية لمؤسسة عبد المحسن القطان، أو في الهواء الطلق بحيّ الطيرة في مدينة رام الله.
و(3) هو عدد الراقصات اللواتي قدمن عرضاً مبهراً على وقع موسيقى عربية، وتحديداً مصرية، بل من ذلك النمط الشائع في "الأعراس" التي تنتشر في حواري المناطق الشعبية وأزقتها، إلا أن ما قدمنه ألين لويس، ومارغو مونتي، وكريمة العمراني، لم يكن رقصاً شرقياً، بل محاكاة غربية خاصة لموسيقى شرقية، لطالما كانت تشغل مصممَيْ عروض الفرقة نيكولاس كنتيلون ولورانس يادي، واللذين تعاملا في هذا العرض على وجه الخصوص، باعتبار كل مقام موسيقي مستَقَراً مكانياً للنغمات، ومساحة خاصة لتحرك الأجساد، بعيداً عن التنميط المرافق عادة لكل موسيقى مُختارة.
وحرص العرض على السماح للموسيقى الشعبية المصرية بالتنقل بحرية، ودون تأشيرة دخول أو حتى تصريح عبور ما بين النغمات الغربية، وهي ذات الحرية في التعبير الجسماني للراقصات عن ذواتهن في إطار الرقص من أجل الرقص، وهو نوع من تطبيقات فلسفة "الفن من أجل الفن"، باعتبار الرقص سلاح مقاومة مجتمعية، ووسيلة للتحرر على أكثر من صعيد، بحيث يظهرن طوال العرض الذي يمتد على ما يزيد على النصف ساعة بقليل، وكأنهن في علاقة جدلية مع كائن خفي ما، أو عدو مجهول، يطاردهن في فراغ المسرح، علاقة هي أشبه بلعبة "القط والفأر" ما بين ضعف وقوة، وهروب ومقاومة بل ومطاردة أحياناً.
وعلى مدار سنوات أربع منذ اعتماد "بنحيي البغبغان" للملحن والموزع المصري موريس لوقا، خلفية للعمل، خاصة بعد أن طورّه، عمدت الثلاث راقصات على تطويع أفكارهن، ومن ثم نقلها عبر سيالاتهن العصبية إلى أجزاء أجسامهن المختلفة، ليخرج بذات التمرد الذي أردنه، بحيث يعبّر عمّا في دواخلهن، كما ذلك التمرد الذي تحمله موسيقى لوقا، في محاولة منهن كما من مصممَيْ العرض، ومن قبلهما لوقا نفسه، التغلب على حالة من التيه تغلف حيواتهن جميعاً، وانعكست في التحيّات الببغائية، كما في اللوحات الراقصة لثلاثي الفرقة السويسرية، وفي رام الله، أرضاً، وفضاءات مرئية أو افتراضية.
وهذا التيه الرمزي، وجد تعبيره بشكل أكثر وضوحاً في تلك اللوحات الراقصة التي رافقت موسيقى لوقا في مقطوعته "شرّق راح تغّرب"، والتي يمكن تسميتها بالأغنية مجازاً، فعيون تلك الراقصة تاهت ما بين الاتجاهات، وتعابير وجه الثانية كانت تقترب تارة وتبتعد تارة عن ذاتها وعن المتلقين في المسرحين السويسري والفلسطيني على مستوى العرض، وفي المسرحين الداخلي والخارجي على مستوى كل واحدة من الثلاث في صراعاتهن مع ذواتهن ومع المحيط بكل تعقيداته، في رحلة بحثهن عن "العصر الذهبي"، في تلك الموسيقى الشعبية التي تضيّع هويتها كما حال الكثيرين في هذا العالم، بحثاً عن شيء ما، في هروب من ذلك العدو المتخيل على المسرح، أو حتى في الاستعداد لمواجهته، أو عند خوض معركة سرابيّة معه.
(3) سويسريات من أصول مختلفة، يخلطن الموسيقى العابرة للحدود والقوميات، ويقتحمن الجغرافيات، بلوحات راقصة متمردة، تخلط المتخيل الواقعي بواقعي متخيل، بحثاً عن اكتمال لا ولم ولن ينشدنه ما دمن يبحثن عن إبداع والمزيد منه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق