منذ تفجر الأوضاع في الأراضي الفلسطينية ابتداء من 13 أبريل الماضي، مرورا بإطلاق حركة حماس الإخوانية أول صواريخها على إسرائيل يوم العاشر من مايو، وصولا إلى يوم 21 مايو الماضي (تاريخ بدء وقف إطلاق النار بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، بعد قتال استمر 11 يوما.
كانت أنظار الكثير من الفلسطينيين والعرب ممن دأبوا على ترديد شعارات المقاومة والممانعة، متجهة صوب حزب الله، منتظرين أن يفتح الحزب جبهة جديدة ضد إسرائيل أولا ليساند حماس في معركتها، وثانيا لكي يكون منسجما مع شعاراته التي يطنب في ترديدها بمناسبة وبغير مناسبة ومفادها أن معركته الرئيسية هي الدفاع عن القدس خاصة وأن الأحداث اندلعت على قبل أيام من قليلة من "عيد المقاومة والتحرير" الذي يحتفل به حزب الله كل 25 مايو من كل عام.
لكن حزب الله خالف التوقعات وخانَ الانتظارات ولم يكن وفيا لشعاراته التي بنى حولها كل سردياته الفكرية والسياسية. ولاشك أن لهذا التأخر دواع عميقة ومتداخلة، بعضها متصل بالأبعاد الداخلية للحزب، وبعضها مرتبط بالأوضاع اللبنانية، وبعضها الآخر مرتبط بإيران.
كانت الضربات الإسرائيلية على غزة اختبارا عسيرا لحزب الله، حيث ظلت صواريخ الحزب حبيسة مخابئها، وتوسعت المسافة بين الخطاب المقاوم والفعل الميداني، وكان ذلك عائد أولا للظروف الصعبة التي يعيشها الحزب حيث تعمقت الصعوبات المالية والسياسية والشعبية التي يعيشها الحزب، منذ بدء مغامرته الطائشة في سوريا، ومنذ استفحال الأزمة الاقتصادية في لبنان،
يضاف إلى ذلك أن الحزب فقد الكثير من مصداقيته في الداخل اللبناني حيث أصبحت الشعارات الشعبية الغاضبة في لبنان تصوب مباشرة على مسؤولية الحزب، بالذات، من ضمن تحالف السلطة، على تردي الأوضاع في البلاد،
وهو وعي لبناني ازداد توسعا ليطال الحضانة الشعبية للحزب نفسه، حيث تراجع نفوذه داخل الطائفة الشيعية التي عاين أغلب أفرادها كلفة التدخل العسكري للحزب في سوريا، وعينوا أيضا تحوله من "حزب مقاوم" إلى عصابة ضيقة فاسدة تعتاش من المخدرات وغسيل الأموال وغير ذلك من الأنشطة القذرة، وتدير ظهرها للطائفة التي تتكئ عليها في الشعارات والبيانات.
لذلك اكتفى حزب الله ببيان "فقير" أصدره بعد بدء سريان وقف لإطلاق النار هنأ فيه المقاومة الفلسطينية بـ"الانتصار التاريخي"، وقال فيه "أكد الشعب الفلسطيني وقواه الحية وكافة دول محور المقاومة وشعوبها والقوى السياسية والشعبية التي أزرته على مستوى العالم أن هذه الغدة السرطانيّة الإجراميّة "إسرائيل" أوهن من بيت العنكبوت، وأن فيها من الضعف والتصدعات ما يجعل التحرير الكامل من البحر إلى النهر مشروعا قريب المنال وإن القدس أقرب إلى الحرية من أي زمن مضى".
ثمة معطى فكري أيديولوجي دفين وخفي لدى حزب الله مفاده أن الحزب الذي يقتات من الازمات يمتلك ضربا من "احتكار" الفعل المقاوم، ويعتبر نفسه مسؤولا شرعيا على المقاومة، لأنه يراها شيعية أو لا تكون، وهي فكرة مشتقة من ميثاق الحزب نفسه، ومن ارتباطه بإيران ومن استفادته من الحروب التي خاضها ومن متاجرته بالقضية الفلسطينية، وهي قناعة توسعت وتضخمت إلى أن الحزب أصبح يسكت بها كل نقد أو معارضة أو رفض لسلوكاته. ولذلك لا نجده يتحمس لأي حدث فلسطيني خارج مدار المصالح الإيرانية التي لا تريد زجه في مقامرة فاشلة خاصة وأنه أبرز حلفاءه في العالم العربي، وأيضًا لن يتشوق الحزب لمقامرة خارج حساباته السياسية اللبنانية.
الأوضاع الاقتصادية الصعبة في لبنان، والاحتقان الاجتماعي المرتب عن ذلك، تضافرا ليعسرا مهمة الحزب في الإقناع أو الترويج لمغامرة جديدة أو طيش آخر يخوضه الحزب، سواء لدى جمهوره الشيعي، أو لدى حلفائه اللبنانيين (خاصة من المسيحيين) أو لدى عموم اللبنانيين. كان الجميع على قناعة راسخة أن الوضع العام في لبنان لا يحتمل معركة للحزب لا يمكن التنبؤ بنتائجها.
كانت كلفة المغامرة السورية باهظة على المستويين البشري والعسكري، حيث فقد الحزب الكثير من موارده البشرية، وتاه الحماس الأيديولوجي لدى عناصره، ولم يعد الحزب قادرا على تزويد كوادره وعناصره بالحماس العقائدي مثلما كان يفعل سابقا، وهذا عائد إلى ما سلف ذكره من تدنّي مصداقية الحزب لدى غالبية الشعب اللبناني. كلفة باهظة أصبح معها الحزب يفكر كثيرا قبل خوض أي مغامرة، لا تدفعه صوبها إيران، والمعطى الأخير يحيلنا إلى الأبعاد المتصلة بإيران، والتي جعلت الحزب يتأخر عن تنفيذ شعاراته وصراخه الدائم ووعوده بتحرير فلسطين من النهر إلى البحر.
في هذا الصدد كان لتزامن الضربات الإسرائيلية على غزة، مع الجولة الرابعة من مفاوضات الأطراف المعنية بالاتفاق النووي الإيراني في فيينا، وكانت إيران واعية بدقة المرحلة، وبأهمية تلك المحادثات من أجل إنقاذ الاتفاق النووي، لذلك انطلقت في سياسة تسير وفق اتجاهين؛ الاتجاه الأول هو الإيعاز لوكيلها المباشر (حزب الله) بعدم التدخل في الحرب على غزة، والاتجاه الثاني هو تزويد حركة حماس بما يلزمها من عتاد وأسلحة (إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس، وجه الشكر مباشرة لإيران وقال نشكر إيران التي قدمت المال والسلاح لمقاومتنا في غزة").
ثمة معطى فكري أيديولوجي دفين وخفي لدى حزب الله مفاده أن الحزب الذي يقتات من الازمات يمتلك ضربا من "احتكار" الفعل المقاوم، ويعتبر نفسه مسؤولا شرعيا على المقاومة، لأنه يراها شيعية أو لا تكون، وهي فكرة مشتقة من ميثاق الحزب نفسه، ومن ارتباطه بإيران ومن استفادته من الحروب التي خاضها ومن متاجرته بالقضية الفلسطينية، وهي قناعة توسعت وتضخمت إلى أن الحزب أصبح يسكت بها كل نقد أو معارضة أو رفض لسلوكاته. ولذلك لا نجده يتحمس لأي حدث فلسطيني خارج مدار المصالح الإيرانية التي لا تريد زجه في مقامرة فاشلة خاصة وأنه أبرز حلفاءه في العالم العربي، وأيضًا لن يتشوق الحزب لمقامرة خارج حساباته السياسية اللبنانية.
الأوضاع الاقتصادية الصعبة في لبنان، والاحتقان الاجتماعي المرتب عن ذلك، تضافرا ليعسرا مهمة الحزب في الإقناع أو الترويج لمغامرة جديدة أو طيش آخر يخوضه الحزب، سواء لدى جمهوره الشيعي، أو لدى حلفائه اللبنانيين (خاصة من المسيحيين) أو لدى عموم اللبنانيين. كان الجميع على قناعة راسخة أن الوضع العام في لبنان لا يحتمل معركة للحزب لا يمكن التنبؤ بنتائجها.
كانت كلفة المغامرة السورية باهظة على المستويين البشري والعسكري، حيث فقد الحزب الكثير من موارده البشرية، وتاه الحماس الأيديولوجي لدى عناصره، ولم يعد الحزب قادرا على تزويد كوادره وعناصره بالحماس العقائدي مثلما كان يفعل سابقا، وهذا عائد إلى ما سلف ذكره من تدنّي مصداقية الحزب لدى غالبية الشعب اللبناني. كلفة باهظة أصبح معها الحزب يفكر كثيرا قبل خوض أي مغامرة، لا تدفعه صوبها إيران، والمعطى الأخير يحيلنا إلى الأبعاد المتصلة بإيران، والتي جعلت الحزب يتأخر عن تنفيذ شعاراته وصراخه الدائم ووعوده بتحرير فلسطين من النهر إلى البحر.
في هذا الصدد كان لتزامن الضربات الإسرائيلية على غزة، مع الجولة الرابعة من مفاوضات الأطراف المعنية بالاتفاق النووي الإيراني في فيينا، وكانت إيران واعية بدقة المرحلة، وبأهمية تلك المحادثات من أجل إنقاذ الاتفاق النووي، لذلك انطلقت في سياسة تسير وفق اتجاهين؛ الاتجاه الأول هو الإيعاز لوكيلها المباشر (حزب الله) بعدم التدخل في الحرب على غزة، والاتجاه الثاني هو تزويد حركة حماس بما يلزمها من عتاد وأسلحة (إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس، وجه الشكر مباشرة لإيران وقال نشكر إيران التي قدمت المال والسلاح لمقاومتنا في غزة").
في ثنايا الحدث الفلسطيني الأخير كان ثمة وعي إيراني يقوم على أن التهدئة مع إسرائيل والاكتفاء بالشعارات (إسرائيل كانت مدركة لذلك) تخدمُ طهران في التوصل إلى اتفاق يفيدها داخليا وخارجيا. هنا كان حزب الله حريصا على عدم إفساد الخطة الإيرانية ومنضبطا لعدم إفساد محادثات طهران النووية لأن النجاح في تلك المفاوضات يمكن أن يؤدي على المدى المتوسط في تخفيف العقوبات الاقتصادية على إيران، وبالتالي ستعود بالمنفعة المباشرة على حزب الله باعتبار تبعية الحزب لراعيه الإيراني.
في إطلالته الأخيرة يوم 25 مايو الماضي (عيد المقاومة والتحرير) بدا حسن نصر الله منهكا ومريضا وكثير السعال، وهي حالة بقدر ما أثارت الأسئلة عن حالته الصحية، فإنها قدمت صورة بالغة الرمزية والدلالة للحزب وزعيمه.
أكد نصر الله في خطاب السعال أن "المَسّ بالمسجد الأقصى والمقدَّسات لن يقف عند حدود مقاومة غزة".
برر حسن نصرالله تأخره في الكلام والظهور بحجة المرض، لكنه لم يوضح سبب تأخر حزبه في تحويل شعاراته إلى أفعال، وهو يستوي في ذلك مع أنظمة قريبة منه لطالما اعتبرت المقاومة أصلا تجاريا على شاكلة النظام السوري الذي كان منشغلا بانتخابات تعيد ترسيم بشار الأسد رئيسا أبديا لسوريا، عن الإيفاء بمتطلبات الشعارات والخطب النارية. على ذلك كان الجميع سعداء؛ حزب الله طمأن أنصاره ببيان يتيم وبتصريحات نارية لبعض قيادييه ومشاغبات لبعض عناصره على الحدود مع إسرائيل.
إيران سعيدة بتقدم محادثاتها النووية علها تخفف عنها العقوبات وتخفف عزلتها الإقليمية.
سوريا (الرسمية) سعيدة بانتخاب بشار الأسد رئيسا على ما تبقى من سوريا. قيادات حركة حماس تمارس نضال الفنادق من الدوحة وزيارات نفاق الانتصار المزعوم، وتنتظر تسديد فاتورة العملية من إيران بعد ان تركت الشعب الغزاوي في مرمى نيران الإسرائيليين. إسرائيل نفسها مطمئنة لهدوء حدودها بفضل نظام الأسد وحزب الله، بل هي تتمنى الشفاء العاجل لحسن نصر الله مثلما قال مسؤول إسرائيلي: "رغم أن هناك من يتمنى لنصر الله الموت، لكنني من أولئك الذين يعتقدون أن نصر الله عامل مفيد في لبنان والمنطقة. الحدود هادئة بشكل نسبي، نحن تعلمنا من تجربة ذهاب قادة واستبدالهم بآخرين أكثر تطرفا لا نعرفهم".
وحده شعب غزة دفع الثمن.
في إطلالته الأخيرة يوم 25 مايو الماضي (عيد المقاومة والتحرير) بدا حسن نصر الله منهكا ومريضا وكثير السعال، وهي حالة بقدر ما أثارت الأسئلة عن حالته الصحية، فإنها قدمت صورة بالغة الرمزية والدلالة للحزب وزعيمه.
أكد نصر الله في خطاب السعال أن "المَسّ بالمسجد الأقصى والمقدَّسات لن يقف عند حدود مقاومة غزة".
برر حسن نصرالله تأخره في الكلام والظهور بحجة المرض، لكنه لم يوضح سبب تأخر حزبه في تحويل شعاراته إلى أفعال، وهو يستوي في ذلك مع أنظمة قريبة منه لطالما اعتبرت المقاومة أصلا تجاريا على شاكلة النظام السوري الذي كان منشغلا بانتخابات تعيد ترسيم بشار الأسد رئيسا أبديا لسوريا، عن الإيفاء بمتطلبات الشعارات والخطب النارية. على ذلك كان الجميع سعداء؛ حزب الله طمأن أنصاره ببيان يتيم وبتصريحات نارية لبعض قيادييه ومشاغبات لبعض عناصره على الحدود مع إسرائيل.
إيران سعيدة بتقدم محادثاتها النووية علها تخفف عنها العقوبات وتخفف عزلتها الإقليمية.
سوريا (الرسمية) سعيدة بانتخاب بشار الأسد رئيسا على ما تبقى من سوريا. قيادات حركة حماس تمارس نضال الفنادق من الدوحة وزيارات نفاق الانتصار المزعوم، وتنتظر تسديد فاتورة العملية من إيران بعد ان تركت الشعب الغزاوي في مرمى نيران الإسرائيليين. إسرائيل نفسها مطمئنة لهدوء حدودها بفضل نظام الأسد وحزب الله، بل هي تتمنى الشفاء العاجل لحسن نصر الله مثلما قال مسؤول إسرائيلي: "رغم أن هناك من يتمنى لنصر الله الموت، لكنني من أولئك الذين يعتقدون أن نصر الله عامل مفيد في لبنان والمنطقة. الحدود هادئة بشكل نسبي، نحن تعلمنا من تجربة ذهاب قادة واستبدالهم بآخرين أكثر تطرفا لا نعرفهم".
وحده شعب غزة دفع الثمن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق