في أجواء مشحونة بالتوتر، وتهديدات وصلت إلى حد الملاسنات أمام الصحفيين، فتحت إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، صفحة جديدة من الحوار الإستراتيجي المباشر مع جمهورية الصين الشعبية، وذلك في أول محادثات رفيعة المستوى، جرت بمدينة أنكوريج بـ ولاية ألاسكا الأمريكية، يومي الخميس والجمعة الماضيين.
بكين وصفت المحادثات بأنها كانت صريحة وبناءة ونزيهة، وأن الحوار أفضل من المواجهة، "وإن كانت تظل هناك خلافات مع واشنطن، فيما يتعلق بمبدأ السيادة".
أما واشنطن، فقد أكدت أن الطرفين وجدًا أرضية مشتركة في مسائل من بينها إيران وأفغانستان وكوريا الشمالية والتغير المناخي، مشيرة إلى أن الإدارة الأمريكية لم تتفاجأ برد الصين الدفاعي على قضايا، من بينها: حقوق الإنسان في شينجيانج والتبت وهونج كونج وتايون والهجمات الإلكترونية.
إدارة بايدن استبقت المحادثات بعاصفة من الانتقادات للصين، ظهرت بوضوح قبيل محادثات ألاسكا، في أول جولة خارجية يقوم بها أعضاء بارزون بالحكومة الأمريكية الجديدة، استهدفت تعزيز تحالفات واشنطن في آسيا.
ففي طوكيو، صرح وزير الخارجية، أنطوني بلينكن، بأن الصين تتصرف بشكل أكثر عدوانية وقمعًا، بما في ذلك في بحري الصين الشرقي والجنوبي، حيث تخوض نزاعات على السيادة مع اليابان ودول آسيوية أخرى، مؤكدًا أن بكين تثير التوتر ولا تخفضه في المنطقة من خلال أعمالها البحرية ومواقفها تجاه تايون.
وفي سول، نسب إلى وزير الخارجية الأمريكي أن الصين تستخدم الإكراه والعدوان لتقويض الحكم الذاتي بشكل منهجي في هونج كونج، وانتهاك حقوق الإنسان في شينجيانج والتبت، وتقويض الديمقراطية في تايوان، وتشديد مزاعمها البحرية في بحري الصين الشرقي والجنوبي، موضحًا: "هذه الأعمال تنتهك القانون الدولي، وسنقاوم، إذا استدعت الضرورة، عندما تلجأ الصين لاستخدام أساليب الإكراه والعدوان من أجل الحصول على مبتغاها".
في تعقيب على الانتقادات الأمريكية، صرح متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية بأن بكين مستاءة بشدة وتعارض بقوة الهجوم الخبيث على سياسة الصين الخارجية، والتدخل الخطير في شئونها الداخلية، والسعي إلى الإضرار بمصالحها.
وأضاف المتحدث، تشاو لي جيان، أن الصين تدعو الولايات المتحدة واليابان للتوقف الفوري عن التدخل في شئونها الداخلية والتوقف عن تشكيل "مجموعات صغيرة" تستهدف الصين.
وذكر تشاو "لا يحق للولايات المتحدة واليابان تعريف العلاقات الدولية بشكل أحادي، ناهيك عن فرض معاييرهما الخاصة على الآخرين".
وأضاف تشاو أن الولايات المتحدة تتبع معايير مزدوجة دائمًا، وتطبق القوانين والقواعد الدولية عندما تتناسب مع مصالحها الخاصة، وتتخلى عنها عندما تتعارض مع تلك المصالح، ولم تدخل الولايات المتحدة في حرب لمدة 16 عامًا فقط من تاريخها الذي يمتد 250 عامًا تقريبًا، ولديها مئات القواعد العسكرية في جميع أنحاء العالم، وسيصدر المجتمع الدولي حكمًا عادلًا تجاه من هو أكبر تهديد للسلام.
وقال المتحدث: "موقف الصين في القضايا المتعلقة بتايوان وهونغ كونغ وشينجيانغ وبحر الصين الجنوبي وجزر دياويو (سينكاكو حسب التسمية اليابانية) ثابت وواضح، والصين حازمة في حماية سيادتها وأمنها ومصالحها التنموية".
وأضاف المتحدث الصيني أن القضايا المتعلقة بتايوان وهونغ كونغ وشينجيانغ، من شئون الصين الداخلية ولا تسمح بأي تدخل أجنبي، موضحًا أن واشنطن تحكمها عقلية الحرب الباردة وتسعى لحصار الصين وتطويقها.
وقال تشاو إن "الصين سوف تتخذ جميع التدابير الضرورية للدفاع بقوة عن سيادتها وأمنها ومصالحها التنموية".
أيضًا، وفي إطار التصعيد السياسي والإعلامي الأمريكي ضد بكين، أعرب وزيرا الخارجية والدفاع لليابان والولايات المتحدة، خلال اجتماع مشترك في طوكيو، عن "مخاوفهما الجادة" بشأن القانون الصيني الجديد الذي يقف وراء تنامي وجود بكين البحري بالمنطقة.
وفقًا لبيان مشترك صدر بعد اجتماع "اثنان زائد اثنان"، أعرب الجانبان عن "مخاوف جدية بشأن التطورات الأخير" في منطقة المحيطين الهندي والهادي، بما في ذلك القانون، الذي يصرح لسفن خفر السواحل الصينية باستخدام الأسلحة ضد السفن الأجنبية التي تعتبرها بكين أنها تنتهك سيادتها.
وقال البيان: إن "الولايات المتحدة واليابان ما زالتا تعارضان أي إجراء أحادي يسعى إلى تغيير الوضع الراهن أو تقويض الإدارة اليابانية" لجزر سينكاكو (دياويو حسب التسمية الصينية) في بحر الصين الشرقي.
بالإضافة إلى ذلك، ناقش الوزراء "التزام الولايات المتحدة الثابت" بالدفاع عن اليابان، بما في ذلك جزر سينكاكو/ دياويو، بموجب المادة 5 من المعاهدة الأمنية الثنائية، التي تنص على التزامات الدفاع الأمريكية تجاه اليابان.
بكين ردت على المخاوف التي تساور واشنطن وطوكيو تجاه تفعيل القانون الصيني الذي يصرح لقوات خفر السواحل باستخدام الأسلحة ضد السفن الأجنبية التي تعتبرها تهديدًا لسيادتها، كما ردت على مخاوف بخصوص زيادة إنفاقها العسكري.
أشار لوه يوان، نائب الرئيس التنفيذي والأمين العام للجمعية الصينية لتعزيز الثقافة الإستراتيجية، إلى أن الميزانية العسكرية الأمريكية لعام 2021 بلغت 740.5 مليار دولار، بينما تبلغ الميزانية العسكرية الصينية 209 مليارات دولار، وهو ما يمثل 28.2٪ فقط من الإنفاق العسكري الأمريكي.
وعلى مستوي نصيب الفرد، سيتعين على كل أمريكي أن يتحمل 2257 دولارًا أمريكيًا من الإنفاق العسكري في عام 2021.
في حين يقدّر نصيب الفرد من الإنفاق العسكري في الصين بنحو 130 دولارًا فقط.
ويعتقد لوه يوان أن الانتقادات الغربية لا تستهدف حجم الإنفاق تحديدًا، وإنما القدرات العسكرية التي يمكن أن تمتلكها الصين، مضيفًا بأن سياسة "احتواء الصين"، لا تسعى لتقييد القدرات التكنولوجية والابتكارية الصينية فحسب، وإنما احتواء القدرات العسكرية الصينية على وجه الخصوص.
وأعرب لوه يوان عن اعتقاده بأن الشرط الأساسي لخفض الصين إنفاقها العسكري هو أن تتخلّى الولايات المتحدة عن تحالفاتها العسكرية ضد الصين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وتوقف دعمها للقوى الانفصالية التايوانية وبيعها الأسلحة لتايوان، وإيقاف سياساتها الاستفزازية في بحر الصين الجنوبي، وعدم التدخل في الشئون الداخلية للصين... وإلا فإن خفض الإنفاق العسكري الصيني سيكون مطلبًا مستحيلًا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق