تونس – شهد اجتماع مجلس شورى حركة النهضة الإسلامية في تونس الأحد انسحاب ثلث أعضاء المجلس، أي ستين عضوا، وذلك احتجاجا على النقاط التي تم إدراجها في جدول أعمال المجلس حيث تم استبعاد أبرز نقطة لمناقشتها وهي الحسم في مسألة التمديد لرئيس الحركة راشد الغنوشي من عدمه.
وعبر مصدر سياسي تونسي عن توقعه بأن تعمق هذه الانسحابات انقسام الحركة على نفسها مع استمرار مماطلة القيادة بشأن المؤتمر الحادي عشر الذي لم يتم البت بعد في موعد انعقاده، ويرجح الإعلان عن تأجيله في وقت لاحق. إلا أن حركة النهضة خففت من وطأة الانسحاب وذكرت في بيان لاحق أن عدد المنسحبين لم يتجاوز 24 عضوا.
وجاء انسحاب العشرات، الذي لم يسبق أن شهدته النهضة، احتجاجا على عدم تضمن جدول اجتماع مجلس الشورى لنقطة الحسم في مسألة ترشح الغنوشي مجددا لرئاسة الحركة، فيما تضمن إقرار مجموعة من العقوبات ضد القيادات التي نقلت الصراع داخل الحركة إلى وسائل الإعلام.

وذكرت إذاعة موزاييك الخاصة أن مجموعة متكونة من 63 عضوا كانت قد وقعت على عريضة لطلب عقد دورة استثنائية لشورى النهضة على أن يكون جدول أعمالها متضمنا لمحورين، التداول في الشأن الوطني وخصوصا الوضع الوبائي وقانون المالية والوضع الإجتماعي، ثم الشأن الداخلي للحركة أي موضوع الانقسام الحاصل ومسألة تطبيق القانون.
وتفاجأت المجموعة الأحد بدعوة مجلس الشورى أعضاءه للانعقاد في دورة عادية غير استثنائية يضم جدول أعمالها نقطتين، الأولى محاسبة من أدلوا بتصريحات إعلامية من مجموعة الـ100 المناهضة للغنوشي، والثانية تتعلق بالتداول في عمل اللجان المعطلة أصلا بسبب الوباء والوضع الداخلي للحركة.
وعزت مصادر مقربة من الاجتماع، الذي كان من المقرر أن يُعقد افتراضيا بسبب القيود التي تفرضها جائحة كورونا، أسباب انسحاب ستين قياديا من هذا الاجتماع إلى تعمد “قادة الحزب انتهاج سياسة الهروب إلى الأمام بتجاهل مطالب مناقشة الأزمة داخل الحركة والبت في مسألة التمديد للغنوشي”.
واعتبرت المصادر في تصريح لـ”العرب” أن الاجتماع الذي كانت تُعول عليه القيادة داخل النهضة لتطويق الخلافات قد زاد من حدّتها، خاصة أنه جاء بعد تهديد مِن الغنوشي لكل مَن نقل هذه الخلافات من داخل النهضة إلى خارجها.
وقال المحلل السياسي محمد صالح العبيدي “إن النهضة دخلت مرحلة المواجهات الداخلية الشاملة؛ لقد صنعت طبقة تستأثر فيها قيادات مقربة من الغنوشي بالغنيمة، ما ولد إحساسا بالغبن لدى قيادات أخرى ورغبة من جيل تربى داخل اتحاد طلبة تونس، على غرار عبداللطيف المكي وسمير ديلو، في التمرد على الغنوشي والإطاحة به‘‘.
وأضاف العبيدي في تصريح لـ”العرب” “لنتفق أولا على أن ما شهدته النهضة الأحد هو سابقة في تاريخها؛ الانشقاقات داخل الحركة لم تعد استنتاجا بل هي مسألة حتمية، والتعايش بين أفراد هذا الحزب أصبح غير ممكن لأن منسوب الصراع لم تعد تحدده قيادات النهضة رغم مزاعمها في وقت سابق أن لديها هياكل تؤطر الخلافات”.
ويرجح مراقبون أن تؤدي هذه الخلافات الطاغية على المشهد داخل حركة النهضة الإسلامية إلى خروج القيادات الغاضبة من طريقة التسيير داخل الحزب لتأسيس حزب آخر، وخاصة أن الغنوشي الذي هو محل الخلاف بدا متجاهلا لمطالب هذه القيادات.
وتوقع مراقبون تونسيون أن الأسابيع المقبلة ستكشف عن خلافات جديدة داخل الحركة، خصوصا مع إصرار الغنوشي على البقاء في رئاستها، غير مستبعدين أن يتكرر سيناريو حزب “تحيا تونس” لنرى النهضة 1 والنهضة 2 وربما النهضة 3.

وقال محمد صالح العبيدي إن ’’شهر ديسمبر المقبل سيكون عاصفا بالنسبة إلى النهضة لأنه لا يوجد حسم بشأن مؤتمر الحزب، لا بالإلغاء ولا بتأجيله، لذلك شهر ديسمبر سيكون شهرا استثنائيا لم يشهد الحزب مثيلا له منذ تأسيسه‘‘.
وأشار إلى أن ’’هذا الشهر لن يكون حاسما فحسب بشأن تأسيس حزب جديد يضم القيادات الغاضبة، بل سيكون حاسما أيضا في تحديد تاريخ الحركة ومصيرها‘‘.
وكانت الخلافات قد هزت الحركة بسبب الفصل 31 من نظامها الداخلي، وهو فصل يمنع ترشح أي قيادي لرئاسة الحركة لفترتين متتاليتين.
وأثار عزم الغنوشي على التمديد له في رئاسة الحزب حفيظة العديد من الوجوه البارزة، ما جعلها تكوّن ما بات يُعرف إعلاميا بمجموعة المئة التي وجهت العديد من الرسائل إلى الغنوشي تطالبه فيها بالتعهد بعدم الترشح مرة أخرى لرئاسة الحزب.
ورد الغنوشي في وقت سابق بطريقته على هذه الرسائل، مؤكدا أنه لا ينوي الترشح لرئاسة الحزب مرة أخرى وتوعد هؤلاء باتخاذ إجراءات في حقهم بسبب ما صرحوا به للإعلام.
وحاول الغنوشي مرارا تطويق محاولات إزاحته عن رئاسة الحزب بأشكال متعددة على غرار الاستنجاد بالرفاق المؤسسين للحركة مثل رئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي الذي دفع بمبادرة تهدف إلى تزكيته من أجل قيادة الأمانة العامة للحزب، وذلك في خطوة رأى فيها مراقبون مناورة من الغنوشي لتقديم الجبالي الذي يعد من المقربين له لقيادة الحزب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق