بقلم : علي الربيعي
مع تنامي المد الاعلامي المرئي المتمثل بأكثر من خمسين محطة فضائية عراقية ، واعداد هائلة اخرى لمثيلاتها من شتى انحاء العالم ، والتي تستقطب جمهورا عريضا يجد فيها المتلقي مايوائم ذائقته ولمختلف الصعد الثقافية والفنية والاجتماعية والانسانية الاخرى، .. ناهيك عن الوسائل الالكترونية التي تبدأ من( الانترنت واجهزة الهاتف النقال و Djو mp3 ) كلها ربما اثرت سلبا من ناحية المؤثرات التي ينتجها التلفزيون (المرئي) على استيعاب المستمع بالنسبة للاعلام الاذاعي في الوقت الحاضر ، خاصة بعد مساحة الحرية المتوفرة بعد التاسع من نيسان العام 2003 ، بعد ان كانت مختصرةعلى ثلاث محطات متلفزة ابان النظام الدكتاتوري المقبور..ولغرض تسليط الضوء على تلك الاشكالية الاعلامية كان هناك رأي لذوات الشأن الاذاعي ، .. حيث تحدث وسام يوسف مدير البرامج في اذاعة المساواة قائلا :
مفهوم خاطئ
ليس هناك أي تراجع يذكر في هذه الاشكالية التي تفسر بشكل خاطئ وغير مدروس ،عن دور الاعلام المسموع ، بل ان الحاصل في الموضوع هو التغيير بشكل الادوات التقنية والمعلوماتية التي اتت على التطور الحاصل في المعلومات ، فلو لاحظتم التطور السريع في الاجهزة الحديثة للحصول على المعلومة التي يسعى اليها الاعلاميون بالتحديد ،كما هو الحال في الاعلام المسموع ، والصراع (التنافس) المبني ولو بشكل اقل قياسا للاعلام الاذاعي الذي يعتمد اولا واخيرا على الاذن (السمع) طيلة اوقات البث ، ولكنه في كل الاحوال يشارك المتلقي كما الوسائل الاعلامية الاخرى ، ولعل وجود الراديو في السيارات والاجهزة الاخرى مثل الـ (mp3 )والهواتف النقالة، لذا اعتقد ان مفهوم تراجع الاعلام الاذاعي خاطئ ، وان مانشهده في العراق من فورة وغليان لوسائل الاعلام ، يرشح عن استقرار العديد من الوسائل الاعلامية ومنها المسموعة بالتأكيد.
اختلاف جذري
ويشاطرالمعد ومقدم البرامج في راديو المساواة زميله وسام يوسف ، بأن لاتراجع في الاعلام المسموع ، وان هناك تحسنا في نهوضه بالنسبة
لطرق ايصال الخطاب والحصول على المعلومة والجذب لدى المتلقي ، وان هناك اختلافاً جذرياً بين الاعلام والمرئي المسموع، كون الاخير يتقدم ويتميز ان لم اقل يسير بمحاذاة المرئي ،وان المتلقي عموما يفضل الاذاعة على التلفزيون ، وهذا هو الاختلاف الجذري بينهما، وان فعل الصوت والاداء الساحر لدى بعض الزملاء والزميلات يشكل حجر زاوية في استقطاب المتلقي ،ما يديم العلاقة بالطرف الاخر ويضعه في اطار البرامج التي تقدم والتي تكون معظمها على الهواء مباشرة، وهذه المشاركة لكلا الجنسين دائما تأخذ الطابع الاجتماعي والفني والثقافي وحتى العلمي والانساني منه ، ونحصل دائما على مكالمات تطالب بتمديد فترات البث للتنوع الحاصل والافكار التي تلائم ذائقة المتلقي، ولا ابالغ اذا قلت نحن(مبدعون) في هذا المجال الذي يختلف عن التلفزيون كما ذكرت آنفا.
تراجع طفيف
فيما يشير المخرج الاذاعي كرم الاعسم من (راديو الناس) بان الاذاعة قد تراجعت تراجعا طفيفا عما كان يقدم من برامج اذاعية مهمة وفي صلب حياة المواطن العراقي ،وذلك لعدة اسباب من اهمها وسائل الاعلام المختلفة والوسائل التكنولوجية الحديثة ، ولكن تبقى الاذاعة مصدرا للمعلومة والمتعة اكثر من نظيراتها التي ذكرت، ،بيد ان الاعلام الاذاعي يقدم برامج لها صلة مباشرة مع نبض الشارع العراقي ، بدلالة ما ان ينتهي برنامج ما حتى ترد اتصالات اخرى على برنامج آخر وهكذا ، وقطعا هذا يعود للجهد المبذول بالنسبة للافكار والمحاور التي تشد انتباه المتلقي سواء من خلال كادر المذيعين والمذيعات أو من المخرجين انفسهم ، ولذا لايمكن للاذاعة ان تنتهي بأي شكل من الاشكال وتحت تلك التأثيرات كونها الوسيلة الترفيهية الوحيدة التي يمكن ان يستمتع بها أي شخص وهو يمارس عملا آخر كما يحدث لشخص يقود سيارته ، او كما يحصل في البيت من ان يفعل اشياء كثيرة وهو يستمع الى الاذاعة بكل ارتياح!..
الاذاعة مدرسة الاعلام
ويرى الباحث الموسيقي يحيى ادريس المدير المفوض لاذاعة اليوم ،بأن حجم الأعلام المرئي والوسائل الالكترونية الاخرى قد اثرت بشكل او بآخر على الاعلام المسموع، ولكن يبقى المتلقي يتعامل مع الاذاعة اكثر من تعامله مع التلفزيون ،كونها تقترب لاكثر من شريحة اجتماعية ولاعمار مختلفة، خاصة من الشباب والشابات، وبرامج معدة للأطفال واخرى تراثية خاصة بالغناء العربي والعراقي، التي تتعلق بفترات الليل لمن عاشوا في الخمسينيات وحتى السبعينيات منها ،ومهمتنا كسب هذه الشرائح الاجتماعية.. على ان بعضا من الاعلام المرئي يعاني من (الفوضى) والعشوائية والتي تبث الى مايدعو الى الاحتقان والتحريض على عدم التصويت في الانتخابات كما حدث مؤخرا وعدم حصولها على تراخيص من هيئة البث والارسال ، وخاضعة لاجندات لايعرف لها اول ولا آخر، فقد كنا ان نلعب دورا مهما في تنشيط ودعم المواطن العراقي لحثه على الانتخابات التي هي ملاذه الاخير في تحقيق طموحاته ومشاركته الفاعلة في ارساء الديمقراطية للعراق الجديد،.. ولدينا برامج مهمة تتعلق بحقوق المرأة والطفل والمشاكل الاخرى المتعلقة بالمجتمع العراقي، حيث يكون تمويلنا ذاتيا وليست لدينا اية جهة داعمة سياسية او اخرى، ما يضطرنا احيانا لان لانتقاضى رواتب لشهور معدودة، ولكن يبقى العشق الاعلامي الاذاعي هو مدرسة الاعلام ،وان العمل الاذاعي عمل (صعب) فهو يحتاج الى صوت والقاء مميزين في النطق بالاضافة الى الثقافة التي تزيد من وعي العاملين في الاذاعة ، وان هناك غياباً كبيراً لمن لايعرفون العلم الاذاعي ولم يكونوا سوى مدراء لايفقهون من الخطاب الاذاعي ومهامه أي شيء يذكر وتلك الطامة الكبرى ، والتي سببها عدم وجود الرقيب أو الجهة المشرفة على الاداء الاعلامي الاذاعي، متمنيا ان يتزامن الخطاب الاعلامي مع الحس الوطني للنهوض بحكومة وطنية تخدم الشعب في كل الاحوال، ويبقى لبشار بن برد رأيه في ان الأذن تعشق قبل العين احيانا.
سيدة وسائل الاعلام
ويصف الاعلامي روحي احمد مدير البرامج في اذاعة اليوم ، بأن وسائل الاعلام سواء أكانت مرئية أم مسموعة ام مكتوبة ، ووسائل الاعلام المختلفة الاخرى ، قد تساهم في انحسارمساحة الاعلام المسموع ، ومنها المتصدر من الاعلام الفضائي المرئي (التلفزيوني) ولكن برغم كل هذه الوسائل الاعلامية المبهرة للمشاهد ،ظلت الاذاعة ،وعالم الاذاعة ، لها جمهورها ومحبيها ،وتأخذ اهتمام الكثير من المواطنين وابناء الشارع المحلي.. فالاذاعة تمتلك مساحة اوسع في التعبيروالحديث وطرح الهموم ، لذا هي تبقى صديقاً حميماً في كل وقت ، وهي(سيدة) وسائل الاعلام الاخرى ، لما تمتلكه من فضاءات واسعة للتعبير في اثارة القضايا
والموضوعات التي تحاكي وتناغم هموم المواطن ،وهي الفيصل والحكم ،ووسيلة جذب المتلقي للاستماع يجب ان تكون مشروطة بما يلي:ان يكون الصوت المقنع والجميل والمثقف في الوقت نفسه والشكل المقبول لدى المتلقي! والثقافة المعلوماتية للمذيع واللغة العربية الصحيحة ، والاتزان في التصرف والسلوك ،والقدرة على الحواروالحديث اللبق،والابتعاد عن الشكليات والدخول في صلب الموضوع الجوهري المطروح على طاولة الحوار.
الاختيار الدقيق
ويشير المخرج ومهندس الصوت ليث العاني في راديو الرشيد الى ان وجود الفضائيات بعددها الهائل ،لايؤثر على الاداء الاذاعي طالما كانت حيادية وفعالة في طرحها فيما يخص المواطن ، وملامستها المباشرة مع المتلقي وبلا رتوش يزيد من نجاحها واستمراريتها ،خاصة في الاختيار الدقيق لمناقشة الموضوعات المهمة والجريئة ، حتما سيجذب عددا كبيرا من المستمعين ، ولعل اختيار الفواصل الغنائية بين فقرات البرامج الفنية والثقافية تشعر المتلقي بالمتعة الحقيقة والهادفة من هذه البرامج ، والمهم يبقى الاداء الاعلامي مرهوناً بصوت وبثقافة المذيع او المذيعة ، على العكس من الفضائيات التي تعتمد في بعضها اولا واخيرا على الشكل وبما يعادل 70 % والصوت 30 % كما هو متعارف ربما عن الاعلام المرئي.
تراجع وقتي
وبديهيا ترى المذيعة اماني البياتي من اذاعة المحبة بأن التكنولوجيا الحديثة وخاصة فيما يتعلق في الاتصالات ،كالأنترنت قد أثر بصورة أو بأخرى على تراجع الاعلام الأذاعي ولو لبعض الوقت ، مع حالة بعض الاعلام المرئي المبعثر والمسيس من قبل الشخصيات والتيارات السياسية الاخرى ، على العكس من الاعلام الاذاعي الجاد والعلمي والمنظم ، وحسب مايراه اهل المعرفة ومايتوقعونه باستعادة العافية لهذا الخطاب المسموع والمباشر مع صميم حياة المواطن ، ولجميع الفئات العمرية التي يستقطبها وبشكل مبرمج وصحيح.
ازالة الاقنعة المزيفة
عمر السراج ،رئيس قسم المخرجين في اذاعة المحبة ، يضع اللوم ولجميع الصعد الاعلامية بالنسبة لمسؤولية تراجعها اوانتشارها على ماهية المادة المطروحة ،مع ثقل وتأثير التقنيات الحديثة التي بدأت تتزاحم في كل شيء ،ولعل تراجع عدد المستمعين من هذا الكم الاذاعي البسيط ، هو هذا التزاحم المربك والخطير الذي يحاول كل منها استقطاب اكبر عدد من المستمعين، ولكن يبقى دورنا الاهم هو في ايصال المعلومة وايصال الحقائق وازالة الاقنعة المزيفة التي صارت لباسا رسميا يرتسم امام اوجه الحياة المحيطة المختلفة ، ومناقشة مشاكل العصر على مسمع الجميع ، بما فيها ايصال صوت المظلوم والكثير من المهام السامية ، اضافة الى زرع البسمة والامل في زمن هجرته مثل هكذا مفردات حياتية مهمة.. وان الاذاعات المستقلة هي من انجح الاذاعات التي لن تكون خاضعة لهذا الطرف او ذاك ، كما هو حاصل مع الاذاعات التجارية التي يكون شاغلها الاكبر في بث الاعلانات دون مراعاة للمواد المطروحة في الاذاعة ، ناهيك عن الاسفاف والاغاني العارية من مقومات الفن الاصيل، ودون رقابة ضمير او مؤسسة مسؤولة عن ذلك.
احترام المتلقي
المذيعة زينة محمد من راديو ديموزي F.M ، نفت ما مااسمته تراجعا مع ظهور الفضائيات الكثيرة والوسائل الالكترونية الحديثة ، مثل الانترنت الذي يمكن من خلاله البحث والتعرف والاطلاع على المعلومة في كل الاوقات ، وكذلك اجهزة النقال المتطورة التي تساعد في خزن المعلومات والاشياء المهمة الاخرى ، كون الاعلام الاذاعي كان ولما يزل له دور كبير ومميز وذو نكهة خاصة للمتلقي ، لانه يعتمد على ادوات مهمة جدا ومنها الاداء الاذاعي الجذاب والمبني على خلفية ثقافية للمذيع او المذيعة وكذلك سلامة اللغة والنطق في توصيل المعلومة بالشكل الصحيح مع مساحة احترام مشاعر المتلقي التي تعبر عن الحزن والسعادة لبعض الموضوعات في البرامج المختارة.. على العكس من المرئي الذي يعتمد الشكل احيانا دون المضمون ، وفقدان الكثير من اللغة (المحاورة) واللباقة والتحدث بانسيابية واسترخاء قد لانجدها كثيرا في الأداء الاذاعي المعتاد.
وسائل التأثير
ويشخص السيد سالم موسى ابراهيم ،المدير التنفيذي لراديو ديموزي F.M، بعض السمات الفنية التي تختلف عن الوسائل الاعلامية الاخرى ، ومنها كونه فناً يعتمد على الاذن لدى المتلقي وعلى الصوت أو (الفون) لدى وسيلة الاعلام او الاذاعة ، وان الهدف في الوسيلة الاذاعية صعب التحقيق قاصدا جهة الوصول الى الهدف ،وهو التأثير في المستمع ،فالهدف يبقى بحاجة الى وسائل كثيرة من الاعداد الجيد للموضوع الذي يجب ان يكون اختياره دقيقاً ، والذي يأتي غالبا قبل الاعداد ،وتحديد الجمهور المستهدف ومعرفته من خلال استطلاعات الرأي المهمة جدا، وتصنيفه المجتمعي ،يصار الى صياغة الخطاب ومن ثم تهيئة الادوات ،التي تؤثر على المستمع او فيه ، ومنها اختيار المذيع او المقدم الجيد الذي يمتلك الخامة الصوتية واختيار الموسيقى والفواصل وغيرها ..وتبقى دائرة المنافسة بين الاعلام الاذاعي ومن ينافسه ، فقد انضمت الوسائل الالكترونية الى الوسائل المرئية التي ايضا تعددت واثرت على سعة الشريحة التي تتابع اوتستهدف من قبل القيمين على تلك الوسائل .. وليس انتشار الوسائل الاعلامية الاخرى اثرت فقط ،ولكن ايقاع الحياة المختلف والمتجه نحو السرعة ونحو الاقتراب من المشاهد اوالمتلقي ، وان هذا الايقاع السريع وتعدد الاغراض لقضاء تزجية الوقت بعد ان كانت قليلة جدا او تكاد تنحصر في الاذاعة والتلفزيون والسينما والصحيفة التي ماكانت منتشرة كما هي الان والتي تعاني كغيرها من وسائل الاعلام من المزاحمة والزحف على الجمهور ، لذا هناك الكثير من العوامل التي جعلت مساحة الاعلام المسموع تضيق وليس الاعلام المرئي فقط ، لانها موجودة في الاصل وان لم يكن كما هو عليه الان فايقاع الحياة والتبدلات الاجتماعية وحتى التربوية وغيرها من الضواغط اثرت في ذلك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق