اهتزت الجزائر، الأحد، على وقع جريمة جديدة ضمن مسلسل اختطاف وقتل الأطفال، ويتعلق الأمر هذه المرة بحادثة مأساوية راحت ضحيتها الفتاة "شيماء" التي تبلغ من العمر 18 عاما، التي عثر على جثتها في محطة مهجورة للوقود بمدينة الثنية ببومرداس (50 كلم شرق الجزائر العاصمة).
وحسب التحقيقات الأولية فإن مرتكب الجريمة مسبوق قضائيا، وقد سبق للضحية أن تقدمت بشكوى ضده بتهمة الاغتصاب عام 2016، عندما كانت تبلغ من العمر 14 عاما فقط، وقد ظلت القضية تراوح مكانها، وقد عاد المجرم إلى فعلته وقام باختطاف شيماء من أمام بيتها مستخدما السلاح الأبيض واغتصباها ثم أحرق جثتها وفر هاربا.
المطلوب الإعدام والقصاص
وجهت والدة الضحية رسالة إلى الرئيس عبد المجيد تبون لتنفيذ عقوبة الإعدام والقصاص لحق ابنتها، وقالت السيدة في فيديو نشرته عبر مواقع التواصل الاجتماعي إنها تعرف المجرم وقد سبق لها وأن تقدمت بشكوى ضده عام 2016 بتهمة التحرش بابنتها.
وتعاطف المئات من الجزائريين مع والدة شيماء، وعلق عدد من المثقفين والإعلاميين على الحادث عبر مواقع التواصل الإجتماعي، وكتب الإعلامي الجزائري محرز رابية:" النتيجة: عائلة ثكلى ومعاناة أم لا يواسيها أحد، هذا العمل الحقير والحاجة إلى إعادة تفعيل عقوبة الإعدام في الجزائر".
وكتبت الإعلامية الجزائرية ليلى بوزيدي :"يجب ان تتحرك العدالة فورا و ينتفض الإعلام بكل أشكاله ضد من يبررون للمغتصب القاتل جريمته الشنعاء و يحرضون على العنف ضد المرأة".
وأكد رئيس الشبكة الجزائرية للدفاع عن حقوق الطفل، عبد الرحمن عرعرا، أن الجزائر تسجل أكثر من 9 آلاف حادث اعتداء جنسي سنوياً تشمل زنا المحارم والاغتصاب والتعنيف الجنسي والحالات المتعلقة بالاختطاف، وقد أحصت الجزائر هذه السنة 13 حالة اختطاف للأطفال خلال العام الجاري دون تسجيل أية ضحية.
ويرى رئيس جمعية "ندى"، التي تعتبر واحدة من أشهر الجمعيات المدافعة على حقوق الطفل، أن الآليات المعتمدة لمحاربة هذه الظاهرة لم تخرج عن إطار إجراءات الردع، وقال عرعرا لـ سكاي نيوز عربية": "الإجراءات المعتمدة في الجزائر للقضاء على هذه الظاهرة تركز على الردع الأمني دون أي إجراءات مصاحبة تستهدف الأطفال والأسر الضحايا".
وأضاف: "للأسف لا يتم العمل مع الفاعلين الاجتماعيين والصحيين ولا يتم تقديم أي دعم للأسر الضحايا"، فبمجرد انتهاء الإجراءات القانونية، تُترك الأسرة لإمكانيتها الخاصة وتكافح مع المشاكل، ناهيك عن مأساة العائلات التي لم تجد أطفالها أبدا.
ويتضمن القانون الجزائري نحو 18 جريمة يعاقب عليها بالإعدام، وكلها تتعلق بإزهاق الروح البشرية، بينما تنص المادة 293 مكرر من قانون العقوبات على أن عقوبة جريمة الاختطاف تترواح ما بين 10 إلى 20 سنة سجنا، وقد تصل إلى الإعدام إذا مات الشخص المختطف.
ويؤكد خبراء القانون أن الجزائر ستتجه إلى تنفيذ هذه العقوبة رغم أنها وقعت على الاتفاق الدولي الخاص بالحقوق المدنية والإنسانية، وصرح رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان ورئيس اللجنة الاستشارية للمجلس الأممي لحقوق الإنسان، البروفيسور بوزيد لزهاري أن الجزائر ستقوم بالعودة إلى تطبيق عقوبة الإعدام ضد مختطفي الأطفال.
وخلال السنوات الأخيرة تعالت الأصوات التي تطالب السلطات الجزائرية بتوفير المزيد من الإجراءات لحماية الأطفال من التعرض للاختطاف، بالنظر إلى عددهم الكبير، حيث يوجد في الجزائر 5 ملايين طفل تقل أعمارهم عن 5 أعوام، و13 مليون طفل دون 18 عاما.
وبالإضافة إلى كونه مطلبا، شعبيا فإن العديد من المنظمات والجمعيات الناشطة منها "جمعية ندى"، تدعو لتطبيق عقوبة الإعدام ضد مرتكبي جريمة قتل الأطفال.
وقال رئيس الجميعة:"موقفنا واضح من عقوبة الإعدام ويجب أن تطبق على مرتكبي جريمة الاختطاف والقتل والاعتداء الجنسي على الأطفال القصر".
الكرة في ملعب السلطة التنفيذية
وفي خطوة جديدة نحو وضع حد لمثل هذه الجرائم التي تنخر جسد المجتمع، سنت وزارة العدل بأمر من رئيس البلاد عبدالمجيد تبون مشروع قانون خاص يتضمن تشديد العقوبات على مختطفي الأطفال.
وينص القانون الجديد على تسليط عقوبة المؤبد على الذين يختطفون أطفالاً ويعثر عليهم سالمين، فيما تصل إلى حكم الإعدام في حال قتل الأطفال والتنكيل بجثثهم.
ويرى الباحث في القانون، عمار خبابة، أن ما ينقص الجزائر اليوم ليس سن القوانين الجديدة، وإنما تفعيل النصوص القانونية الموجودة.
وقال لـ سكاي نيوز عربية :"المحاكم الجزائرية أصدرت أحكاما بالإعدام ولكن الأمر يتوقف عند السلطة التنفيذية"، وتساءل خبابة:"لماذا نذهب إلى تعديل القانون ولماذا نتكلم عن قوانين جديدة لتطبيق عقوبة الإعدام على مرتكبي جريمة قتل الأطفال بينما النصوص القانونية موجودة أصلا".
وتم تعطيل عقوبة الإعدام في الجزائر منذ عام 1993، وقد توجهت الجزائر لاحقا وتحت ضغط المنظمات الحقوقية للتوقيع على اتفاقية مع الأمم المتحدة لتعطل تطبيق أحكام الإعدام التي تصدرها المحاكم الجزائرية.
وشدد خبابة على ضرورة تطبيق عقوبة الإعدام وقال :"نحن متمسكون بتطبيق هذه العقوبة وهي اليوم مطلب شعبي وأعتقد أن السلطة الحالية ستتجه لتطبيقها على مرتكبي جريمة اختطاف واغتصاب وقتل الأطفال بعدما أصبحت هذه الجريمة تنخر جسد المجتمع الجزائري في السنوات الأخيرة".
وشهدت الجزائر ارتفاعا ملحوظا في معدل جرائم اختطاف الأطفال الذي استفحل لاسيما في عامي 2011 و2012، وفي سنة 2014 تم تسجيل 220 محاولة اختطاف. وتم تسجيل 52 حالة اختطاف لأطفال عام 2016، نجحت الجهود الأمنية في استعادة معظمهم بينما عثر على 7 منهم مقتولين.
بطاقة للمتحرشين
وفي دراسة أكاديمية قامت بها الباحثة صونيه بن طيبة ضمن حوليات جامعة قالمة للعلوم الاجتماعية والإنسانية بعنوان "ظاهرة اختطاف الأطفال في الجزائر-أبعادها واستراتيجية مكافحتها"، خلصت إلى أن دوافع الاختطاف متعددة منها دوافع مالية كطلب الفدية، أو المتاجرة بالأطفال أو بأعضائهم البشرية أو لأغراض السحر والشعوذة، أو انعكاسا لنزاعات عائلية كالهروب بالطفل إلى الخارج، أو لأهداف إجرامية بنية الاعتداء الجنسي على الضحية، وغالبا للأسف ما تنتهي بقتل الطفل بغرض محو الأدلة.
ويرى معارضو تطبيق عقوبة الإعدام في الجزائر الأمر من زاوية أخرى، فبالنسبة لهم فإن عقوبة السجن المؤبد أشد من الإعدام، كما قال المحامي الجزائري عمر فاروق سليماني لـ"سكاي نيوز عربية" الذي يرى أن هناك تخوفا من استخدام العقوبة ضد المعارضين السياسيين، كما أن هذه العقوبة لم تثن مختطفي ومغتصبي الأطفال في العديد من الدول، على سبيل المثال في الولايات المتحدة الأميركية، حيث تتواصل الجرائم عبر أفعالهم الشنيعة غير الإنسانية، رغم تطبيق هذه العقوبة في بعض الولايات.
وأكد المحامي أن الدولة قد تتجه إلى تطبيق عقوبة الإعدام على نطاق ضيق استجابة للمطلب الشعبي الذي ينادي بها، خاصة في السنوات الأخيرة بعدما انشرت ظاهرة اختطاف وقتل الأطفال، إلا أن هذه العقوبة قد تشفي غليل ذوي الحقوق وليست حلا لمشكلة اجتماعية تفاقمت مؤخرا.
كما يعتقد المحامي الجزائري أن وضع حد لهذه الظاهرة المتعلقة باختطاف الأطفال لا يكون فقط من خلال التشديد على آليات الردع وإنما من خلال التكثيف في إجراءات حماية الطفل، وإعداد بطاقة وطنية للمتحرشين والمختطفين وكذا خطة وطنية للتدخل العاجل في حال وقوع حالة من حالات الاختطاف.
ويستدل على كلامه بقصة الفتاة شيماء التي تمكن مغتصبها من اختطافها وقتلها وحرق جثتها، ولم يتم الكشف عن ذلك إلا بعد أربع أيام وكان قد سبق لقاتلها أن قام باغتصابها، وكانت قد أودعت شكوى ضده ونال جزاءه، لكنه كرر فعلته الشنيعة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق