ريتا فؤاد - الجزيرة نت
بالرغم من أن عرض فيلم "شيطان أبد الدهر" (The Devil All the Time) لم يبدأ على شاشة نتفليكس إلا في 16 سبتمبر/أيلول الجاري، إلا أنه سرعان ما أصبح حديث منصات التواصل الاجتماعي؛ بل احتل المرتبة الأولى للأعلى مشاهدة في العديد من الدول، وذلك حسب ما نُشر في موقع "فليكس باترول" (Flix Patrol) المعني بالإحصائيات. متقدما على أفلام شيقة أخرى، لها متابعوها، مثل "السنافر 2″ (The Smurfs 2)، و"المعضلة الاجتماعية" (The Social Dilemma)، و"المسعف" (The Paramedic).
وهو ما يبرر حصوله بهذه الفترة القصيرة على تقييم بلغ 7.2 نقاط منحهم إياه جمهور موقع "آي إم دي بي" (IMDb) الفني.
رائحة الإثارة النفسية
ينتمي الفيلم لفئة الإثارة النفسية التي قدمت في إطار من الدراما والجريمة، وهو مقتبس عن رواية بالاسم نفسه تأليف دونالد راي بولوك. أما الإخراج فلأنطونيو كامبوس الذي شارك بكتابة السيناريو والحوار، في حين أسندت البطولة إلى مجموعة ضخمة من الممثلين من بينهم توم هولاند، وبيل سكارسغارد، وروبرت باتينسون، وهيلي بنيت، وإليزا سكانلين.
أحداث الفيلم تبدأ في أربعينيات القرن 20، وتحديدا مع نهاية الحرب العالمية الثانية، ورجوع أحد الجنود من الحرب قبل أن يتعرف إلى المرأة التي سرعان ما ستصبح زوجته، لينتقلا بعدها إلى بلدة منعزلة، وبين أحراش الغابات تتوالى الأحداث التي تستمر على مدار 20 عاما، وتضم العديد من الأجيال التي ترث أسرار وأثقال عائلاتهم، وسط الكثير من القصص المثيرة والسوداوية.
*******
من كان منكم بلا خطيئة
تعد حبكة العمل أحد عوامل الجذب التي أجبرت المشاهد على ألا يبرح مقعده من البداية حتى النهاية، من جهة بسبب طابعه التشويقي المثير، ومن جهة أخرى للطريقة الاحترافية وغير المتوقعة التي تقاطعت بها طرق الأبطال بعضها بعضا.
وقد أتى العمل متخما بالموت بين العديد من حوادث الانتحار والقتل المتسلسل والجرائم الانتقامية، وهو ما سلط الضوء على ما يتمتع به البشر من وحشية وفساد وشر دفين يختبئ تارة خلف الأقنعة وتارة أخرى خلف المعتقد ومحاولات البحث عن الإيمان.
ولعل ما ميز الحبكة بجانب عنصر الإثارة والمفاجأة، هو التناقض الذي حظيت به، فمع كل الآثام التي ارتكبها الأبطال إلا أنهم كان لديهم مبرراتهم؛ بل إن بعضهم استطاع أن يجمع داخله بين النور والظلام على حد سواء، وهو ما جعل المشاهدين يختلفون حول موقفهم من الشخصيات.
تقييمات فنية متفاوتة
ومع أن الفيلم حاز على تقييمات متفاوتة من النقاد؛ إلا أن الجميع أثنوا على التمثيل الذي جاء عبقريا من الجميع على اختلاف أحجام أدوارهم، وإن كانت الإشادة الأكبر جاءت من نصيب توم هولاند الذي خرج من عباءة الرجل الخارق مقدما شخصية درامية بامتياز دون الحاجة للاعتماد على تقنيات التكنولوجيا الحديثة.
وكذلك روبرت باتينسون الذي فاجأ الكثيرين بتقمصه للشخصية المركبة والمخادعة التي قدمها، كرجل دين يتستر خلف النصوص المقدسة، ويستغل مركزه للوصول إلى أهدافه الدنيئة.
من الإيجابيات التي حازت على إعجاب المشاهدين كذلك، الإخراج المميز لكامبوس الذي برع في خلق حالة من التشابك المثير بين الحكايات الثلاث. بالإضافة إلى تفصيلة صوت الراوي صاحب الملحوظات الساخرة تارة والجافة تارة أخرى، التي لم يكن صاحبها سوى "بولوك" مؤلف الرواية الأصلية، كل ذلك غُلف بموسيقى تصويرية نجحت في التعبير عن الحالات الشعورية المختلفة للأبطال على مدار العمل.
أما التقييمات السلبية فأرجعها أصحابها لعدة أسباب، أولها الوحشية والدموية التي قدمها العمل، فالأبطال الذين يطاردهم شبح الحرب في كل أرجاء الحكاية، لم يلبث أن انتصر عليهم شيطانهم جاعلا العنف وسيلتهم الوحيدة لحماية أنفسهم أو حماية من يحبون.
وثانيها قدر الميلودراما والبؤس الذي طغى على الجو العام، مما جعل البعض ينفرون من الفيلم ولا يقوون على إكماله، خاصة وأن مدته الزمنية تخطت الساعتين.
وعلى ذلك، لم يمنع كل ما سبق وقوع آخرين في حب الفيلم، الذي بدا كأطروحة تفصيلية حول الشر القابع بالنفس البشرية، الذي ينتظر أتفه الفرص وأصغرها؛ ليتجلى كوحش يسيء أصحابه استغلاله ليخدموا مصالحهم حتى إن كان ذلك سيتسبب بإيذاء الآخرين.
نهاية تحتمل التأويل
"أعاني دائما من أجل النهايات السعيدة، أحب النهايات التي تتركك بأمل في شيء أفضل، وتمنحك فرصة لشيء آخر، وعليك أن تختار نسختك الخاصة منها". هكذا صرح المخرج كامبوس لمجلة "إسكواير" (Esquire)، مبررا سر نهاية العمل المفتوحة التي تحتمل التأويل وفقا لهوى المتلقي، وإن كان الغالبية مالوا لتفسيرها بشكل يوحي بالأمل في إيجاد البطل سبيلا للهروب من ماضيه، وبدء مرحلة جديدة قد تحمل بريقا جديدا من النور.
21/9/2020
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق