جزء كبير من جاذبية السينما، كأحد فنون الحكي، يأتي من قدرة هذا الوسيط على خلق حالة من التعايش مع القصة المحكية على الشاشة، إذ يستطيع المشاهد أن يتماهى مع الشخصيات التي يشاهدها ويرتبط بها عاطفيا. ولكي يستطيع المشاهد أن يتماهي مع شخصية خيالية ﻻ بد أن يجد فيها ما يتماس مع حياته وشخصيته الخاصة، ولكن هذا ﻻ يعني أن يكون البطل أخلاقي بالضرورة، فماذا لو كان هذا الشخص غير أخلاقي أو شرير، كيف إذن يتماهي المشاهد مع مثل هذه الشخصية؟
أفلام الجريمة هي أحد أكثر الأنواع السينمائية جماهيرية منذ العقود الأولى في عمر هذا الفن الحديث، رغم أن البطل في هذه الأفلام هو مجرم وقاتل بالضرورة، ولهذا نجد أن أحد القواعد الراسخة لفيلم الجريمة هي النهاية المأساوية للبطل، فالمشاهد في هذه الأفلام يجد الفرصة لخوض تجربة مثيرة يتخيل فيها نفسه محل البطل/المجرم، لكنه يخرج بصورة ذهنية عن النهاية الحتمية لهذا السلوك المنحرف وغير المقبول مجتمعيا.
في فيلم “الأب الروحي The Godfather”، يرتبط المشاهد عاطفيا بالبطل/المجرم مايكل كورليوني (أل باتشينو)، ويشاهد المقاربة الجمالية بين مشهد جلوسه على طاولة الطعام في الجزء الأول يحيط به أفراد عائلته، وبين الجلسة نفسها في مشهد آخر في الجزء الثالث حيث يجلس مايكل على الطاولة نفسها وحيدا، بعد أن خسر عائلته، قتل أخاه، وقتلت ابنته بين يديه.
اكتسبت شخصية “الجوكر“، المستوحاة من القصص المصورة الأمريكية (كوميكس)، شهرة عالمية بعد الأداء الاستثنائي لها من قبل الممثل هيث ليدجر في الجزء الثاني من ثلاثية “فارس الظلام The Dark Knight” للمخرج الأمريكي كريستوفر نولان في عام 2008. كانت الشخصية قد سبق تقديمها قبل ذلك في أكثر من نسخة، غير أن القصة الخلفية للجوكر ظلت حبيسة القصص المصورة حتى قبل أيام حين بدأ عرض فيلم “جوكر Joker” من إنتاج شركة وارنر بروس، وإخراج تود فيليبس، وبطولة خواكين فينيكس.
يرتبط المشاهد العالمي بصورة ذهنية عن الجوكر مستقاة بشكل كبير من نسخة نوﻻن وليدجر، وهي الصورة السوداوية التي يظهر فيها كمجرم سيكوباتي يسعى إلى الانتقام من المجتمع والنظام السياسي بخلق حالة من الفوضى، ولكن كما أسلفنا لا تمثل القصة الخلفية لهذه الشخصية جزء من هذه الصورة الذهنية إﻻ لدى جمهور القصص المصورة، ولهذا فقد اكتسب الفيلم زخما خاصا كونه التجربة السينمائية الأولى لتقديم هذه القصة، وكذا ﻷنها الفرصة الجديدة لمنافسة هيث ليدجر المتربع على عرش هذه الشخصية الصعبة والمركبة، بعد أن بدد الممثل جاريد ليتو فرصة مماثلة في فيلم “فرقة العدالة Justice League” قبل عامين. ولكن بعيدا عن ذلك، واجه الفيلم تحدي أكبر، فكيف سيجبر المشاهد على التماهي مع بطل بمثل هذه المواصفات؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق