مواجهة / بقلم إبتهال الخطيب

. . ليست هناك تعليقات:




تتنامى معضلة التعليم في عالمنا العربي إلى درجات خطرة بسبب غياب مهارة التفكير النقدي بل ومحاربة هذه المهارة في الكثير من الأحيان. يعتمد التعليم في عالمنا العربي، في معظمه، على التلقين الذي ينبع من الأنظمة الأبوية السائدة التي تقوم على ثنائية الأمر والطاعة، والتي لا تتيح الكثير من الفرص للإبداع واستعمال الخيال والخروج عن المألوف. كما أن تدريس مقررات التربية الدينية في الأغلبية العظمى من دولنا العربية يقوم على فكرة تقديم الحقائق المطلقة غير القابلة للمناقشة أو النقد، وهي بحد ذاتها إشكالية معقدة تضاف للأسلوب التلقيني الأبوي المدرسي وتعمق آثاره.
يفترض أن المدرسة مؤسسة تعليمية تقوم منهجيتها على التفكير النقدي؛ فهي تقدم مواد رياضية وعلمية تستوجب الحث على التفكير والشك والمناقشة، بل يفترض أن الهدف التعليمي في النهاية يرمي إلى وصول الطالب إلى القدرة على التشكك ورفض المعلومة إن احتاج لذلك من أجل الوصول إلى ما هو أفضل وأكثر تطورا منها. هكذا تم خلق العلماء الغربيين، الذين تلقوا علوما في مدارسهم كانت قابلة للتشكك والمناقشة والتقييم العلمي والشخصي.
تقديم مادة دينية تعريفية سيخفف حدة التغييب التام عندنا للبعض من أهم الأديان الفلسفية
وحين تقدم المدرسة، إلى جانب المواد العلمية القائمة على التساؤل والشك، مواد عقائدية قائمة على الحقائق المطلقة والتصديق غير القابل للنقاش أو التساؤل، يتم خلق بيئة متناقضة في المدرسة. فما بين الانتقال من فصل إلى آخر، لن يكون في مقدرة الطالب أو الطالبة تغيير الأسلوب العقلي أو المنهجية الفكرية من طائعة لحقائق مطلقة غير قابلة للنقاش إلى متشككة في الحقائق العلمية في محاولة لتطويرها وتغييرها.
لا أثر أسوأ من أن تقدم المدرسة، التي يفترض أنها تقدم مواد علمية كلها قابلة للتغيير والتطوير والنقاش، مادة عقائدية مطلقة لا تنطبق عليها شروط المادة العلمية المذكورة. وعليه، فإن الحل في رأيي ينحصر في واحد من اثنين: إما أن تقدم المادة العقائدية في المدرسة على أنها مادة قابلة للمناقشة والتطوير والتشكك والتساؤل؛ وهذا حل سيكون له آثار شديدة التعقيد في وقتنا الحالي وينطوي على إعلاء لعقيدة معينة دون غيرها، أو أن يتم تقديم مقررات تعريفية بالأديان عامة، تاريخيا ومعلوماتيا، وهو الاختيار الذي يبدو أنه أفضل وأكثر فاعلية؛ ويتم تقديم المادة على أنها معلومات لا مسلمات، وعلى أنها تهدف لتعريف التلاميذ بالأديان، معظم الأديان في العالم، في محاول نافعة لتسهيل التواصل الحضاري بين الشعوب.
اقرأ للكاتبة أيضا: مجرد حلم
أحد أقوى أوجه القصور المعرفي عندنا هو ذاك الذي نحمل تجاه الأديان المختلفة، حيث كثيرا ما يتم تداول خرافات وكليشيهات حول الأديان الأخرى يثبتها قصور في الاطلاع وكسل في التحقق من المعلومة، مما يخلق غربة بين الشرق أوسطيين وبقية العالم ويصنع مخاوف راسخة في نفسياتهم تجاه الآخرين المختلفين عن دينهم.
لذا فإن تقديم مناهج تعريفية بالأديان الرئيسية المختلفة حول العالم سيكون له أكبر الأثر في فتح باب التبادل الثقافي وتخفيف حدة الاحتقان الديني والمخاوف الثيولوجية بيننا وبين شعوب العالم. وسيصلح تقديم هذه المادة الكثير من المعلومات المغلوطة المتداولة، كما ذكرت أعلاه، والتي تنم عن جهل عميق في زمن لم يعد هذا الجهل فيه مبررا، مثل تكرار أن البوذيين يعبدون بوذا والهنود يعبدون الأبقار والإيرانيين يعبدون النار دون فهم حقيقي لفلسفة العبادة والفكرة من المعبود، إلى آخر الكليشيهات العدائية التي صنعها رجال الدين عندنا ليخلقوا عداء مزمنا بين شعوبنا والشعوب الدينية الأخرى المختلفة، لنبقى من خلال هذا العداء مشغولين بغضبنا محبوسين في جهالتنا.
كما أن تقديم مادة دينية تعريفية سيخفف حدة التغييب التام عندنا للبعض من أهم الأديان الفلسفية مثل الكنفوشية والبوذية والتاوية وغيرها، التي سيجد معها أصحاب الأديان الحديثة (اليهودية والمسيحية والإسلام) الكثير من نقاط الود والالتقاء.
في الدولة المدنية العلمانية، لا تأخذ المدرسة الحكومية طرفا ضد آخر، ولا تدرس عقيدة على حساب العقائد الأخرى. فأحد أهم صور العدل بين المواطنين هو عدم الانحياز الأيديولوجي، أي ألا تظهر الدولة أي تفضيل ديني لأي من فئات شعبها خصوصا في مجال التعليم.
أحد أقوى أوجه القصور المعرفي عندنا هو ذاك الذي نحمل تجاه الأديان المختلفة
إلا أن هذا لا ينفي واجب الدولة العلمانية في حماية حرية التعليم الديني؛ وعليه فمن يرغب في تأسيس مدرسة دينية خاصة له ذلك، ومن يرغب في إدراج أبنائه فيها فحريته مكفولة كذلك.
في الولايات المتحدة مثلا، أبناء معظم الفئات الاجتماعية تذهب صباحا للمدارس الحكومية ثم تذهب عصرا مرة أو أكثر في الأسبوع لمدارس دينية خاصة يتعلم فيها الأطفال عقائدهم وأديانهم كل حسب اختياره. بهذه الصورة تضمن الدولة حيادها تجاه مواطنيها بعدم إعلاء عقيدة على ما عداها في الدولة تعليميا أو اجتماعيا، وفي ذات الوقت تضمن حق هؤلاء المواطنين والمقيمين (بالطبع) في تلقي التعليم الديني الذي يرومون.
اقرأ للكاتبة أيضا: على الحبلين
بقينا لسنوات نتساءل كيف ومتى ظهر تنظيم "داعش"! وكعادتنا قلنا مؤامرة صهيونية، وتدخل غربي، وخطة فارسية؛ قلنا كل شيء، ولمنا كل طرف، عدا قول الحق ولوم الطرف المستحق.
هل راجعنا المادة الدينية المقدمة لأبنائنا في المدارس والقائمة على كراهية اليهود و"النصارى" والدعاء عليهم في كل حين وتمني اليتم لأبنائهم وتشبيههم بالقردة والخنازير وتحريم الود بيننا وبينهم؟ دع عنك ما يقدم طبعا حول بقية الأديان غير السماوية؟ هل تفكرنا في أثر التلقين المطلق وتحريم التفكير والنقد على العقول الناتجة؟ هل ربطنا بين تصلب وعناد ومرضية العقل "الداعشي" وطبيعة المادة التي تم تلقينها في المدارس وطريقة تقديمها؟ قبل أن نلوم الآخرين، علينا أن ننظر لأنفسنا ونحارب نزعاتنا ونتوب عن خطايانا قبل أن نصل الى نقطة اللاعودة المرعبة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ابحث في موضوعات الوكالة

برنامج ضروري لضبط الموقع

صفحة المقالات لابرز الكتاب

شبكة الدانة نيوز الرئيسية

اخر اخبار الدانة الاعلامية

إضافة سلايدر الاخبار بالصور الجانبية

اعشاب تمنحك صحة قوية ورائعة

اعشاب تمنحك صحة قوية ورائعة
تعرف على 12 نوع من الاعشاب توفر لك حياة صحية جميلة سعيدة

روابط مواقع قنوات وصحف ومواقع اعلامية

روابط مواقع قنوات وصحف ومواقع اعلامية
روابط مواقع قنوات وصحف ومواقع اعلامية

احصائية انتشار كورونا حول العالم لحظة بلحظة

احصائية انتشار كورونا حول العالم لحظة بلحظة
بالتفصيل لكل دول العالم - احصائيات انتشار كورونا لحظة بلحظة

مدينة اللد الفلسطينيةى - تاريخ وحاضر مشرف

الاكثر قراءة

تابعونا النشرة الاخبارية على الفيسبوك

-----تابعونا النشرة الاخبارية على الفيسبوك

الاخبار الرئيسية المتحركة

حكيم الاعلام الجديد

https://www.flickr.com/photos/125909665@N04/ 
حكيم الاعلام الجديد

اعلن معنا



تابعنا على الفيسبوك

------------- - - يسعدنا اعجابكم بصفحتنا يشرفنا متابعتكم لنا

جريدة الارادة


أتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الارشيف

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام
الانستغرام

نيو سيرفيس سنتر متخصصون في الاعلام والعلاقات العامة

نيو سيرفيس سنتر متخصصون في الاعلام والعلاقات العامة
مؤسستنا الرائدة في عالم الخدمات الاعلامية والعلاقات العامة ةالتمويل ودراسات الجدوى ةتقييم المشاريع

خدمات نيو سيرفيس

خدمات رائدة تقدمها مؤسسة نيو سيرفيس سنتر ---
مؤسسة نيوسيرفيس سنتر ترحب بكم 

خدماتنا ** خدماتنا ** خدماتنا 

اولا : تمويل المشاريع الكبرى في جميع الدول العربية والعالم 

ثانيا : تسويق وترويج واشهار شركاتكم ومؤسساتكم واعمالكم 

ثالثا : تقديم خدمة العلاقات العامة والاعلام للمؤسسات والافراد

رابعا : تقديم خدمة دراسات الجدوى من خلال التعاون مع مؤسسات صديقة

خامسا : تنظيم الحملات الاعلانية 

سادسا: توفير الخبرات من الموظفين في مختلف المجالات 

نرحب بكم اجمل ترحيب 
الاتصال واتس اب / ماسنجر / فايبر : هاتف 94003878 - 965
 
او الاتصال على البريد الالكتروني 
danaegenvy9090@gmail.com
 
اضغط هنا لمزيد من المعلومات 

اعلن معنا

اعلان سيارات

اعلن معنا

اعلن معنا
معنا تصل لجمهورك
?max-results=7"> سلايدر الصور والاخبار الرئيسي
');
" });

سلايدر الصور الرئيسي

المقالات الشائعة