كانت
أول صلاة صلاها الخليفة الجديد بالمسلمين هي صلاة العصر, وذهب عبد الله بن مسعود
إلى الكوفة وأخذ البيعة منهم لعثمان. ن عفان هو الخليفة ودعاه التي يهربون منها,
ثم خلص عبد الرحمن من خلال الت عثمان يباشر مهام منصبه:بعد أن آل الأمر
إلى عثمان بن عفان, فرح الناس بخلافته وظل ست سنوات يباشر عمله دون أن يسخط عليه
أحد وأحبه القرشيون أكثر من عمر بن الخطاب لأنه كان شديدا عليهم بينما ألان لهم
عثمان الجانب ووصلهم. لم يكن
عثمان ممارسا للخطابة ولا للكلام حيث كان يمنعه حياؤه من ذلك فلما ولي الأمر خطب
خطبة قصيرة كأنه ارتج عليه فيها فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: أيها الناس إن
أول مركب صعب, وإن بعد اليوم أياما, وإن أعش معكم تأكم الخطبة على وجهها وما كنا
خطباء وسيعلمنا الله. وقد ورد في الخطبة أنه قال: وأنتم بحاجة إلى إمام عادل أحوج
منكم إلى إمام قائل . ثم جلس في
ناحية في المسجد وطلب عبد الله بن عمر لياحسبه على قتله الهرمزان, وأخذ عثمان
المشورة في أمر عبد الله بن عمر فكانت ما بين من يقول بقتله ومن يقول بغير ذلك,
فقال عثمان أنا وليهم وقد جعلتها دية, واحتملتها في مالي. وكان قد اتخذ خاتما نقش
عليه (آمن عثمان بالله العظيم) وحصل رخاء كثير في عهده حتى كان ينادي مناديه في
المسلمين أن اغدوا على أعطياتكم فيأخذوهنها موفورة, وكذلك أرزاقهم, ثم يقال له:
اغدوا على السمن والعسل. وقد تنافس الناس في الدنيا من كثر سعتها عليهم حتى لعبوا
بالحمام والجلاهقات وهي أجسام كروية أو الأقواس وكانت أول مفسدة ظهرت بالمدينة
لذلك وكل بها عثمان رجلا من بني ليث فكان يقص الحمام ويكسر الجهلاقات. استمرت القتوحات في عهده حتى فتحت بقية بلاد فارس واتسعت رقعة
المسلمين في بلاد الروم وفتحت أفريقيا, وكان t ودودا بالمسلمين يتابع أحوالهم ويطمئن عليها حتى وعو على المنبر حيث يؤذن
المؤذن وهو يسأل عن أسفار الناس وقدومهم ومرضاهم, وأبقى ولاة عمر على الأمصار سنة
بعده تنفيذا لوصيته وحث عماله على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, والرفق بأهل
الذمة, وجباية الخراج بالعدل وينهاهم عن الظلم وأخذ المال بغير حق. ومع كونه لينا
إلا أنه لا يعرف في الحق صاحبا ولا صديقا ولا يجامل حبيبا, فيقف في وجه الظالم
مهما يكن ويأخذ الحق منه, فقد كان يدعو عماله إلى الموسم كل عام ويكتب للرعية من
كان له مظلمة عند أحد عماله فليواف إلى الموسم حتى يأخذ حقه . سياسته الداخلية: حدد
عثمان t سباسته الداخلية في ثلاثة كتب.
الكتاب الأول منها إلى الولاة بين لهم واجبهم نحو الرعية وأن مهمتهم هي رعاية الناس والقيام على مصالحهم وليسو جباة أموال وعلمهم أن أعدل طريق هو أن يعطوا الناس حقهم, ويأخذوا منهم ما عليهم, وأنه بغير ذلك ينقطع الحياء وتفقد الأمانة والوفاء .
والكتاب الثاني إلى عمال الخراج حذرهم فيه من الظلم وأمرهم أن يأخذوا مالهم وأن يعطوا ما عليهم بالحق وحثهم على الأمانة والوفاء .
والكتاب االثالث كان إلى الرعية حثهم فيه على تقوى الله وعدم الركون إلى الدنيا وأن الدنيا فقط للوصول إلى الآخرة لأنها الباقية أما الدنيا فهي الفانية, وأمرهم بالجماعة ونهاهم أن يكونوا أحزابا وتلى عليهم قول الله تعالى: (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) وبهذا اطمأن الناس أن خليفتهم سار على درب من سبقوه في الخلافة واطمأنوا على مصالحهم وتوقعوا الخير في عهده خاصة أنه بدأ عهده بزيادة مخصصاتهم .
السياسة الخارجية في عهد عثمان جاءت ولاية عثمان بن عفان t وسط ظروف تدعوا إلى الحذر والحيطة, وتتطلب الصبر والأناة فقد كان قتل عمر مفاجأة أذهلت المسلمين, ولا يدري أحد هل سينتهي الأمر بقتل عمر أو أن هناك أحداثا جساما ستتوالى بعد مقتله ؟ وقد كات البصرة والكوفة تموج بتمرد الناس على الأمراء في عهد عمر حتى أنه استعمل علي الكوفة أربعة من الأمراء في سنتين لم يرضوا فيهما عن أحد منهم ولم يرض عنهم أحد من الأمراء, حتى أرسل أبا موسى إلى البصرةوقال له: إني مستعملك على أرض قد باض الشيطان فيها وفرخ . فهم الذين شكو سعد بن أبي وقاص واتهموه بالباطل فعزله عمر وولى مكانه عمار بن ياسر ثم شكوه وهكذا فعلوا مع كل من يستعمل عليهم . لقد بقي الحال هكذا في المدينتين حتى مقتل عمر t . فكان على عثمان أن يواجه هذه المشكلة مع غيرها, يضاف إليها ما توسع فيه المسلمون من متع الدنيا الحلال آخر زمن عمر, مع ما يتوقعونه من زيادة تلك المتع في عهد عثمان لأنه كان في نفسه يعيش حياة هانئة وعيشا خفيضا, أما عمر فكانت حياته نوعا من المثالية يصعب تكرارها, ومع ذلك كان في لحظاته الأخيرة يقول: لقد جهدت نفسي, وحرمت أهلي, وإن نجوت كفافا لا وزر ولا أجر إني لسعيد . أما الوضع خارج البلاد التي يحكمها عثمان فقد كان يزدجرد ملك الفرس يقيم في سمرقند ينتظر اللحظة التي يستعيد فيها بلاده, وأما الروم فقد فروا إلى العاصمة البيزنطية وهم يتهيئون للعودة لبلاد الشام التي أخرجهم منها المسلمون متى سنحت لهم فرصة لذلك, أما أهل الإسكندرية فقد كانوا يتشوقون للحظة التي يتخلصون فيها من حكم المسلمين بسبب الجزية التي فرضوها عليهم ولم يكونوا يدفعونها للروم من قبل . كان على عثمان أن يتروى في الأمر ولا يتعجل خاصة أن الجيوش الإسلامية تواصل فتحها لمزيد من البلاد, أو تهدئ الثائرين في أنحائها المترامية, فلم يكن لعثمان ما يردع به المتمردين. لقد خشي عثمان أن يستغل الأعداء ما اشتهر به من لين فينتفضوا ويخرجوا عن الطاعة, فكان عليه أن يحسب للأمر ألف حساب وأن يثبت حتى لا تنتقص الأرض التي بذل المسلمون في فتحها دماءهم وأموالهم, فهو مستعد لبذل كل شيئ من أجل المحافظة على مكاسب المسلمين . وعلى هذا الأساس أقام سياسته الخارجية, وقد صدقت فراسته فقد اشتعلت نيران الفتنة والنمرد في بلاد الروم والفرس بعد مقتل عمر وأعلن الفرس العصيان في أذربيجان ومنعوا الجزية, وبدأ الروم الهجوم على بلاد الشام ظانين أن المسلمين لن يستطيعوا الوقوف في وجوههم ظانين أن النصر للمسلمين من عند عمر وجهلوا أن النصر من عند الله . ونقضت الإسكندرية الصلح مع المسلمين واستعان أهلها بالروم فمدوهم بثلاثمائة سفينة تحمل الرجال والسلاح, ولم تفت تلك الأحداث في عضد المسلمين ولم تنل من عزيمة خليفتهم, فوقف موقفا حمده المسلمون وسطره التاريخ, وكانت ثمرات تلك الوقفة الرائعة . 1- إخضاع المتمردين وإعادة سلطة المسلمين على بلادهم . 2- ازدياد الفتوحات الإسلامية إلى ما وراء البلاد المتمردة . 3 – اتخاذ قواعد ثابتة يرابط بها المسلمون لحماية البلاد الإسلامية . 4- إنشاء قوة بحرية لمواجهة أي هجوم بحري ولغزو الجزر المحيطة بالمسلمين . نماذج من الفتوحات:- بدأت الفتوحات في عهد عثمان لإسكات المتمردين ولكنها تعدت ذلك إلى التوسع في الفتوحات وضم بلادا جديدة لبلاد المسلمين وهذه نماذج من الغزوات التي قام بها المسلمون في
عهد عثمان .
غزو أذربيجان والري بعد وفاة عمر وتولي عثمان نقضت أربيجان والري الصلح مع المسلمين فكان موقف الخليفة حازما تجاههما حيث أصدر أمره إلى الوليد بن عقبة بالتوجه إلى أذربيجان وإلى أبي موسى الأشعري بالتوجه للري. فتوجه الوليد إلى أذربيجان وبعث مقدمة له عبد الله بن شبيل الأحمسي في أربعة آلاف مقاتل فأغار على موقان والبير والطيلسان, فغنم منهم مالا وتحرز القوم منه بعد أن سبى منهم بعض السبي, فلما وصلهم الوليد أيقن أهل اذربيجان بالهلاك فطلبوا الصلح, فصالحهم على مثل صلح حذيفة زمن عمر ثمانمائة ألف درهم في السنة ولم يتركهم حتى قبض جزية سنة ورجع إلى الكوفة بعد أن ولى عليهم الأشعث بن قيس ولكنهم عادوا فتمردوا عليه فطلب المدد من الوليد فأمده بجيش من أهل الكوفة فهزمهم هزيمة منكرة فطلبوا الصلح فصالحهم على مثل الصلح الأول. خاف الأشعث أن يتمرد أهل أذربيجان مرة ثانية فأسكن فيها أناسا من العرب, وجعل لهم عطايا, وأمرهم بدعوة الناس إلى الإسلام . وقد أعاد أهلها التمرد مرارا فلم تهدأ حتى دخل أهلها في الإسلام وقرأوا القرآن . وأما الري فقد كانت كثيرة التمرد والانتفاض, تصالح وتنقض الصلح مرارا حتى فتحها قرظة ابن كعب الأنصاري في ولاية أبي موسى الأشعري زمن خلافة عثمان فاستقامت واستقر الأمر فيها للمسلمين . صد هجمات الروم طمع ملك الروم في استرداد بلاد الشام بعد أن بلغه متل عمر بن الخطاب فجمع جيشا قويا كثير عدده حتى خاف أهل الشام, فبعثوا إلى عثمان يستمدونه ويستعجلونه المدد حتى لا يبغتهم العدو, فكتب عثمان إلى الوليد بن عقبة الذي كان لتوه قد فرغ من أمر أذربيجان فلم يلتقط أنفاسه حتى وصله كتاب الخليفة أن ابعث رجلا أمينا في ثمانية آلاف أو تسعة أو عشرة آلاف إلى إخوانكم بالشام . لم يتأخر الوليد حيث جمع الناس وأخبرهم بكتاب الخليفة وحثهم على الجهاد ورغبهم فيه نصرة لإخوانهم المسلمين في الشام, والحفاظ على انجازات المسلمين, فتأثر الناس من خطابه فما مضى ثلاثة أيام حتى نفر من الناس ثمانية آلاف مع قائدهم سلمان بن ربيعة الباهلي الذي التقى جيش الشاميين بقيادة حبيب بن مسلم الفهري, فشنوا هجوما على بلاد الروم فغنموا وسبوا شيئا كثيرا وفتحوا حصونا كثيرة, وملؤوا أيديهم من المغنم, فاسترد المسلمون هيبتهم ولقنوا الروم درسا عرفوا معه أن نصر المسلمين ليس مرتبطا بشخص كعمر بن الخطاب مثلا وإنما النصر للمسلمين من عند الله .
فتح أرمينية أرمينيا منطقة جبلية تقع في غرب آسيا, وهي تقع على مفترق الطرق الثلاثة المؤدية إلى البلاد التي فتحها المسلمون واستوطنوها وهي:
1- أرض الجزيرة بالعراق .
2- بلاد الشام .
3- جنوب آسيا الصغرى .
وتبلغ مساحتها 114500ميل مربع وتجري فيها أنهار شتى يصل إلى البلاد الإسلامية منها نهرا دجلة والفرات. تقع أرمينيا في موقع استراتيجي يجعل من يسيطر عليها من التفوق العسكري على خصمه, مما أدى إلى نشوب نزاع مستمر بين الفرس والروم سابقا أدى إلى سقوط القسم الشرقي وهو الأكبر في يد الفرس, والقسم الغربي وهو الأصغر في يد الروم. لقد كان الأرمن يكرهون الفرس والروم لكن كرههم للفرس أشد لأن الفرس كانوا مخالفين لهم في الدين فالأرمن نصارى والفرس مجوس, ولأن الفرس كانوا يضطهدون الأرمن, أما الروم فقد كانوا نصارى لكنهم مخالفين في الاعتقاد المذهبي للأرمن فكان الروم يضطهدونهم لذلك بقسوة ويعتبرونهم خارجين على الطاعة, وظل الحال في أرمينا هكذا حتى جاء الفتح الإسلامي .
يوم الفتح:- جنوب آسيا الصغرى .
.سيا, وهي تقع على مفترق الطرق الثلاثة المؤدية إلى البلاد التي فتحها المسلمون واستوطنوها وهي::
بعد أن انتهى الوليد بن المغيرة من اخضاع أذريبجان ورأى أن أحوال أرمينية تشجع على فتحها, وحيث أنها تقع على حدود أذربيجان, وجه إليها جيشا قوامه اثنا عشر ألفا بقيادة سلمان بن ربيعة الباهلي فدخل أرض أرمينية فقتل وسبى وغنم, ثم عاد إلى الوليد, ومن جهة الشام فقد كتب عثمان إلى معاوية يأمره أن يوجه جيشا إلى أرمينية, نفذ معاوية أمر الخليفة فسير جيشا قوامه ستة آلاف, أو ثمانية آلاف جندي من أهل الشام والجزيرة بقيادة حبيب بن مسلمة الفهري, وكانت همته متوجهة لفتح عاصمة البلاد قالقيليا وهي عاصمة أرمينيا البيزنطية, فلما وصلها خرج إليه أهلها فقاتلهم قتالا شديدا فاعتصموا بالمدينة ثم طلبوا الصلح على الجلاء والجزية, فصالحهم, وخرج كثير منهم لبلاد الروم. بقي حبيب هناك أشهرا ينظم جنده, حتى بلغه أن الروم يجمعون له حشودا ضخمة وقد انضم إليهم جنود من بلاد الخزر والترك في جيش بلغ ثمانين ألفا .أخبر حبيب معاوية الخبر وطلب منه المدد, فأطلع معاوية الخليفة على الموقف فأمره أن يمد حبيبا بجيش من أهل النجدة والشجاعة ولإيمان وكتب إلى سعيد بن العاص والي الكوفة أن يمده بجيش عليه عليه سلمان بن ربيعة الباهلي فأرسل سعيد جيشا مكون من ستة آلاف لنجدة حبيب. نزل جيش الروم على شاطئ الفرات الأعلى وهو مزهو بعدده وعدته يهيئ نفسه لنزال المسلمين, وطال انتظار حبيب للمدد وخشي أن يباغته الروم فتحل الهزيمة على المسلمين, فعزم على أن يبدأ الهجوم بجيشه الصغير, فرسم خطته مع أمراء الجيش على أن يبيت عدوه وهم غافلون, واختار ألفي رجل وأبقاهم في العاصمة للدفاع عنها, وأقطعهم أرضا يستغلوها لهم حتى يرغبهم في البقاء والدفاع, كان حبيب متهيئاً نفسيا لملاقاة عدوه دائما, وكان شجاعا شهما جريئا, فاستعرض خطته مع أمراء الجيش وعبأهم نفسيا للنصر أو الشهادة, حتى أن زوجته أم عبد الله بنت يزيد الكلبية قالت له: أين موعدنا؟ فقال لها: سرادق الطاغية أو الجنة . وزحف حبيب بجيشه إلى جيش الروم فبيتهم وهم غافلون, فقتل من تعرض له حتى دخل سرادق الموريان قائد الروم, فوجد امرأته قد سبقته للسرادق فكانت أول امرأة عربية ضرب عليها حجاب سرادق. لقد هزم الروم هزيمة نكراء ونصر الله المسلمين نصرا مؤزرا أحسن قائدهم حبيب استثماره حيث جعل الجيش يستجم في العاصمة قليلا, ثم واصل بهم الزحف إلى دبيل عاصمة أرمينية الفارسية فحاصرها حصارا مشددا وضرب عليها المنجنيق حتى اضطر أهلها إلى طلب الصلح والأمان فأعطاهم إياه, وبعث سراياه فغلبت على جميع قرى دبيل فاضطر بطريقها لعقد كتاب الصلح الذي فيه أن لهم الأمان وعليهم الجزية واشترط على بطريقهم أن ينصح للمسلمين ويعاونهم على أعدائهم, بهذا الفتح أصبحت حدود الدولة الإسلامية آمنة من محاولات تجمع الروم واعتدائهم على المسلمين, واصل حبيب زحفه حتى التقى بجيش عياض بن غنم في أرض الجزيرة بالعراق, ففتحا المنطقة المعروفة بأرمينية الرابعة . ولأن عياض كان قد أمن أهل تلك المنطقة فإن حبيبا فد أقر بطريقها على كتاب الصلح بينهم . واصل حبيب زحفه ففتح مدينة تفليس صلحا لهم الأمن وعليهم الجزية دينا عن كل أهل بيت, وعلى المسلمون الدفاع عنهم. قضى حبيب في فتح أرمينية عشر سنين وذلك من عام 25ه أي في السنة الثانية لخلافة عثمان, وانتهى سنة 35ه أي في نهاية خلافة عثمان, حيث انتصر على ماوريانوس الذي جاء بكتيبة محاولا طرد المسلمين منها, وكانت آخر حملة بيزنطية على أرمينية . ردع المتمردين في الإسكندرية ظل الروم يتحينون الفرصة للعودة للإسكندرية فراحوا يحرضون من فيها من الروم على التمرد على سلطان المسلمين, فقد خشي الروم على عدم الاستقرار في بلادهم بعد خروجهم من الإسكندربة, فاستجاب أهل الإسكندرية للتحريض وكتبوا لقسطنطين بن هرقل يصفون له الهوان والذل الذي يعيشونه إضافة لقلة عدد المسلمين فيها . وصل منويل الخصي قائد قوات الروم ومعه قوات هائلة معا ثلاثمائة مركب محملة بكل مايلزم قواته من عدة وعتاد, فكتب أهل مصر لعثمان يلتمسون منه إعادة عمرو بن العاص لمصر ليواجه الروم, فقد عزله عثمان وولى مكانه عبد الله بن سعد بن أبي سرح, وعمرو أعلم بحال مصر فهو الذي فتحها وله هيبة في نفوسهم, فاستجاب الخليفة وأبقى ابن العاص أميرا على مصر. ونهب منويل وجيشه الإسكندرية, وأوقعوا فيها وما حولها من القرى الظلم والفساد.لم يتدخل عمرو بسرعة بل تركهم يفسدون حتى يبغضهم المصريون ويحقدون عليهم فيقفون معه في قتال الروم, وهو بهذا خالف رأي من حوله من القادة الذين كانوا يخشون من استغلاظ أمر الروم والتفاف المصريين حولهم, وقد حدد سياسته هذه بقوله: (دعهم يسيروا إلي, فإنهم يصيبون من مروا به فيخزي بعضهم ببعض) ولكن صدق حدس عمرو وتحقق له ما أراد, فكان يعد جيشه ويهيئه ماديا ومعنويا لضرب الروم ضربة تمنعهم من التفكير بالعودة لمصر ثانية . والتقى جيش عمرو مع جيش منويل عند حصن نيقوس على شاطئ النيل, وكان عمر قد هزمهم في المكان نفسه قبل ذلك, وذكر عمرو حنده بنصر الله لهم وحمسهم لقتال عدوهم ونصرة دين ربهم, واستبسل الفريقان في القتال, وصبر كل من الفريقين على القتال, فاقتحم عمرو بفرسه صفوف العدو يقاتل بشراسة ولما أصيب فرسه نزل عنه وقاتل في صفوف المشاة, فأقبل المسلمون على الحرب لا يهابون الموت, وحمي وطيس المعركة, وبعد هذا الوطيس كله برز رجل من الروم يطلب المبارزة فانبرى له رجل من المسلمين اسمه حومل فقابله بكل شجاعة, وأظهر كل منهما من فنون القتال ما جعل الفريقين ينظران إليهما ولكن الله مكن لحومل أن يقتل الرومي, ونقل حومل مصابا إصابة استشهد على أثرها, رفعت هذه المبارزة معنويات المسلمين وحطمت نفوس الروم, فهجم المسلمون على عدوهم وأنزلوا به هزيمة منكرة, ففر الروم إلى الإسكندرية, وكانوا يفسدون الطرق ويدمرون الجسور حتى لا يلحق بهم المسلمون, ولكن المصريين كانوا يصلحون للمسلمين ما أفسد الروم, وعاونوا المسلمين وأمدوهم بكل ما يحتاجون لمواصلة حربهم للروم . تحصن الروم خلف أسوار الإسكندرية, فحاصرهم عمرو وضرب الأسوار بالمنجنيق حتى فتحت المدينة, وأخذ المسلمون يقتلون المقاتلين ويأسرون النساء والذرية وهرب من استطاع الهرب عبر السفن وكان منويل من القتلى . بنى عمرو مسجد الرحمة في المكان الذي توقف فيه القتال واطمأنت المدينة وسكنت قلوب المصريين فرجعإلى المدينة من فر منها أمام الروم, وعاد بطريق القبط بنيامين إلى المدينة وأخذ يرجوا عمرا ألا يسيء معاملة القبط لأنهم لم ينقضوا العهد مع المسلمين, ورد عمرو كل ما نهب الروم من المصريين بعد إقامة البينة على ما نهب منهم, وهدم عمرو سور الإسكندرية لأنه نذر ذلك يوم أن تحصن بها الروم, وأصبحت المدينة آمنة من جهاتها كلها رغم هدم سورها .
غزو أذربيجان والري بعد وفاة عمر وتولي عثمان نقضت أربيجان والري الصلح مع المسلمين فكان موقف الخليفة حازما تجاههما حيث أصدر أمره إلى الوليد بن عقبة بالتوجه إلى أذربيجان وإلى أبي موسى الأشعري بالتوجه للري. فتوجه الوليد إلى أذربيجان وبعث مقدمة له عبد الله بن شبيل الأحمسي في أربعة آلاف مقاتل فأغار على موقان والبير والطيلسان, فغنم منهم مالا وتحرز القوم منه بعد أن سبى منهم بعض السبي, فلما وصلهم الوليد أيقن أهل اذربيجان بالهلاك فطلبوا الصلح, فصالحهم على مثل صلح حذيفة زمن عمر ثمانمائة ألف درهم في السنة ولم يتركهم حتى قبض جزية سنة ورجع إلى الكوفة بعد أن ولى عليهم الأشعث بن قيس ولكنهم عادوا فتمردوا عليه فطلب المدد من الوليد فأمده بجيش من أهل الكوفة فهزمهم هزيمة منكرة فطلبوا الصلح فصالحهم على مثل الصلح الأول. خاف الأشعث أن يتمرد أهل أذربيجان مرة ثانية فأسكن فيها أناسا من العرب, وجعل لهم عطايا, وأمرهم بدعوة الناس إلى الإسلام . وقد أعاد أهلها التمرد مرارا فلم تهدأ حتى دخل أهلها في الإسلام وقرأوا القرآن . وأما الري فقد كانت كثيرة التمرد والانتفاض, تصالح وتنقض الصلح مرارا حتى فتحها قرظة ابن كعب الأنصاري في ولاية أبي موسى الأشعري زمن خلافة عثمان فاستقامت واستقر الأمر فيها للمسلمين . صد هجمات الروم طمع ملك الروم في استرداد بلاد الشام بعد أن بلغه متل عمر بن الخطاب فجمع جيشا قويا كثير عدده حتى خاف أهل الشام, فبعثوا إلى عثمان يستمدونه ويستعجلونه المدد حتى لا يبغتهم العدو, فكتب عثمان إلى الوليد بن عقبة الذي كان لتوه قد فرغ من أمر أذربيجان فلم يلتقط أنفاسه حتى وصله كتاب الخليفة أن ابعث رجلا أمينا في ثمانية آلاف أو تسعة أو عشرة آلاف إلى إخوانكم بالشام . لم يتأخر الوليد حيث جمع الناس وأخبرهم بكتاب الخليفة وحثهم على الجهاد ورغبهم فيه نصرة لإخوانهم المسلمين في الشام, والحفاظ على انجازات المسلمين, فتأثر الناس من خطابه فما مضى ثلاثة أيام حتى نفر من الناس ثمانية آلاف مع قائدهم سلمان بن ربيعة الباهلي الذي التقى جيش الشاميين بقيادة حبيب بن مسلم الفهري, فشنوا هجوما على بلاد الروم فغنموا وسبوا شيئا كثيرا وفتحوا حصونا كثيرة, وملؤوا أيديهم من المغنم, فاسترد المسلمون هيبتهم ولقنوا الروم درسا عرفوا معه أن نصر المسلمين ليس مرتبطا بشخص كعمر بن الخطاب مثلا وإنما النصر للمسلمين من عند الله .
فتح أرمينية أرمينيا منطقة جبلية تقع في غرب آسيا, وهي تقع على مفترق الطرق الثلاثة المؤدية إلى البلاد التي فتحها المسلمون واستوطنوها وهي:
1- أرض الجزيرة بالعراق .
2- بلاد الشام .
3- جنوب آسيا الصغرى .
وتبلغ مساحتها 114500ميل مربع وتجري فيها أنهار شتى يصل إلى البلاد الإسلامية منها نهرا دجلة والفرات. تقع أرمينيا في موقع استراتيجي يجعل من يسيطر عليها من التفوق العسكري على خصمه, مما أدى إلى نشوب نزاع مستمر بين الفرس والروم سابقا أدى إلى سقوط القسم الشرقي وهو الأكبر في يد الفرس, والقسم الغربي وهو الأصغر في يد الروم. لقد كان الأرمن يكرهون الفرس والروم لكن كرههم للفرس أشد لأن الفرس كانوا مخالفين لهم في الدين فالأرمن نصارى والفرس مجوس, ولأن الفرس كانوا يضطهدون الأرمن, أما الروم فقد كانوا نصارى لكنهم مخالفين في الاعتقاد المذهبي للأرمن فكان الروم يضطهدونهم لذلك بقسوة ويعتبرونهم خارجين على الطاعة, وظل الحال في أرمينا هكذا حتى جاء الفتح الإسلامي .
يوم الفتح:- جنوب آسيا الصغرى .
.سيا, وهي تقع على مفترق الطرق الثلاثة المؤدية إلى البلاد التي فتحها المسلمون واستوطنوها وهي::
بعد أن انتهى الوليد بن المغيرة من اخضاع أذريبجان ورأى أن أحوال أرمينية تشجع على فتحها, وحيث أنها تقع على حدود أذربيجان, وجه إليها جيشا قوامه اثنا عشر ألفا بقيادة سلمان بن ربيعة الباهلي فدخل أرض أرمينية فقتل وسبى وغنم, ثم عاد إلى الوليد, ومن جهة الشام فقد كتب عثمان إلى معاوية يأمره أن يوجه جيشا إلى أرمينية, نفذ معاوية أمر الخليفة فسير جيشا قوامه ستة آلاف, أو ثمانية آلاف جندي من أهل الشام والجزيرة بقيادة حبيب بن مسلمة الفهري, وكانت همته متوجهة لفتح عاصمة البلاد قالقيليا وهي عاصمة أرمينيا البيزنطية, فلما وصلها خرج إليه أهلها فقاتلهم قتالا شديدا فاعتصموا بالمدينة ثم طلبوا الصلح على الجلاء والجزية, فصالحهم, وخرج كثير منهم لبلاد الروم. بقي حبيب هناك أشهرا ينظم جنده, حتى بلغه أن الروم يجمعون له حشودا ضخمة وقد انضم إليهم جنود من بلاد الخزر والترك في جيش بلغ ثمانين ألفا .أخبر حبيب معاوية الخبر وطلب منه المدد, فأطلع معاوية الخليفة على الموقف فأمره أن يمد حبيبا بجيش من أهل النجدة والشجاعة ولإيمان وكتب إلى سعيد بن العاص والي الكوفة أن يمده بجيش عليه عليه سلمان بن ربيعة الباهلي فأرسل سعيد جيشا مكون من ستة آلاف لنجدة حبيب. نزل جيش الروم على شاطئ الفرات الأعلى وهو مزهو بعدده وعدته يهيئ نفسه لنزال المسلمين, وطال انتظار حبيب للمدد وخشي أن يباغته الروم فتحل الهزيمة على المسلمين, فعزم على أن يبدأ الهجوم بجيشه الصغير, فرسم خطته مع أمراء الجيش على أن يبيت عدوه وهم غافلون, واختار ألفي رجل وأبقاهم في العاصمة للدفاع عنها, وأقطعهم أرضا يستغلوها لهم حتى يرغبهم في البقاء والدفاع, كان حبيب متهيئاً نفسيا لملاقاة عدوه دائما, وكان شجاعا شهما جريئا, فاستعرض خطته مع أمراء الجيش وعبأهم نفسيا للنصر أو الشهادة, حتى أن زوجته أم عبد الله بنت يزيد الكلبية قالت له: أين موعدنا؟ فقال لها: سرادق الطاغية أو الجنة . وزحف حبيب بجيشه إلى جيش الروم فبيتهم وهم غافلون, فقتل من تعرض له حتى دخل سرادق الموريان قائد الروم, فوجد امرأته قد سبقته للسرادق فكانت أول امرأة عربية ضرب عليها حجاب سرادق. لقد هزم الروم هزيمة نكراء ونصر الله المسلمين نصرا مؤزرا أحسن قائدهم حبيب استثماره حيث جعل الجيش يستجم في العاصمة قليلا, ثم واصل بهم الزحف إلى دبيل عاصمة أرمينية الفارسية فحاصرها حصارا مشددا وضرب عليها المنجنيق حتى اضطر أهلها إلى طلب الصلح والأمان فأعطاهم إياه, وبعث سراياه فغلبت على جميع قرى دبيل فاضطر بطريقها لعقد كتاب الصلح الذي فيه أن لهم الأمان وعليهم الجزية واشترط على بطريقهم أن ينصح للمسلمين ويعاونهم على أعدائهم, بهذا الفتح أصبحت حدود الدولة الإسلامية آمنة من محاولات تجمع الروم واعتدائهم على المسلمين, واصل حبيب زحفه حتى التقى بجيش عياض بن غنم في أرض الجزيرة بالعراق, ففتحا المنطقة المعروفة بأرمينية الرابعة . ولأن عياض كان قد أمن أهل تلك المنطقة فإن حبيبا فد أقر بطريقها على كتاب الصلح بينهم . واصل حبيب زحفه ففتح مدينة تفليس صلحا لهم الأمن وعليهم الجزية دينا عن كل أهل بيت, وعلى المسلمون الدفاع عنهم. قضى حبيب في فتح أرمينية عشر سنين وذلك من عام 25ه أي في السنة الثانية لخلافة عثمان, وانتهى سنة 35ه أي في نهاية خلافة عثمان, حيث انتصر على ماوريانوس الذي جاء بكتيبة محاولا طرد المسلمين منها, وكانت آخر حملة بيزنطية على أرمينية . ردع المتمردين في الإسكندرية ظل الروم يتحينون الفرصة للعودة للإسكندرية فراحوا يحرضون من فيها من الروم على التمرد على سلطان المسلمين, فقد خشي الروم على عدم الاستقرار في بلادهم بعد خروجهم من الإسكندربة, فاستجاب أهل الإسكندرية للتحريض وكتبوا لقسطنطين بن هرقل يصفون له الهوان والذل الذي يعيشونه إضافة لقلة عدد المسلمين فيها . وصل منويل الخصي قائد قوات الروم ومعه قوات هائلة معا ثلاثمائة مركب محملة بكل مايلزم قواته من عدة وعتاد, فكتب أهل مصر لعثمان يلتمسون منه إعادة عمرو بن العاص لمصر ليواجه الروم, فقد عزله عثمان وولى مكانه عبد الله بن سعد بن أبي سرح, وعمرو أعلم بحال مصر فهو الذي فتحها وله هيبة في نفوسهم, فاستجاب الخليفة وأبقى ابن العاص أميرا على مصر. ونهب منويل وجيشه الإسكندرية, وأوقعوا فيها وما حولها من القرى الظلم والفساد.لم يتدخل عمرو بسرعة بل تركهم يفسدون حتى يبغضهم المصريون ويحقدون عليهم فيقفون معه في قتال الروم, وهو بهذا خالف رأي من حوله من القادة الذين كانوا يخشون من استغلاظ أمر الروم والتفاف المصريين حولهم, وقد حدد سياسته هذه بقوله: (دعهم يسيروا إلي, فإنهم يصيبون من مروا به فيخزي بعضهم ببعض) ولكن صدق حدس عمرو وتحقق له ما أراد, فكان يعد جيشه ويهيئه ماديا ومعنويا لضرب الروم ضربة تمنعهم من التفكير بالعودة لمصر ثانية . والتقى جيش عمرو مع جيش منويل عند حصن نيقوس على شاطئ النيل, وكان عمر قد هزمهم في المكان نفسه قبل ذلك, وذكر عمرو حنده بنصر الله لهم وحمسهم لقتال عدوهم ونصرة دين ربهم, واستبسل الفريقان في القتال, وصبر كل من الفريقين على القتال, فاقتحم عمرو بفرسه صفوف العدو يقاتل بشراسة ولما أصيب فرسه نزل عنه وقاتل في صفوف المشاة, فأقبل المسلمون على الحرب لا يهابون الموت, وحمي وطيس المعركة, وبعد هذا الوطيس كله برز رجل من الروم يطلب المبارزة فانبرى له رجل من المسلمين اسمه حومل فقابله بكل شجاعة, وأظهر كل منهما من فنون القتال ما جعل الفريقين ينظران إليهما ولكن الله مكن لحومل أن يقتل الرومي, ونقل حومل مصابا إصابة استشهد على أثرها, رفعت هذه المبارزة معنويات المسلمين وحطمت نفوس الروم, فهجم المسلمون على عدوهم وأنزلوا به هزيمة منكرة, ففر الروم إلى الإسكندرية, وكانوا يفسدون الطرق ويدمرون الجسور حتى لا يلحق بهم المسلمون, ولكن المصريين كانوا يصلحون للمسلمين ما أفسد الروم, وعاونوا المسلمين وأمدوهم بكل ما يحتاجون لمواصلة حربهم للروم . تحصن الروم خلف أسوار الإسكندرية, فحاصرهم عمرو وضرب الأسوار بالمنجنيق حتى فتحت المدينة, وأخذ المسلمون يقتلون المقاتلين ويأسرون النساء والذرية وهرب من استطاع الهرب عبر السفن وكان منويل من القتلى . بنى عمرو مسجد الرحمة في المكان الذي توقف فيه القتال واطمأنت المدينة وسكنت قلوب المصريين فرجعإلى المدينة من فر منها أمام الروم, وعاد بطريق القبط بنيامين إلى المدينة وأخذ يرجوا عمرا ألا يسيء معاملة القبط لأنهم لم ينقضوا العهد مع المسلمين, ورد عمرو كل ما نهب الروم من المصريين بعد إقامة البينة على ما نهب منهم, وهدم عمرو سور الإسكندرية لأنه نذر ذلك يوم أن تحصن بها الروم, وأصبحت المدينة آمنة من جهاتها كلها رغم هدم سورها .
فتح إفريقية
لقد رفض عمر بن الخطاب t فتح إفريقيا ومات وهو على ذلك, ولكن ابن العاص كان يتوق لفتحها,ولكن عثمان عزله وولى عبد الله بن سعد بن أبي السرح مكانه حيث لم يقل عزيمة عنه ولم يقل تطلعا لفتح أفريقيا عن عمرو, فأرسل سرايا إلى أطرافها فأصابوا وغنموا غنائم كثيرة, طلب عبد الله من الخليفة الإذن في غزو إفريقيا, فاستشارا عثمان من حوله فأشاروا عليه بغزوها فكتب عثمان الى عبد الله يأمره بغزوها وأمده بجيش عظيم فيهم جلة الصحابة وخيارهم, منهم عبد الله بن الزبير, وعبد الله بن العاص, وعبد الله بن عمر, وخرج جمع كثير من المسلمين من حول المدينة.
وصل الجيش إلى مصر فاستقبله ابن أبي سرح وأعده للقتال ثم سار به نحو إفريقيا فلما وصل إلى برقة التقى هناك بجيش عقبة بن نافع, فانضم الجيشان وساروا نحو طرابلس الغرب التي كانت بداية مملكة جرجير التي تنتهي عند طنجة, وكان عاملا لهرقل على إفريقيا يبعث له بخراجها كل عام, فلما علم أن المسلمين قدموا نحوه استعدا للقائهم بجيش تعداده مائة وعشرون الف فارس, فلما كان المسلمون بمكان بينه وبين سبيطلة عاصمة جرجير يوم وليله التقى الجيشان, وأرسل عبد الله إلى جرجير إما الإسلام أو الجزية أو الحرب فرفض جرجير إلا الحرب. كان الحرب يبدأ من الصباح إلى أذان الظهر ثم يعود كل فريق إلى خيامه فلم يرق ذلك لعبد الله ابن الزبير فرسم خطة للمعركة تحسم الأمر وتنهي النزاع, وذهب بها إلى عبد الله بن أبي سرح فعرضها عليه فأعجب بها وعرضها على أهل الشورى فوافقوا عليها وكانت الخطة تقتضي أن يبقى الشجعان من المسلمين وأهل البلاد في الخيام, ويقاتل ابن الزبير مع عامة الجيش ولا يدع للعدو فرصة أن يترك القتال عند الظهر فإذا ما أنهكت قوتهم وتعبوا تركهم يذهبوا لخيامهم فيخرج لهم من بقي من جيش المسلمين في الخيام ويداهمونهم في خيامهم فيكون النصر بإذن الله . وقد نفذت الخطة كما هو مرسوم لها وانتهت المعركة بقتل جرحير وهزيمة الروم حيث قتل منهم مقتلة عظيمة . زحف ابن أبي سرح بعد ذلك الى العاصمة سبيطله فحصارها حتى استسلمت, فدخلها المسلمون وقضوا على من فيها من الروم, وظلوا بعدها يطاردون فلولهم, وبث ابن أبي سرح سراياه في أنحاء مختلفة من شمال إفريقيا حتى اضطر البربر على عرض الصلح على المسلمين على مليونين ونصف من الدنانير وأسرت ابنة جرجير فنفلها ابن أبي سرح لابن الزبير وبعثه ببشارة الفتح إلى عثمان, وبقي الجيش الإسلامي في إفريقيا سنة وثلاثة أشهر, وكان سهم الفارس من غنائمها ثلاثة ألاف دينار وسهم الراجل ألف دينار, وعاد ابن أبي السرح إلى مصر دون ان يولي أحدا عليها.
المعارك البحرية
لم يشترك المسلمون في معارك بحرية قبل عهد عثمان بن عفان, فقد ألح معاوية بن أبي سفيان على الخليفة عمر بن الخطاب أن يسمح له غزو قبرص عن طريق البحر, إلا أنه لم يسمح له بذلك, ولكن معاوية ظل على إلحاحه حتى كاد أن يرق لطلبه لولا وصف عمرو بن العاص للبحر لعمر بن الخطاب وأنه خطير يخشى على المسلمين الغرق فيه, الأمر الذي جعل عمر بن الخطاب أن يكتب لمعاوية كتابا فيه والله لا أحمل فيه مسلما أبدا, وبقي الأمر في نفس معاوبة ينتظر الفرصة السانحة لذلك, فلما تولى الأمر الخليفة الجديد عثمان كتب إليه أن يأذن له في تنفيذ رغبته, وبعد نظر من الخليفة الجديد وإلحاح من معاوية أذن الخليفة عثمان لمعاوية أن يغزو من البحر ولكن بشرطين, الأول: أن يصحب زوجته معه في تلك الغزوة لأنه إن كان هناك خطر في هذه الغزوة فإنه لا يأخذ زوجته خشية الأسر, والثاني: أن لا يكره أحدا من المسلمين للخروج لهذه الغزوة, وبهذا يكون كل واحد منهم أمير نفسه ويتحمل تبعات ما يترتب على هذه الغزوة, كان أمير المؤمنين يهدف من هذه الموافقة إلى توسيع رقعة الدولة الإسلامية. لقد خالف أمير المؤمنين عمر في غزو إفريقيا, وخالفه في الغزو بالبحر, تسلم معاوية كتاب أمير المؤمين, وأخذ يعد المراكب المناسبة لحمل المجاهدين, وأعلم الناس بعزمه كما اشترط عليه أمير المؤمنين, وكان عليه أن يهيئ نفوس المقاتلين لركوب البحر لأن الأمر جديد عليهم, ثم يرسم بعد ذلك كله خطة الهجوم ويجهز المسلمين بكل ما يلزم لخوض المعركة .
موقع قبرص
[IMG]file:///C:\DOCUME~1\DDED~1\LOCALS~1\Temp\msohtml1\01\clip_
image002.jpg[/IMG]
هي
جزيرة من جزر البحر المتوسط الكثيرة المختلفة, وهي تقع في أقصى الشمال الشرقي منه
بالقرب من أرض الأناضول والشام, وهي قريبة جدا من حمص حتى أن أهل حمص يسمعون صياح
دجاجهم, ونباح كلابهم, والجزيرة مشهورة بخصوبة أراضها وطيب هوائها وفاكهتها
الكثيرة المتنوعة, هذا كله مع موقعها الاستيراتيجي جعلها مطمعا للفرس والروم, وفي هذه
الفترةعام 27 أو28 ه كانت تحت سلطة الروم, حيث كانت أول غزوة بحرية غزاها المسلمون
. ولعل من أكثر العوامل التي شجعت المسلمين على غزوها هو انهزام الروم أمام
المسلمين في كل معركة خاضوها معهم, ولعل غزوة الإسكندرية التي قتل فيها قائد الروم
وفشل فيها الروم فشلا ذريعا كانت من أكبر العوامل على غزو قبرص, وشجع المسلمين على
خوض المعركة معهم دون مبالاة بالنتائج .
الـتـهيـؤ للـغـزو:
أعد
معاوية المراكب اللازمة لحمل جيشه, واتخذ ميناء عكا مكانا للإقلاع, وحمل معه زوجه
فاختة بنت قرظة, وحمل عبادة بن الصامت امرأته أم حرام بنت ملحان معه في تلك الغزوة . ولها قصة مشهورة وردت في صحيح مسلم عن أنس t أن رسول الله r كان
يدخل على أم حرامبنت ملحان فتطعمه, وكانت أم حرام تحت عبادة بن
الصامت, فدخل عليها رسول الله r يوما فأطعمته ثم
جلست تفلي رأسه, فنام رسول الله r ثم
استيقظ وهو يضحك قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: ( ناس من أمتي عرضوا على
غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرة أو مثل الملوك على
الأسرة ). قالت: فقلت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم, فدعا لها, ثم وضع
رأسه فنام ثم استيقظ وهو يضحك قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: ( ناس من
أمتي عرضوا على غزاة في سبيل الله ). كما قال في الأولى قالت فقلت يا رسول الله
ادع الله أن يجعلني منهم قال: ( أنت من الأولين ). لقد
خرج مع معاوية جيش عظيم مع أنه لم يجبر أو يكره أحدا على الخروج معه, لأنهم يؤثرون
ما عند الله على ما ي هذه الدنيا الفانية, ولربما لحديث أم ملحان أثر في دفعهم
للخروج, وكان خروجهم بعد شتاء سنة ثمان وعشرين من الهجرة, 649م, حيث سارت السفن
تتقدمها سفينة معاوية, فلما وصلوا جزيرة قبرص نزل المسلمون إلى الساحل, تقدمت أم
حرام لتركب دابتها, فنفرت الدابة وألقت أم حرام على الأرض فاندقت عنقها فماتت,
فدفنها المسلمون في أرض الجزيرة, اجتمع معاوية مع أصحابه ليشاورهم وكان فيهم أبو
أيوب الأنصاري, وأبو ذر الغفاري, وشداد بن أوس, والمقداد بن الأسود, وعبادة بن
الصامت, وغيرهم, فأرسلوا إلى أهل قبرص أنهم لا يريدون الاستيلاء على جزيرتهم, ولكن
يريدون تأمين حدود الدولة الإسلامية من الروم الذين كانوا أصحاب السلطان على
الجزيرة, ويشكل وجودهم فيها خطر على حدود الدولة الإسلامية . لم يستسلم
سكان الجزيرة للغزاة ولم يفتحوا لهم بلادهم بل تحصنوا في العاصمة قسطنطينا ولم
يخرجوا لمواجهة المسلمين, لعلهم فعلوا ذلك من أجل الحصول على صلح مع المسلمين, أو
أنهم كانوا ينتظرون الروم لصد المسلمين عن الجزيرة, ولما لم يحدث ذلك ورأى سكان
الجزيرة أن المسلمين قد حاصروهم طلبوا الصلح بعد ساعات من الحصار, وذلك بشروط لأهل
قبرص وشروط للمسلمين . أما شرط
أهل قبرص فكان هو ألا يشترط المسلمون عليهم شروطا تورطهم مع الروم لأنهم لا قبل
لهم بهم, ولا قدرة لهم على قتالهم .
وأما شروط المسلمين فهي كالتالي:-
1- ألا يدافع المسلمون عن الجزيرة إذا هاجم سكانها محاربون .
2- أن يدل سكان الجزيرة المسلمين على تحركات عدوهم من الروم .
3- أن يدفع سكان الجزيرة للمسلمين سبعة آلاف ومائتي دينار في كل عام .
4- أن يكون طريق المسلمين إلى عدوهم عليهم .
5- ألا يساعدوا الروم إذا حاولوا غزو بلاد المسلمين, ولا يطلعوهم على أسرارهم .
عاد المسلمون بعد الصلح إلى بلاد الشام, ولكنهم لم يغتروا بالصلح فقد كانوا على حذر من أهل قبرص من أن ينقضوا الصلح, فعليهم مراقبة الجزيرة عن كثب حتى لا يؤتوا من قبلها.
لقد استفاد المسلمون من هذه الغزوة مع عدم سيادتهم على الجزيرة, إلا أنهم أثبتوا قدرتهم على خوض المعارك البحرية بجدارة, مما أفادهم في معاركهم مع عدوهم الذي يهدد بلادهم من البحر سواء الشم أو الإسكندرية, ولقد مضت سنوات والقبرصيون ملتزمون بشروط الصلح ولكن هذا لم يدم.
القبرصيون ينقضون الصلح:
في سنة اثنتين وثلاثين للهجرة, ضغط الروم على سكان الجزيرة أجبرهم على إمداد جيش الروم بالسفن لغزو المسلمين, وهذا يعد إخلالا بشروط الصلح, فعلم معاوية بذلك فعزم على الاستيلاء على الجزيرة ووضعها تحت سيادة المسلمين, قد يتساءل البعض لماذا الغزو والقبارصة فعلوا ما فعلوه تحت الضغط؟ والجواب هو أنه كان بمقدورهم أن يستعينوا بالمسلمين, أو يخبرونهم بما طلبه منهم الروم فلا يكونوا قد نقضوا الصلح, ولكن يبدوا أن القبارصة كانوا يميلون للروم .
من هنا كان لزاما على المسلمين أن يلقنوا القبارصة درسا لا يعودون بعده لنقض عهد أو صلح, فجهز معاوية جيشا لغزوها في سنة ثلاث وثلاثين على خمسمائة مركب, وأمر عليهم عبد الله بن قيس الجاسي, وعلم عبد الله بن أبي السرح بذلك فتوجه إلى قبرص بأسطول آخر حتى اجتمع الجيشان على الجزيرة, فهاجموها هجوما عنيفا فقتلوا وأسروا وسلبوا, وغنموا مالا جزيلا, مما اضطر أركون حاكم قبرص أن يرفع يديه ويستسلم ويطلب الصلح, فصالحهم معاوية على صلحهم الأول, ولكنه بعث للجزيرة اثنا عشر ألفا من الجنود, وأجرى لهم أرزاقهم وبنى لهم مسجدا, وبهذا يكون المسلمون قد فرضوا سيطرتهم على الجزيرة .
وأما شروط المسلمين فهي كالتالي:-
1- ألا يدافع المسلمون عن الجزيرة إذا هاجم سكانها محاربون .
2- أن يدل سكان الجزيرة المسلمين على تحركات عدوهم من الروم .
3- أن يدفع سكان الجزيرة للمسلمين سبعة آلاف ومائتي دينار في كل عام .
4- أن يكون طريق المسلمين إلى عدوهم عليهم .
5- ألا يساعدوا الروم إذا حاولوا غزو بلاد المسلمين, ولا يطلعوهم على أسرارهم .
عاد المسلمون بعد الصلح إلى بلاد الشام, ولكنهم لم يغتروا بالصلح فقد كانوا على حذر من أهل قبرص من أن ينقضوا الصلح, فعليهم مراقبة الجزيرة عن كثب حتى لا يؤتوا من قبلها.
لقد استفاد المسلمون من هذه الغزوة مع عدم سيادتهم على الجزيرة, إلا أنهم أثبتوا قدرتهم على خوض المعارك البحرية بجدارة, مما أفادهم في معاركهم مع عدوهم الذي يهدد بلادهم من البحر سواء الشم أو الإسكندرية, ولقد مضت سنوات والقبرصيون ملتزمون بشروط الصلح ولكن هذا لم يدم.
القبرصيون ينقضون الصلح:
في سنة اثنتين وثلاثين للهجرة, ضغط الروم على سكان الجزيرة أجبرهم على إمداد جيش الروم بالسفن لغزو المسلمين, وهذا يعد إخلالا بشروط الصلح, فعلم معاوية بذلك فعزم على الاستيلاء على الجزيرة ووضعها تحت سيادة المسلمين, قد يتساءل البعض لماذا الغزو والقبارصة فعلوا ما فعلوه تحت الضغط؟ والجواب هو أنه كان بمقدورهم أن يستعينوا بالمسلمين, أو يخبرونهم بما طلبه منهم الروم فلا يكونوا قد نقضوا الصلح, ولكن يبدوا أن القبارصة كانوا يميلون للروم .
من هنا كان لزاما على المسلمين أن يلقنوا القبارصة درسا لا يعودون بعده لنقض عهد أو صلح, فجهز معاوية جيشا لغزوها في سنة ثلاث وثلاثين على خمسمائة مركب, وأمر عليهم عبد الله بن قيس الجاسي, وعلم عبد الله بن أبي السرح بذلك فتوجه إلى قبرص بأسطول آخر حتى اجتمع الجيشان على الجزيرة, فهاجموها هجوما عنيفا فقتلوا وأسروا وسلبوا, وغنموا مالا جزيلا, مما اضطر أركون حاكم قبرص أن يرفع يديه ويستسلم ويطلب الصلح, فصالحهم معاوية على صلحهم الأول, ولكنه بعث للجزيرة اثنا عشر ألفا من الجنود, وأجرى لهم أرزاقهم وبنى لهم مسجدا, وبهذا يكون المسلمون قد فرضوا سيطرتهم على الجزيرة .
معركة ذات الصواري
لم يتصدى الروم للمسلمين خلال غزوهم لقبرص مرتين, ولعل ذلك لأنهم جربوا القتال مع المسلمين من جهة, ومن جهة ثانية فهم يريدون لأهل الجزيرة أن يصطلوا بنار الغزو وحدهم ليحافظوا على قوتهم البحرية حتى يستعدوا لضربة قوية يوجهونها للأسطول الناشئ في البحر المتوسط, وقد أخطأ الروم عندما بعدم هجومهم على القوة البحرية الناشئة في المرة الأولى, لأن غزو المسلمين للجزيرة في المرة الثانية كان أقوى وأشد, وقد كان التعاون بين القوتين البحريتين للمسلمين في مصر والشام تاما,كما أن القوة الناشئة إذا لم تضرب في بدايتها فإنها ستقوى خلال الأيام القادمة, ويتمرس أصحابها على فنون القتال البحري مما يجعل القضاء عليها بعد ذلك صعبا, إن لم يكن مستحيلا,وهذا ما جعل الروم يعتقدون أن الأمر أفلت من أيديهم, فندموا على تفريطهم فيما مضى, لذلك اعتقد الروم أنه لا تقوم قائمة في البحر المتوسط إلا بالقضاء على أسطول المسلمين سواء في مصر أو الشام, ولأنه يخشون من المواجهة البحرية المباشرة مع المسلمين حتى لا يهزموا في البحر كما هزموا في البر, فإنهم بدأوا تنفيذ خطة تضعف قوة الأسطول الإسلامي دون مواجهة مباشرة معه . مهاجمة قائد الأسطول الإسلامي وقتله: أدى انتصار المسلمين في الغزوتين البحريتين لتشجيع معاوية لمواصلة الغزو البحري, وكان أمير القوات البحرية عبد الله بن قيس قام بغزوات كثيرة, ومتتابعة, وناجحة, بلغت خمسين غزوة, وقد دعا الله أن يعافيه في جنده فاستجاب الله له, فلم يغرق منهم أحد, أدى نبوغ عبد الله في حرب البحر إلى ذهول الروم وانزعاجهم من كثرة ما هزمهم, حتى كان اسمه وحده يقض مضاجعهم أكثر من جيش بأكمله . خرج عبد الله ذات مرة طليعة لغزوة أراد القيام بها, وقد تخفى في زي التجار, حتى يستطلع الأمر بنفسه وسار بمركبه حتى وصل مرفأ الروم, وهناك وجد بعض المساكين فتصدق عليهم بسخاوة, حتى كشفت أمره امرأة منهم فأخبرت الروم بوجوده فتكالبوا عليه وقتلوه بعد قتال شرس خاضه معهم, وفر الملاح المرافق له ليخبر المسلمين بمقتل قائدهم, مما دفع المسلمين للثأر لقائدهم, فتوجهوا للمرفأ وأرسلوا مراكبهم, وقاد الحملة سفيان بن عوف الأزدي وتقاتل المسلمون والروم قتالا عنيفا, ثم انتهى القتال . مؤامرات ضد البحرية الإسلامية: رأى الروم أن إمبراطوريتهم ستنتهي على يد المسلمين وانه لا قبل لهم بقتال المسلمين المباشر فلجأوا إلى التخريب بمكر وخديعة, وقام بالتنفيذ بعض عملائهم في مدينة طرابلس التي حشد فيها معاوية قواته ومعداته البحرية, فقام رجلان من النصارى يقيمان في طرابلس وقد اطمئن المسلمون إلى الأوضاع الداخلية, فهاجما السجن الذي به أسرى الروم وفتحاه, وخرج من فيه ثم توجه الأسرى إلى دار حاكم المدينة فقتلوه هو وأتباعه, ثم أحرقوا المعدات البحرية للمسلمين ولاذوا بالفرار إلى القسطنطينية, ولكن هذه الفعلة كانت عاملا قويا أثار الحماس في نفوس المسلمين, وأصبحوا أكثر تصميما على امتلاك قوة بحرية تجعلهم سادة البحر دون منازع, فلا تبقى زعامة للروم بعدها, فبذل معاوية الوقت والمال والجهد أضعاف ما بذله سابقا ليعيد بناء قواته وبسرعة قبل أن يفاجئه العدو الغادر, وأخذ المسلمون الحذر ممن يسكنون بلادهم ولا يدينون بدينهم . حشد معاوية قواته البرية ليتوجه بها إلى آسيا الصغرى, وفي نفس الوقت خرج عبد الله بن أبي السرح على رأس القوات البحرية التي بلغ عدد مراكبها مائتي سفينة ونيفا, وخرج قسطنطين بن هرقل على رأس القوات البيزنطية البحرية, لأنه رأى تباطؤا عند قواده عن الخروج لهيبتهم من لقاء المسلمين, فغامر بنفسه حتى يشجع الروم على لقاء المسلمين, وكانت سفنهم ما بين الخمسمائة والستمائة مركب, وعه جيش عظيم لم ير المسلمون مثله منذ التقوا مع الروم . كان هذا اللقاء سنة 31ه ودب الخوف والفزع في كلا الطرفين, وقضى المسلمون ليلتهم مع قراءة القرآن وذكر الله ولابتهال إليه أن ينصرهم, أما الروم فقد باتوا ليلتهم يدقون النواقيس لعلهم يدخلون الطمأنينة إلى قلوب جنودهم . وقبل بدء المعركة هبت ريح عاصفة كادت تكفأ مراكب المسلمين, فأرسلوا المراكب إلى شاطئ منهم حتى هدأت العاصفة . خير المسلمون عدوهم أين تكون المعركة في الساحل أم في البحر؟ فاختار الروم البحر لأنهم جربوا البر قبل ذلك فلم يفلحوا, فأجابهم عبد الله لطلبهم . بدأ المسلمون المعركة برمي عدوهم بالنبل والنشاب حتى أوشكت على النفاد, والروم ينتظرون نفادها, واستعمل المسلمون الحجارة يرمونهم بها ولكنها نفدت, والروم لم يجهدوا أنفسهم ولم يردوا بشيء ففكر المسلمون في طريقة جديدة وهي جعل المراكب ميدانا للقتال, حيث شدوا سفنهم بعضها إلى بعض وأوثقوها جيدا, وأخذوا يقتربون من سفن العدو حتى كانت في متناول الخطاطيف, فقذف المسلمون خطاطيفهم عليها وجذبوها إليهم, وشدوها إلى مراكبهم شدا محكما حتى أصبحت السفن كلها ميدانا لقتال شرس وعنيف, فصارت المعركة البحرية كأنها معركة برية, ففزع الروم لما رأوا أنفسهم في متناول أيدي المسلمين, ومع إصابة الروم من هول المفاجأة ومع انهيار معنوياتهم, إلا أنهم قد استبسلوا في القتال واستماتوا فيه لأنهم كانوا يشعرونه أنها معركة فاصلة, لن تقوم للمنهزم فيها بعدها قائمة, ولأن الملك قسطنطين بينهم, مما جعلهم يظهرون أمامه من فنون وبراعة الحروب والشجاعة حتى يثبتوا أنهم لم يقصروا في المعارك التي هزموا فيها, ولعلهم يرزقون نصرا فيكونون محل عطف وتقدير. دارت المعركة رهيبة ومفزعة, استعمل الفريقان السيوف, والخناجر, ضربا وطعنا, وعبد الله بن سعد يمر على جنوده يأمرهم بقراءة القرآن, ويحثهم على الصبر, ولما أحس الروم بقوة المعركة وظنوا أنها النهاية, وثبوا على سفن المسلمين فنقضوها, وقاتل المسلمون على غير صفوف وسالت الدماء غزيرة حتى لونت ماء البحر باللون الأحمر, وقذفت الأمواج الجثث على الشاطئ, أيقن الروم بالهزيمة ورأوا أن الكفة ترجح لصالح المسلمين, فترنحوا على ظهور المراكب كأنهم سكارى يعملون مالا يعقلون . محاولة لاختطاف القائد الإسلامي: أراد قسطنطين أن يرفع معنويات جنوده ليثبتوا في المعركة بعدما أصابهم من خور, فأمرهم بخطف مركب أمير البحر عبد الله بن سعد, ونجح الجنود في قذف الخطاطيف لمركب القيادة الإسلامية, وأخذوا يجرونها وهم يشعرون أنهم سيقدمون لملكهم أثمن هدية ويفوزوا برضاه وظن المسلمون والروم أن الأمير مخطوف لا محالة, ولكن رجلا من المسلمين اسمه علقمة بن يزيد وكان مع الأمير في المركب, قد فاجأ الجميع بإلقاء نفسه على السلسلة الضخمة التي يسحب بها الروم مركب القائد, وأخذ يقطع السلسلة بسيفه, وهو صابر لا يبالى بما يضرب به من الروم, وقد نجح بقطع السلسلة وأدار الملاح المسلم الركب جهة المسلمين وأوصله إلى أسطولهم, والحسرة تأكل قلوب الروم على الصيد الثمين الذي أفلت منهم, وهنا أدار المسلمون الكرة على الروم فهاجموا مركب الملك, وأعملوا السيف في جنده وحرسه, ولكن الملك أفلت منهم بعد أن تخفي في زي ابن أحد ضاربي الطبول في السفينة, وقد أصيب بالجراح, وفر هاربا إلى جزيرة صقلية, وقتل يومها من المسلمين خلق كثير, ومن الروم ما لا يحصى عدده, فر الروم هاربين . عاد عبد الله بن سعد بعد أيام إلى الإسكندرية, بينما غير ما جرى في ذات الصواري ما كان يدور في رؤوس الروم من محاولات لغزو المسلمين, وأخذوا يفكرون فقط في المحافظة على ما بأيديهم من بلاد حتى لا يأخذها منهم المسلمون, أما قائدهم فقد قتله أهل صقلية لما وصل إليها, وقد كتب الله النصر لجنده المخلصين وهي سنة الله تعالى في خلقه أن النصر للمؤمنين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق