منهجية الكتاب تعتمد على الماركسية كأداة تحليل
|
قُدّمت العولمة كترياق شافٍ من كل أمراض التخلف، والشمولية، والاشتراكية، وإجراءات العدالة الاجتماعية، واعتبرت تعزيزا للتواصل العالمي، وللأنسنة، ولقيام عالم بلا حروب ومتجانس بين المراكز والأطراف، فيه تتناغم وتتقارب أمم العالم، التي سيحصل فيها تطوّر اقتصادي صناعي للبلدان المتخلفة؛ وقيل في مطلع الثمانينات، إن العولمة توحّد العالم، وتنهي بذلك فصل الحرب الباردة وأنها الخيار الأخير للبشرية. فبعد العولمة لا توجد مرحلة أعلى، ولماذا توجد ما دام الوعد بأن العالم سيتجاوز كل المشكلات المشار إليها؟
قامت وبعكس ذلك حركة مناهضة العولمة، وبرزت بشكل واسع مع بداية الألفية الثانية، وحينما توضح أن العولمة هي طور في الأمبريالية، وهي تعميق لها، وتخفي مشروعا للشركات العابرة للقومية قصد نهب العالم، تحت مسميات نظام عالمي جديد وسوى ذلك، مستفيدة من الهجوم الأمبريالي ضدّ الاشتراكية ومن انهيار دولها؛ وكما أن هناك دعاة عولميين للنهب والإفقار باسم الأنسنة، كان هناك مناهضون للعولمة ضدّ النهب والإفقار والتبعية، وعلى مستوى العالم كذلك؛ فلم تخلُ دولة من هكذا منظمات؛ كانت الرّد الشعبي الجديد ضدّ العولمة الأمبريالية. في كتاب “أحوال بلاد المتوسط في عصر العولمة”، يتمّ التطرّق إلى مختلف الاتفاقيات التي طرحت من أوروبا بخصوص دول البحر المتوسط شمالا وجنوبا، وكذلك لدور الهيمنة الأميركية على العالم.
الثورات العربية كانت بمثابة موقف سياسي يتجاوز الحركات الاجتماعية، ويستهدف تغيير النظام اقتصادا وسياسة وثقافة
الهيمنة الأميركية
هذه الاتفاقيات مثل”المنتدى المتوسطي” و”مسار برشلونة” و”الشراكة الأوروبية المتوسطية” و”الاتحاد من أجل المتوسط” ومشروع أميركا” و”مشروع شرق أوسط كبير” كل هذه العناوين كانت تحمل أهداف “سلام وأمن وتسامح وتفاهم مشترك وتنمية وازدهار، وفهم ومبادلات بين شعوب المنطقة، في إطار ترويج سيادة القانون، والديمقراطية التعددية وحقوق الإنسان” ولكن النتيجة وبعد سنوات، كانت تعزيز مصالح رأس المال المالي والصناعي والمنافسة بين الأمبرياليين. أي كانت هذه الكلمات محض أيديولوجيا وأكاذيب، وبإمكان أيّ منصف أن يقرأ أيّ بحث جادّ عن أوضاع الفقراء ومشكلات البيئة والعالم الثالث، ليتفهم جيدا ذلك.
وكان التطبيق الفعلي للعولمة: إعادة التحكم في البلدان التي نالت الاستقلال بعد الخمسينات وذهبت نحو دول التحرّر الوطني والقومي والمستقلة في العموم، ومحاولة التطبيع مع إسرائيل كدولة طبيعية في المنطقة العربية، وفتح الأسواق للبضائع الأوروبية والأميركية ووضع قيود على المنتجات الزراعية وعلى الهجرة إلى أوروبا، فاتفاقيات التبادل الحرّ كانت تمنع الهجرة وتحجم البضائع الزراعية تحت اعتبارات الجودة، والتي هي مجرّد تبريرات لرفضها، وكان من نتائج الانفتاح الحرّ هذا، تدمير الصناعات المتوسطة والزراعة، وتعميق الأزمات الاقتصادية، والتي فجّرت ثورات البلاد العربية كما يشير الكتاب إلى ذلك في أكثر من موضع.
منهجية الكتاب تعتمد على الماركسية كأداة تحليل
منهجية فصول الكتاب تعتمد بشكل رئيسي على الماركسية كأداة تحليل، ولكنها تنشغل بصورة رئيسية بالجانب الاقتصادي والاجتماعي لنتائج السياسات الليبرالية، وتبتعد عن الانشغال بشكل النظام السياسي، وربما هذا ينسجم مع حركة مناهضة العولمة كحركة أقرب إلى الحركات الاجتماعية منها إلى السياسية، رغم وجود تجمّعات سياسية يسارية منخرطة فيها، وغير يسارية كذلك.
وإذا كان انتهاج الأشكال الاجتماعية لمناهضة العولمة طبيعيا في مرحلة الانتقال من الاشتراكية إلى العولمة الأمبريالية، فإن تجدّد الدعوة للأشكال ذاتها، يعبّر عن خطإ معرفي لطبيعة هذه العولمة؛ فهي تعميق للرأسمالية، وتتطلب ردّا سياسيا بشكل رئيسي، وعبر أحزاب سياسية يسارية واعية للشرط التاريخي ومتجاوزة لكل ممارسات الاشتراكية القديمة.
الثورات العربية التي يشير إليها الكتاب، كانت بمثابة موقف سياسي يتجاوز الحركات الاجتماعية، ويستهدف تغيير النظام بكليته؛ اقتصادا وسياسة ومجتمعا وثقافة وتعليما، بغض النظر عن المآلات التي ذهبت إليها دول الثورات العربية، والتراجع الجزئي لاحتجاجات أوروبا العنيفة ضدّ السياسات النيوليبرالية.
كان وصول أحزاب يسارية في البرازيل وفي فنزويلا واندلاع الثورات العربية الواسعة، دلالة واضحة على أن الرأسمالية التي غرقتها بأزمات اقتصادية كبرى لم يعد ممكنا تجاوزها وفق آلياتها، فهي ممتدة منذ عام 2004 بصفة خاصة، وإلى الآن ليس لها من حل، وصار لا بدّ من العمل لأجل إحداث تغيير كلي يتجاوزها؛ التنظير الفكري للباحثين لا يزال يدعو إلى الحركات الاجتماعية، أي لا تزال مواقفهم أدنى من السياسة، وخوض الصراعات الطبقية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق