محمد أديب السلاوي
-1-ما هي ملامح العلاقة المترابطة بين الرموز التراثية والإبداع التشكيلي المغربي الحديث، من أجل الإجابة عن هذا السؤال، لا بد لنا من تسجيل الملاحظات التالية:
على مستوى التراث المعماري، رصدت النماذج التي انخرطت في هذا السياق وهي متفاوتة القيمة، متباينة الأساليب، الإرث المعماري المغربي في تفاصيله، عبر الشهادات المتبقية منه على الطبيعة في المدن والقرى العتيقة، بعضها تبنى الخطوط الدقيقة والمتحركة لهذه التفاصيل/ الوحدات، وركز البعض الآخر منها على حركة الفرشاة التي تحولت إلى خطوط متحركة على السطح المنسوج في العملية الإبداعية؛
على مستوى التراث البيئي، التجأ الفنان المغربي إلى عدة أساليب لتجسيد المرئي في رموز هذا التراث. ومن أجل قراءة هذا المرئي، قراءة جمالية/ معرفية/ تشكيلية حاول العديد من الفنانين في هذا المنحى إبراز العنصر الإنساني على حساب تفاصيل الفضاءات البيئية،
في حين قدم البعض منهم (عفيف بناني/ عبد اللطيف الزين/ محمد بن علال) الخصائص المستمدة من القدرات التقنية/ الحرفية، حيث تمت إعادة تركيب الأشياء على نحو تسجيلي، يفسح المجال أمام التفاصيل الواقعية للمشهد القروي… أو يحوّل هذا المشهد إلى عالم أسطوري ينسج نفسه خارج الواقع. وعلى أن هذه النماذج تختلف فيما بينها من حيث أساليبها/ رؤيتها ووعيها بالتراث البيئي، فإنها تتواصل بوعي أو بدونه مع تراث الماضي، عبر قدرتها على تجسيد هذا التراث، ورفع تفاصيله إلى مستوى القراءة البصرية/ الجمالية؛
وعلى مستوى الأعمال التشكيلية التي رصدت فنون الفرس والفروسية وهي ترتبط بشدة بالبيئة المغربية القروية، فإن القراءة التي قدمها العديد من الفنانين المغاربة لهذا التراث ستظل لافتة للنظر، ليس فقط لأن أسلوبها الفني رفع البعض منها إلى درجة مهمة من الجمالية والإبداعية؛ ولكن لأن العديد منها أكد قدرة الفنان المغربي على إعادة خلق عالم الفروسية بمناخاته ومواصفاته وألوانه، وأحيانا بتفاصيله الدقيقة، وهو ما جعل العلاقة التناغمية بين الإنسان والفرس، في العديد من هذه الأعمال، شاعرية إلى حد الإبهار.
-2-
بذلك تكون الأسماء الإبداعية التي اشتغلت على الأصناف التراثية، التي تمت الإشارة إليها، قد كشفت على اختلاف رؤاها للتراث وقضاياه عن دأب أصحابها على التفاصيل، وعلى الحركة التي تحول العلاقات التشكيلية المتجانسة في العمل الفني إلى عالم قوامه الشاعرية والجمالية جميعا؛ فالقاسم المشترك بين هذه النماذج جميعها إحساسها الجمالي/ الشاعري بالتراث، الذي يقرب بعضها إلى التجريدية ويربط بعضها الآخر بالواقعية والانطباعية، إلا أنها في كلياتها أعطت هوية مميزة لنفسها في المجال التراثي، جذرت رؤيتها في طموحاتها التشكيلية المحلية، وهي بذلك استطاعت إثارة الكثير من الأسئلة والتساؤلات حول صيغة تعاملها مع التراث، كهوية إبداعية. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن قضية التراث عرفت في الآونة الأخيرة تحركا ملحوظا، لا على المستوى التشكيلي وحده، ولكن على مستوى الفنون والآداب والفكر عامة، إذ حظي هذا الموضوع بدراسات وقراءات متباينة تنصب في أغلبها على أبعاد القضية التراثية من وجوهها الفكرية والفنية، في محاولة لتأسيس رؤية جديدة وحديثة للثقافة العربية، والخروج بهذه الثقافة من منعطفها الحالي، الذي أصبح محصلة لتراكمات حضارية سلبية مزمنة.
ومن خلال التساؤلات الموضوعية التي طرحتها/ تطرحها هذه القراءات حول علاقة التراث الماضي بالتراث الحاصر، وحول الجدل التاريخي القائم بينهما، يبدو أن الفنان المغربي الذي انخرط في هذه العلاقة وقدم من خلالها العديد من الإجابات عن طريق منجزاته الإبداعية قد امتد على رقعة محدودة: الوحدات الهندسية/ التراث البيئي بكل تفرعاته، ليقترب من العين الاجتماعية، ويأخذ مدلوله الفكري من خلال تواصله مع الأشكال التعبيرية الأخرى: (القصيدة/ الرواية/ المسرحية/ اللحن الموسيقى/ الأغنية) التي اعتنت بهوية الانسان المغربي من خلال جذوره.
-3-
وعلى أن رقعة العمل التراثي عند الفنان المغربي لم تتسع بعد إلى آفاق التراث العربي الرحب، فإن الشخصية الثقافية لمنجزاته التي استعرضنا نماذج منها لأجيال الفنانين المتعاقبين، تشترك في ملامحها، وفي تكوينها الفني مع الشخصية الثقافية العربية، سواء في إصرارها على انتمائها، إلى جذورها/ هويتها أو في تنوع أساليبها المدرسية… كما في خطابها الذي يبوح بكل أسراره وطموحاته. ولأن الشخصية الثقافية للعمل التشكيلي/ التراثي ستظل زمنيا/ تاريخيا مرتبطة بالحداثة والتحديث، كحصيلة طبيعية للتوترات المتحكمة في قضية التراث في الوطن العربي، فإن عملية عزل هذه الشخصية عن اللوحة ستكون عملية قيصرية يقوم بها بعض الفنانين تحت تأثير البحث… أو التحديث، دون وعي بانعكاساتها السلبية على الثقافة والتشكيل معا.
إن الأمر هنا يتعلق خاصة بالأعمال التي تجمدت في التسجيلية لنقل معالم ورموز تراثية متجذرة في الثقافة التشكيلية دون أن تدخل في حوار مع قيمها ورموزها، ودون أن تلحقها بالجدل الفكري الدائر حول القضية التراثية الشاملة… فهذه الأعمال، بالرغم من قيمة بعضها الأكاديمية، فإنها تكرس الدعوة الرجعية إلى خلق ثقافة فلكلورية سكونية تفتح علينا باب التقليد الذي لا يمكن أن يؤدي سوى إلى ثقافة سكونية غارقة في اشعاع الماضي، ولا يهمها من الحاضر اشعاعه المستقبلي… ولا إشعاعه الآني.
ويلاحظ، هنا، أن الأعمال التي سجنت نفسها في هذا الاتجاه، على أنها تقر ضمنيا أن التراث الماضي يكون أحد أبعاد الأصالة في ثقافتنا المغربية، ويمثل الصورة التي كنا عليها بالأمس، فإنها لم تتجاوز ذلك لاستقراء هذا الماضي الذي كان قنطرة عبور عريضة إلى الحاضر… ومنه إلى المستقبل… فالاهتمام كان بالناحية العاطفية لا بالعوامل التي تربطنا بهذه الجذور/ الوحدات الهندسية المعمارية/ الأسواق/ الفروسية… إلخ، التي تمثل الأرض والإنسية القومية والإنسان في ثقافته وهويته، وأفكاره وتقاليده القديمة والجديدة، على اعتباره صاحب رسالة مقدسة… وحضارة عريقة.
وعلى مستوى الأعمال التشكيلية التي رصدت فنون الفرس والفروسية وهي ترتبط بشدة بالبيئة المغربية القروية، فإن القراءة التي قدمها العديد من الفنانين المغاربة لهذا التراث ستظل لافتة للنظر، ليس فقط لأن أسلوبها الفني رفع البعض منها إلى درجة مهمة من الجمالية والإبداعية؛ ولكن لأن العديد منها أكد قدرة الفنان المغربي على إعادة خلق عالم الفروسية بمناخاته ومواصفاته وألوانه، وأحيانا بتفاصيله الدقيقة، وهو ما جعل العلاقة التناغمية بين الإنسان والفرس، في العديد من هذه الأعمال، شاعرية إلى حد الإبهار.
-2-
بذلك تكون الأسماء الإبداعية التي اشتغلت على الأصناف التراثية، التي تمت الإشارة إليها، قد كشفت على اختلاف رؤاها للتراث وقضاياه عن دأب أصحابها على التفاصيل، وعلى الحركة التي تحول العلاقات التشكيلية المتجانسة في العمل الفني إلى عالم قوامه الشاعرية والجمالية جميعا؛ فالقاسم المشترك بين هذه النماذج جميعها إحساسها الجمالي/ الشاعري بالتراث، الذي يقرب بعضها إلى التجريدية ويربط بعضها الآخر بالواقعية والانطباعية، إلا أنها في كلياتها أعطت هوية مميزة لنفسها في المجال التراثي، جذرت رؤيتها في طموحاتها التشكيلية المحلية، وهي بذلك استطاعت إثارة الكثير من الأسئلة والتساؤلات حول صيغة تعاملها مع التراث، كهوية إبداعية. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن قضية التراث عرفت في الآونة الأخيرة تحركا ملحوظا، لا على المستوى التشكيلي وحده، ولكن على مستوى الفنون والآداب والفكر عامة، إذ حظي هذا الموضوع بدراسات وقراءات متباينة تنصب في أغلبها على أبعاد القضية التراثية من وجوهها الفكرية والفنية، في محاولة لتأسيس رؤية جديدة وحديثة للثقافة العربية، والخروج بهذه الثقافة من منعطفها الحالي، الذي أصبح محصلة لتراكمات حضارية سلبية مزمنة.
ومن خلال التساؤلات الموضوعية التي طرحتها/ تطرحها هذه القراءات حول علاقة التراث الماضي بالتراث الحاصر، وحول الجدل التاريخي القائم بينهما، يبدو أن الفنان المغربي الذي انخرط في هذه العلاقة وقدم من خلالها العديد من الإجابات عن طريق منجزاته الإبداعية قد امتد على رقعة محدودة: الوحدات الهندسية/ التراث البيئي بكل تفرعاته، ليقترب من العين الاجتماعية، ويأخذ مدلوله الفكري من خلال تواصله مع الأشكال التعبيرية الأخرى: (القصيدة/ الرواية/ المسرحية/ اللحن الموسيقى/ الأغنية) التي اعتنت بهوية الانسان المغربي من خلال جذوره.
-3-
وعلى أن رقعة العمل التراثي عند الفنان المغربي لم تتسع بعد إلى آفاق التراث العربي الرحب، فإن الشخصية الثقافية لمنجزاته التي استعرضنا نماذج منها لأجيال الفنانين المتعاقبين، تشترك في ملامحها، وفي تكوينها الفني مع الشخصية الثقافية العربية، سواء في إصرارها على انتمائها، إلى جذورها/ هويتها أو في تنوع أساليبها المدرسية… كما في خطابها الذي يبوح بكل أسراره وطموحاته. ولأن الشخصية الثقافية للعمل التشكيلي/ التراثي ستظل زمنيا/ تاريخيا مرتبطة بالحداثة والتحديث، كحصيلة طبيعية للتوترات المتحكمة في قضية التراث في الوطن العربي، فإن عملية عزل هذه الشخصية عن اللوحة ستكون عملية قيصرية يقوم بها بعض الفنانين تحت تأثير البحث… أو التحديث، دون وعي بانعكاساتها السلبية على الثقافة والتشكيل معا.
إن الأمر هنا يتعلق خاصة بالأعمال التي تجمدت في التسجيلية لنقل معالم ورموز تراثية متجذرة في الثقافة التشكيلية دون أن تدخل في حوار مع قيمها ورموزها، ودون أن تلحقها بالجدل الفكري الدائر حول القضية التراثية الشاملة… فهذه الأعمال، بالرغم من قيمة بعضها الأكاديمية، فإنها تكرس الدعوة الرجعية إلى خلق ثقافة فلكلورية سكونية تفتح علينا باب التقليد الذي لا يمكن أن يؤدي سوى إلى ثقافة سكونية غارقة في اشعاع الماضي، ولا يهمها من الحاضر اشعاعه المستقبلي… ولا إشعاعه الآني.
ويلاحظ، هنا، أن الأعمال التي سجنت نفسها في هذا الاتجاه، على أنها تقر ضمنيا أن التراث الماضي يكون أحد أبعاد الأصالة في ثقافتنا المغربية، ويمثل الصورة التي كنا عليها بالأمس، فإنها لم تتجاوز ذلك لاستقراء هذا الماضي الذي كان قنطرة عبور عريضة إلى الحاضر… ومنه إلى المستقبل… فالاهتمام كان بالناحية العاطفية لا بالعوامل التي تربطنا بهذه الجذور/ الوحدات الهندسية المعمارية/ الأسواق/ الفروسية… إلخ، التي تمثل الأرض والإنسية القومية والإنسان في ثقافته وهويته، وأفكاره وتقاليده القديمة والجديدة، على اعتباره صاحب رسالة مقدسة… وحضارة عريقة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق