ثيمات السرد القصصي في بستان الياسمين
الواقع بكاميرا الروائي
نجاح هادي كبة
يتصف اسلوب ناطق خلوصي في اعماله الروائية عموماً باختيار المضامين الهادفة وليدة الواقع وببناء فني محكم ولاسيما في روايته (بستان الياسمين) فله القدرة على المناورة للوصول الى الهدف ولم يكن الهدف ما يشد القارئ فحسب بل تلك القدرة السردية التي تكسر افق توقع القارئ لما تحمل من وحدات سردية وتشده لما سيحدث، ولعل ابرز ثيمات السرد القصصي في روايته (بستان الياسمين) ما يلي :
1- الواقعية في السرد : صوّرت رواية (بستان الياسمين) آلام العائلة العراقية وافراحها وما جرى عليها بعد التغيير 2013م وحمل الروائي كاميرته ليصوّر ما فعلته المفخخات وشخوص ابطال الرواية كانوا ممثلين لشرائح اصابها الحيف بعد التغيير 2013م كالأطباء فوائل الطبيب هاجر وعائلته الى لندن يمارس عمله في احدى مستشفياتها خوفاً من الثأر العشائري لخطأ اصاب مريضاً عالجه وقد رسمت هجرة وائل شعور زوجته سهير بالفراغ العاطفي إذ ارتبط وائل بعلاقة مع ممرضة هندية ما جعل سهير تقترب عاطفياً الى والده مسعود الشاعر البطل الرئيس في الرواية إذ مثلّ شريحة المثقفين واستبطن الروائي شخصيته على لسانهم وكاد يخون مبادئه إذ همّ بزوجة ابنه وائل وهمّت به لولا دعاء ربك وسالي مثّلت شريحة حملة الشهادات العليا فهي طالبة ماجستير تربطها بمشرفها (اشرف) علاقة جنسية مريبة وكاد (مسعود) الشاعر الذي وفر لها المصادر من مكتبته الخاصة ان يسقط في فخها وامتدت السمسرة الجنسية من العراق الى بيروت على لسان بطلة الروائي ربيعة وابنتها ميس ان يتستر على علاقته الجنسية وهو يمارس الجنس في بيت الدعارة مع ربيعة وابنتها ميس في بيروت وكان بإمكانه ان يقضي حاجته الجنسية مع سالي التي رغبت فيه وما دامت تتردد عليه في بستان الياسمين لتستعير منه الكتب كمصادر لاكمال دراستها العليا ، لقد رسم الروائي من خلال شخصية مسعود (الشاعر) واقع طبقة المثقفين – كما ارى- انها على حافة السقوط او تتستر على سقوطها كما انها خائفة من (حوت المال العام) إذ رسم الروائي ضعف طبقة المثقفين حين اصاب مسعود الخوف من سميح الوادي (حوت المال العام) إذ اراد ان يستولي على بستان الياسمين موئل مسعود وبؤرة تجمع عائلته .
2- الصدق الفني : الصدق الفني : هو تمثيل الواقع ورسمه بأسلوب فني يعبر عن ذلك الواقع ويعكسه بطريقة تشد القارئ اليه فهو اسلوب يهيئ الواقع ويؤهله ليصبح فنياً (حسب ماركيز) له سماته الجمالية من الخيال والعاطفة والمضمون فهو ارهاص لما يحدث وفي رواية بستان الياسمين تحركت الشخصيات وهي تحاكي الواقع وتتوفق عليه حين يرسمها الروائي بريشته الفنية فلقد رسم الروائي أدوار ابطاله كمسعود الشاعر وسهير زوجة ابنه وائل وسميح الوادي (حوت المال العام) وغيرهم بأسلوب ينم عن قدرة فنية بلغة عربية فصيحة معربة او لغة وسطى اتاحت له الانشداد الى دفء العلاقات الاجتماعية ، لاحظ كيف رسم الروائي علاقة مسعود بزوجة ابنه (سهير) (وجد رسالة في بريده الالكتروني ورأى معها صورة سهير وهي تحمل مسعود الصغير على صدرها وتقف الى جوار وائل وقد امتلأ جسده بعض الشيء .. ورأى صورة اخرى لوحدها وهي بكامل اناقتها وزينتها قرأ تحتها (مع حبي) فضحك ان هذه الصورة خاصة به) / ص: 91 .
3- كسر افق التوقع : افق التوقع مفهوم جمالي له علاقة بعملية استقبال النص وتلقيه وهو يمكن ان يشعر القارئ بالرضا او يترك عنده اثراً سيئاً لأن النص يصدم توقعات القارئ ويعاكسها . وفي رواية بستان الياسمين ينتشر كسر افق التوقع في اثناء السرد من خلال الصراع او الحبكة الدرامية او التداعي الحر للراوي العليم ويترك علامة رضا او اثر سيئاً لدى المتلقي ، فعلاقة سهير وهي زوجة وائل بوالده مسعود حين همّ بها او همت به لولا دعاء ربك لم تحقق اهدافها ما كسر افق التوقع لدى القارئ كذلك فاجأ الروائي القارئ حين جعل سهير زوجة نائل تمارس الجنس مع نبيل مع انه زوج ابنة مسعود (رفيف) قال عن مسعود في علاقته مع زوجة ابنه (سهير) (كان صوتها العذب يترقرق في سمعه ويتسلل هناك الى روحه وقد صارت تنتقل من
اغنية الى اخرى ، قالت وهي تشير الى بطنها – لولا حفيدك الذي في بطني لرقصت لك ايضاً – رد وهو يلامس خدها برؤوس اصابعه – صوتك
يكفي) / ص: 50 .
ويستمر الروائي بأسلوب شائق في وصف العلاقة الغرامية بين مسعود وسهير فيوقن القارئ ان سيقع المحذور بينهما ، لكن الروائي كسر افق توقع القارئ حين ابتعد مسعود عن زوجة ابنه بداعي المبادئ .
4- الاسترجاع : يوظف الروائي فن استرجاع المعلومات ليصل الى ترابط سلسلة احداث الرواية ويحافظ على الوحدة الموضوعية للرواية والاسترجاع في بستان الياسمين ينشط ذاكرة القارئ للاحداث السردية التي ذكرها الروائي سابقاً ليحقق اهدافه ويقترن الاسترجاع في بستان الياسمين بالادهاش ويظهر الاسترجاع عن مصير كل شخص من شخصيات الروائي وتحركها في اثناء اللعبة السردية ، قالت سالي لمسعود : (سيؤدي سفرك الى تأخير اكمال الاطروحة ، وجم قليلاً ثم قال : معك حق دعيني افكر بحل) / ص: 102 وبعد انقطاع الاحداث عن سالي وتوالي سرود قصصية اخرى يذكّر الروائي بسالي مرة اخرى (ضحك في سره وردد مع نفسه : تتدبر امرها ؟ كيف يمكنها ان تتدبر امرها وهي لا تجيد كتابة بحث ؟ لا يدري ما الذي سيحدث عند مناقشة الاطروحة : يخشى ان تكون هناك فضيحة) / ص: 134 . ثم يتابع الأحداث مع سالي بعد انقطاع غير قصير ليخبر عن انهيار سالي في قاعة المناقشة وغياب المشرف.
5- الاهتمام بالوحدة الموضوعية : يهتم الروائي بالوحدة الموضوعية وتسلسل الاحداث عن طريق رصد تحركات الشخصيات في الزمان والمكان المحددين فهو يهتم بالربط الجزئي ثم الكلي للاحداث ما جعل الرواية بناء فنيا محكماً فشريط الاحداث على لسان الشخصيات ينتهي معظمها قبل نهاية الرواية وتكون النهاية جزء ملتحماً مع سياق الاحداث وليس فقط نتيجة وحيدة عنها فالروائي مثلاً رسم نهاية تراجدية لسميح الوادي (حوت الموت العام) قبيل الرواية كما اعطى نهاية تراجيدية لسالي في قاعة مناقشة اطروحتها وحتى المشرف على رسالتها (اشرف) غاب واغلق محموله وبقي الكثير من شخصيات الرواية كمسعود وابنه وائل وزوج ابنته نبيل لم يتطرق الروائي لنهايتهم لانهم يمثلون واقعاً اجتماعياً في بلده العراق لم ينته بعد .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق