بقلم : أميــرة أحمــد
القرون الوسطى ( القرن الـ 5 – الـ 15 )
سادت الحروب ذات الطابع الديني اوروبا في القرون الوسطى، حيث كان الدافع الرئيسي لهذه الحروب هو الدين، فكانوا يرون انها تطبيق لإرادة الرب، وانه طاعة للرب وإستجابة لنداءه عليك خوض هذه الحرب..
هذه الفترة تحديداً غنية بالحروب الدينية التي إستمرت لعشرات السنين، وجدير بالذكر ان الكنيسة في هذه الفترة كانت تسيطر بشكل كبير على مجريات الأمور في اوروبا، لم تكن نفوذها دينية فقط، بل كان لها نفوذ ورؤى وقرارات سياسية واقتصادية وعسكرية ايضاً، حيث كان في إمكانها عزل الملوك والأمراء عن طريق سحب الثقة منهم وفصلهم من الكنيسة، ما يعني إفتقادهم لثقة وطاعة الشعب الذي يثق كل الثقة بالكنيسة.
ومن هنا أصبحت الكنيسة تمثل الحاكم الحقيقي لمعظم دول أوربا خلال فترة القرون الوسطى ..
ومن أهم الحروب الدينية في هذه الفترة :
حرب الـ 30 عاماً – المانيا (البروتستانت والكاثوليك)

حرب الثلاثين عاماً هى حرب قامت بين الكاثوليك والبروتستانت خلال القرن الـ 17 في ألمانيا، استمرت هذه الحرب ثلاثين عاما وإنتهت بأوبئة ومجاعات وتدمير شامل بكافة النواحي عام 1648 م.
بدأت الكنيسة الكاثوليكية بما يسمى الحرب الدينية المقدسة ضد البروتستانية، حيث أبادت 40% من شعوب أوروبا الذين ينتمون للبروتستانت، وما يقرب من نصف سكان ألمانيا تحديداً، والسبب الأصلي في إندلاع هذه الحرب هى حركة الاصلاح البروتستانتية، التي قام بها الراهب الكاثوليكي “مارتن لوثر” عندما انتقد الكاثوليكية ورفض أفكارها التي يرى انها تنافي المنطق كما يرى.
خاصة صكوك الغفران، وامكانية شراء المناصب الدينية العليا كالمطران والباباوية، فقام البابا بإستدعاءه إلى الكنيسة الرومانية الكاثوليكية فرفض لوثر، فقام البابا بعزله من الكنيسة ، كما أمر بإحراق كل ما خطه قلمه.
وبمرور الوقت أصبحت البروتستانية هى الأغلبية في ألمانيا، فما كان من الكنيسة الكاثوليكية إلا استخدام محاكم التفتيش لبث الرعب في نفوس الناس وردعهم عن الخروج عن الكاثوليكية، ومحاكمة الهراطقة والمرتدين والمخالفين لأوامر الكنيسة ، فقامت بإبادة الملايين بالخنق والإحراق والإغراق والإعدام شنقا وكافة وسائل التعذيب المروعة المتبعة في محاكم التفتيش آنذاك.

وبدءا من تلك اللحظة انقسم العالم المسيحي في أوروبا إلى قسمين: قسم كاثوليكي وقسم بروتستانتي، ودارت بينهما المعارك والحروب التي ذهب ضحيتها مئات الآلاف من القتلى، وآلاف اخرى تم تعذيبها عن طريق محاكم التفتيش التي أنشئت في الاصل لمحاكمة الهراطقة ، وبمرور الوقت أصبحت وسيلة لمن يرفض اعتناق المسيحية ،كما تم تعذيب المسلمين بعد سقوط الاندلس ووقوعهم في قبضة المسيحيين.
ويقول المؤرخ الفرنسي ” غوستاف لوبون” عن محاكم التفتيش : في كتابه “حضارة العرب:
«يستحيل علينا أن نقرأ دون أن ترتعد فرائضنا من قصص التعذيب والاضطهاد التي قام بها المسيحيون المنتصرين على المسلمين المنهزمين، فلقد عمدوهم عنوة، وسلموهم لدواوين التفتيش التي أحرقت منهم ما استطاعت من الجموع، واقترح القس “بليدا” قطع رؤوس كل العرب دون أي استثناء ممن لم يعتنقوا المسيحية بعد، بما في ذلك النساء والأطفال، وهكذا تم قتل أو طرد ثلاثة ملايين عربي.»
حروب فرنسا

بلغت الحرب يبين بين الكاثوليك والبروتستانت ذررتها في فرنسا في عام 1562 وإستمرت قرابة الـ 40 عاماً ، ثماني حروب قضت على مملكة فرنسا، عندما هجمت الجماهير الكاثوليكية على الاقلية البروتستانتية في مختلف المدن والأرياف الفرنسية.
ونتج عن هذه المواجهة الكثير من المعارك، من اشهرها تلك المجزرة الشهيرة باسم مجزرة سانت بارتيليمي التي ذهب ضحيتها أكثر من خمسة آلاف شخص، فما كان من البروتستانت الفرنسيون إلا الفرار إلى مختلف أنحاء أوروبا.
الحروب الصليبية

الحروب الصليبية هى سلسلة من الصراعات العسكرية ذات الطابع الديني الذي خاضته الكثير من دول أوروبا المسيحية ضد المشرق.
في نوفمبر 1095م تحديداً عُقد العزم على قتال المسلمين في الشرق، وذلك عندما ناشد البابا “أوربان الثاني” رجال الدين وأمراء أوروبا بشن حرب على المسلمين لتخليص الأرض المقدسة من سيطرتهم إرضاءاً للمسيح.
ومن الأفكار التي أشاعها البابوات آنذاك لحث الناس على المشاركة في هذه الحملات؛ اقتراب يوم القيامة ، وإنتهاء الحياة الدنيا وربطوا ذلك بمرور ألف سنة على نهاية عهد المسيح ، ولم يكتفوا بذلك فحسب بل كانوا يفسرون كل الظواهر الكونية والطبيعية كالزلازل والبراكين، في ذلك الوقت على أنها أدلة على نهاية الكون.
وكان لهذه الشائعات أثر كبير في إحداث حالة من الرعب والهلع عند عموم الناس خوفاً من ذنوبهم التي ارتكبوها، كما كان لها الأثر في تقوية دور البابوات والقساوسة والكنيسة بصفة عامة الذين طمئنوا الناس كونهم قادرين على تخليصهم هذه الذنوب.
لعب رجال الدين على هذا الوتر بذكاء، وإستغلوا ثقة الناس بهم في توجيههم إلى ما يريدون وتحريكهم وفقاً لأهواءهم، حيث كان من أهم الوسائل للتخلص من هذه الذنوب دفع الأموال للكنيسة، وهو الأمر الذي تطور بعد ذلك إلى صكوك الغفران، التي ثار عليها بعد ذلك مارتن لوثر مؤسِّس البروتستانتية.
بالإضافة إلى حثهم على الذهاب إلى الأراضي الفلسطينية للحج، ليكفروا عن ذنوبهم وليساعدوا اخوتهم المسيحين الذين يواجهون أشد أنواع العذاب تحت الحكم الاسلامي، مقابل حماية الكنيسة لذويهم وممتلكاتهم في حين هم يقاتلون المسلمين في فلسطين.
كل هذه الأسباب ساعدت في التمهيد لفكرة الحروب الصليبية وغزو فلسطين، بالإضافة رغبة بعض بابوات روما في ضم الكنيستين الغربية الكاثوليكية والشرقية الأرثوذكسية تحت سقف واحد، يحكمه الكاثوليكيون بالطبع.

ويجدر بنا الإشارة إلى هذه الحملات سريعاً ؛
الحرب الصليبية الأولى كانت عام 1096 م بقيادة بطرس الناسك بتحريض من رجال الدين لاحتلال بيت المقدس..
ثم جاءت الحرب الصليبية الثانيه عام 1147 م بقيادة ملك ألمانيا إنتهت بسقوط الصليبيين على يد السلاجقة الذين انهكوهم بغاراتهم المتواصلة..
والحرب الصليبية الثالثة كانت عام 1187 م بقيادة ريشارد قلب الأسد ملك انجلترا، وفيليب ملك فرنسا بحجة استعادة بيت المقدس بعد الانتصارات التي حققها البطل المجاهد صلاح الدين الأيوبي..
ثم كانت الحرب الصليبية الرابعة عام 1202 م بقيادة أمراء فرنسيين انتهت بالفشل..
أما الحرب الصليبية الخامسة فكانت عام 1213م على مصر، نادى بها البابا انوسنت الثالث، وإنتهت بمحاصرة المصريين لهم عن طريق فتح مياه السد مما تسبب في غرق المئات منهم ..
ثم الحرب الصليبية السادسة عام 1228م بقيادة ملك ألمانيا انتهت بتسليم بيت المقدس إلى الصليبيين..
والحرب الصليبية السابعة عام 1248 م بقيادة الملك الفرنسي لويس التاسع ، الذي توجه بحملته على مصر وإستمرت 6 أعوام، لكن المسلمين بقيادة السلطان الصالح نجم الدين ايوب نجحوا في تدمير قوات الصليبيين وفي حصر بقاياها في المنصورة حتى استسلموا، ووقع الملك لويس في الأسر..
أما الحرب الصليبية الثامنة قامت عام 1270م بقيادة الملك لويس التاسع في تونس، الذي تمكن من السيطرة على قلعة قرطاجا بتونس، وحقق نجاحات إنتهت بتوقيع معاهدة صلح مع المستنصر الزمتة بدفع جزية مضاعفة إلى ملك الصقليتيين، كما شملت حقوقا تجارية متبادلة، وبعد 17 يوما من التوقيع، ركب الصليبييون السفن وغادرو.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق