كتب : منير أديب
تعيش جماعة "الإخوان المسلمين" حالة من التكلس الفكري والتنظيمي معاً، فلم تعد قادرة على الحركة، نتيجة الصراعات التي تعيشها، ومحاكمة أعضائها للقيادات، فهم يحمّلونها مسؤولية ما حدث للتنظيم خلال العقد الأخير، كما يُطالبون هذه القيادات بالتنحي عن إدارة شؤون الجماعة، وهو ما رفع من حدة الصراع والسجال، الذي وصل إلى اتهامات مخلّة بالشرف، منها ما يتعلق بالخيانة والذمة المالية والمحسوبية، فقادة التنظيم يضعون أيديهم على مئات الملايين من الدولارات.
يكاد الصراع الحالي في الجماعة يتركز بين جبهتين أساسيتين، جبهة إبراهيم منير، الذي شغل منصب أمين عام التنظيم الدولي، وكان عضواً في مكتب إرشاد الجماعة قبل أن يهرب إلى العاصمة البريطانية لندن إبان فترة الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر، والذي كان يدير فعلياً شؤون الجماعة عقب ثورة 30 حزيران (يونيو) 2013، رغم وجود نائب المرشد، محمود عزت، غير أن إلقاء السلطات المصرية القبض على الأخير، دفع إبراهيم منير إلى عزل محمود حسين وإلغاء منصبة حتى ينفرد بالقرار، بخاصة أن الأخير كانت له أطماعه في أن يحل محل عزت الذي كان يشغل منصب أمين عام التنظيم، وهو كان في آخر تشكيل لمكتب الإرشاد تولى المنصب نفسه أمين عام التنظيم، وهو ما أدركه من أنه بديل عزت بعد إلقاء القبض عليه.
محمود حسين، كان يرى أنه الأولى في خلافة القيادة بعد سجن محمود عزت لاعتبارين، أولهما أنه أمين عام التنظيم، وكان عضواً حالياً لمكتب الإرشاد، وهو الأدرى بما يمكن أن تأخذه الجماعة من قرارات بشأن تصعيدها مع السلطات المصرية، مع الأخذ في الاعتبار أن منصب المرشد العام شغله المصريون دون غيرهم، وبما أنه يتمتع بالجنسية المصرية ولم يحصل على غيرها كما حصل مع إبراهيم منير، كان يرى أولوية توليه المنصب من دون غيره مع الشروط السابق ذكرها، وطموحه في أن يتولى أرفع منصب تنظيمي في الجماعة.
الأسباب السابق ذكرها جعلت إبراهيم منير يُصدر قراراً بإلغاء منصب الأمين العام للتنظيم، وإنشاء لجنة عليا لإدارة شؤون التنظيم يكون حسين عضواً فيها، وتقوم بدور مكتب الإرشاد، وهنا يتخلص منير من حسين بحيث يُصبح مجرد عضو بعدما اختار منير أعضاء اللجنة الذين يدينون بالولاء الكامل له وليس لمحمود حسين.
فعلياً اللجنة التي أنشأها منير لم تحل الخلاف، بل زادت الأمر تعقيداً، صحيح أن ولاء اللجنة لإبراهيم منير، لكن ولاء مجلس الشورى ومكتب الإخوان في تركيا لمحمود حسين، وهو ما أعاق عمل اللجنة التي تم تشكيلها لإدارة شؤون الجماعة، وهو ما دفع منير لأخذ قرار جريء في إطار حالة الصراع بين القطبين، واستصدار قرار بحل مجلس شورى الإخوان والمكتب في تركيا، ووضع شرطاً بعدم الترشح لمن هم فوق الـ45 عاماً حتى يضمن تشكيل جديد يكون ولاؤه له لا لغيره، وهو ما قوبل بالرفض.
تشكيل مجلس الشورى والمكتب من الإخوان المصريين وممن تجاوزت أعمارهم الـ45 عاماً، وهؤلاء ولاؤهم لمحمود حسين وليس لإبراهيم منير، هو ما دفع الأخير لإطاحتهم، وصمت مجلس الشورى العالمي وقيادات التنظيم الدولي على قرارات إبراهيم منير، وتأييدهم له، من منطلق أنهما هما اللذان أخذا قراراً بتنصيبه، وبالتالي تبدو كفة "منير" راجحة في هذا الصراع، ولكن لا تؤمن عواقبه على التنظيم أو على "منير" نفسه.
هناك صراع بين الحرس القديم للإخوان، كان يطفو على السطح أحياناً ويختفي في أحايين أخرى، هو صراع مكتوم، كانت تنجح الجماعة في التعامل معه وإقناع أتباعها بأنها تعيش ظروف محنة، وبالتالي كانت تعطي نفسها حقاً في التعامل مع أي قيادات تريد أن تناقش أو تجادل أو تعترض إما بالتجميد أو الفصل، تغيرت هذه الحالة الفترة الأخيره لظروف كثيرة، منها أن وضع التنظيم بات صعباً، فهو أقرب إلى من يعيش على أجهزة التنفس الصناعي، وباتت حجم الخلافات أكبر وأصبح التمرد داخل التنظيم سمتاً عاماً.
الخلافات الأخيرة داخل الإخوان المسلمين لم تكن جديدة، ولكنها قديمة طفت على السطح وتعبر عن حالة الشيخوخه التي يعيشها التنظيم حالياً، وبداية فقدانه للحياة بعد العمر الطويل، بعدما فقد توازنه وقدرته على الحركة، وبالتالي من الخطأ أن نربط الحالة التي يعيشها التنظيم بالتقارب المصري المحتمل مع تركيا؛ التنظيم يعيش بدايات الانهيار، وقد تجاوز مرحلة التماسك الداخلي، الذي كان يحققها من خلال السلطة الأخلاقية والأدبية التي كان يفرضها على الأتباع، والتي لم تعد مجدية لإحكام السيطرة على تنظيم يرى قياداته أنها سبب النكبه الحقيقية.
هناك خيارات عدة أمام إبراهيم منير، فإما أن يعود عن قراره حل مجلس الشورى والمكتب الإداري للإخوان في تركيا، وإما أن يستبعد قرار عدم ترشح الأعضاء السابقين، وإما أن يستمر في قراره، وبالتالي لن يتم إجراء الانتخابات، وهو ما يدخل التنظيم في أتون أزمة كبيرة سوف تكون مقدمه لتحلله نهائياً، ويبدو أنه السيناريو المرجح والأقرب للتطبيق.
تعيش حركة "الإخوان المسلمين" صراعات داخلية عميقة، لم يكشف عنها التنظيم، كما أن الإعلام يغضّ الطرف عنها، وبالتالي لم تبرز تصريحات الإخوان والمتمردين عليهم على السطح، ودفن قيادات التنظيم خلافاتهم في الأرض، وتم إشهار الإرهاب المعنوي في وجه من ينتقد التنظيم، حتى بات التنظيم قالباً واحداً لا معارضين بداخله، هكذا يبدو وهو يخالف الواقع في حقيقة الأمر، والذي تؤكده الشواهد صراعات داخلية تنتهي باتهامات بما هو مخل بالشرف، وجزء صغير منها يظهر على الإعلام في إطار التسريبات، فما زالت الجماعة قادره على كبح جماح كل من يريد أن ينتقدها أو يخضعها للمحاسبة.
قرارات القائم بأعمال مرشد الإخوان بمثابة إرهاصات ما قبل النهاية الحتمية للجماعة التي لا تقبل خصماً لها ولا تعترف بحقك في المناقشة، كما أنها تكفر بالحوار غير الذي تحدده وتحدد آلياته، الإخوان المسلمون مشروع فكري وسياسي لا يؤمن بالآخر ولا يعطيه أي حقوق، هذه الأفكار كفيله بانهيار التنظيم وتفككه، وهنا نتحدث عن انهيار البناء الهيكي للتنظيم، بينما انهيار الهيكل الفكري يحتاج مزيداً من الوقت والجهد.
دلالات هذا الانهيار قد تبدو واضحة خلال الفترة القادمة، فالمراقب لوضعية التنظيم خلال آخر 10 سنوات يدرك أنه بدا أكثر تفككاً، وأن هذا التفكك هو بداية النهاية للتنظيم، وليس الفكرة، فالتفاعلات الداخلية حقيقية، وهنا يمكن القول إن التنظيم في طريقة للتلاشي والاختفاء والاختباء، وقد يخرج من رحم التنظيم تنظيم آخر وتشكيلات أقل عدداً وتبدو أفكارهم أقل جاذبية، ولكنها لن تشكل خطورة، وسوف يخرج من هذه التنظيمات تشكيلات أخرى في خلافات جديدة، حتى يصبح تنظيم الإخوان المسلمين مجرد سطر في كتب التاريح وذكرى توضع بجوار فرق وجماعات طوتها صفحات هذا التاريخ.
* نقلا عن "النهار"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق