كتبت : صباح جلّول
كاتبة صحافية وباحثة في الانتربولوجيا البصرية من لبنان
عندما نتكلّم عن كورونا في لبنان علينا التذكير دائماً أنه لم يكن حتماً أكبر مصائب البلد الصغير في العامين الماضيَين، وحاله هذه تجمعه بدول عربية عدة تَعرِف مِثله معنى أن يكون لديك مشاكل أكبر حتّى من وباء عالمي خطير. هذه هي الصورة القاتمة للحياة اليومية لمواطنين ومقيمين ولاجئين يُطرح عليهم سؤال الكورونا ليجيبوا باستهزاء بأنه "أهون المصائب".
"كذا وكيت (شتائم)، من يُنكر وجود الكورونا!" هكذا ينفعل سالم (اسم مستعار) الخمسيني، شاتماً نفسه أوّلاً قبل الآخرين، حين يتذكّر كيف أنه أصرّ لشهور طويلة على حكاية "ما في كورونا، كلّو كذبة" أمام نفسه وأصدقائه وعائلته. كان هذا قبل أن يُصاب بالمرضِ اللئيم الذي نقله من كنبة البيت عند العصر ورافعةِ البلدية التي يعمل عليها صباحاً إلى سرير المستشفى حيث قاسى الأمرّين وعانى من آلام شديدة مصحوبة بخوف مفاجئ لم يكن يتوقّعه - على الحياة نفسها - تسلل إليه من أعماقِ إنكاره الأوّل ليستفزّ فيه اليقين.
يكيل سالم الشتائم الغزيرة لنفسه، ويبدو مقتنعاً تمام الاقتناع بكل حرف يصدر منه الآن: "عليكم بالاحتياط!"، "مش هينة. لا، لا، أبداً مش شي هيّن، صعب!" [1]، يردّد وهو يتنفس الصّعداء – بالمعنَيَين الحرفي والمجازي - بعد شفائه أخيراً من الداء. يشعر المرءُ بأن سالم وفيٌّ الآن لفكرة الوقاية من الفيروس وأخذه على محمل الجدّ، بنفس القدر الذي كان فيه وفيّاً لفكرة رفض التصديق بوجوده والترويج للاستخفاف به، وتطمين مَن حوله مِن معارف.
قد تبدو ازدواجية الرجل غريبة لأول وهلة، لكن لعلها أكثر من طبيعية في عالم يميل فيه الناس دوماً للتشكيك بكل ما لا يفهمونه تماماً أو بتفسيره بناء على ما يعرفونه من معلومات مسبقة يبنون عليها.
قد تبدو ازدواجية الرجل غريبة لأول وهلة، لكن لعلها أكثر من طبيعية في عالم يميل فيه الناس دوماً للتشكيك بكل ما لا يفهمونه تماماً أو بتفسيره بناء على ما يعرفونه من معلومات مسبقة يبنون عليها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق