اعتبر باحثون سياسيون وخبراء أمن سابقون، أن الحكم الذي أصدرته محكمة النقض في مصر بحق قيادات الإخوان إضافة إلى أحكام سابقة، توجّه ضربة قوية للتنظيم وتؤثر على هيكلية بعض أجنحته.
والأحد قضت محكمة النقض بتأييد أحكام محكمة الجنايات الصادرة في 2019، بالسجن المؤبد لمرشد الإخوان محمد بديع و9 آخرين من قيادات التنظيم الإرهابي، في قضية اقتحام الحدود الشرقية لمصر أثناء ثورة 25 يناير عام 2011.
وفي المقابل، ألغت المحكمة أحكاما بالسجن لمدة 15 سنة على 8 من قيادات الجماعة، وقررت تبرئتهم.
وتعود وقائع القضية إلى أحداث 25 يناير 2011، وما تبعها من اقتحام للحدود الشرقية والسجون التي كانت تضم قيادات إخوانية، من بينها الرئيس الأسبق محمد مرسي وتهريبها، والاعتداء على منشآت أمنية في عدة مناطق.
حكم نهائي
وحكم النقض بتأييد أحكام الجنايات نهائي وبات، باعتبار أن محكمة النقض تمثل أعلى مراحل التقاضي في مصر، ولا يجوز الطعن على أحكامها.
وأسندت النيابة للمتهمين في القضية تهم الاتفاق مع حركة حماس وقيادات التنظيم الدولي للإخوان وحزب الله اللبناني، على إحداث الفوضى لإسقاط الدولة ومؤسساتها، وتدريب عناصر من الحرس الثوري الإيراني لارتكاب أعمال عدائية، وضرب واقتحام الحدود والسجون المصرية.
لا مستقبل للإخوان
وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة طارق فهمي، إن تأييد حكم السجن المؤبد بحق 10 قيادات إخوانية "يؤكد أن حجم التورط في التخابر ضد البلاد وصل لأعلى مستوى، بداية من مرشد التنظيم وقياداته العليا، وكلما كانت هذه الأحكام رادعة فإنها تدفع كل يفكر أو يخطط في عمل ضد الوطن إلى مراجعة نفسه".
وعن تأثير الأحكام الأخيرة على مستقبل الجماعة بالداخل والخارج، قال فهمي في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية": "سيكون لها تأثير على بعض أجنحة القيادة وليس جميعها، لأن التيار القطبي (نسبة إلى مفكر الجماعة سيد قطب) لا يزال له حضور داخل السجون، ويرفض أي مراجعات فكرية على غرار مراجعات سلفية تمت في وقت سابق".
وتابع أستاذ العلوم السياسية: "تنظيم الإخوان الإرهابي حاليا ليس لديه مفكرين أو فقهاء يوجهون دفته. العالم أمام جماعة متشرذمة محدودة الأفق، واختار الجناح العسكري فيها مواصلة المواجهة مع مصر حتى آخر لحظة".
أما عن تأثير الأحكام على أعضاء الجماعة ومؤيديها، فقال فهمي إنه "من المفترض أن تقودهم لإعادة صياغة مواقف جديدة من الدولة والاعتراف بإجرام جماعتهم في حقها، والتخلي عن الخطاب الإعلامي المعادي والمظلومية، خصوصا في الخارج. على كوادر التنظيم أن يدركوا ألا أمل في القيادات الحالية ولا مستقبل لها في مصر".
ولفت الأكاديمي إلى أن "وصول هيئة المحكمة إلى قناعة تامة تدفعها للحكم بالسجن المشدد 25 عاما ضد المتهمين، يعود الفضل في جزء كبير منه إلى ما أثبتته تحريات الضابط محمد مبروك وشهادته أمام المحكمة - قبل استشهاده - عن دور وخطط قيادات الإخوان في إشاعة الفوضى بمصر ومساعيهم لتحوليها إلى إمارة".
دور محمد مبروك
وارتبطت قضية اقتحام الحدود والسجون باسم مبروك، مسؤول ملف الاخوان في جهاز الأمن الوطني، الذي جرى اغتياله في نوفمبر 2013 على يد عناصر من جماعة إرهابية تطلق على نفسها اسم "أنصار بيت المقدس".
وقبل اغتياله، أدلى ضابط الأمن الوطني بشهادته في 4 جلسات بقضية اقتحام الحدود أمام محكمة الجنايات، وقدم محضر تحريات في 9 يناير 2011، به معلومات عن عقد قيادات إخوانية لقاءات لبحث استغلال التنظيم لدعوات التظاهر في 25 يناير، حتى ينفذ التنظيم الدولي خطته لإشاعة الفوضى في مصر تمهيدا لإقامة "دولة إسلامية".
تورط على أعلى مستوى
وفي السياق ذاته، قال مساعد وزير الداخلية الأسبق الأستاذ بكلية الشرطة في مصر اللواء محسن الفحام، إن تنظيم الإخوان يمر بأضعف مراحل وجوده، سواء في مصر أو في الدول التي كانت ملاذا آمنا له مثل قطر وتركيا، بفضل نجاح أجهزة الأمن في إضعاف تأثيره محليا، بدليل تراجع معدلات العمليات الإرهابية لدرجة تكاد تكون معدومة قياسا بالفترة السابقة.
وأضاف الفحام في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "المحاكم المصرية نظرت عدة قضايا تتعلق بتورط قيادات إخوانية في عمليات إرهابية وتخابر واغتيالات، وبعد أن ثبت لها بالأدلة حقيقة هذه الجرائم جاءت أحكامها المتتابعة بالإعدام والسجن المشدد".
وأشار الأستاذ بكلية الشرطة إلى أن "تأييد النقض لأحكام الجنايات يؤكد صحة الأدلة التي تم بناء الحكم عليها، والوقائع الثابتة التي تتضمن في جانب منها اعترافات للمتهمين بالجرائم المرتكبة".
وتابع المسئول الأمني السابق: "الأحكام القضائية الرادعة ضد الإخوان تشيع حالة ارتياح بين المصريين، وتؤكد أن يد الدولة ليست مغلولة، وأن بإمكانها وفق الدستور والقانون أن تطال كل من يتورط في عمل إرهابي أو إشاعة الفوضى".
ولفت الفحام إلى أن "المحكوم عليهم قيادات تاريخية لهم دور كبير في تجنيد الشباب منذ 2011، وبعد صدور الأحكام الأخيرة سيفقد هؤلاء الشباب الثقة في كيان الجماعة ككل".
والأحكام الأخيرة، من وجهة نظر المسئول الأمني السابق، سيكون لها أيضا تأثير معنوي إيجابي على رجال الشرطة في مصر، خاصة الذين سبق لهم التعامل مع هذه القيادات، حيث سيدركون أن "دماء وتضحيات رجال الأمن في مواجهة الجماعات الإرهابية لن تضيع هباء".
أحكام الاقتحام والتخابر
وكانت محكمة النقض ألغت في 16 يونيو 2015 حكما للجنايات بالإعدام في قضية اقتحام الحدود والسجون، وفي 7 سبتمبر 2019 أعيدت المحاكمة وصدر حكم بالمؤبد، قبل أن تؤيده النقض ويصبح نهائيا.
وألغت محكمة النقض أيضا في 16 يونيو 2015 حكما بالمؤبد في قضية التخابر مع منظمات أجنبية، وفي 11 سبتمبر 2019 أعيدت المحاكمة وصدر حكم بالمؤبد، ومن المقرر أن تبت فيه النقض بحكم نهائي في 27 يوليو الجاري.
وسبق حكم اقتحام الحدود، الأحد، حكم تاريخي آخر يوم 14 يونيو الماضي، أيدت فيه محكمة النقض أحكام الإعدام بحق 12 من قيادات الإخوان في قضية اعتصام رابعة المسلح عام 2013.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق