يرسم الطفولة بدمعتها الحارقة وبملامحها وقسماتها الباحثة عن الانصاف في عالم افترست فيه الانانية القيم الانسانية والشيم الاخلاقية.
يرسم المرأة متألمة متأملة آملة منتظرة…هكذا تكون لوحاته بلورات تشع إحساسا يوقد في المشاهد خلجات مشاعر تتأرجح بين التعاطف والتأسي والعتاب لأمر حصل وكان من الإنساني ألا يحصل .
يهذب اللون ويضعه بعناية الفاهم لمناطق التحسيس بمجريات النفوس حين تكون نافذتها وجه طفل أو امرأة أو شيخ يحوقل ويشكو إلى الله أزمته.

يهب اللون حياة سارية خالدة تخاطب المشاهد بمكامن العذاب والمنغصات،يتحكم في ضربات فرشاته وحركة سكينه فيسفر ذلك عن مشاهد تتعاضد مفرداتها كي تنصب على موضوع يأرق المبدع كما يؤرق كل من مايزال يحمل في قلبه بعضا من فطرة الخير التي جبلنا عليها.

حين تقف امام لوحاته يروادك احساس غريب سرعان ما تربطه بالواقع المرير الذي تعيشه الانسانية اليوم ،الدمار الذي لا يعرف الحدود ،العداء والاعتداء والعدوان معجم رائج في ساحات هيئت للقاء الأحبة وللشعراء والبائعين والمشترين والتزاورين.
لقد ارتبطت تجربة هذا الفنان برصد المعاناة المستفحلة في زمن الإرهاب وهضم الحقوق مع التبجح باحترامها.
الفنان بارع براعة الخبير بأدوات إبداعه في تأجيج المفردة كي تسجل صرختها وتبوح بأسرارها مؤنبة ومحذرة وشاكية إلى الله أمرها، طفل يعصب رأسه واضعا أصبعيه في أدنيه ليقول حاله أن ما يجري حوله إجرام يجب منعه، وطفل بلون الدم القاني يمد يده بشكل يحمل أكثر من دلالة محتملة يوحدها الألم ، فهو إما يستنجد بغيره ،يطلب إبعاده عن مأزق القتل والتعذيب ، أو أنه يرجو عدم قتل أهله …وطفل يطل بنصف وجهه بحذر الخائف من الطارئ المهول ، وطفلة تسدل على رأسها غطاء أحمر تتأمل فيما سيأتي وفيما جرى أو يجري.

نفس الأحاسيس الدالة على الخوف والاستنكار تجدها في شتى بورتريهاته الرائعة سواء تعلق الأمر بالمرأة أو الشيوخ.
بذلك نتحدث بصدد أعمال صباح مهدي عن مشروع إبداعي يشبه ديوان شعر تدور أبياته حول موضوع واحد له علاقة بمعاناة أناس لا دنب لهم في الحرق والنسف والخطف لجمال الحضارة معمارا وسلوكا وقيما.

الفنان صباح مهدي يحيل على قصيدة نزار قباني “درس في الرسم” يسخر ابني من جهل بالرسم ويقول مستغربا الا تعرف يا ابي الفرق بين السنبلة والمسدس؟
اقول له يا ولدي كنت اعرف في الماضي شكل السنبلة وشكل الرغيف وشكل الوردة أما في هذا الزمن المعدني في زمن السنابل المسلحة والثقافة المسلحة والعصافير المسلحة والثقافة المسلحة فلا رغيف اشتريه..
الا واجد في داخله مسدسا ولا وردة اقطفها من الحقل الا وترفع سلاحها في وجهي ولا كتاب اشتريه من المكتبةالا وينفجر بين أصابعي…
إنه الزمن المعدني فعلا،زمن القنابل والقذائف وزمن تصور الإنسان كائنا ورقيا لا تمنعه المشاعر والفطرة السليمة من ارتكاب فظائعه اليومية في صفوف إخوانه في كل شيء.

وهذا بعض ما تترجمه لوحات هذا الفنان الذي تفصح معطيات ومفردات أعماله بما يشبه الهمس أحيا وما يشبه الصراخ عاليا أحيانا ،فتجعل خلجاتك تتوتر وتضطرب تبحث عن منفذ شخصيات تطل منها وهي تبحث عن الخلاص.
أعمال فنية رائقة رائعة تنهل جماليتها من صفاء اللون ونكهته السحرية التي تجعلك تنظر إليها أكثر من مرة لتحس بأكثر من شعور.
وانطلاقا من الحيثيات السابقة ،نعتبر المبدع صباح مهدي مساهما بمهاراته ومواهبه في الارتقاء بالفن التشكيلي العراقي والعربي جاعلا إياه فنا ملتزما بقضايا الأمة بعيدا عن مغامرة التجريد الذي لا هوية ولا موضوع له.







ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إشارة:
صباح مهدي حسن ،من مواليد العراق ،١٩٧٠اسم الفني صباح مهدي،عضو نقابة فنانين العراقيين،عضو الجمعية التشكيليين العراقيين،رئيس تجمع كلنا تشكيليون،
عدد مشاركاته، ما يقارب ٢٥٠ مشاركه في العراق وخارجه، وحاصل على شهادات وتكريمات وجوائز.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق