كانت القمة الصينية - الأمريكية الأولى فى أنكوراج (آلاسكا) بين وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، ونظيره الصيني، وانج يي، "جليدية"، الرياح القطبية نفسها تهب على العلاقات الصينية الأمريكية في جنيف، هل من عجب؟
منذ وصول الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة، جو بايدن، إلى البيت الأبيض، كان الأسلوب واللهجة مختلفين عن أسلوب ونبرة عهد الإدارة السابقة، لكن المنظمات الدولية، التي تتخذ من جنيف مقرا لها هي في صميم التنافس بين القوتين العظميين على هذا الكوكب. إذا كان الحوار في الوقت الراهن صعبا وعدوانيا، فالأمل الذي يحيط الأوساط الدبلوماسية هنا هو أن بكين وواشنطن ستجدان توازنا لتجنب حرب باردة جديدة.
إعادة انخراط الولايات المتحدة في التعددية يرجع إلى رفض المسار الأحادي الجانبي، الذي سلكه فريق إدارة الرئيس دونالد ترمب، ولكن أيضا بسبب الخوف من أن تحول الصين منظومة الأمم المتحدة لمصلحتها. ومع إدارة، جو بايدن، فإن التنافس الصيني- الأمريكي سيظل قائما أو حتى يشتد. ويتمثل أحد الاختلافات في أن الإدارة الديمقراطية ستعمل بنشاط داخل المنظمات الدولية بدلا من هجرها.
في منظمة التجارة العالمية، تقود الولايات المتحدة التهمة ضد بكين على عدة جبهات، أولا، تؤكد أن الصين لا تزال قادرة على الاستفادة من المعاملة الخاصة والمتميزة، التي تمنحها منظمة التجارة للدول النامية والناشئة، وتمنح هذه القاعدة بعض المزايا، مثل فترة انتقالية أطول لتنفيذ قرارات معينة، ومزايا أهم تتعلق بإعفاءات في الرسوم الجمركية.
بكين ترد: نعم تغلبنا على الفقر المدقع وبلوغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي عشرة آلاف دولار سنويا، لكن هذا المتوسط لا ينطبق على نسبة كبيرة من سكان الريف. وتضيف: "أنه حتى في واحدة من أكثر مدنها تقدما، وهي، شنزهن، يبلغ الناتج المحلي الإجمالي للفرد 30 ألف دولار سنويا، أي نصف نصيب الفرد فقط من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة".
وتنتقد الولايات المتحدة الدعم الذي تقدمه الحكومة الصينية للمؤسسات المملوكة للدولة. وتقول في هذه الحالة، إنها تمارس منافسة غير شريفة في السوق العالمية، وتشبه الدول الغربية هذا الأمر بـ "اللعب على أرضية غير مستوية".
الصين تدافع عن نموذجها الاقتصادي وتشير إلى أن المعونات العامة موجودة إلى حد كبير في الولايات المتحدة تحت شكل دعم البحوث وأيضا رعاية الدولة لمؤسساتها.
وفي السجل ذاته، تدعو واشنطن إلى وضع حد للممارسة الصينية- الصينية بالنقل القسري للتقنيات من قبل مستثمرين أجانب لمصلحة شركائهم الصينيين. وتطالب أيضا الحكومة الصينية باتخاذ إجراءات ضد سرقة حقوق الملكية الفكرية في البلاد، وهذه الأخيرة تدحض هذه الاتهامات وتشير إلى أن إجراءاتها في الأعوام الأخيرة سليمة وفعالة.
لكن الصين تتحول إلى موضع الهجوم بشأن الحرب التجارية، التي أطلقتها إدارة الرئيس السابق، دونالد ترمب، التي تم مواصلتها من قبل الإدارة الأمريكية الجديدة. وتهاجم الصين الرسوم الجمركية العقابية الأمريكية المفروضة باسم "الأمن الوطني". وتقول إن هذا التعبير وإن كان موجودا في أحكام منظمة التجارة كملجأ أخير له ظروفه وأحكامه، إلا أن واشنطن لم تستخدم معطيات هذا النص بما تقتضيه المنظمة، وهو ما دفعها إلى رفع عدة شكاوى ضد واشنطن.
حرب التقنيات، التي شنتها واشنطن بمنع عدة شركات عملاقة صينية- "هواوي"، "زد تي إي"- تعمل على الأرض الأمريكية قد هبطت أيضا في ساحة المعركة في جنيف.
لكن هناك أيضا نقاط التقاء، إذ يشرح دبلوماسي غربي لـ"الاقتصادية": أن الولايات المتحدة أرادت على الدوام أن تخفض، بل حتى إلغاء، الرسوم الجمركية على المنتجات الصناعية. بالنسبة لمصنع العالم وأكبر قوة تصديرية، بحصة 46 في المائة من الصادرات العالمية، الخطوة الأمريكية مناسبة لها. وفي البلدان الناشئة، فإن تعريفات الوارادات على منتجات معينة يمكن أن تصل إلى 70 في المائة، وهذه إحدى أهم المزايا، التي تستفيد منها الصين بصفتها دولة نامية في منظمة التجارة العالمية.
وعندما يتعلق الأمر بالإعانات الزراعية، فإن البلدين يتبعان سياسة مماثلة، على الرغم من أن المبلغ الذي تدفعه بكين يزيد خمس مرات، على الأقل، عن المساعدات الأمريكية. والأمر ذاته بالنسبة لمعونات مصائد الأسماك، وهو موضوع يقع في مركز مفاوضات منظمة التجارة العالمية هذه الأيام. والهدف هو تقليص، بل إلغاء المعونات الحكومية، التي تمول الصيد المفرط والوصول إلى توافق دولي من الآن حتى المؤتمر الوزاري المقبل المقرر في جنيف نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) 2021.
وتقف الصين والولايات المتحدة هما أيضا في الجانب نفسه في قضية تقسم بشدة أعضاء منظمة التجارة: التجارة الإلكترونية التي لا تزال حتى الآن غير خاضعة للقواعد الدولية. ومواقف الدول هي من التباعد إلى حد أن مجموعة من البلدان تجري مناقشات متعددة الأطراف بشأن صيغة اتفاق عالمي، على أمل أن تنضم إليها البلدان الأخرى في وقت لاحق. يفسر هذا التحالف بين الولايات المتحدة والصين بحقيقة أنهما الزعيمان في التجارة الإلكترونية.
وأخيرا، في الحالة الراهنة جدا لطلب إعفاء مؤقت من حماية الملكية الفكرية لزيادة إنتاج اللقاحات المضادة لكوفيد بشكل كبير- قدمته الدول النامية برئاسة الهند وجنوب إفريقيا-، فإن واشنطن "تعادي" الطلب. وبكين ليست مع بمعنى هي ضد لكنها لا تفصح بوضوح، كي لا تخسر قيادة الدول النامية لمصلحة الهند. في الواقع، يرغب البلدان في الحفاظ على مصالح صناعاتهما الصيدلانية الضخمة، وهذا سبب كاف للتوافق.
المعركة الكبيرة الأخيرة، التي تلوح في الأفق في جنيف تدور حول الاتحاد الدولي للاتصالات، وبكين قدمت بيادقها. وفي العام الماضي، جاء وفد صيني قوي إلى الاتحاد الدولي للاتصالات ليقدم له، بالتعاون مع ممثلين من شركة هواوي وهيئة الاتصالات الصينية- جاينا تيلكوم- بروتوكولا جديدا للإنترنت يسمى "IP" الجديد ليحل محل معيار البروتوكول الحالي "TCP/IP". شعر الأمريكيون والغربيون بالقلق خاصة في الساعة، التي تم فيها مناقشة تطوير معايير الجيل الخامس.
وحتى اللحظة، لا يزال الصيني، هولين زهاو، هو الأمين العام للاتحاد الدولي للاتصالات، وهو موقع اتفق عليه على أنه استراتيجي من وجهة نظر الدور المهم، الذي يتمتع به الاتحاد في تأسيس القواعد والأحكام المتعلقة بالتقنيات. تقول مصادر الأمم المتحدة إن الإدارة الأمريكية الجديدة معنية جدا للحصول على موقع الأمين العام في 2023، وأنها رشحت، منذ الآن، الأمريكية، دورين بوجدان- مارتن، المديرة الحالية لمكتب تنمية الاتصالات في الاتحاد الدولي للاتصالات.
وستبقى منظمة الصحة العالمية ميدانا للمعركة بين القوتين العظميين، غير أن المواجهة تتكشف بشكل مختلف. أرادت الإدارة الأمريكية السابقة شيطنة منظمة الصحة وأعلنت انسحاب الولايات المتحدة من المنظمة. والإدارة الحالية تعمل النقيض، إذ تريد تجميع حلفاء الولايات المتحدة لتعزيز المنظمة، لكن واشنطن تواصل الاعتقاد أن منظمة الصحة بحاجة إلى أن تكون أكثر استقلالية، وأن الصين لم تلعب الشفافية من حيث تبادل المعلومات وحرية حركة فرق الخبراء في الصين.
ومن أمثلة النفوذ الصيني، أن الأوساط الدبلوماسية ووسائل الإعلام هنا أبدت اندهاشا من المصطلحات التي استخدمتها آخر بعثة للمنظمة إلى المدينة التي انطلق منها فيروس كوفيد-19، ووهان، في هذه الزيارة، تحدث الوفد عن إمكانية انتقال الفيروس عن طريق اللحوم المجمدة. هذه الفرضية، وصفتها الصحف هنا بـ "السخيفة".
وتعد إجراءات انتخاب المدير العام الجديد لمنظمة الصحة العالمية التي تبدأ نهاية هذا العام ستكون مهمة جدا للولايات المتحدة بشكل خاص، حيث عدت الإدارة السابقة الشاغل الحالي للمنصب، تيدروس أدهانوم جيبريسوس بأنه "دمية بكين"، التي دعمت بقوة ترشيحه للمنصب في 2016. ومحاولة إعادة انتخابه لدورة ثانية يمكن أن تؤدي إلى صراع شديد بين القوتين.
وتخشى الولايات المتحدة من محاولة الصين تعزيز مصالحها الاقتصادية من خلال منظومة الأمم المتحدة. مبادرة "حزام وطريق" قد تم تفعيلها من قبل الأمم المتحدة. والأمين العام الحالي للمنظمة الدولية كان نفسه قد أرسل رسالة إلى رؤساء المنظمات الدولية التابعة للمنظمة الدولية لينظروا في كيف يمكن لبرامج منظماتهم أن تندمج في طريق الحرير الجديد. وهناك من يقول إن الأمم المتحدة قد أبدت اهتمامها فعلا بطريق الحرير الجديد، لكنها ترى في هذا المشروع بأنه ليس أكثر من عمل "رمزي"، وهناك "كثير من التهويل وبعض الرهاب". والولايات المتحدة ترى، بطريقة مفرطة، أن هناك مخاطر وراء كل عمل صيني.
وعندما يتعلق الأمر بالإعانات الزراعية، فإن البلدين يتبعان سياسة مماثلة، على الرغم من أن المبلغ الذي تدفعه بكين يزيد خمس مرات، على الأقل، عن المساعدات الأمريكية. والأمر ذاته بالنسبة لمعونات مصائد الأسماك، وهو موضوع يقع في مركز مفاوضات منظمة التجارة العالمية هذه الأيام. والهدف هو تقليص، بل إلغاء المعونات الحكومية، التي تمول الصيد المفرط والوصول إلى توافق دولي من الآن حتى المؤتمر الوزاري المقبل المقرر في جنيف نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) 2021.
وتقف الصين والولايات المتحدة هما أيضا في الجانب نفسه في قضية تقسم بشدة أعضاء منظمة التجارة: التجارة الإلكترونية التي لا تزال حتى الآن غير خاضعة للقواعد الدولية. ومواقف الدول هي من التباعد إلى حد أن مجموعة من البلدان تجري مناقشات متعددة الأطراف بشأن صيغة اتفاق عالمي، على أمل أن تنضم إليها البلدان الأخرى في وقت لاحق. يفسر هذا التحالف بين الولايات المتحدة والصين بحقيقة أنهما الزعيمان في التجارة الإلكترونية.
وأخيرا، في الحالة الراهنة جدا لطلب إعفاء مؤقت من حماية الملكية الفكرية لزيادة إنتاج اللقاحات المضادة لكوفيد بشكل كبير- قدمته الدول النامية برئاسة الهند وجنوب إفريقيا-، فإن واشنطن "تعادي" الطلب. وبكين ليست مع بمعنى هي ضد لكنها لا تفصح بوضوح، كي لا تخسر قيادة الدول النامية لمصلحة الهند. في الواقع، يرغب البلدان في الحفاظ على مصالح صناعاتهما الصيدلانية الضخمة، وهذا سبب كاف للتوافق.
المعركة الكبيرة الأخيرة، التي تلوح في الأفق في جنيف تدور حول الاتحاد الدولي للاتصالات، وبكين قدمت بيادقها. وفي العام الماضي، جاء وفد صيني قوي إلى الاتحاد الدولي للاتصالات ليقدم له، بالتعاون مع ممثلين من شركة هواوي وهيئة الاتصالات الصينية- جاينا تيلكوم- بروتوكولا جديدا للإنترنت يسمى "IP" الجديد ليحل محل معيار البروتوكول الحالي "TCP/IP". شعر الأمريكيون والغربيون بالقلق خاصة في الساعة، التي تم فيها مناقشة تطوير معايير الجيل الخامس.
وحتى اللحظة، لا يزال الصيني، هولين زهاو، هو الأمين العام للاتحاد الدولي للاتصالات، وهو موقع اتفق عليه على أنه استراتيجي من وجهة نظر الدور المهم، الذي يتمتع به الاتحاد في تأسيس القواعد والأحكام المتعلقة بالتقنيات. تقول مصادر الأمم المتحدة إن الإدارة الأمريكية الجديدة معنية جدا للحصول على موقع الأمين العام في 2023، وأنها رشحت، منذ الآن، الأمريكية، دورين بوجدان- مارتن، المديرة الحالية لمكتب تنمية الاتصالات في الاتحاد الدولي للاتصالات.
وستبقى منظمة الصحة العالمية ميدانا للمعركة بين القوتين العظميين، غير أن المواجهة تتكشف بشكل مختلف. أرادت الإدارة الأمريكية السابقة شيطنة منظمة الصحة وأعلنت انسحاب الولايات المتحدة من المنظمة. والإدارة الحالية تعمل النقيض، إذ تريد تجميع حلفاء الولايات المتحدة لتعزيز المنظمة، لكن واشنطن تواصل الاعتقاد أن منظمة الصحة بحاجة إلى أن تكون أكثر استقلالية، وأن الصين لم تلعب الشفافية من حيث تبادل المعلومات وحرية حركة فرق الخبراء في الصين.
ومن أمثلة النفوذ الصيني، أن الأوساط الدبلوماسية ووسائل الإعلام هنا أبدت اندهاشا من المصطلحات التي استخدمتها آخر بعثة للمنظمة إلى المدينة التي انطلق منها فيروس كوفيد-19، ووهان، في هذه الزيارة، تحدث الوفد عن إمكانية انتقال الفيروس عن طريق اللحوم المجمدة. هذه الفرضية، وصفتها الصحف هنا بـ "السخيفة".
وتعد إجراءات انتخاب المدير العام الجديد لمنظمة الصحة العالمية التي تبدأ نهاية هذا العام ستكون مهمة جدا للولايات المتحدة بشكل خاص، حيث عدت الإدارة السابقة الشاغل الحالي للمنصب، تيدروس أدهانوم جيبريسوس بأنه "دمية بكين"، التي دعمت بقوة ترشيحه للمنصب في 2016. ومحاولة إعادة انتخابه لدورة ثانية يمكن أن تؤدي إلى صراع شديد بين القوتين.
وتخشى الولايات المتحدة من محاولة الصين تعزيز مصالحها الاقتصادية من خلال منظومة الأمم المتحدة. مبادرة "حزام وطريق" قد تم تفعيلها من قبل الأمم المتحدة. والأمين العام الحالي للمنظمة الدولية كان نفسه قد أرسل رسالة إلى رؤساء المنظمات الدولية التابعة للمنظمة الدولية لينظروا في كيف يمكن لبرامج منظماتهم أن تندمج في طريق الحرير الجديد. وهناك من يقول إن الأمم المتحدة قد أبدت اهتمامها فعلا بطريق الحرير الجديد، لكنها ترى في هذا المشروع بأنه ليس أكثر من عمل "رمزي"، وهناك "كثير من التهويل وبعض الرهاب". والولايات المتحدة ترى، بطريقة مفرطة، أن هناك مخاطر وراء كل عمل صيني.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق