ربما يتبادر للذهن حينما نتذكر مبدأ "التسامح" أنه يمثل قرار العفو عمن أساء لنا أو قصر فى علاقة أو سلوك أو مجرد أن خابت توقعاتنا فيه، تجاوز الخلافات ونسيانها والبدء من جديد وتخطى قطيعة فى الأغلب نقدرها كذنب وخطيئة ونقيصة للآخرين.
التسامح مع من أساءوا والتسامح مع من أهملوا وتغافلوا عنا وعن مشاعرنا وما كنا نتوقعه ونرجوه منهم ونعتقدهم أهلاً له، لكن فى الحقيقة أن هناك شكل أخر من التسامح أعلى بكثير من خلاف أو تقصير.
التسامح مع أنفسنا.. مع ذاتنا
أن نكف عن تأنيب النفس وجلد الذات والمحاسبة التى قد تجعلنا نصل لحالة من عدم الرضا والغضب أحياناً.
أن نرى فى أنفسنا نقص ما ونتسامح معه ونتقبل سقف قدراتنا وأنه لا أحد بلا نقيصة أو ضعف ما لا يتجاوزه ولا يستطيع إكماله وعلاجه، أن نتسامح مع تلك الخيبات لما رسمنا من خطوات وأحلام وخطط كنا نظنها سهلة متاحة تطالها أيدينا بلا شك أو ريبة.
أن نتسامح مع تلك المشاعر التى تخوننا وتُظهر عوار أنفسنا وضعفها ونحن نفعل السيئ والمرفوض دون إدراك أحياناً وبإدراك وفهم أحياناً أخرى، أن تفطن لعقلك وهو يحسد أو يحقد أو يزعجه نجاح الآخرين.
لا بأس من ذلك فبداخل كل منا تلك المشاعر الشريرة التى قد تتغلب أحياناً وتسيطر على الموقف برمته وتجعلنا نقع فى فعل الخطأ والشر.
الفكرة أن نجد تلك المساحة للتسامح مع أنفسنا ومعالجة تلك المشاعر السلبية المؤقتة ولا نجعلها تتغلب وتسود وتسيطر على الموقف.
نتسامح مع ذلك ونصفح عن عوار مشاعرنا ونكفر عن تلك الخطايا بأن نفعل الضد بكل رضا وقبول، نتسامح مع مواقف الخذلان التى تصدمنا بها عقولنا بعد الحماس والتأهب ويخفت نشاطنا وتتوارى العزيمة وتهن الإرادة وتستكين الأجساد.
نتسامح مع حلم حاولنا من أجل تحقيقه وخططنا وأعددنا ونفذنا ولم نحصد بعد كل ذلك فرحة تحقيقه.
لابد ان نعلم تمام العلم انه قد يسكن الخير فى الشر، وقد يسكن الشر فى الخير، لذا نتسامح لا إستسلاماً وإعترافاً بهزيمة وضعف إنما نتسامح لأن أول خطوات الوقوف من جديد والبدء من أول السطر لن تتحقق إلا لقلب راض وعقل هادئ وروح مستكينة مطمئنة.
التسامح مع الآخرين قد يكون الأسهل على الإطلاق، فقط بإبتسامة وإن كانت حتى مصطنعة وعبارات مغلفة بالمجاملة ومفردات الصفح والإعتدال ووعود البدايات الجديدة الحالمة الوردية قد تكون كافية، لكن التسامح مع الذات.. مع النفس الناظرة والمدركة بيقين، لا يمكن إصطناعه أو الكذب فيه مهما إستخدمنا من عبارات ومهما إستحدثنا من مفردات.
تلك الحالة فقط ووحدها لا يشفع لها ثبات إنفعال أو براعة فى التجمل، ففى الغرف المغلقة ونحن نجالس عقولنا لا مجال للكذب والتدليس وعبارات المجاملة والنفاق، إما أن نملك القدرة على الصفح والتسامح وإما أن نسقط بإرادتنا فى بئر سحيق من كره النفس وجلد الذات.
لكى نتسامح مع الآخرين... علينا أولاً تعلم فن التسامح مع الذات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق