تقرير من موقع "حبر" عن تضخم الدور الذي يلعبه التعليم الخاص في الأردن، أسبابه ونتائجه.
"خلال نصف قرن، تغيّرت الأسباب التي تدفع العائلات إلى إلحاق أبنائها في المدارس الخاصّة، وتغيّر معها حجم الإنفاق على هذا النوع من التعليم الذي صار يشكّل عبئًا على مداخيل هذه العائلات التي تصرّ عليه لأسباب اجتماعيّة، ولتدنيّ جودة التعليم في القطاع الحكوميّ."
بعد قرار الحكومة تعليق دوام المدارس يوم 15 آذار الماضي للتعامل مع انتشار فيروس كورونا المستجدّ، وإدخال نظام التعليم عن بعد، تجددت خلافات في قطاع التعليم المدرسي الخاص بين أصحاب المدارس من جهةٍ، وأولياء أمور الطلبة والمعلمين في هذه المدارس من جهةٍ أخرى، تدور حول الأقساط التي تدفعها العائلات لهذه المدارس الخاصة بعد توقف التعليم الوجاهي، ونوعية التعليم الذي يتلقاه الطلبة فيها، آخذةً حيزًا كبيرًا من النقاش العام.
ومع غياب تطبيق بعض التشريعات الناظمة لهذا القطاع، اضطر أولياء أمور الطلبة في هذه المدارس والمعلمون فيها، خلال السنوات القليلة الماضية، إلى تأسيس حملات أهليّة لمواجهة هذه الانتهاكات، فيما تقول وزارة التربية والتعليم إنها تعمل على إعادة النظر في منظومة التشريعات التي تعالج وضع المؤسسات التعليمية الخاصّة.
خلال نصف قرن، تغيّرت الأسباب التي تدفع العائلات إلى إلحاق أبنائها في المدارس الخاصّة، وتغيّر معها حجم الإنفاق على هذا النوع من التعليم الذي صار يشكّل عبئًا على مداخيل هذه العائلات التي تصرّ عليه لأسباب اجتماعيّة، ولتدنيّ جودة التعليم في القطاع الحكوميّ. فيما يتوسع الاستثمار في قطاع المدارس الخاصة سنة بعد أخرى، حتى تجاوز عددُ المدارس الخاصّة عددَ المدارس الحكوميّة في اثنتين من أكبر محافظات المملكة؛ الزرقاء وعمّان، وتقترب أعداد المدارس الخاصة في محافظات أخرى من تجاوز عدد المدارس الحكوميّة. لتبلغ نسبة المدارس الخاصة من مجموع مدارس المملكة العام الماضي 45%، مقابل 53% للمدارس الحكومية، ونسبة الطلبة في المدارس الخاصة 26% من مجموع طلبة المملكة مقابل 68% في المدارس الحكومية. فيما تراجع إنفاق الحكومات المتعاقبة على التعليم الحكوميّ كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، لتصبح دون الحدّ الأدنى الموصى به من قبل اليونسكو.
يرى محللون اقتصاديون أن تبعات هذا التوسع ستحدث شرخًا اجتماعيًّا في المجتمع نتيجة لوجود نوعين من التعليم للطلبة، وأن هذا النوع من التعليم صار ينحى منحى التجارة، فيما يرى خبراء تربويون أن هذا التوسع ناتج عن تخلي الدولة عن التعليم الحكوميّ. لكن وزارة التربية والتعليم ترى في هذا التوسع شراكةً استراتيجيّة مع القطاع الخاص.
تغيّر المشهد التعليمي على مدى خمسين عامًا
يتذكّر الدكتور والخبير التربوي حسني عايش (87 عامًا) حين كان يعمل مدرسًا في خمسينيّات القرن الماضي أن الأسباب التي كانت تدفع بعض العائلات في كل من الأردن والضفة الغربيّة (التي كانت وقتها جزءًا منه) لإلحاق الطلاب بالمدارس الخاصّة شملت مستوى الطالب الضعيف في المدارس الحكوميّة، واعتماد هذه المدارس نظام المناهج الدوليّة والرغبة في تعليم الطالب لغةً أجنبيّة تساعده على الالتحاق بجامعات أجنبيّة، فيما دفعت فئة ثالثةٌ بأبنائها لهذا النوع من التعليم لأسباب تخص الطائفة، في مدارس خاصة تبشيريّة.
ظلّت أعداد الطلبة في المدارس الخاصّة مقارنةً مع أعداد الطلبة في المدارس الحكوميّة منخفضةً وثابتةً، تتراوح نسبة الأولى للثانية بين 11% و14%، حتى نهاية ثمانينيات القرن الماضي. إلّا أنه ومنذ بداية عقد الثمانينيات بدأ عدد الطلبة في المدارس الخاصة يزيد بسرعة أكبر من زيادة عدد الطلبة في المدارس الحكومية كل سنةٍ، كما تظهر أرقام وزارة التربية والتعليم.
بدأ الاكتظاظ في المدارس الحكوميّة كما عاينته معلمة اللغة الإنجليزية، مها العتوم، التي تقول إن أعداد الطلبة في الصفّ الواحد بمدرستها في ماركا بدأ يزداد بعد حرب الخليج عام 1991، وازداد معه نصابها من الحصص الأسبوعيّة من 18 إلى 24 حصّة، «التعليم بالثمانينات كان ممتاز، بعدين بلّش يتراجع»، تقول العتوم.
بسبب معاينتها لهذا التراجع قرّرت العتوم إلحاق أبنائها بمدارس خاصّة عندما صاروا بعمر المدرسة فترة التسعينيات، مُرجِعة هذا لضعف تعليم اللغة الإنجليزية في المدارس الحكوميّة، وعدم الاهتمام الكافي بالطلبة فيها.
كما شهد عقد التسعينيات ارتفاعًا ملحوظًا في نسبة الطلبة بالمدارس الخاصة إلى الطلبة بالمدارس الحكوميّة، فمن 14% بداية العقد، وصلت النسبة إلى 21% في السنة الدراسيّة الأخيرة منه.
يُرجع رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي، مصطفى حمارنة، سبب هذا الارتفاع في أعداد الطلبة بالمدارس الخاصة إلى أن الأزمة التي مرَّ بها الأردن نهاية الثمانينيات، دفعت العائلات في التسعينيات إلى زيادة إنفاقها على التعليم لأن التعليم أحد الروافع للانتقال من حالة اجتماعية إلى أخرى. «إنت بتنفق على التعليم مشان ولادك يطلعوا دكاترة ومهندسين، يعني يطلعوا من حالة اجتماعية إلى أخرى»، يقول حمارنة واصفًا تلك الفترة.
ويرى المحلل الاقتصادي فهمي الكتوت في بداية عقد التسعينيات نوعًا من النمو الاقتصادي بعد توقيع الأردن أولى الاتفاقيات مع صندوق النقد الدولي، الأمر الذي أنعش الاقتصاد، ورفع دخول بعض العائلات التي توجهت إلى تعليم أبنائها في المدارس الخاصة، لكنه نموٌّ كما يقول، «سوّى فرق طبقي داخل المجتمع، فيه شرائح تعرضت للضغط وانخفضت إيراداتها، وفيه شرائح بدأت تتحسس مكاسب».
يتوسع الاستثمار في قطاع المدارس الخاصة سنة بعد أخرى، فيما تراجع إنفاق الحكومات المتعاقبة على التعليم الحكوميّ كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي.
إضافة إلى ذلك، ساهمت تحويلات الأردنيين العائدين من الخليج، وارتفاع أسعار الأراضي التي حصل عليها أصحابها بالميراث إلى ظهور «المظهر الترفي [الذي] بدأ يظهر في عمان وفي الأردن وهذا المظهر أخذ أبعاده المتعددة أيضًا في التعليم»، كما يقول الكتوت.
بدلًا من زيادة الإنفاق على التعليم لمواكبة أعداد الطلبة المتزايدة، خفضّت الحكومة مع نهاية عقد التسعينيات الإنفاق على التعليم الحكوميّ، حيث تظهر بيانات البنك الدولي أنَّ الإنفاق على التعليم الحكوميّ قد وصل أعلى نسبة له من الناتج المحلي الإجمالي في العام 1996، بواقع 7.4%، ثم شهد انحدارًا ليصل في نهاية العقد إلى 4.9% من الناتج المحلي الإجمالي. فيما كان الانحدار في نسبة الإنفاق على التعليم من مجمل الإنفاق العام أشد حدة.
يرى الخبير التربوي نصري الطرزي أن تزامن أزمة الخليج، والخصخصة، والأزمة الاقتصادية، خلق الفرصة لصعود المدارس الخاصة وتراجع الحكومية. «دولة مش قادرة تغطي الطلاب الجداد اللي أجوا، وفي سوق خصخصة، صار كل شي سلعة، مثل التعليم، وكانت نتيجته المنطقية إنه الدولة مش قادرة تغطي، فدخل القطاع الخاص بمدارس تستهدف الربح، ولا تختلف نوعيًا عن منهجية المدارس الحكوميّة في الغالب الأعمّ».
مع بداية الألفية الجديدة، كان الإنفاق على التعليم الحكوميّ من الناتج المحلي الإجمالي مستمرًا بالانخفاض، ووصل إلى 4%. وبالمقابل، استمر الارتفاع في عدد المدارس الخاصة ووصلت نسبتها إلى المدارس الحكوميّة، مع بداية الألفية، 38%.
****
بقية التقرير على موقع "حبر".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق