أن تنتمي لمجتمعات التناقضات التي لا تنتهي، يعني أن تتابع في نفس الأسبوع تداعيات واقعة أسرة تفرض على طفلتها الصغيرة النقاب من جهة، والتهكمات الجارحة في حق رئيس دولة اختار أن يتزوج امرأة تكبره سنا من جهة أخرى...
في الواقعة الثانية، نحن أمام زوجين اختارا بعضهما وقررا الارتباط. لكن، وبما أنهما يكسران المعادلة المألوفة، حيث أن الزوجة هي الأكبر سنا، فهما يتلقيان وابلا من التعليقات الجارحة بمناسبة وبدونها. تعليقات لا يتلقاها، مثلا، الزوجان ترامب، وبينهما، للإشارة، نفس فارق السن!
منذ أيام، خرج الرئيس الفرنسي بموقف مناهض للإرهاب. ولكي ننتقده، فلن نناقش الموضوع، سنتهكم عليه وعلى زوجته. رغم أن مجرد النظر لوجهنا قليلا في المرآة سيجعلنا نكتشف أن علينا أن نخجل من أنفسنا قبل التهكم عليه في هذه النقطة بالذات.
أن يتزوج ماكرون وبريجيت مع فارق السن بينهما هو مهزلة ومدعاة للتجريح... لكن أن يفرض النقاب على طفلة، هو أمر عادي وطبيعي وجزء من هويتنا وثقافتنا وديننا!
في مجتمعات ما زالت الأغلبية لا تتزوج فيها دون مباركة الأسرة للعريس أو العروس المستقبلية، وفي مجتمعات تصل فيها نسب تزويج القاصرات لأرقام مفجعة (في المغرب مثلا، ومن أصل 269 ألف عقد زواج أبرم سنة 2018، هناك 25 ألف و514 زواجا لفتيات تقل أعمارهن عن 18 سنة، بنسبة 9،5 في المئة. في اليمن، تعتبر بعض الدراسات أن تزويج القاصرات قد يصل لنسبة 66 في المئة من عقود الزواج المبرمة سنويا!)؛ وفي مجتمعات ما زالت العديد من مكوناتها تفرض شريك وشريكة الحياة على أفرادها؛ وفي مجتمعات يجب أن تفحص فيها أم العريس "البضاعة" قبل التأشير على قبولها؛ وفي مجتمعات تفاوض فيها الأسر على الصداق والشقة والأثاث أكثر ما يتناقش العريسان في الحب والعلاقة المشتركة؛ وفي مجتمعات تقبل وتشرعن لتعدد الزوجات... أليس من المخجل السخرية من شخصين اختارا بعضهما رغم كل الفوارق، فقط لأنهما زعزعا السائد في تصوراتنا؟
أليس من المخجل أن تسخر منهما بعبارات جارحة وأنت ربما غير قادر على اختيار شريكة حياتك دون قبول عائلتك وعائلتها؟
أليس من المخجل أن تسخر منهما وأنت تعيش في مجتمعات تشرعن البيدوفيليا الحلال، بل وتشجعها "حماية للشرف"؟
بل لعل كل هذا "طبيعي" في مجتمعات لا ترى في الزواج إلا "شهوة" رجل لجسد طري قد يشتهيه حتى في سنوات طفولته الأولى... مجتمعات تتغنى بشعارات "الحجاب اختيار" و"النقاب اختيار"... لكنها تفرض "هذا الاختيار" على طفلات صغيرات.
الصور على النت وفي شوارعنا متوفرة بكثرة، لطفلات صغيرات يفرض عليهن الحجاب والنقاب أحيانا. فهل سيحاول أحد إقناعنا أن الحجاب والنقاب بالنسبة لطفلات صغيرات في سن العاشرة والثانية عشر هو... اختيار؟
مع بداية الموسم الدراسي، انفجرت في المغرب حكاية طفلة صغيرة في حدود الثانية عشر من عمرها، وصلت المدرسة بنقاب أسود، مما جعل إدارة المدرسة تستدعي الأسرة وتناقشها لتقتنع الأخيرة بـ "الاكتفاء" بالحجاب (حجاب من "المؤكد" أنها اختارته طبعا لأنه حرية فردية!).
الحقيقة الموجعة الوحيدة، أننا ثقافة تختزل المرأة في جسد: وهي في سن متقدمة، كما هو حال بريجيت، تصبح غير صالحة للاستعمال
أن يتزوج ماكرون وبريجيت مع فارق السن بينهما هو مهزلة ومدعاة للتجريح... لكن أن يفرض النقاب على طفلة، هو أمر عادي وطبيعي وجزء من هويتنا وثقافتنا وديننا!
الحقيقة الموجعة الوحيدة، أننا ثقافة تختزل المرأة في جسد: وهي في سن متقدمة، كما هو حال بريجيت، تصبح غير صالحة للاستعمال. على أكثر تقدير، قد نحترمها إن مارست الدور الوحيد المتاح لها، وهو أن تكون أما. وهي طفلة، قد يشتهيها البعض بمباركة من المجتمع والدين والقانون ويتزوجها ولن يسخر منه أحد أو يتهكم. لن يلومه أحد، فالأمر "حلال". بل قد يحسده البعض!
وقد يفرض عليها والداها الحجاب أو النقاب من نفس المنطلق: منطلق شرعنة البيدوفيليا. منطلق يعتبر جسدها شهيا "صالحا للاستهلاك وللاشتهاء الجنسي"، لذا وجب ستره...
لا إشكال في كل هذا... فنحن أحسن أمة أخرجت للناس!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق