الرئيس الأمريكي استعداده لاستئناف خطواته في الحملة الانتخابية، واستعداده للمناظرة المقبلة مع مرشح الحزب الديمقراطي جو بايدين بد تعافيه المبدئي من فيروس كورونا، وبالتالي فإن استمرار المواجهة الإعلامية سيتم وفق الجدول المحدد للحزب الجمهوري/ الديمقراطي كما كان مخططا، بما في ذلك اتمام اللقاءات، والزيارات الميدانية، وليس فقط توجيه الرسائل أو الخطب التقليدية، والمعني أن الحزب ماض في مساره،
وفي المقابل لم يعد من حق الحزب الديمقراطي أن يتحفظ على ما يجري، خاصة أنه اضطر لمراجعة خططه الانتخابية، وهي أمور معقدة ليس سهلا أن تتم خاصة وأن توقيت إجراء الانتخابات مقدس حيث يسبقها ثلاثة مراحل الأول: إدارة الانتخابات على مستوى الولايات، لا توجد هيئة مركزية في الولايات المتحدة تقوم بإدارة الانتخابات الرئاسية، أو حتى انتخابات الكونجرس، حيث إن هذه المهمة تقع على عاتق سلطات الولايات الأمريكية الـ50، الثاني: اللجنة الفيدرالية للانتخابات، تضطلع اللجنة الفيدرالية للانتخابات بوضع القواعد المنظمة لتمويل الانتخابات الرئاسية، الثالث: دور الأحزاب، تلعب الأحزاب الدور المركزي في إدارة العملية الانتخابية .
في هذا السياق فهناك حقائق ثابتة كشفت عنها الخطوات الانتخابية الراهنة.
أولا : القاعدة الانتخابية للرئيس الأمريكي ترامب لم تهتز وتظل ثابتة ومستقرة بل قد يراهن الجمهوريون على اتساع القاعدة لضم شرائح جديدة، وإن كان هذا الأمر مشكوكا فيه في ظل ما يقوم به الحزب الديمقراطي بالتأكيد على فشل الرئيس ترامب في إدارة ملف كورونا بدليل إصابته هو شخصيا مما قد يوصف بأنه غير آمن على صحة ملايين الأمريكيين، وبالتالي فهو ليس أهل بالاستمرار في موقعه خاصة وأن التوصل لمصل كورونا ما زال بعيدا إذن ستكون الرسالة المضادة من الحزب الديمقراطي مهمة، وستقوم بالتشويش على ما يحاول الجمهوريين توظيفه على الأرض وتحقيق مكاسب حقيقية .
ثانيا: سيكون وفق النظام الفيدرالي الأمريكي مراعاة لبعض الأمور، ومنها إقامة المجمعات الانتخابية في الولايات المختلفة حيث تعقد المناظرات الانتخابية في مرحلتي الانتخابات التمهيدية والنهائية، وقد جرت العديد من المناظرات في الانتخابات التمهيدية خاصة داخل الحزب الديمقراطي، وتتبقى مناظرات الانتخابات العامة النهائية، حيث من المخطط أن تجري ثلاث مناظرات بين "ترامب" و"بايدن"، وبين نائبي الرئيس "مايك بنس" نائب "ترامب"، ونائب الرئيس الذي سيختاره "جو بايدن". على أن يتم تلقي ردود الفعل والنتائج على الجمهور الأمريكي، وهو أمر يحتاج إلى آليات محددة رسمت منذ سنوات طويلة كأعراف حقيقية ومتكاملة لإجراء الانتخابات في توقيتها ، وليس كما أراد الرئيس الأمريكي ترامب تأجيلها كما طلب ذلك منذ عدة أسابيع، وتعامل معها الديمقراطيون بتهكم سخرية لأنه لم يجرؤ أي رئيس أمريكي سابق على هذا الأمر، وبالتالي فإن الولايات المتحدة مقبلة على إجراء الانتخابات في موعدها، ولكن الإشكالية الكبرى في تهيئة الرأي العام لذلك في ظل انتشار أزمة كورونا وتداعياتها التي ضربت الاقتصاد الأمريكي، وأوقفت العديد من خطوط الانتاج في آلاف المصانع والمؤسسات الانتاجية، وهو ما يتطلب التعامل معه بجدية حيث يراهن الرئيس الأمريكي ترامب على إعادة تدوير الاقتصاد، وتفعيل مؤسساته الكبرى مثلما فعل في بدايات الولاية وخسره تماما في نهايتها.
ثالثا: لا تعرف الانتخابات الأمريكية ظاهرة الأصوات العائمة ولا الأصوات المرتبكة أو المترددة في ظل تماسك بنية النظام الانتخابي، ووجود مرتكزات تحكم مساره، وبالتالي ستكون هذه الانتخابات خاصة بموضوع واحد هو الاقتصاد في مواجهة السياسة حيث سيركز الجانبان على ضرورة إخراج الأمة الأمريكية من الوضع الراهن من خلال اجراءات مباشرة وحاسمة وليس مرحلية خاصة وأن الرهان على أن الرئيس ترامب ما زال لديه المفتاح السحري لمواجهة كل هذه الإشكاليات لخبرته الحقيقية في مواجهة ما جري بعد تسلمه مهام الحكم من الرئيس أوباما، وبالتالي فإن الرهانات الحقيقية سترتبط بالقدرة على التحدي والمواجهة بحلول عاجلة هو المعيار والضابط الاساسي في المعركة الانتخابية التي تواجه اعصارا حقيقيا بصرف النظر عن الخطوات الاجرائية التي ستعمل من خلالها، وهي محددة سلفا ولا مع التقدير بوجود اشكاليات حقيقية وحيل ومهاترات انتخابية متعارف على ها في كل انتخابات أمريكية، وليس في هذه الانتخابات التي قد توصف بأنها استثنائية ويجب التعامل معها من هذا المنطلق، وهو ما يركز على الحزب الجمهوري الذي يريد أن يخطف ولاية جديدة في ظل هذه الظروف الخاصة، مع عدم اغفال المشهد على الجانب الآخر .
رابعا: لا نتوقف كثيرا أمام استطلاعات الرأي التي تشير إلى تصاعد جزئي لشعبية جو بايدن في مواجهة ترامب، فهذا الأمر سيتم في سياقات متعددة، ولا يمكن أن يبني عليه فالانتخابات لن تجري اليوم، وما زال بعض الوقت، وبالتالي فإن هناك بعض المتغيرات التي ستحكم إدارة المشهد مع التأكيد أن هناك ثوابت حقيقية مرتبطة بما يجري، ولن تتغير من خلال مواقف عاجلة أو طارئة، وهو ما يؤكد أن توجيه الحملات الانتخابية قد يكون مهما لكنه لكن يجري تغييرات جوهرية حقيقية على إدارة المشهد بأكمله، فالإعلام الأمريكي في العموم موجه وملون وتسيطر عليه مجموعات من رجال المال والأعمال الذين يدفعون بالحملات الانتخابية وفق مصالح معروفة وارتباطات مسبقة بعيدا عن التصنيف الكلاسيكي للقنوات والصحف الكبرى والتي تساند ترامب أو بايدن، وهو ما يدركه منظمو الحملات الانتخابية عن قرب فمساحات التقارب والتباعد قائمة في ظل تقسيم قائم وبصورة مسبقة، ففي تجربة انتخابات 2016 التي خاضت فيها "هيلاري كلينتون" المنافسة مع "ترامب"، كانت استطلاعات الرأي العام كلها تشير إلى أن "كلينتون" متقدمة في استطلاعات الرأي العام، لكن مع إجراء الانتخابات فعليا، فاز "ترامب" بها.
خامسا: من المستبعد أن تدخل قضايا السياسة الخارجية على الخط، فهذا أمر معروف، فتركيز المواطن الأمريكي على الداخل صحيح ويحظى بالأولوية في كل المراحل من اجراء الانتخابات، ولكن اللافت أن عودة التهديدات الأمنية و"حرب السايبر" والاجيال المستحدثة وإيران وكوريا، ومستقبل حلف "الناتو" والعلاقات الأوروبية الأمريكية ما زال مطروحا في منظومة الانتخابات الأمريكية الحالية، ولم تسقط بالفعل من أية حسابات للحزبين، ولكنها تأتي في درجة لاحقة.
يمكن التأكيد إذن على أن الرأي العام الدولي يري في الانتخابات الأمريكية حدثا غير عادي حيث تمثل انتخابات الرئاسة الأمريكية لعام 2020، واحدة من أهم الانتخابات في التاريخ السياسي الأمريكي، وأن من سيدخل البيت الأبيض يصبح هو الموجه الأول للسياسات الإقليمية والعالمية بل وفي داخل بعض الدول، وإن كان بدرجات مختلفة والرسالة أن الانتخابات الأمريكية حدثا عالميا وليس أمريكيا فقط، وهو ما يدفع بمراقبة ما يجري انتظارا لما هو أت وهو الهم في سياق الأولويات الأمريكية والدولية معا، وفي ظل متابعة ما يتعلق بالتفاعلات الإقليمية والعالمية، فهناك دول تنتظر نتائج الانتخابات لتأثيرها على نمط التعاملات، وما يخص إيران قد لا يهم كوريا الشمالية، وما يركز عليه الفلسطينيون قد لا يراه الإسرائيليون في مقدمة أولوياتهم، كما أن روسيا والصين واليابان تراقب في إطار صراع من نوع آخر في إطار منافسات دولية كبري ومصالح أمنية واستراتيجية لها الأولوية الكبيرة والمهمة.
ولننتظر لنري ما الذي ستأتي به قطاعات الرأي العام، من رئيس لن يحكم البيت الأبيض فقط بل أيضا موجه لسياسات إقليمية ودولية عديدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق