4. ما هي المركزية الديمقراطية؟
المصدر / موقع الاشتراكي
رغم أن مصطلح “المركزية الديموقراطية” يبدو للوهلة الأولى متناقضا إلا انه ليس كذلك في الواقع. فالمركزية هي النتاج المنطقي للحوار الديموقراطي الحقيقي فالقضايا تدار حولها المناقشات بل والمعارك أحيانا وحين يحسم الأمر فان كل فرد بصرف النظر عن موقفه في عملية الحوار عليه أن يلتزم بالقرار ويعمل بموجبه.
هذا ما يعد متناقضا مع الديموقراطية المزعومة في المجتمع الرأسمالي، فنحن نملك حق التصويت في الانتخابات المحلية والقومية ولكن علاقة ما نريد من مطالب بذلك الشخص الذي منحناه أصواتنا علاقة لا تمت بصلة لما يحدث على ارض الواقع فمعظم القرارات يتم وضعها بواسطة أناس لا نملك عليهم أي نوع من السيطرة، وبالتالي فنحن لا يد لنا في تلك القرارات التي تسير حياتنا، نحن لا نمتلك حق التصويت حول ما إذا كان يتوجب إغلاق مصنع أو بناء محطة للطاقة النووية أو ما إذا كان يجب وقف خط أتوبيس مثلاً، ذلك لان الأقلية (أصحاب المال والجاه والنفوذ) وليس الأغلبية هي التي تقرر ما الذي يجب عمله في معظم الأشياء الهامة، ولان الديموقراطية تصبح غير ذات قيمة بدون اتخاذ قرارات ديموقراطية لذا فانه في ظل الرأسمالية لا وجود للديموقراطية الحقيقية.
الأحزاب أمثال حزب العمال البريطاني ربما تدار لديهم بعض الحوارات الفردية والسجالات ولكن نادرا ما يلتزم أعضاء الحزب بنتائجها إذ ليس هناك صلة بين ما يتم قوله أو فعله وبين هؤلاء الذين يمضون في طريقهم من خلال مواقعهم لصنع القرارات هذا ناتج من حقيقية أن قادة الحزب والأغلبية من أعضاء البرلمان يجهلون تماما قرارات مؤتمر حزب العمال من دون أن يوجه لهم أي لوم.
إن التكوين الحزبي لمنظمة ما ينبع من حقيقة الدور الذي تلعبه في المجتمع، أحزاب مثل حزب العمال البريطاني ترى أن دورها “على أحسن تقدير” هي تسيير أمور المجتمع القائم من خلال البرلمان والمجالس المحلية وما إلى ذلك، لهذا فان تكوينهم الحزبي يتناسب تماما مع ما يقومون به من مهام على الأقل كما يرونها هم.
أما الحزب الثوري فله دور مختلف تهيئه له المركزية الديموقراطية فهو مبني على مهمتين أساسيتين، أولهما هو أن الطبقة العاملة لا يمكنها تولى السلطة وتسييرها لأجل صالحها بسهولة، والثانية هي حقيقة أن الأفكار السائدة في أي مجتمع هي أفكار الطبقة الحاكمة، يعنى هذا أن الحزب يجب أن يُنظم للقتال من أجل سلطة العمال من أسفل وذلك في سبيل بناء المجالس العمالية وإسقاط الدولة لذا فإن على الأقلية المنظمة في الطبقة العاملة عبء النضال ضد أفكار الطبقة الحاكمة ولأن وجود حزب ثوري مرتبط بفكرة التغلب على التفاوت داخل الطبقة العاملة فإن عليه تعميم خبرة هؤلاء الذين يفهمون طبيعة المجتمع الرأسمالي ووسائل القضاء عليه بشكل أفضل إذ لا يمكن للحزب الثوري أن يكون مجرد انعكاس لمستوى الفهم السائد وسط العمال في وقت بعينه بل عليه أن يكافح بشكل واعي ضد هذه الأفكار نظريا وعمليا.
ومن أجل التغلب على التفاوت في وعى الطبقة العاملة فعلى الحزب أن يتبع طريقين اثنين، أولهما أن يكون “ذاكرة الطبقة” فكل تاريخ نضال العمال في الغالب غير ظاهر لنا حتى في الصحف ومراكز الأبحاث والمدارس والجامعات نحن لا نتعلم الكثير عن الإضرابات وانتصارات العمال، حتى عندما نعلم عن هذه الإضرابات فإن القصص تصل إلينا بشكل مشوش وبالتبعية فإننا نجهل كل شيء تقريبا عن كفاح العمال في البلدان الأخرى، لذا فإن من أهم المهام الملحة للحزب أن يتأكد من أن تاريخ الطبقة العاملة قد تغلغل في وعى العمال و أن دروسه قد تم استيعابها على نحو تام.
الطريق الثاني الذي يجب على الحزب الثوري أن يسلكه هو أن يتعلم من الطبقة العاملة. هذه المعادلة الصعبة تحدث نوعا من الحيرة إذ إنه لو كان الحزب هو حزب الطبقة العاملة وذاكرة الطبقة أليس على العمال أن يتعلموا منه وليس العكس؟! المشكلة تحدث عندما يتم اعتبار الطبقة العاملة مجموعة من المتلقين السلبيين لتعاليم الحزب حيث أن هذا يرسخ مبدأ النخبوية ويترك الفرصة لتساؤل مفاده من الذي يعلم المعلمون إذن؟
إن حقيقة العلاقة بين الحزب والطبقة هي علاقة مرنة تعتمد على تعلم الحزب من الخبرات الحية للطبقة، وهذا يستلزم أن يبذل الحزب كل جهد لخلق صلات مع العمال والحفاظ عليها، وهذا لا يعد صحيحا فقط في الأوقات التي يشارك فيها العمال في الصراع عن طريق الإضرابات والاستيلاء على المصانع وخلافه بل هو بنفس الدرجة من الأهمية عندما يكون مستوى كفاح الطبقة منخفضا (حالات الجزر).
الحزب الثوري الحقيقي هو الذي يحافظ دائما على صلاته بالعمال لهذا فإن قدرا كبيرا من الأهمية يلقى على إنتاج المجلات والنشرات والتقارير والكتيبات عن القضايا المختلفة داخل المصانع و توزيعها وإصدار كتيبات للعمال عن قضايا أخرى كالحركة النقابية أو أزمة السكن بهذه الطريقة فقط يمكن للحزب أن يصبح ذاكرة للطبقة العاملة و في الوقت نفسه يتعلم من نضال العمال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق