ليست الرؤية السياسية القائمة على الاستقرار والتنمية وحفظ الأمن وحُسنِ الجوار، ما يجمع الحكومة العراقية الجديدة، بحكومة المملكة العربية السعودية، وحسب. بل، هنالك إرثٌ من الثقافة والفنون والاجتماع والدين، ما يُمكن التأسيسُعليهِ لقاعدةٍ متينة، تمتازُ بمقاومتها للتبدلات السياسية، واتساعها لقطاعاتٍ مختلفة من المجتمع، مجبولةٍ بالأواصر العائليةِ والتجاريةِوالتعاونُ البينيُ بين مكونات الشعبين.
كتب : حسن المصطفى |
في السعودية، هنالك: مكة والمدينة. الميدنتان الأكثر قداسة عند المسلمين قاطبة. وأيضا، قبرُالنبي محمد، وإلى جواره خلفائه: أبو بكر، عمر، عثمان.
في ذات المدينة التي تهوِي لها أفئدة المؤمنين، هنالك مقبرة "بقيع الغرقد"، حيث قبر فاطمة الزهراء، وأيضا 4 من أحفاد الرسول: الحسن بن علي، علي بين الحسين زين العابدين، محمد الباقر، جعفر الصادق.. وهُمُ فضلاً عن كونهم محل إجلالٍ عند مختلف الطوائف الإسلامية، يشكلون أربعة أركان رئيسة من الأئمة لدى المسلمين الشيعة.
ليس لك أن تنسى، أمهات المؤمين، والصحابة، والمدينة التي كانت عاصمة الدولة الإسلامية في عهد الخلافة ما بعد الرسول، بما ضمته من مساجد ومواقع وآثار، فيها من الشُحنِ الروحية والثقافية ما عجزَ التاريخ عن تغييبِه!
هذا البعدُ الروحي الكبير في السعودية، يتواصلُ مع العراق، حيث "الكوفة" عاصمة خلافة علي بين أبي طالب، والنجف التي تضمُ ضريحه، وليس ببعيد عنها كربلاء: يتوسدُ تربتها الحسين بن فاطمة بنت محمد.
مُدنُ العراق الأخرى، تضمُ بقية أئمة آل البيت: الكاظمية: موسى بن جعفر الكاظم، محمد الجواد. سامراء: علي الهادي، الحسن العسكري.
ما تقدمَ واضحٌ للعيان: 10 من الأئمة الإثنا عشر للمسلمين الشيعة، يتوزعون بين السعودية والعراق، وواحدٌ فقط في مدينة مشهد الإيرانية: علي بن موسى الرضا.
بعبارةٍ موجزةٍ: تضم المملكة العربية السعودية، والجمهورية العراقية، مُدناً ومعالمَ وشخصياتٍ دينية مهمة جداً، تشكلُ دائرةَ اهتمامِ واحترامِالمسلمين أجمع، بمختلف مذاهبهم وطوائفهم.
رغم إيماني بأهمية القراءة النقدانية، العلمانية، غير التبجيلية للتأريخ الديني، بعيداً عن التباوهات، وأن المُستقبل لا يُصنعُ بتقديسِ الماضي، بل بغربلته وفحصهِ وتجاوزهِ، إلا أن النظرة الواقعية، تقولُ إن: رأس المال الديني والثقافي هذا، ينبغي أن يكون جِسرَ عُبورٍ يقود إلى تعزيز قيم السلم الأهلي، واحترام الآخر، والتراحم، واستلهام الجانب المشرقَ منه في اجتراح خطابٍ ديني، حديثٍ، عقلاني، يؤمن بحفظ الأمن، وقيم الدولة المدنية، ويحترم حقوق الإنسان؛ يكونُ قادراً على مواجهة خطاب الحركات الأصولية، والمليشيات الطائفية المسلحة، والجماعات التكفيرية.
ليس مبالغةً القول إن: قيامةَ الرياضِ من قيامةِ بغداد، وسِلمُ العراقِ من سِلمِ السعودية، وأن خطاب "الاعتدال العربي"، يمكن أن يتأسس بتآزر مؤسسات البلدين التي ترعى الحوار والتجديد المفاهيمي، مثل "مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز للحوار بين أتباع الأديان والثقافات"، و"دار العلم للإمام الخوئي"، وسواهما من الكيانات الفاعلة في بناء علاقات احترام بين مختلف بني البشر، بغضِالنظرِ عن اللون والعرق والجندر والدين.
التعاون السعودي – العراقي، ليس معناه احتكار الدولتين للخطاب الديني، ومصادرةِ حق الآخرين في اجتراح فضائهم الروحاني، لكنهُ إشارةٌ إلى الثقل الكبير للدولتين، وتحديدا المملكة التي يتجه لها المسلمون في جميع أصقاعِ العالم في صلواتِهم وحجِهم وعُمرتهم.
ما سلفَ لا يعني أن يحلَّ الدينُ مكانَ الدولة، أو أن تبنى العلاقات على أساسي روحيٍ وحسب!بالتأكيد، ليس ذلك المُرام، لأن الدولة بالأساس في الأدبيات الحديثة "كيانٌ مدنيٌ، دنيويٌ، لا دينَ له". إنما، الروحانية هنا، هي جزء من بنية الدولة، وليست نقيضاً لها، وهي لبنةٌ من مدماكها، خصوصا أن العالمينِ العربي والإسلامي، لا يزالُ لـ"الدين" حضورٌ فاعلٌ ومؤثر فيهما؛ ولذا، بمقدورِ العراق والسعودية أن يُصيِرا "الخطاب الديني" قوة سلام ورحمة، لا أداةَ صراعٍ ودمٍ في نسخته التي أنتجتها حركات الإسلام السياسي والقوى الراديكالية.
الصراعاتُ المذهبيةُ المسلحة، والخطاباتُ الطائفيةُ التي تنتشرُ عبر منصات التواصل الاجتماعي، وفي عددٍ من القنوات الفضائية، ومنابرُ رهطٍ من "دعاة الفتنة"، أثرت سلباً على السلم الاجتماعي في الخليج؛ وتعاونٌ بين السعودية والعراق في مجابهة هذه الخطابات، سيكون أمراً أساسياً لتضييق الخناق عليها، وحصارها بقوة التنوير والقانون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق