ومضات من التجربة الإبداعية للأديبة الجنوبية هدى العطاس، ِأشعلت فضاء المكتبة العامة لبلدية بيروت، في ندوة ثقافية نظمها الملتقى النسائي العربي الأفريقي وجمعية السبيل، دار فلكها في آخر إصداراتها القصصية مجموعة واحدان.
الروائية والإعلامية الجزائرية فضيلة الفاروق، قدمت العطاس للحضور، وتحدثت عن أبرز سمات مجموعة (واحدان) التي احتوت بالإضافة إلى القصص والاقصوصة، قصائد وأبيات نثر.
وأثارت الفاروق العديد من الأسئلة حول جذور موهبة العطاس و الشخصيات التي تضمنتها المجموعة، والنهايات المأساوية لأبطالها وضحاياها وهن النساء والفتيات اللاتي يعانن من الكبت والحرمان والقهر والسطوة الذكورية.
لم تخف العطاس في بداية حديثها من تأثير بيتئها الأسرية على رسم خطها الإبداعي، فقد حباها الله بجدة وأم تناوبتا على تربيتها وتلقينها فنون (الايتكيت) في أبسط قواعدها من الملبس وطريقة الإلقاء والحديث وحتى الجلوس على مائدة الطعام.
كانت جدة العطاس من النساء المتدينات وقد وصفت بدقة يوم وفاتها حيث اغرورقت المآقي بالدموع، وشيعت في موكب جنائزي مهيب، وبعد دفنها لفت العطاس كسائر الفتيات في الأسرة زندها بـ"العزيمة"، وهو عبارة عن خيط قماش رفيع ينتزع من كفن الميت، ويقال بإنه يمنحهن بركة الصالحين ويجعلن أكثر إصراراً على الحفاظ على تقاليدهم وعاداتهم والدفاع عنها.
تتلمذت العطاس على القراءة منذ نعومة أظافرها واستقت معين ثقافتها الواسعة من مكتبة العائلة، وعلى الرغم من أنها نشأت وترعرعت في كنف أسرة وصفتها بـ"الاستقراطية" إلا أن هموم الأنثى ومعاناتها من الرجل والمجتمع ظلتا حاضرتين في فكرها ومعظم كتاباتها.
في مجموعة واحدان، رسمت العطاس بالكلمات صورا مرعبة للمآسي التي تخرج المرأة من أدميتها وتهبط بها إلى مرتبة دونية، كوعاء لإفراغ الشهوات وآلة للحمل والإنجاب، وهي تنتقد بشدة تسليم بعض بنات حواء في اليمن بقدرهن ووصفهن أنفسهن بأنهن مجرد مطية للرجل يتحكم بمصائرهن وعندما يخطئ كلاهما خارج عش الزوجية كما في قصة (أنين) هي التي تعاقب بالذبح بينما يترك الجاني الحقيقي لممارسة حياته بزهو فقط لأنه رجل!.
النزوع للسياسة كان حاضراً في الأمسية فالعطاس أكدت بأن معظم القضايا والمشكلات الاجتماعية التي عالجتها في (واحدان)، لم تكن معروفة أبان حكم دولة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية قبل الوحدة، حيث كان قانون الأسرة النافذ في البلاد يمنع تعدد الزوجات، أو زواج القاصرات ويحق للمراة أن تختار شريك حياتها، كما أن الدراسة في المراحل الابتدائية والثانوية كانت مختلطة بين الجنسين، وقالت العطاس كان لدينا قانون للأسرة يضاهي نظيره في تونس، لكن ما حصل بعد الوحدة هو أنه أول قانون اسقط، وبدأت حينها المشكلات الاجتماعية تصدر من الشمال إلى الجنوب، حتى عادت ظواهر كانت قد اختفت من بينها الثأر الذي أفردت له في المجموعة قصة بعنوان (وابل دم)، وفي سطورها تقدم شخصية مغايرة للمراة المغلوب على أمرها، وتظهر الأنثى المتسلطة التي تدفع الرجل لأخذ ثاره حتى من الإنسان الذي أكرمه بالمأوى وأطعمه من جوع وأمنه من برد.
نضال العطاس دفاعا عن المرأة لم يكن محصورا بين ردهات المكتبات أو في أغلفت الكتب، وشاشات التلفاز، وإنما تعداها للشارع حيث شاركت في وقفات احتجاجية في صنعاء مع مجموعة ناشطات في المجتمع المدني وإلى جانبهن العديد من الرجال للضغط على إبطال نصوص في القانون تبيح زواج القاصرات، وفي نفس المكان كانت تقف على مسافة قريبة منهن نساء أخريات يتظاهرن تأييدا للقانون ذاته ونصرة لحق الرجل الزواج من قاصر حتى لو كانت من بناتهن.
وختمت العطاس، الندوة بالتعليق على عنوان المجموعة الذي اختير من مسمى لإحدى قصصها ترمز من خلاله بأن الرجل و المرأة واحدان، جسدان ملتصقان عثر على جثتيمها على شاطئ البحر بعد أن قذفا نفسهما إلى أعماقه عندما كانا متحاضنين فوق صخرة كبيرة هرباً من المتطفلين أو المتطرفين الذين حاولوا الإيقاع بهما بـ"جريمة تلبس"، هيأتها عقولهم المريضة
سبتمبر 18, 2019





ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق