أزمة اليسار الفلسطيني / دراسة بقلم : د.رولا المنصور

. . ليست هناك تعليقات:





ازمة اليسار العربي 
2 - ازمة اليسار الفلسطيني
1 - الجبهات البسارية الفلسطينية وقائع موت غير معلن
-----------------------
بقلم : د.رولا المنصور

"حالة موت سريري" تعيشها فصائل اليسار الفلسطيني، فلا هي متوفاة لتصبح في عداد الذكرى وتحجز لها مكانا على رف الأرشيف السياسي، ولا هي فاعلة ليكون لها دور حيوي في الشارع الفلسطيني يليق باسم اليسار وتاريخه النضالي.
فيما يتفق الخبراء والمراقبون على أن فصائل اليسار الفلسطيني فقدت دورها الحقيقي، بعد نبذ منظمة التحرير للكفاح المسلح، مقابل توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، حيث تراجع دور اليسار الفلسطيني إلى درجة الانكماش، وبات وجوده في الساحة السياسية الفلسطينية غير ذي أهمية.

ويرى هؤلاء أن تراجع أداء اليسار الفلسطيني، سواء في منظمة التحرير أو على الساحة السياسية، عكس نفسه على الشارع الفلسطيني، وأعضاء ومناصري اليسار الذين تناقصت أعدادهم بشكل مستمر، بحيث بات من المستحيل، على جميع فصائل اليسار مجتمعة، أن تحشد لمسيراتها أو تظاهراتها أكثر من بضع عشرات في أفضل الأحوال، وفي أكثر حالات اليسار حيوية.
وفيما يصرّ المراقبون على أن العمليات النوعية التي قام بها اليسار الفلسطيني، وتحديدا الجبهة الشعبية الفلسطينية التي اغتال الاحتلال الإسرائيلي أمينها العام أبوعلي مصطفى من مكتبه في رام الله بطائرة أباتشي أميركية الصنع في 27 أغسطس/آب 2001، وما تلا ذلك من اغتيال لوزير السياحة في حكومة الاحتلال رحبعام زئيفي في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2001، وبعض العمليات النادرة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ما هي إلا نتاج عمل فردي وخلايا نشطت بعيدة عن المركز من دون أي توجيه منه، والدليل هو عدم استمراريتها، كما هو الأمر مع فصائل أخرى، مثل حركة "فتح" و"حماس" و"الجهاد الإسلامي".
لكن القيادية في الجبهة الشعبية، خالدة جرار، ترى أن هناك حالة من التراجع العام للحركة الوطنية ما بعد توقيع اتفاق "أوسلو" عام 1993. وتعترف جرار في تصريحاتها بتراجع اليسار الفلسطيني، لحساب نمو قوى أخرى.
"


2 - البسار الفلسطيني فقد الجذرية والوضوح والتمايز
----------------
أزمة اليسار الفلسطيني تتجلى منذ سنواتذ في عدم تمايزه عن بقية الفصائل، حيث فقدت فصائله سمة الجذرية والوضوح، وهي السمات التي عُرف بها رموز اليسار الفلسطيني، الذين حفروا لهم أسماء في القضية الفلسطينية، ولم يقربوا يوما المساحة الرمادية التي باتت أرضية ومظلة لليسار الفلسطيني بكل فصائله اليوم، من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وحزب الشعب (الشيوعي سابقا)، وغيرها.
بحيث أصبح الفلسطيني لا يميز بين اليسار الفلسطيني وغيره من الفصائل".
أن تراجع اليسار يعود إلى كونه لم ينتج برنامجًا سياسيًا واجتماعًا وثقافيًا لإحداث تغيير أو نقلة في البنى الثقافية الفلسطينية، إضافة إلى الثقافة العامة للفلسطينيين التي لم تستوعب البنى الفكرية لليسار الفلسطيني، لذلك بقي محدود التأثير في الساحة الفلسطينية لغياب قيادة كاريزماتية تستطيع جلب هذه الجماهير إلى هذه الأحزاب وتفتتها خلال هذه الفترة أو فترة العشرين عاما؛ ما أدى إلى انكماش أحزاب اليسار الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية

3 - الانتخابات تعكس تآكل اليسار الفلسطيني
--------------------
تعكس نتائج الانتخابات الفلسطينية، سواء في المجلس التشريعي عام 2006، أو النقابات المهنية، أو الكتل الطلابية في الجامعات الفلسطينية، ضآلة المنتمين والمناصرين لليسار الفلسطيني في الشارع الفلسطيني بكل أطيافه، بحيث باتت نتائجه المتواضعة جدا في أسفل نتائج القوائم الانتخابية أمرا مفروغا منه، وربما لا يلفت الأنظار، حتى في الجامعات بالكليات العليا التي كان يُنظر إليها قبل عام 1990 كمعاقل لليسار الفلسطيني، مثل جامعة بيرزيت في رام الله والمعروفة بأجوائها المنفتحة على الآخر، بسبب الوجود المسيحي والإسلامي معا.
لكن حتى هذه الجامعة التي كان ينظر إليها على أنها معقل لليسار الفلسطيني، بات اليسار فيها مهمشا، فيما تتنافس حركتا "فتح" و"حماس" على أصوات آلاف من الطلبة، تاركتين بضع عشرات من الأصوات لصالح جميع فصائل اليسار التي عادة ما تتحالف في قائمة واحدة، في مشهد بات يتكرر سنويا، في كل الجامعات الفلسطينية.
ولعل نتائج انتخابات الطلبة العام الماضي 2014 تعكس هذا الواقع بجلاء؛ إذ حظي اليسار بخمسة مقاعد من أصل 51 مقعدا تم التنافس الجدي عليها بين "فتح" و"حماس".
وجود شكلي في منظمة التحرير
أزمة اليسار لا تنحصر في ما ذكر من تآكل متراكم في شعبيته وحسب، بل إن دوره في القرار السياسي بات لا يذكر، رغم وجوده في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وفي جميع الدوائر المهمة فيها، إلا أنه لا يشكل ثقلا في القرار الفلسطيني السياسي. ومع ذلك هناك أصوات يسارية نادرة تنتقد الرئيس محمود عباس وتتهمه بالتفرد بالسلطة، وحتى عندما تفعل هذه الأصوات وتقوم بالانتقاد، فإن الأمر لا يخرج عن تصريحات إعلامية، ولا يتطور إلى فعل حقيقي على الأرض.


4 - أزمة اليسار الفلسطيني أزمة القضية؟
-------------------
لا يختلف اثنان على ان الحال الفلسطينية هي منذ سنوات طويلة في أزمة حقيقية معقدة ومركبة. أزمة سلطة وأزمة استراتيجية، أزمة مالية وأزمة داخل وخارج، أزمة منظمة التحرير وأزمة وجودها ومؤسساتها، إضافة إلى أزمات في كل ما يخص العطاء السياسي والبنية السياسية والجيواجتماعية الفلسطينية.
المسؤول عن هذا الوضع المزري ليس فقط الاحتلال والقوى العالمية والقطرية الداعمة له، كما يدعي أهل السلطتين الفلسطينيتين في رام الله وغزة ومن دار في فلكهم لذر الرماد في العيون، وليس فقط الحزب المتسلط على الحال الفلسطينية منذ بداية النضال الفلسطيني في عام 1965، كما يدعي اليسار الفلسطيني، وليس المسؤول فقط هو الاسلام السياسي الذي لم يحدد بعد أولوية أجندته الوطنية الفلسطينية، كما كنا نكتب ونحلل،
المسؤول عن هذا الوضع هو أيضاً، وفي شكل أساسي، اليسار الديموقراطي الفلسطيني ممثلاً بالجبهتين الديموقراطية والشعبية وبحزب الشعب الفلسطيني. هذه الحركات الثلاث لم تحسم أمرها بعد حول هدفها من تعاطيها العمل السياسي الفلسطيني الداخلي، وبقيت ومنذ سبعينات القرن الماضي وحتى الآن احزاب ديكور لم تفكر يوماً بجدية بانتزاع السلطة والتنافس عن قناعة على قيادة الشعب والقضية. المجموعات الثلاث بقيت حركات سياسية تتعاطى بصغائر الأمور وتسمح للحزبين المتنفذين في الحال الفلسطينية منذ مطلع التسعينات على الأقل بالعبث بها كما يريدان. تارة تغامز «فتح» «الديموقراطية» وتارة «الشعبية» وحزب الشعب وتلتف عليهم باسم الوحدة الوطنية المزورة، وتارة نراقب عشقاً سياسياً صبيانياً بين «حماس» و «الشعبية» باسم الوحدة في خندق المواجهة، وما هذه المغامزات والتقربات الا مناورات لضرب الخصم الداخلي او منافسة داخلية بين احزاب اليسار الديموقراطية نفسها للحصول على فتات امتيازية هنا او هناك. وليس هذا السجل وهذه العلاقة بين ألوان الطيف السياسي الفلسطيني غريبين بل هي من دون شك معركة سياسية مفتوحة ومشروعة بين «فتح» و «حماس» لكسب ود الأحزاب الديموقراطية الثلاثة وسحبها الى طرفها والاستقواء بها ضد الخصم السياسي الداخلي.
1 - رائف حسين
5 - العوامل الموضوعية لضعف وتهميش اليسار الفلسطيني
-------------------------
لا احد يجادل بحقيقة أن اليسارالفلسطيني فقد رونقه في المشهد السياسي الفلسطيني، إذ بعد أن كانت الفصائل الفلسطينية اليسارية تتحرك ضمن مساحة سياسية وشعبية تضغط من خلالها على حركة فتح داخل منظمة التحرير الفلسطينية، أصبحت هذه الفصائل هامشية التأثير في المسار السياسي العام، وأصبحت القضية الوطنية الفلسطينية تتلاعب بها رياح ثنائية مؤلفة من حركتي حماس وفتح
وبالتالي من الصعب على الساحة الفلسطينية أن تستعيد عافيتها وتبدد هذه الثنائية الإقصائية الكاتمة للأنفاس دون استعادة تعدديتها السياسية، لأن القضية الفلسطينية بحاجة إلى جميع طاقات الشعب الفلسطيني مهما كانت صغيرة أو كبيرة.
العوامل الموضوعية
لم يعط انهيار الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية القوى اليسارية فرصة لالتقاط الأنفاس والتقييم والاستعداد للمرحلة المقبلة، فقد حدث الانهيار على حين غرة وأشاع حالة من الذهول والضياع الروحي وخيبة أمل عميقة لدى اليسار المحلي، هذا الذي كان مؤمنا بأن انتصاره على الرأسمالية "حتمية تاريخية".
وبما أن اليسار الفلسطيني اعتبر نفسه جزءا من قوى الثورة العالمية فقد كانت الضربة قاصمة بالنسبة له، فشكل سقوط الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية تسونامي أتى على ينابيع الحياة الفكرية والروحية والمادية لليسار قبل أن يستطيع الاعتماد على نفسه.
ولا يجهل أحد أيضا عنف الهجمة التصفوية الشرسة التي تعرض لها اليسار من القتل والكبت والقمع كأحد العوامل الموضوعية القوية التي ساهمت في أزمة اليسار وإنهاكه



6 - أهم العوامل الذاتية التي ساهمت في أزمة اليسار الفلسطيني
التأرجح الايديولوجي

----------------------
- التأرجح الأيديولوجي: باستثناء الحزب الشيوعي الفلسطيني الذي تعود جذوره إلى الحزب الشيوعي السوري، فإن معظم ألوان الطيف اليساري الفلسطيني الماركسي قد وجدت أصولها في حركة القوميين العرب: الفرع الفلسطيني.
درجت فصائل اليسار على تسمية نفسها "اليسار الجديد" أو الفصائل "الماركسية القومية" تمييزا لها عن الأحزاب الشيوعية، ونعني هنا الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، الفصيلين اليساريين الرئيسين داخل منظمة التحرير الفلسطينية.
وُيستثنى أولئك الذين أطلق عليهم لقب "يسار فتح" لأن لهم خصوصيتهم كيسار ضمن حركة يقودها يمين.
كانت حركة القوميين العرب معادية للفكر الماركسي وللأحزاب الشيوعية بما فيها الحزب الشيوعي الفلسطيني، ويعود بعض ذلك إلى الموقف السوفياتي "والكومنترن" بقيادة ستالين من قرار التقسيم عام 1947 والاعتراف بإسرائيل فور إعلانها على الأرض الفلسطينية، وموقف الحزب الشيوعي الفلسطيني الذيلي له.
كانت لذلك تداعيات سلبية كثيرة في علاقات اليسار تركت شرخا عميقا بينهم وبشكل خاص بين الشيوعيين والقوميين.
وعندما تبنت الجبهة الشعبية أيديولوجيتها الماركسية، اتجهت أولا نحو الصين والأفكار الماوية بسبب تقارب الوضع الصيني الفلاحي مع المجتمع الفلسطيني أكثر من السوفياتي الروسي العمالي.
لكنها عادت للاتحاد السوفياتي عندما نعتته الصين بـ "الإمبريالية الاشتراكية" وابتدأت رحلة زحفها التدريجي نحو أميركا، فانتقلت عندها الجبهة الشعبية إلى النموذج السوفياتي رائدا ومنهلا لها، أما الجبهة الديمقراطية فقد كانت ملتصقة بالاتحاد السوفياتي يوم انشقت عن الجبهة الشعبية عام 1968.
هذا التأرجح الأيديولوجي بين القومية والماوية والستالينية والجيفارية الكوبية، بالإضافة إلى ضغط التأقلم مع مقولة "فلسطنة الثورة" الفتحاوية أدى إلى اختلاط فكري لدى الجبهة الشعبية لم يتم حله حتى اللحظة



7 - أهم العوامل الذاتية التي ساهمت في أزمة اليسار الفلسطيني (2)
-----------------------------
ومن العوامل الذاتية ايضا ان التنظيمات اليساريّة المركزيّة في فلسطين - وأبرزها الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية - نشأت من ركام مجتمع حَطّمت النكبة ترتيبه الطبقي والاجتماعي. لم يشهد مسار التاريخ الاجتماعي تحوّلاً بل شهد انفجاراً:
انهارت المنظومة الاقتصادية وانهارت معها موازين القوى الداخلية، دُمّرت الحياة المدنية والريفية على حدٍ سواء، ذَوّب اللجوء الانتماء المحلي، سُلبت ثروات مَنْ مَلَك، إلى آخر ذلك من دمارٍ لا حصر له أنزلته الصهيونية على مجتمعنا. بمواجهة هذا الصدمة والخراب المهول، ومحدودية إمكانيات الاجتهاد الفكري في هذه الظروف، باتت أدوات الفهم الاجتماعي مشلولة، وتراجعت لتُفسح الأولوية لصراعٍ قومي تحرّري ضد قوة أجنبية.
هكذا، وُلدت تنظيمات تنتمي للفكر اليساري، وكانت منذ بداية طريقها مرتبكة وهشة مهما بلغ اجتهادها. لم تجد الحركات الفلسطينية في الماركسية الكلاسيكية ما يعبّر عن حالة شعبها، أسقطت المفردات والرموز على الحالة دون أن تؤسس تحليلاً بأدوات ماركسية لقضيتها وصراعها.
التفكير بأزمة اليسار الفلسطيني يحتاج خطوة واحدة للخلف، حتى نعرف ماهيتها: هل تكمن أزمة اليسار في فشله بأن يُسقِط نظاماً سياسياً؟
هل تكمن في أنّه لم يعد يشكّل حركة جماهيرية واسعة؟
هل تكمن في انهياره تنظيمياً؟
في جمود خطابه الفكري؟
هذه عوارض ناتجة عن الأزمة، أما ماهيتها فهي تفشي الميزات اليمينية في الحركة اليسارية. كل تنظيم سياسي ينطوي على ميزات سياسية نقيضة له. فلا حصر للأمثلة عن أحزاب يمينية خاطبت الفقراء والفئات المستضعَفة وحملت همومهم فعلاً

8 - عدم استيعاب المجتمع 


اليسار الفلسطيني لم يستوعب بشكل حقيقي مجتمعه العربي والفلسطيني البسيط الذي كان بحاجة إلى لغة بسيطة واضحة بعيدة عن اللغو والحشو، لغة معبرة عن مصالحه وأفكاره وعواطفه"
ثم إنه بدلا من بناء هوية مستقلة متميزة لليسار، انهمك اليسار في تقليد فتح واتضح هذا التقليد في النهج العسكري من القواعد العلنية والاستعراضات وبطريقة خوض انتخابات المؤسسات والنقابات على أسس وأرضيات وضعتها فتح، فلا يمكن للتقليد أن ينافس الأصل لأنه تقليد له.
وهكذا استنزف اليسار نفسه وأنهكها، واضطر إلى أن يستكين في موقعه المعارض وخصوصا الجبهة الشعبية التي قنعت بما أصبحت توصف به من أنها الفصيل الثاني في منظمة التحرير الفلسطينية.
اجتماعيا، بقي اليسار محصورا في صفوف الشرائح المثقفة والطلاب الذين استهوتهم لغة اليسار وخطابه السياسي، غير أن اليسار لم يستوعب بشكل حقيقي مجتمعه العربي والفلسطيني البسيط الذي كان بحاجة إلى لغة بسيطة واضحة بعيدة عن اللغو والحشو، لغة معبرة عن مصالحه وأفكاره وعواطفه.
ولم يفهم اليسار الإنسان العادي، كما عجز عن فهم أهمية الإسلام في بناء كينونة الإنسان العربي، وتصرف بشكل مراهق في أحيان كثيرة في هذا الشأن، مما اضعف ثقة المواطن العادي به، خاصة أنه كان مفروضا أن يكون هذا اليسار ممثلا له.



9 - عدم القدرة على التقييم

قامت مؤتمرات فصائل اليسار المتعاقبة بتشخيص وتقييم وتوصيف الكثير مما تعلق ببرامج وممارسة القيادة المتنفذة في منظمة التحرير الفلسطينية، وشرحت الأوضاع العربية والعالمية ضمن أساسيات الصراع العالمي بشكل كان يحيط بالكثير من خطوطها وجوانبها العامة.
ولكن المثير للدهشة هو أننا قلما نجد تقييما ونقدا جادا ذاتيا في هذه التقارير، إذ تبدأ معظمها بـ "أن الأحداث جاءت لتثبت صحة خطنا وسياساتنا..". هذه "الطبطبة" عل767ققى الظهر والمفاخرة بصوابية الموقف السياسي والبرامج "المعصومة من الخطأ" أصبحت تقليدا يساريا كئيبا.
في معظم الأحيان كانت الأخطاء تعزى إلى الغير، فتارة نجد أن قوى الانشقاق والانحراف في هذه التنظيمات تتحمل الخطأ، وأحيانا أخرى تعود إلى نقص في الإمكانات المالية، أو إلى المد الأصولي وانحراف النخب المثقفة وشيوع الثقافة الاستهلاكية وانخداع الشارع الفلسطيني العربي بأطروحات اليمين دون معالجة العامل الذاتي ودوره في معضلات النضال وتقييم المنهج الذي تدير به هذه الفصائل شؤونها التنظيمية والنقابية وكيفية قراءة الواقع وتنشئة الكوادر، والدكتاتورية البيروقراطية المتأصلة التي كانت تكبح أخلاقية الكوادر الشابة وقمع الكوادر والأطر النسائية، مما يدفعها إلى الانشقاق والهجرة وعدم قدرتها على تعويض هذه الكوادر وضخ الحيوية والتجديد في بنائها التنظيمي.
أما التعامل الفوقي والإحلالي للفصائل الفلسطينية مع النقابات والأطر المتخصصة فكان من الأسباب المرضية في الساحة الفلسطينية.
لم يختلف اليسار في تعامله مع هذه الأطر عن تعامل فتح معها، فكانت تقوم بتفريخ نقابة موازية في كل نقابة لم تفز فيها بالانتخابات، وبذلك تعددت الدكاكين النقابية والأطر النسائية والثقافية والصحية، وبهذا تشرذمت قطاعات لم يكن أبدا مفروضا لها أن تبنى على أسس فصائلية كالصحة والتعليم وغيرها.
ولا شك أن بيئة العمل السياسي وظروفه قد تغيرت بشكل جذري بعد اتفاق أوسلو، فكان لا بد لفصائل اليسار أن تتكيف مع الوضع الجديد وتتواءم معه، ولكن الطريقة التي تلاءم بها اليسار كانت كارثية عليه.
فقد انتقل من العمل السياسي الجماهيري النضالي إلى تأسيس الجمعيات غير الحكومية المدعومة بمال غربي مشروط، بحيث أصبح همها تحصيل المزيد من هذا المال بدل الوجود بين الجماهير فبهتت وضعفت



10 - مهمات اليسار المباشرة

===================
"على اليسار أن يأخذ زمام المبادرة لإنقاذ القضية الوطنية الفلسطينية من ثنائية فتح وحماس التي لم تعد حرمة الدم الفلسطيني تشكل خطا أحمر بالنسبة لها"
وبدلا من تربية الكادر المسيس والخبير بأسس العمل النقابي والجماهيري والتحريضي الثوري، أصبحت تدربه على كيفية إدارة المشاريع المموّلة والعلاقة مع الممولين وكتابة التقارير وجميع الكفاءات المهنية والتقنية التي تتطلبها المجالات الجديدة، إضافة إلى اعتماد النخب الكادرية القيادية على المعاشات الشهرية المرتفعة نسبيا في المجتمع الفلسطيني.
فانفصلت هذه الكوادر عن مجتمعاتها، لأنها ارتاحت بفتات مأدبة العولمة، بينما ترتع غالبية الشعب تحت وطأة الحاجة والفقر.
وبذلك تحولت هذه الفصائل من أحزاب ثورية لتحرير الأرض والشعب إلى امتداد لهذه الجمعيات المدنية التي تقوم بتقديم الخدمات الاجتماعية والإنسانية للجماهير.
وبذلك عوضا عن أن تكون هذه الخدمات هي برامج لهذه الأحزاب والفصائل، أصبحت الأحزاب والفصائل هي برامج لهذه الجمعيات.
وبدلا من الدعم أصبحت الفصائل تتنافس مع ذوي الاختصاص بهذا المجال وتفريخ الجمعيات واستنساخها، مما أضعف الجمعيات الأصيلة المختصة وأتخم الشارع الفلسطيني بها وبشرذمتها، تماما كما فعلت بالنقابات والأطر المختصة من قبلها.
لعل الدرس البليغ الذي يجب أن يتعلمه اليسار الفلسطيني هو أن الوضوح الأيديولوجي والسياسي والتنظيمي هو الأهم، وأن الوقوع في الوهم السلطوي خطر كارثي، وأن على اليسار العودة إلى المربع الأول ومراجعة وتنظيف الذات مما علق به من شوائب، وصياغة خطاب وطني تحرري جديد قادر على استيعاب الشعب الفلسطيني في جميع أماكن وجوده.
كما أن عليه العودة إلى الشارع وتقديم نموذج نضالي وعلمي وعقلاني ملتصق بالمصالح الوطنية والشعبية، كما يجب عليه بناء المؤسسات الجماهيرية واستئناف مقاومة الاحتلال والدفاع عن حق العودة.
وأخيرا، أن يأخذ زمام المبادرة لإنقاذ القضية الوطنية الفلسطينية من ثنائية فتح وحماس التي لم تعد حرمة الدم الفلسطيني تشكل خطا أحمر بالنسبة لها
11 - ميزات يمينية في اليسار الفلسطيني
---------------------
طبيعة الصراع مع دولة الاحتلال الاسرائيلي تقدّم تفسيرات كثيرة لتجذّر الميزات اليمينية في تنظيمات اليسار الفلسطيني . اضطر الفلسطينيون للجوء إلى العمل العسكري في مواجهة إسرائيل، وتطلّب هذا تنظيماً حديدياً بكل ما تعنيه الكلمة من الالتزام التام والطاعة العمياء والتمترس والانغلاق.
كان هذا التنظيم الحديدي عاموداً فقرياً لهذه التنظيمات، وهو يحمل ميّزات تتناقض مع الحس النقدي ومعاداة السلطوية والانفتاح والشفافية التي يُفترض أن تميّز الحركة اليسارية عن اليمين. وكما في التعصّب العائلي نجد "رابط الدم" عاملاً أساسياً، اعتمدت تنظيمات اليسار رابط دمٍ من نوع آخر: تقديس دماء الشهداء الذين قضوا في نضالات التنظيم وتحويلها إلى أداة ابتزاز عاطفي ترفع التنظيم نفسه إلى مرتبة القداسة أيضاً.
ويفسّر استهداف النسيج الاجتماعي الفلسطيني من قبل الاحتلال الاسرائيلي العديد من الميزات اليمينية التي تجذّرت في اليسار الفلسطيني الناشئ. ففي ظله، تحوّلت المحافَظة الاجتماعية مثلاً إلى قيمة نضالية قائمة بحد ذاتها، رغم أنها خاصية يمينية بامتياز.\
12 - الخلاصة : كيف يتم اعادة بناء اليسار الفلسطيني ؟
---------------------------
ان السؤال الأساسي الذي يواجه قوى اليسار الفلسطيني (الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحزب الشعب الفلسطيني والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين) في هذه المرحلة هي :
اولا : هل قوى اليسار الفلسطيني، تملك القدرة والإرادة على إعادة تجديد ذاتها داخليا؟
ثانيا : هل هي قادرة على صياغة استراتيجية موحدة لقوى اليسار الفلسطيني لكي تجيب على الأسئلة الحارقة التي يواجهها الشعب الفلسطيني، سياسيا واجتماعيا واقتصاديا؟
ثالثا : هل قوى اليسار الفلسطيني قادرة على تقديم نفسها كقوة سياسية واجتماعية وثقافية ونضالية لكسر معادلة الاستقطاب المدمرة بين حركة حماس، بخياراتها الاجتماعية والثقافية التي تقوم على مقاربة الإسلام السياسي الذي يعيش أزمة في مصر وسورية وتونس وليبيا وتركيا.. وحركة فتح التي تتموضع خياراتها في سياق التجربة النيوليبرالية سياسيا واجتماعيا واقتصاديا؟
ان التصدي لهذه الأسئلة وغيرها الكثير هو الذي سيحدد مستقبل ودور قوى اليسار الفلسطيني،.
فإذا لم يتميز اليسار الفلسطيني بالحيوية والمبادرة في مجابهة الأسئلة الاجتماعية والسياسية والثقافية التي يفرضها الواقع الفلسطيني، فأي يسار هو إذن؟!
الآن هي اللحظة التاريخية ليغادر اليسار الفلسطيني حالة السبات والهامشية نحو المبادرة والفعل، ذلك لأن طرفي حالة الانقسام والاستقطاب في الشارع الفلسطيني (حركة فتح وحركة حماس) يعيشان أزمة عميقة،
قوى اليسار الفلسطيني عليها الآن أن تتقدم ببديلها السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي الذي يتجاوز خيار الأسلام السياسي الذي تمثله حركة حماس على كل الأصعدة، كما يتجاوز خيار حركة فتح الذي انكشف أيضا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا..
إنجاز هذه العملية ليس أمرا سهلا، بل هو عملية شاقة بكل المقاييس النظرية والعملية، وهي تستدعي التقييم والنقد والتحليل ورؤية حركة الواقع والاستراتيجيات والمصالح المتصادمة، كما تشمل أيضا إعادة تجديد وبناء الذات لقوى اليسار الفلسطيني بحيث تستعيد حيويتها المفقودة، وتعيد ربط خطابها السياسي والثقافي مع الواقع الاجتماعي باعتباره المرجعية الوحيدة للفعل والتأثير.
------------------
انتهى البحث

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ابحث في موضوعات الوكالة

برنامج ضروري لضبط الموقع

صفحة المقالات لابرز الكتاب

شبكة الدانة نيوز الرئيسية

اخر اخبار الدانة الاعلامية

إضافة سلايدر الاخبار بالصور الجانبية

اعشاب تمنحك صحة قوية ورائعة

اعشاب تمنحك صحة قوية ورائعة
تعرف على 12 نوع من الاعشاب توفر لك حياة صحية جميلة سعيدة

روابط مواقع قنوات وصحف ومواقع اعلامية

روابط مواقع قنوات وصحف ومواقع اعلامية
روابط مواقع قنوات وصحف ومواقع اعلامية

احصائية انتشار كورونا حول العالم لحظة بلحظة

احصائية انتشار كورونا حول العالم لحظة بلحظة
بالتفصيل لكل دول العالم - احصائيات انتشار كورونا لحظة بلحظة

مدينة اللد الفلسطينيةى - تاريخ وحاضر مشرف

الاكثر قراءة

تابعونا النشرة الاخبارية على الفيسبوك

-----تابعونا النشرة الاخبارية على الفيسبوك

الاخبار الرئيسية المتحركة

حكيم الاعلام الجديد

https://www.flickr.com/photos/125909665@N04/ 
حكيم الاعلام الجديد

اعلن معنا



تابعنا على الفيسبوك

------------- - - يسعدنا اعجابكم بصفحتنا يشرفنا متابعتكم لنا

جريدة الارادة


أتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الارشيف

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام
الانستغرام

نيو سيرفيس سنتر متخصصون في الاعلام والعلاقات العامة

نيو سيرفيس سنتر متخصصون في الاعلام والعلاقات العامة
مؤسستنا الرائدة في عالم الخدمات الاعلامية والعلاقات العامة ةالتمويل ودراسات الجدوى ةتقييم المشاريع

خدمات نيو سيرفيس

خدمات رائدة تقدمها مؤسسة نيو سيرفيس سنتر ---
مؤسسة نيوسيرفيس سنتر ترحب بكم 

خدماتنا ** خدماتنا ** خدماتنا 

اولا : تمويل المشاريع الكبرى في جميع الدول العربية والعالم 

ثانيا : تسويق وترويج واشهار شركاتكم ومؤسساتكم واعمالكم 

ثالثا : تقديم خدمة العلاقات العامة والاعلام للمؤسسات والافراد

رابعا : تقديم خدمة دراسات الجدوى من خلال التعاون مع مؤسسات صديقة

خامسا : تنظيم الحملات الاعلانية 

سادسا: توفير الخبرات من الموظفين في مختلف المجالات 

نرحب بكم اجمل ترحيب 
الاتصال واتس اب / ماسنجر / فايبر : هاتف 94003878 - 965
 
او الاتصال على البريد الالكتروني 
danaegenvy9090@gmail.com
 
اضغط هنا لمزيد من المعلومات 

اعلن معنا

اعلان سيارات

اعلن معنا

اعلن معنا
معنا تصل لجمهورك
?max-results=7"> سلايدر الصور والاخبار الرئيسي
');
" });

سلايدر الصور الرئيسي

المقالات الشائعة