إنَّ نجاح السياسات والإجراءات الاقتصادية وقدرة الحكومة على تحقيق أهدافها المصرّح عنها في بيانها الوزاري، يتأثر بشكل كبير بمستوى الثقة السياسية بين المواطنين من جهة، والحكومة ومؤسساتها وممثيلها من جهة أخرى، تحديداً الوزراء والمدراء العامين في المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المختلفة.
وتُسهم الثقة بين المواطن والحكومة في تجاوز العقبات والعثرات التي يمر بها الاقتصاد عموماً، وفي تحقيق التنمية خصوصاً، إذ يؤكدُ العديد من الدراسات أن الثقة في الحكومة، تُسهم في خفض تكاليف المعاملات، والمرونة والقدرة على تحقيق التراكم الرأسمالي، في ظل حالات عدم اليقين والكفاءة والفاعلية لرأس المال البشري، وهي بذلك تشكل المبادئ الإرشادية لكيفية تحقيق النمو والتنمية الاقتصادية (Schmidt, 2003). بالمقابل فإن ضعف الثقة، يؤدي إلى إثارة الشكوك حول جدوى وأهداف السياسات والإجراءات الحكومية، ما يحول دون تعاون المواطن مع الحكومة في ممارسة دوره في الرقابة الشعبية لتصويب السياسات، أو يعوق التزامه بالقوانين والتشريعات.
يقول الاقتصادي كينيث آرو عند نقاشه العلاقة بين العطاء والكفاءة: «يبدو لي أن فضيلة الصدق ذات أهمية عظيمة في الحياة الاقتصادية .... ونستطيع أن نقول بقَدْرٍ معقول من اليقين: إن الكثير من التخلف الاقتصادي في العالم، يمكن تفسيره نتيجة انعدام الثقة المتبادلة»(Arrow, 1972).
وفي سورية، يمكن تلمس بعض مظاهر ضعف الثقة تجاه الحكومات المتعاقبة لجهة ما يتعلق بتحسين مستوى المعيشة ورفع مستوى الأداء الاقتصادي للمؤسسات وممارسة سياسة اقتصادية شفافة وواضحة تساعد في تخفيف حدة الصعوبات التي واجهت المجتمع السوري طوال السنوات الماضية، ما دفع بالمواطنين، في كثير من الأحيان، إلى عدم الأخذ على محمل الجد بالإجراءات أو القرارات أو التصريحات الصادرة عن الحكومة أو عن اجتماعاتها أو لجانها، ويظهر ذلك جلياً في حجم التجاوزات والمخالفات التي تزداد عقب صدور أي قانون أو مرسوم.
عندما لا يرى المواطنون في الحكومة وأعضائها وممثليها من یمثلهم فعلاً، ويتحدث بصوتهم ووجعهم، تضعف أو تنعدم الثقة، وتخيب آمالهم في الطريقة التي تعمل بها المؤسسات الحكومية وما تقدمه إليهم، ما يؤدي إلى الإحباط واللامبالاة وسيادة شريعة الغاب و قانون المصالح، وما ينجم عن ذلك من ظهور فئات تعتاش على التعقيدات الحكومية، والروتين والبيروقراطية، وعدم المساءلة والمحاسبة، نتيجة سوء الأداء -وهو ما يندرج ضمن مفهوم الفساد- وما يتبع ذلك من ترسيخ مقومات الخلل الاجتماعي، وعدم الاستقرار، وعدم الشعور بالأمان، وبالتالي تزعزع مفهوم المواطنة.
فما هي الثقة السياسية؟ وما هي أبعادها؟
مفهوم الثقة السياسية
لقد عرّفت الأمم المتحدة "الثقة السياسية" في إعلان فيينا بشأن بناء الثقة في الحكومة عام 2007 بأنها تعبر عن «وجود توافق في الآراء فيما بين أفراد المجتمع حول القيم والأولويات والاختلافات المشتركة، وعلى القبول الضمني للمجتمع الذي يعيشون فيه، كما تشير أيضاً إلى توقعات المواطنين لنمط الحكومة التي ينبغي أن تكون عليه، وكيف ينبغي للحكومة أن تعمل وتتفاعل مع المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية».
وبذلك نجد أن توافر الثقة السياسية يعني النظرة الإيجابية العامة للمواطنين تجاه الحكومة، وتنشأ هذه النظرة كلما تم تجسير الهوة بين ما يتوقعه المواطن من الحكومة وما تحققه من جانب، وبين ما تخطط له الحكومة وما تنفذه من جانب آخر، ويقيّم المواطن الحكومة من خلال بعدين:
البعد الأول: مدى قدرة الحكومة على تحقيق رغبات المواطن، من خلال تحسين واقعه الاقتصادي والاجتماعي، وتحقيقها العدالة الاجتماعية والإنصاف.
البعد الثاني: مدى قدرة السياسات والإجراءات الفعلية، على تحقيق أهداف الحكومة المعلنة، ومدى انسجامها مع التصريحات الحكومية الرسمية.
وعليه، يمكن أن توجد ثقةٌ في الحكومة-أي أن يكون التقييمُ إيجابيّاً- عندما تستطيع الحكومة أن تلبي حاجات المواطنين في تحسين المستوى المعاشي، والرقابة، وضبط الأسعار، وتأمين فرص العمل، وسيادة الأمن والعدالة والإنصاف...وغيرها، وأن تنفذ كل ما تعلن عنه وتصرح به، ففي ظل غياب الرقم والمعلومة الإحصائية الرسمية، تصبح التصريحات الحكومية الإعلامية من ضمن أهداف وتطلعات المواطن، ومن أهم معايير تقييمه للأداء الحكومي. وفي حال كان التقييم سلبياً نكون في حالة من ضعف الثقة وما ينجم عنها من تبعات مباشرة وغير مباشرة، تؤثر سلباً في الأداء الاقتصادي والاجتماعي للحكومة.
إذن، تتم معرفة مدى الثقة السياسية، عندما يقيّم المواطنون الحكومة ومؤسساتها وصناع القرار بشكل عام و/أو يقيّمون مدى نزاهة وكفاءة وعدالة القادة السياسيين كأفراد وحفظهم لوعودهم وقدرتهم على توفير حياة أفضل للمواطنين بشكلٍ خاصٍّ؛ بمعنى آخر الثقة السياسية هي: تحكيم وتقييم شامل وعام من قبل المواطنين، لمدى تجاوب الحكومة بمؤسساتها وممثليها من الوزراء ومعاونيهم والمدراء العامين وشاغلي المناصب السياسية، وما يقومون به بالشكل الصحيح والأمثل حتى في ظل غياب الرقابة المستمرة.
ورغم الصعوبات التي تواجه الحكومة الحالية، نتيجة الحرب التي فرضت تغيير الأولويات وانخفاض الإيرادات العامة التي حدت من قدرة الحكومة على تلبية حاجات ورغبات المواطنين وتسهيل الحياة المعاشية، فأدى ذلك كلّه إلى ضعف الثقة (في البعد الأول)، إلا أن السياسات والإجراءات المتخذة من قبل الحكومة لم تكن على مستوى تحقيق الأهداف المعلنة من قبلها، ونجمت عن عدم التوافق والتناقض بين التصريحات الحكومية والإجراءات المنفذة فعلياً حالة من ضعف الصدقيّة تجاه الحكومة، وهو ما عزز التقييم السلبي للأداء الحكومي (في البعد الثاني). على سبيل المثال، رغم التصريحات الحكومية المتكررة حول عودة النشاط الاقتصادي، وعودة دوران عجلة الإنتاج، وقدرة الحكومة على استرداد موارد مالية كبيرة ناجمة عن استثمار أمثل لأملاك الدولة وملفات القروض المتعثرة وعودة آبار النفط للإنتاج وغيرها من المنجزات والمكتسبات، إلا أن ذلك لم ينعكس على تعديل أو تغيير في الإجراءات الحكومية التي يمكن أن تحسن الواقع المعاشي، سواء أكان ذلك من حيث زيادة كتلة الرواتب والأجور، أم من حيث تخفيض الأسعار، بذلك نجد أن نظرة المواطن في كلا البعدين ما زالت دون المأمول، ولم ترقَ إلى مستوى طموحاته ما انعكس على تقييمه لأداء الحكومة، وبالتالي ضعفت ثقته السياسية.
ونجد الأمرَ ذاته عند البدء بتنفيذ مشروع "الإصلاح الإداري"، فلم تتعدَّ آليات تطبيق الإصلاح الإداري إطار الزيادة في الاجتماعات والندوات والإقالات والمناقلات الوظيفية([1]) دون أن يترافق ذلك مع نتائج فعلية على أرض الواقع، سواء أكان ذلك في الحد من انتشار ظاهرة الفساد، أم في تسهيل وتبسيط إجراءات العمل الإداري، أم في وضع الشخص المناسب في المكان المناسب. وما انطبق على "الإصلاح الإداري" ينطبق على عملية "إعادة الإعمار"، وما زالت السياسات التي تنظم وتطور هذه العملية والمخصصات المرصودة لها في الموازنات العامة غير ذات جدوى، مقارنة مع متطلبات وحجم عملية إعادة الإعمار التي اقتصرت على مضاعفة عدد المؤتمرات والورش والتصريحات الرسمية، ما قلل من رضا المواطن عن الأداء الحكومي، وزاد من مساحة وعمق ضعف الثقة، بما يصدر عن المسؤولين من تصريحات أو إجراءات.
وبذلك نجد أن اعتماد الحكومة على التغطية الإعلامية والتصريح بأهداف يصعب عليها تحقيقها (على الأقل على المدى المنظور)، أسهم بشكل كبير وواضح في التقييم السلبي للأداء الحكومي، على مستوى البعد الثاني، وما نجم عنه من عدم قدرة الحكومة على تلبية رغبات المواطنين وحاجاتهم، على مستوى البعد الأول. لكن هل ضعفت الثقة السياسية نتيجة أداء الحكومة الكلي أو نتيجة وجود بعض الأفراد غير الموثوقين؟
أنواع الثقة السياسية
يتم النظر إلى الثقة السياسية ليس فقط من خلال تقييم النظام السياسي ومؤسساته؛ بل أيضاً من خلال تقييم شاغلي المناصب العامة، وبذلك يمكن تقسيم الثقة السياسية إلى فئتين:
الفئة الأولى: الثقة التنظيمية أو الثقة على المستوى الكلي
يدل هذا النوع من الثقة على رضا المواطنين أو عدم رضاهم على الحكومة بشكل عام وفقاً للسياسات والإجراءات المتخذة من قبلها، وهي تتكون من بعدين: الأول، تقييم المواطنين لأداء الحكومةبشكل عام؛ والبعد الثاني، تقييم المواطنين لأداء مؤسسة بحد ذاتها. ويُلاحظ في سورية أنَّ هناك نوعاً من ضعف الثقة على المستوى الكلي ببعديه العام والخاص، وهذا ما نلحظه من مراقبة ومتابعة سلوكيات وردات فعل المواطنين عند الحديث عن أي تغيير وزاري أو انتخابات تشريعية أو صدور قوانين جديدة، إذ توجدُ فجوة ثقة في المناخ العام، وفي معظم مؤسسات الدولة (باستثناء المؤسسة العسكرية) من مجلس الوزراء ومجلس الشعب انتهاء بوزارة العدل والرقابة الداخلية والهيئة المركزية للرقابة والتفتيش؛ وتُعَدُّ الثقة في المؤسسات أمراً ضروريّاً وهامّاً لنجاح السياسات والبرامج الحكومية التي تعتمد على التعاون والامتثال من قبل المواطنين، بالمقابل يتعين على الحكومة الحد من عدم اليقين في البيئة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية إلى أدنى حد ممكن.
الفئة الثانية :الثقة الفردية أو الثقة على المستوى الجزئي
وهي لا تقل أهمية عن المستوى الكلي ولا يمكن فصلها عنها، وهي تشير إلى وجود ثقة أو عدم وجودها في الشخص الذي سيشغل المنصب العام وقدرته على التغيير المطلوب، وفي سورية توجدُ حالتان من ضعف الثقة على المستوى الجزئي:
الحالة الأولى، قد يكون الشخص موثوقاً، لكن تنعدم الثقة في احتمالية قدرته على التغيير والتطوير بسبب تاريخ المؤسسة التي سيشغلها (وهنا نجد الترابط بين المستوى الجزئي والمستوى الكلي)؛
والحالة الثانية، عند إجراء المناقلات الوظيفية لبعض الأشخاص الذين هم بالأساس فاقدو الثقة من وجهة نظر المواطنين.
يعتمدُ كلٌّ من الثقة السياسية التنظيمية والفردية على صنع سياسات موثوق بها وذات صدقيّة.
سبل استدراك الفجوة وبناء الثقة السياسية
تمثل جودة «الخدمة العامة» والواقع الاقتصادي ركناً جوهرياً من أركان تحسين الأداء الحكومي، إذ إن توافر الخدمات العامة وجودتها (كهرباء ومياه وتعليم ونقل وصرف صحي....إلخ) وتحسنالمؤشرات الاقتصادية (زيادة فرص التشغيل، زيادة المستوى العام للأجور، زيادة الاستثمارات الحقيقية. إلخ) يُعزّزان ثقة المواطن بالحكومة، بالمقابل إن عدم تحقيق نتائج ملموسة في مكافحة الفساد، والحد من هدر الأموال العامة، وتأمين العدالة الاجتماعية، كلّ ذلك يقلل من مقدار الثقة في الحكومة، وتكمن أهمية الثقة السياسية في دورها الحيوي في تحقيق التنمية.
إذ لا تنحصر تأثيرات وخطورة ضعف الثقة السياسية وتبعاتها السلبية في المؤسسات الحكومية فقط، بل يترافق ذلك في فشل في السياسات والبرامج التنموية، وتعطيل المصالح العامة وهدم مكتسبات الدولة، ما يؤدي إلى انهيار وتدهور الخدمات العامة التي تشكل عصب عملية التنمية؛ وبدون الثقة السياسية تصبح عملية التنمية والتطوير فريسة قيود شديدة، فضعف الثقة يؤدي إلى ارتفاع تكلفة المعاملات الاقتصادية التي ستنعكس بدورها على المستثمرين، ما قد يتسبب في إحجامهم عن الاستثمار، بالإضافة إلى أن ضعف الثقة يؤدي إلى هجرة أصحاب الكفاءات والعقول، ما ينعكس سلباً على الإمكانات المتاحة من رأس المال البشري.
ورغم صعوبة تجسير فجوة الثقة بين المواطن والحكومة في سورية؛ بسبب استشراء الفساد وانخفاض الكفاءة والترهل في أداء الحكومات المتعاقبة واستنساخها البرامج الحكومية السابقة، وبقاء الملفات والقضايا الكبرى عالقة حبيسة الأدراج والمكاتب، لكنها ليست بالعملية المعقدة إذا توافرت الإرادة والنية الصادقة لبناء عوامل الثقة، وذلك من خلال اعتماد نهج شامل يبدأ من إشراك المواطنين في الرقابة الفعالة بالإضافة إلى الشفافية والمساءلة وتسهيل إجراءات الكشف عن ضعف الأداء والتقييم، ويمكن استدراك فجوة الثقة وإعادة بنائها انطلاقاً مما يلي:
- الثقة في الحكومة: يجب أن تكون الثقة في الحكومة شرطاً لمشروعية بقائها واستمراريتها، ويجب أن تستمد الحكومة شرعيتها ليس فقط من خلال إجراءات تشكيلها؛ بل من خلال موثوقية المواطن بها، بما أن الحكومة تمارس سلطتها التنفيذية نيابة عن المواطنين، وعندما يجد المواطن أن الحكومة لا تحقق تطلعاته أو أهدافه فهي بذلك لا تمثله فعلياً، لذلك فإن تقييمه لأداء الحكومة عموماً ولأداء الوزراء والمدراء العامين يجب أن يكون الشرط الرئيس لاستمرار بقاء الحكومة أو ممثيلها، ويتطلب ذلك إشراك المواطن بشكل مباشر في صناعة القرار، من خلال الرقابة الشعبية، عن طريق مؤشر الثقة السياسية الذي يعبر عن درجة الرضا عن الحكومة.
- تفعيل دور مجلس الشعب والجهات الرقابية المختلفة: ينبغي على من يمثلون الشعب أن يعبروا عن مصالحه واحتياجاته، وهذا يتطلب ممارسة حقهم الدستوري، في حجب الثقة عن الوزارة أو أحد الوزراء في حال عدم قدرته على تحقيق الأهداف العامة للوزارة، أو من خلال إقرار خطط التنمية وليس فقط مناقشة البيان الوزاري، والقيام بمبادرات لتحديث الإطار التشريعي وليس فقط إقرار القوانين، وسد الثغرات التي ينفذ منها الفساد (السياسي أو المالي أو الإداري أو الاقتصادي) فالبنية المؤسسية من التشريعات، والسياسات، وأجهزة الرقابة، وآليات المحاسبة في العمل... إلخ مليئة ومشبعة بالثغرات والفجوات المهيئة لانتشار الفساد، فضلاً عن ضرورة تغيير تبعية الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش من رئيس مجلس الوزراء إلى مجلس الشعب.
- جدية الحكومة في التصدي للفساد: رغم وجود مطلب عالي المستوى للحد من ظاهرة الفساد، إلا أنه حتى الآن لا توجد رؤية عامة لذلك، ولم يترجم هذا المطلب إلى آليات مؤسساتية؛ فلا يمكن مكافحة الفساد، من خلال الندوات والمؤتمرات والاجتماعات، ولا يمكن التحقق من جدية الحكومة في التصدي للفساد دون الكشف والإعلان عن ملفات الفساد ومعاقبة المسؤولين عنها، ولأن الفساد بلغ درجة مرتفعة جداً في سورية، وفقاً لمؤشر مدركات الفساد عن عام 2016، إذ احتلت سورية المرتبة 173 من أصل 176 دولة، لذا يجب وضع آلية للوقاية من الفساد قبل وقوعه وليس فقط مواجهته بعد حدوثه.
- المساءلة والمحاسبة العلنية: لكي تزداد ثقة المواطنين في الحكومة، لا بد أن یتصرف المسؤولون وممثلو الحكومة وموظفو القطاع العام، وفقاً لأعلى المعايير الأخلاقية وطبقاً للقانون، وأن تتم محاسبة المسؤولين، بناء على المهام المنجزة المسندة إليهم، وليس بناءً على القرارات والقوانين والتعليمات التي تبقى في إطار الورقيات والمستندات والشعارات النظرية، ما يفرض تطبيق المساءلة والمحاسبة ليس نتيجة سوء استخدام السلطة العامة (ما يسمى الفساد)، لكن أيضاً نتيجة الإهمال، سواء أكان مقصوداً، أم غير مقصود، وعدم تحقيق وإنجاز الأهداف الموضوعة، وهذا يتطلب تعزیز الشفافية في وضع السياسات، وضمان الحق للجميع في الوصول إلى المعلومات، وتحسين آليات الإنفاذ، وزیادة توعية الناس.
- الترقية والتعيين بناء على الأداء: وهذا يستدعي وضع قواعد التعيين، بناء على الكفاءة ومستوى الأداء والسمعة المهنية وما تم تقديمه لصالح الخدمة العامة، وليس بناء على الانتماءات الحزبية أو الدينية أو الجندرية وغيرها. وأن تتم الترقية وفقاً لسياسات وإجراءات تحفز وتكافئ موظفي القطاع العام، بناء على التقييم تبعاً للنتائج الحقيقية، ذلك وفقاً للأفكار والآليات والحلول التي تطور من الخدمة العامة، وتجعلها متاحة بأفضل جودة وأبسط طريقة.
- إحياء دور الإعلام: الإعلام الحر هو الأداة الأكثر نجاعة في تنمية وعي المواطنين، من خلال تثقيفهم وتغذيتهم بالمعلومات الصحيحة، وشرح القوانين والتغييرات والتعديلات، وهو صمام الأمان في الكشف عن الممارسات الخاطئة وإنذار المسؤولين عنها، وليس فقط تسليط الضوء على إنجازات الحكومة، وهو صوت المواطن الناقد في الإشارة إلى مواطن الخلل والفساد، وأيضاً هو صلة الوصل بين الحكومة والمواطنين، باختصار الإعلام الحر هو الرقابة الشعبية على الأداء الحكومي.
- الحكومة الإلكترونية: تتيح الحكومة الإلكترونية تحسين الشفافية، وتدعيم زیادة ضلوع المواطنين ومشاركتهم في عملية وضع السياسات، وتحسين نوعية القرارات السياساتية وتنفيذها.
إنَّ استمرار ضعف الثقة في الحكومة كلفنا ويكلفنا كثيراً، ما يدفع المواطنين قسراً إلى اللامبالاة والبحث عن آليات للتكيف الذاتي مع الواقع، وهذا يعني الإبقاء على أسباب الفوضى والتخلف والخروج من الإسهام في بناء سورية المستقبل، وبما أن الثقة بالحكومة قد تضررت بشكل أكبر بفعل الأزمة، فينبغي لها أن تهتم كثيراً، وأن تبتكر الحلول التي تسعى إلى إعادة بناء الثقة، وهذا يتطلب من الحكومة أن تستجيب وتتفاعل بسرعة لتخفيف عوامل ضعف الثقة، وتعمل على إعادة بناء الثقة السياسية على المستويين الكلي والجزئي، انطلاقاً من تصور وإدراك الحكومة للحاجات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية للمواطنين وخدمة للصالح العام، بالإضافة إلى الاتساق بين الأقوال والأفعال.
ويمكن أن تكون نقطة الانطلاق الأولى من خلال إعداد مؤشر للثقة السياسية لقياس مدى رضا المواطن على السياسات والإجراءات الحكومية، وتقييمه للأداء الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للحكومة على المستوى الكلي (تقييم عام للمؤسسة) وعلى المستوى الجزئي (تقييم عام لأداء المسؤول)- مع العلم أن مجرد متابعة بسيطة لصفحات التواصل الاجتماعي كفيلة بمعرفة قيمة المؤشر على كافة المستويات- ويمكن للحكومة أن تطلب من مراكز دراسات موثوقة ومستقلة إجراء دراسات لصالحها حول هذا الموضوع ،بهدف بناء مؤشر للثقة وقياسه على المستويات كافة، وفقاً لأسس علمية، وعلى نحوٍ موضوعيٍّ وحياديٍّ.
المراجع والمصادر:
- المنتدى العالمي السابع لإعادة اختراع الحكومة، إعلان فيينا بشأن بناء الثقة في الحكومة، الأمم المتحدة، فيينا، 26-29 حزيران 2007.
Katja Schmidt.(2003) Is Trust Important for Economic Development and Growth? Berlin: Humboldt University.
Kenneth J Arrow. (1972). Gifts and Exchange. Philosophy & Public Affairs 1 (4) PP: 343-362.
[1] - المناقلة الوظيفية مشتقة من المناقلة في الموازنة، إذ تتم إعادة تبويب النفقة من استثمارية إلى جارية أو العكس، لكن النفقة تبقى نفقة، وما نقصده هنا بالمناقلة الوظيفية بقاء المسؤول العام مسؤولاً عاماً لكن بمنصب وظيفي آخر.





ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق