ما الفرق بين النفوذ والهيمنة
د.خلود العبد الله
مقدمة :
ان الدقة في فهم المصطلحات السياسية مسألة جوهرية في التمكن من الوصول الى اقرب صورة لحقيقة الاحداث والوقائع والتطورات السياسية ,,
وامتلاك الدقة يدلل على رقي مستوى الوعي السياسي عند الفرد وعلى امتلاكه درجة محترمة من القدرة على التحليل السياسي والوصول الى نتائج قريبة من الدقة الى حد كبير (مع اشتراط طبعا امتلاك المعرفة الكاملة بتفاصيل ذات قيمة متعلقة بالحدث المراد تحليله )
فعندما تقرأ مثلا ,, ان هناك صراعا على النفوذ في منطقة الشرق الاوسط او في اوروبا الشرقية او غيره بين روسيا والولايات المتحدة .. فعلينا ن نعرف بدقة ماذا يعني النفوذ . اي على ماذا يتصارعان ,, ماذا يريد كل منهما من المنطقة لتي يتصارعان عليها .. ؟
وفي نفس الوقت وفي ذات سياق التحليل للصراع الروسي الامريكي في المنطقة نجد محللين اخرين يستخدموا كلمة الهيمنة بدلا من كلمة نفوذ ,,
وفي احيان ثالثة ,, نجد بعض الكتاب والحللين ومنهم من يوصف بالمحلل الاستراتيجي يقول انالصراع هو من اجل الهيمنة وفرض النفوذ ,, اي يستخدم الكلمتين معا
وهذه التحليلات في الواقع هي تحليلات سطحية لان الفروقات كبيرة بين الهيمنة وبين النفوذ وهذا ما ساحاول توضيحه فيه هذه المقالة
اولا : معنى النفوذ وانواعه
في علم الاجتماع، النفوذ أو السلطة تعني امتلاك قوة اجتماعية ضمن نسيج العلاقات الاجتماعية يمكن المرء من تنفيذ رغبته مهما كانت مدى شرعيتها أو مطابقا للقوانين الاجتماعية، ماكس فيبر في المباديء الأساسية في علم الاجتماع يعرف النفوذ بقوله :
"نقصد بالنفوذ كل فرصة/إمكانية ضمن العلاقات الاجتماعية، تسمح للشخص بتنفيذ رغبته الخاصة، حتى لو كانت ضد مقاومة ما، وبغض النظر عن أساس هذه الفرصة."
يُطلق مصطلح مناطق النفوذ على تلك المناطق التي تخضع لحكم وسيطرة جهة ما، وهو عبارة عن خضوع مساحات من الأراضي التابعة لدول ما لسيطرة دولة أخرى بفرض القوة العسكرية عليها، فتصبح من مناطق نفوذها أي المناطق الخاضعة لسيطرتها.
يشار إلى أن مطلع القرن العشرين يعتبر تاريخاً لولادة هذا المصطلح بالتزامن مع اندلاع الحروب العالميّة الأولى والثانية، والتي تلتها فيما بعد عدد من الحروب الدولية المتلاحقة، وبشكل عام فقد ارتبط مصطلح مناطق النفوذ ارتباطاً وثيقاً بالعوامل السياسية التي تحيط بدول العالم من كل اتجاه.
النفوذ السياسي
يعرف أيضاً بالنفوذ العسكري، ويعتبر من أكثر أنواع النفوذ قدماً، حيث برز ظهوره بشكل جلّي بالتزامن مع اندلاع شرارة الحرب العالمية الثانية، كما جاء ظهوره في فترة ظهور الحركة النازية في ألمانيا على يد هتلر، حيث استخدم الأخير القوة والنفوذ في فرض السيطرة على الشعوب التي رفضت الخضوع والإذعان له
النفوذ الديني
يتمثل هذا النوع بمدى شيوع فكر ديني ما داخل منطقة معيّنة، ويستند هذا النوع من النفوذ على الطبيعة التي يتسم بها الأفراد في هذه المنطقة، كما أنّه يقترن بديانة ما، كاستهداف الحملات التبشيرية للمناطق المسيحية لغايات نشر الدين المسيحي
النفوذ الثقافي
يعّد هذا النوع امتداداً لمجموعة من الأفكار الثقافية المتفاوتة من مجموعة لأخرى، حيث يكون هذا النفوذ شاملاً لإقليم واحد يحتضن عدداً من الدول المتجاورة، كالحركة الأدبية في عصر النهضة الأوروبية
النفوذ الاقتصادي
يأتي هذا النفوذ على يد قوة عظمى لها أثر اقتصادي كبير في مجموعة من الدول، أو في الجهات اللاجئة إليها لحل أزماتها الاقتصادية، ومن أبرز الأمثلة على ذلك نفوذ عملة الدولار
ثانيا : ما هو معنى هيمنة
معنى الهيمنة حسب القاموس العربي هو قدرة مطلقة على الشّيء من كافّة جوانبه وبشتّى الوسائل بما يكفل تحقيق الغاية المشروعةوحسب القاموس ايضا الهيمنة السياسة تعني سيطرة الدُّول الكبرى على الدُّول الصُّغرى ، وتوجيه قراراتها السِّياسيّة والاقتصاديّة في اتّجاه مصالحها الشَّخصيّة ، وتكون أداة الضَّغط عليها ارتباط مصالحها أو قياداتها بها ، أو تهديدها العسكريّ لها نعيش الآن زمن الهيمنة الأمريكيّة
اما الهيمنة حسب العلوم السياسية... فهي مفهوم أكاديمي حديث الاستخدام في العلاقات الدولية، ويشير في أحد معانيه إلى السيطرة والتحكم من قبل قوة عظمى قادرة على توجيه النظام الدولي - وفق قواعد معينة ومتفق عليها – يشاركها في هذا النظام مجموعة من القوى تمتلك من القدرات ما يؤهلها لأن تكون إحدى قوى النظام، غير أن قدراتها لا تمكنها من تحدي القوة العظمى...
مثلا : مؤسسات الهيمنة الأميركية :
تمتلك الولايات المتحدة وسائل هيمنة في المجالات الرئيسية : (السياسية – الأمنية – الاقتصادية – والعسكرية).ومن ابرز المؤسسات التي تستند عليها الهيمنة الامريكية هي :
اولا / مؤسسات اقتصادية: (صندوق النقد الدولي – البنك الدولي – منظمة التجارة العالمية)
ثانيا : مؤسسات سياسية وأمنية: (حلف الشمال الأطلسي (حلف الناتو) –
ثالثا : منظمة الأمم المتحدة – منظمات المجتمع المدني).
والهيمنة في العلاقات الدولية مرتبطة بالتوافق والقبول من قبل الدولة المهيمنة والدول المهيمن عليها
اي هي التي تنبني على أساس قبول المهيمن عليهم لهيمنة الدولة المهيمنة او مؤسساتها
ونموذج الهيمنة هذا يتصف بكونه عقلاني لأنه يجعل من القانون ، ومن الاختيار طبقا لأهداف الطرفين المهيمن والمهيمن عليه . وتكون فيه العلاقات مشروطة بالقانون المنظمة حسب النظام المتبع .
إن الهيمنة هي إمكانية أن يأتي أمر صادر عن شخص ، أو عن مؤسسة امتثالا أو طاعة ، وهنا نتكلم عن الإمكانية وليس الإلزامية . وهذه الإمكانية مرتبطة هي الأخرى بمفهوم المشروعية ، هذا يعني بأن الأمر يمكن أن ينعت بكونه مشروعا ، إذا ما أسس صلاحيته على القبول الذي يلقاه من طرف الآخرين .
والهيمنة إذن ليست هي القوة ، فالقوة تعني إمكانية أن يملي أحد أو مجموعة إرادتهم ، وأن تفرض هذه الإرادة ضد الآخرين . بيد أن ما يميز الهيمنة ، هو أنها تؤسس علاقات طوعية بشكل يجعل من يخضع لها قابل لوجودها ومعترف بأحقيتها . وهذا الاعتراف هو أساس المشروعية .
غرامشي ,, ما هي الهيمنة
وفقاً للتعريف الشهير الذي يعطيه غرامشي للهيمنة، فإن الهيمنة هي شكل من أشكال السيطرة المبنيّة على «الجمع بين القوة والقبول اللذان يتوازنان بأسلوب متفاوت، دون أن تتغلب القوة بشكل مفرط على القبول، بل تسعى لأن تبدو هذه القوة مُستندة على قبول الأغلبية»8.
لذلك يجب تمييز الهيمنة عن الدكتاتورية وعن الاستبداد، والتي هي أنظمة يسود فيها الإكراه ويُطبّق تعسفياً بدون معايير تنظيمية. يتم تنظيم الهيمنة داخل المجتمع المدني، لكنها تشمل الدولة أيضاً: «فالدولة هي مجموع الأنشطة العملية والنظرية التي من خلالها لا تقوم الطبقة الحاكمة بتبرير هيمنتها والحفاظ عليها فقط، ولكنها تنجح في الحصول على الإجماع الفعلي من المحكومين»9. بالتالي، فإن جوهر مفهوم الهيمنة يستند إلى فكرة القبول هذه، والمشاركة الواعية والطوعية للمحكومين في الهيمنة عليهم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق