سناء عبد العزيز : الشعر… صرخة مازالت في كامل عنفوانها
ترى أن الواقع الثقافي يدعو للأسى بعد أن طاله الفساد والابتذال والركاكة
القاهرة – شروق مدحت:
فى بداية رحلتها مع عالم القصة القصيرة حصلت على جائزة “رامتان “لأفضل قصة قصيرة 2005، وما أن اخترقت عالم الرواية حتى استطاعت أن تحصل على جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي فى الرواية لعام 2017، ولم تكتف بذلك فحسب بل اقتحمت عالم الشعر والترجمة، فأبدعت فيهما أيضا.
عن روايتها الفائزة “فيدباك “ومشوارها الأدبي، ورؤيتها للساحة الثقافية، التقت “السياسة “الكاتبة سناء عبد العزيز فى هذا الحوار:
ما المغزى من كتابتك لهذه الرواية؟
بدأ الأمر معي بفكرة التقييم سلبا وإيجابا، سواء للذات أوللآخر، تلك الفكرة التي أفضت بنا إلى نتيجة تستحق التوقف، وهي قبول أو رفض الذات أوالآخر، ولأن الرفض نفي واستبعاد،أي نفي للإنسان، وجدتها أولى بالتناول. لقد بدت لي فكرة تقييم الإنسان لمجمل حياته قاتلة، وبخاصة حين يضع، وهو في منحى عمري آخذ في الهبوط، نجاحاته وخسائره في كفتي ميزان، رغم أن الخسائر قد تكون محض ضربة قدر، وفي الرواية طرحت الفكرتين معا، وتولدت منهما تقييمات شتى وصلت لخلق الإنسان والأنثى على وجه الخصوص.
ما أبرز الرسائل والسمات التي تحملها الرواية؟
أجد أن كل قارئ عليه أن يجد بنفسه الرسائل التي يحملها العمل، ولا يروق لي طرح رسائلي ككاتب بعيدا عن النص، أقول هذا لأني أحيانا أتفاجأ بقراءة تناولت رؤية ما أقنعتني، فهي بالفعل مطروحة بين ثنايا السرد وإن لم أنتبه إليها، وهذا معناه أن الكل أكبر من مجموع أجزائه.
مفهوم الإنسان الكامل
“فيدباك” محاولة للبحث عن مفهوم الإنسان الكامل، كيف يمكن تحقيق ذلك المفهوم؟
قد يبدو الكلام مناقضا لبعضه أحيانا، فقد يكون البحث المتواصل عن الإنسان الكامل من دون الوصول لنتيجة ملموسة بمثابة اعتراف بعدم وجوده، فكما ذكرتُ أن تقييم الآخر والذات كلاهما مضلل، فلم يخلقنا الله من بللور،بل خلقنا من طين الأرض، بنفائسه وخبثه.
لماذا رمزت لأبطال روايتك بالأحرف بدلا من الأسماء؟
بالنسبة لي، الأسماء تعين مسماها، تحدده على وجه الحسم، فحين أشير لشخص بأنه فلان، فقد حددت من هو فلان، أما الحروف فهي من زاوية لا معنى لها، ومن زاوية أخرى قد تحمل دلالات عدة.
ما السبب وراء ظهور البطلة وكأنها تتأرجح بين واقعها وبين العالم الإفتراضى؟
طرحت البطلة تحت مُسميين، في العالم الافتراضي هي “سين”، وفي الواقع هي”بُنْأَة”.ولأن لها حضورا في العالمين أحدهما يتعلق بتفاصيل حياتها، والآخر بطبيعة عملها، ومع توزيع مهامها بين عالمين محتشدين بعدد مهول من البشر، بدت كما وصفتِها تتأرجح بين عالمين.
•ما العلاقة التي تجمع بين “بنأة “و”قهر” و”أحمر” و”دقدق”؟
– العلاقة مطروحة في الرواية حيث تجمعهم علاقة أخوة، فالنزاع الأول كان بين أخين، والنزاع الذي احتل السواد الأعظم في الرواية كان نزاع الذات مع نفسها من جهة، ثم مع الجميع،في صورة الأخوات.
هل ساعد استخدام صيغة الراوي على النجاح والانتشار بين الجمهور؟
ربما، وإن أزعجني مفهوم السيرة الذاتية وتحدث البعض عن البطلة وهو يشير إليَّ. ولكنها كانت الصيغة الوحيدة بالنسبة لكل الأصوات المطروحة ولم أجد مفرا منها.
توازن
كيف استطعت التوزان بين اللغة الشاعرية والفصحى والعامية فى جميع أحداث الرواية؟
هذه لغتنا جميعا في حواراتنا اليومية، فنحن نمزج الفصحى بالعامية في كلامنا وأحيانا على مستوى الجملة الواحدة. ولأن الشعوب، المدن،القرى،الأحياء تنتج لغتها، وأصحاب الحرف والمهن لهم لغتهم الخاصة بهم، وحتى على مستوى البيت الواحد، والفرد داخله. سنجد أننا نحن أمام تشعب لا نهائي لا يحتاج لكثير من المشقة، مادمت أنت خليطا من كل هؤلاء فحين تترك نفسك على سجيتها تجدها تكتب كما تتحدث تماما.
ما أبرز الصعوبات التي واجهتك في كتابة الرواية؟
تعدد الأصوات، لقد حاولت في البداية فرض صوتي وفشلت، وفرضت الجموع أصواتها واحتلت أماكنها رغما عني.
ماذاعن كواليس كتابتها؟
حدث لي شيء عجيب في كتابة “فيدباك” وهو أني كنت أتوقف بدافع التعب ليس إلا، وبمجرد أن استيقظ في اليوم التالي كنت أواصل الكتابة.
ولا أظنني سأكتب أي عمل آخر بمثل هذه السرعة. لقد بدت الأحداث مكتملة في ذهني منذ اللحظة الأولى، وجاءت مرحلة الانتقاء والحذف والتقديم والتأخير لبعض الأحداث والتي استغرقت مني بعض الوقت. لقد حذفت أكثر من نصف الرواية تقريبا في مرحلتها الأخيرة بمنتهى الحسم.
لماذا وقع الاختيار تحديد على “فيدباك “عنوانا للرواية؟
لأنه عنوان الرواية، في البداية لم يبد لي واضحا، لكن كلما توغلت في السرد برز بقوة ليبلور هذا الخليط العجيب من البشر والأحداث والمواقف.
غالبًا تكون الرواية الأولى واقعة تحت سطوة ذاكرة المبدع، فهل حدث هذا معك؟
يحدث هذا دائما بالفعل، مخزن الذاكرة يعمل طيلة الوقت ويلقي بأحداث ومواقف وشخوص على السطح ولا أجد غضاضة في الاستعانة به، فلكل تجربة إنسانية فرادتها.
إلى أى مدى أثرت دراستك على عملك الروائي؟
تأثرت بالطبع بدراستي للغة العربية،سواء في تعليمي الجامعي أو في الدراسات العليا، كما تأثرت بدراستي للترجمة التي احتلت السواد الأعظم من الرواية وسربت الكثير من الكلمات الإنكليزية حتى عنوان الرواية.
•متى بدأت مشوارك مع الشعر؟
– منذ أن بدأت الكتابة في الثامنة أو التاسعة، قرأت ديوانا لأمل دنقل وكان له أبلغ الأثر في كتابتي.
•الأدب والشعر، أيهما الأقرب إليك؟
– لو تم سؤال أي شاعر هذا السؤال ما تردد في الاختيار، الشعر هو الصرخة الوحيدة التي مازالت بكامل عنفوانها رغم كبوته في الفترة الأخيرة، وعلى مر التاريخ سنجد أن أعظم الروائيين بدأوا بالشعر وتمنوا لو استطاعوا إليه سبيلا.
كيف جاء حصولك على جائزة رامتان لأفضل قصة قصيرة 2005؟
تقدمت للجائزة منذ 13 عاما بايعاز من زوجي، وكانت بقصة قصيرة وتفاجأت بهم يبلغوني بالفوز بالجائزة، فلست بقاصة وربما تكون تلك أول قصة أكتبها كاملة وأتقدم بها لمسابقة، بعدها انقطعت تماما عن الكتابة ولزمت البيت.
ماذا عن فوزك بالمركز الأول بجائزة “الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي” 2017؟
كان حدثا مهما ومفاجئا هو الآخر وبخاصة أني لم أطرح نفسي كروائية مطلقا، لذا تفاجأت مثلما تفاجأ الجميع.
كيف تلقيت حصول روايتك “فيدباك “على الجائزة؟
تسمرت في مكاني حين هاتفوني، وبمجرد أن انتهت المكالمة رحت في نوبة من البكاء من شدة المفاجأة. ثم كانت المفاجأة الثانية بحصولي على المركز الأول وأنا في السودان.
ما أهم القضايا التي تشغلك؟
لا أكثر من الذات، الإنسان الذي في أغلب الأحيان لا ينتبه لوجيعته رغم أنه يجرها خلفه أينما حل، هو الذي يعيش ويموت في محاولة للقبض على حقيقته وسبل تناقضاته،وفي الأغلب الأعم لا يصل لشيء.
هل ستظل المرأة ومشكلاتها القاسم المشترك فى جميع إبداعاتك المقبلة؟
منذ ربع قرن،ما كانت تؤاخذ عليه المرأة شاهدته يتبدل أمام عيني بارتفاع مستوى الوعي حتى على مستوى الأحياء الشعبية، ولم يعد الآن موضع مؤاخذة. لكننا بإزاء مشكلة كبيرة، فالمرأة التي تغير وضعها للأفضل مازالت تشعر بنفس المعاناة وكأن شيئا لم يحدث. ولأني مثل كل امرأة عانيت من تلك التجربة وتفاجأت بأصنام من كل مكان حولي،في البيت والشارع والعمل، وإن لم استسلم لها، فقد خلفت ركاما من المرارات والتحسب والحذر، لذا أجدني مهتمة بخصوصية تلك التجربة وزخمها ورصدها، والتساؤل عن خسارتنا جميعا بالاستخفاف بمعاناتها وهدر طاقتها المتواصل وإن كان ما يعنيني في المقام الأول الإنسان على وجه العموم، ذكرا كان أو أنثى.
ما تقييمك للواقع الثقافي في الوطن العربي؟
يدعو للأسى، لقد طاله الفساد والتسطح والابتذال والركاكة والسيولة والتنطع وكل الأمراض التي طالت كل شيء.
إلى أي مدى يؤثر الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي على قراءة الكتاب الورقي؟
إلى مدى كبير، وبخاصة مع ارتفاع سعر الكتاب الورقي، والمشكلات الاقتصادية التي تواجه القارئ، فضلا عن مشكلات النشر وتأثيرها على الكاتب، فلم يجد البعض مفرا من طرح نتاجه على مواقع التواصل، وهو سلاح ذو حدين، فرغم توفيره لجمهور من القراء يعرب عن إعجابه، ويعمل كتعزيز فوري للمبدع، فقد أوقعت الكاتب في فخ الاستسهال ما جعل النص أقرب للوجبات السريعة.
هل من الضروري أن يعيش الشاعر حالة وجدانية معينة ليبدع؟
أمر طبيعي أن يكون هناك محرك للكتابة، ومعظم ما كتبته سبقته حالات اضطراب وانسحاب وتناقض واكتئاب، ثم تدفقت الكتابة عقب كل حالة.
كيف ترين مستقبل الشعر فى الوطن العربي؟
أخشى أننا نعيد ما تمت كتابته بالفعل، وكنت أظن أن حالة التشظي والسيولة التي نعيشها جميعا ستفرز ما هو أوقع وأعمق من هذا،ولكنها ببساطة لم تفرز شيئا يذكر، الا بعض الأصوات الشابة المبشرة التي مازالت تتلمس طريقها ولم تتبلور تجربتها بعد.
لماذا لم تعد دور النشر حريصة على نشر دواوين الشعر مثل الرواية والقصة؟
أقول الصدق من واقع تجربتي في نشر ديواني الأول، لقد أصبح الشاعر كالمتسول أمام دور النشر التي تتكرم على الشعراء بإصدار ديوان أو ديوانين كل عام بدافع التنوع ليس إلا. الناشر في النهاية تاجر يبتغي الربح في المقام الأول، ولأن الشعر فقد جمهوره، لم يعد يحقق له أية أرباح فضلا عن الخسارة لذا يفضل استثمار أمواله في كتب تحقق له مبيعات أكثر.
إلى أي مدى أثّر أسلوبك كشاعرة في كتابتك للرواية من حيث اللغة والأسلوب؟
لقد تأثر أسلوبي في الكتابة والترجمة وحتى في حديثي بالشعر. وهذا طبيعي، فالرواية تمتلئ بمقاطع شعرية لي ولشعراء آخرين مثل أمل دنقل ومحمود درويش، أيضا انسحب الحس الشعري على سردي بأكمله.
ما طموحاتك؟
أن ترقى الكتابة العربية لمستوى العالمية.
ما جديدك؟
أكتب الآن رواية جديدة، وهي في مرحلة التشكل، وأنا سعيدة جدا بما كتبته فيها إلى الآن. وعلى مستوى الشعر هناك بعض القصائد بعد ديواني الأول الذي لم ينشر بعد، إلى أن تكتمل، وهو ما لا يمكن تحديده في الشعر بالذات. أما على مستوى الترجمة فأعمل على مراجعة الرواية التي انتهيت منها بالفعل وبقي أن أجهزها للنشر
القاهرة – شروق مدحت:
فى بداية رحلتها مع عالم القصة القصيرة حصلت على جائزة “رامتان “لأفضل قصة قصيرة 2005، وما أن اخترقت عالم الرواية حتى استطاعت أن تحصل على جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي فى الرواية لعام 2017، ولم تكتف بذلك فحسب بل اقتحمت عالم الشعر والترجمة، فأبدعت فيهما أيضا.
عن روايتها الفائزة “فيدباك “ومشوارها الأدبي، ورؤيتها للساحة الثقافية، التقت “السياسة “الكاتبة سناء عبد العزيز فى هذا الحوار:
ما المغزى من كتابتك لهذه الرواية؟
بدأ الأمر معي بفكرة التقييم سلبا وإيجابا، سواء للذات أوللآخر، تلك الفكرة التي أفضت بنا إلى نتيجة تستحق التوقف، وهي قبول أو رفض الذات أوالآخر، ولأن الرفض نفي واستبعاد،أي نفي للإنسان، وجدتها أولى بالتناول. لقد بدت لي فكرة تقييم الإنسان لمجمل حياته قاتلة، وبخاصة حين يضع، وهو في منحى عمري آخذ في الهبوط، نجاحاته وخسائره في كفتي ميزان، رغم أن الخسائر قد تكون محض ضربة قدر، وفي الرواية طرحت الفكرتين معا، وتولدت منهما تقييمات شتى وصلت لخلق الإنسان والأنثى على وجه الخصوص.
ما أبرز الرسائل والسمات التي تحملها الرواية؟
أجد أن كل قارئ عليه أن يجد بنفسه الرسائل التي يحملها العمل، ولا يروق لي طرح رسائلي ككاتب بعيدا عن النص، أقول هذا لأني أحيانا أتفاجأ بقراءة تناولت رؤية ما أقنعتني، فهي بالفعل مطروحة بين ثنايا السرد وإن لم أنتبه إليها، وهذا معناه أن الكل أكبر من مجموع أجزائه.
مفهوم الإنسان الكامل
“فيدباك” محاولة للبحث عن مفهوم الإنسان الكامل، كيف يمكن تحقيق ذلك المفهوم؟
قد يبدو الكلام مناقضا لبعضه أحيانا، فقد يكون البحث المتواصل عن الإنسان الكامل من دون الوصول لنتيجة ملموسة بمثابة اعتراف بعدم وجوده، فكما ذكرتُ أن تقييم الآخر والذات كلاهما مضلل، فلم يخلقنا الله من بللور،بل خلقنا من طين الأرض، بنفائسه وخبثه.
لماذا رمزت لأبطال روايتك بالأحرف بدلا من الأسماء؟
بالنسبة لي، الأسماء تعين مسماها، تحدده على وجه الحسم، فحين أشير لشخص بأنه فلان، فقد حددت من هو فلان، أما الحروف فهي من زاوية لا معنى لها، ومن زاوية أخرى قد تحمل دلالات عدة.
ما السبب وراء ظهور البطلة وكأنها تتأرجح بين واقعها وبين العالم الإفتراضى؟
طرحت البطلة تحت مُسميين، في العالم الافتراضي هي “سين”، وفي الواقع هي”بُنْأَة”.ولأن لها حضورا في العالمين أحدهما يتعلق بتفاصيل حياتها، والآخر بطبيعة عملها، ومع توزيع مهامها بين عالمين محتشدين بعدد مهول من البشر، بدت كما وصفتِها تتأرجح بين عالمين.
•ما العلاقة التي تجمع بين “بنأة “و”قهر” و”أحمر” و”دقدق”؟
– العلاقة مطروحة في الرواية حيث تجمعهم علاقة أخوة، فالنزاع الأول كان بين أخين، والنزاع الذي احتل السواد الأعظم في الرواية كان نزاع الذات مع نفسها من جهة، ثم مع الجميع،في صورة الأخوات.
هل ساعد استخدام صيغة الراوي على النجاح والانتشار بين الجمهور؟
ربما، وإن أزعجني مفهوم السيرة الذاتية وتحدث البعض عن البطلة وهو يشير إليَّ. ولكنها كانت الصيغة الوحيدة بالنسبة لكل الأصوات المطروحة ولم أجد مفرا منها.
توازن
كيف استطعت التوزان بين اللغة الشاعرية والفصحى والعامية فى جميع أحداث الرواية؟
هذه لغتنا جميعا في حواراتنا اليومية، فنحن نمزج الفصحى بالعامية في كلامنا وأحيانا على مستوى الجملة الواحدة. ولأن الشعوب، المدن،القرى،الأحياء تنتج لغتها، وأصحاب الحرف والمهن لهم لغتهم الخاصة بهم، وحتى على مستوى البيت الواحد، والفرد داخله. سنجد أننا نحن أمام تشعب لا نهائي لا يحتاج لكثير من المشقة، مادمت أنت خليطا من كل هؤلاء فحين تترك نفسك على سجيتها تجدها تكتب كما تتحدث تماما.
ما أبرز الصعوبات التي واجهتك في كتابة الرواية؟
تعدد الأصوات، لقد حاولت في البداية فرض صوتي وفشلت، وفرضت الجموع أصواتها واحتلت أماكنها رغما عني.
ماذاعن كواليس كتابتها؟
حدث لي شيء عجيب في كتابة “فيدباك” وهو أني كنت أتوقف بدافع التعب ليس إلا، وبمجرد أن استيقظ في اليوم التالي كنت أواصل الكتابة.
ولا أظنني سأكتب أي عمل آخر بمثل هذه السرعة. لقد بدت الأحداث مكتملة في ذهني منذ اللحظة الأولى، وجاءت مرحلة الانتقاء والحذف والتقديم والتأخير لبعض الأحداث والتي استغرقت مني بعض الوقت. لقد حذفت أكثر من نصف الرواية تقريبا في مرحلتها الأخيرة بمنتهى الحسم.
لماذا وقع الاختيار تحديد على “فيدباك “عنوانا للرواية؟
لأنه عنوان الرواية، في البداية لم يبد لي واضحا، لكن كلما توغلت في السرد برز بقوة ليبلور هذا الخليط العجيب من البشر والأحداث والمواقف.
غالبًا تكون الرواية الأولى واقعة تحت سطوة ذاكرة المبدع، فهل حدث هذا معك؟
يحدث هذا دائما بالفعل، مخزن الذاكرة يعمل طيلة الوقت ويلقي بأحداث ومواقف وشخوص على السطح ولا أجد غضاضة في الاستعانة به، فلكل تجربة إنسانية فرادتها.
إلى أى مدى أثرت دراستك على عملك الروائي؟
تأثرت بالطبع بدراستي للغة العربية،سواء في تعليمي الجامعي أو في الدراسات العليا، كما تأثرت بدراستي للترجمة التي احتلت السواد الأعظم من الرواية وسربت الكثير من الكلمات الإنكليزية حتى عنوان الرواية.
•متى بدأت مشوارك مع الشعر؟
– منذ أن بدأت الكتابة في الثامنة أو التاسعة، قرأت ديوانا لأمل دنقل وكان له أبلغ الأثر في كتابتي.
•الأدب والشعر، أيهما الأقرب إليك؟
– لو تم سؤال أي شاعر هذا السؤال ما تردد في الاختيار، الشعر هو الصرخة الوحيدة التي مازالت بكامل عنفوانها رغم كبوته في الفترة الأخيرة، وعلى مر التاريخ سنجد أن أعظم الروائيين بدأوا بالشعر وتمنوا لو استطاعوا إليه سبيلا.
كيف جاء حصولك على جائزة رامتان لأفضل قصة قصيرة 2005؟
تقدمت للجائزة منذ 13 عاما بايعاز من زوجي، وكانت بقصة قصيرة وتفاجأت بهم يبلغوني بالفوز بالجائزة، فلست بقاصة وربما تكون تلك أول قصة أكتبها كاملة وأتقدم بها لمسابقة، بعدها انقطعت تماما عن الكتابة ولزمت البيت.
ماذا عن فوزك بالمركز الأول بجائزة “الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي” 2017؟
كان حدثا مهما ومفاجئا هو الآخر وبخاصة أني لم أطرح نفسي كروائية مطلقا، لذا تفاجأت مثلما تفاجأ الجميع.
كيف تلقيت حصول روايتك “فيدباك “على الجائزة؟
تسمرت في مكاني حين هاتفوني، وبمجرد أن انتهت المكالمة رحت في نوبة من البكاء من شدة المفاجأة. ثم كانت المفاجأة الثانية بحصولي على المركز الأول وأنا في السودان.
ما أهم القضايا التي تشغلك؟
لا أكثر من الذات، الإنسان الذي في أغلب الأحيان لا ينتبه لوجيعته رغم أنه يجرها خلفه أينما حل، هو الذي يعيش ويموت في محاولة للقبض على حقيقته وسبل تناقضاته،وفي الأغلب الأعم لا يصل لشيء.
هل ستظل المرأة ومشكلاتها القاسم المشترك فى جميع إبداعاتك المقبلة؟
منذ ربع قرن،ما كانت تؤاخذ عليه المرأة شاهدته يتبدل أمام عيني بارتفاع مستوى الوعي حتى على مستوى الأحياء الشعبية، ولم يعد الآن موضع مؤاخذة. لكننا بإزاء مشكلة كبيرة، فالمرأة التي تغير وضعها للأفضل مازالت تشعر بنفس المعاناة وكأن شيئا لم يحدث. ولأني مثل كل امرأة عانيت من تلك التجربة وتفاجأت بأصنام من كل مكان حولي،في البيت والشارع والعمل، وإن لم استسلم لها، فقد خلفت ركاما من المرارات والتحسب والحذر، لذا أجدني مهتمة بخصوصية تلك التجربة وزخمها ورصدها، والتساؤل عن خسارتنا جميعا بالاستخفاف بمعاناتها وهدر طاقتها المتواصل وإن كان ما يعنيني في المقام الأول الإنسان على وجه العموم، ذكرا كان أو أنثى.
ما تقييمك للواقع الثقافي في الوطن العربي؟
يدعو للأسى، لقد طاله الفساد والتسطح والابتذال والركاكة والسيولة والتنطع وكل الأمراض التي طالت كل شيء.
إلى أي مدى يؤثر الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي على قراءة الكتاب الورقي؟
إلى مدى كبير، وبخاصة مع ارتفاع سعر الكتاب الورقي، والمشكلات الاقتصادية التي تواجه القارئ، فضلا عن مشكلات النشر وتأثيرها على الكاتب، فلم يجد البعض مفرا من طرح نتاجه على مواقع التواصل، وهو سلاح ذو حدين، فرغم توفيره لجمهور من القراء يعرب عن إعجابه، ويعمل كتعزيز فوري للمبدع، فقد أوقعت الكاتب في فخ الاستسهال ما جعل النص أقرب للوجبات السريعة.
هل من الضروري أن يعيش الشاعر حالة وجدانية معينة ليبدع؟
أمر طبيعي أن يكون هناك محرك للكتابة، ومعظم ما كتبته سبقته حالات اضطراب وانسحاب وتناقض واكتئاب، ثم تدفقت الكتابة عقب كل حالة.
كيف ترين مستقبل الشعر فى الوطن العربي؟
أخشى أننا نعيد ما تمت كتابته بالفعل، وكنت أظن أن حالة التشظي والسيولة التي نعيشها جميعا ستفرز ما هو أوقع وأعمق من هذا،ولكنها ببساطة لم تفرز شيئا يذكر، الا بعض الأصوات الشابة المبشرة التي مازالت تتلمس طريقها ولم تتبلور تجربتها بعد.
لماذا لم تعد دور النشر حريصة على نشر دواوين الشعر مثل الرواية والقصة؟
أقول الصدق من واقع تجربتي في نشر ديواني الأول، لقد أصبح الشاعر كالمتسول أمام دور النشر التي تتكرم على الشعراء بإصدار ديوان أو ديوانين كل عام بدافع التنوع ليس إلا. الناشر في النهاية تاجر يبتغي الربح في المقام الأول، ولأن الشعر فقد جمهوره، لم يعد يحقق له أية أرباح فضلا عن الخسارة لذا يفضل استثمار أمواله في كتب تحقق له مبيعات أكثر.
إلى أي مدى أثّر أسلوبك كشاعرة في كتابتك للرواية من حيث اللغة والأسلوب؟
لقد تأثر أسلوبي في الكتابة والترجمة وحتى في حديثي بالشعر. وهذا طبيعي، فالرواية تمتلئ بمقاطع شعرية لي ولشعراء آخرين مثل أمل دنقل ومحمود درويش، أيضا انسحب الحس الشعري على سردي بأكمله.
ما طموحاتك؟
أن ترقى الكتابة العربية لمستوى العالمية.
ما جديدك؟
أكتب الآن رواية جديدة، وهي في مرحلة التشكل، وأنا سعيدة جدا بما كتبته فيها إلى الآن. وعلى مستوى الشعر هناك بعض القصائد بعد ديواني الأول الذي لم ينشر بعد، إلى أن تكتمل، وهو ما لا يمكن تحديده في الشعر بالذات. أما على مستوى الترجمة فأعمل على مراجعة الرواية التي انتهيت منها بالفعل وبقي أن أجهزها للنشر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق