بقلم :محمد صلاح عبد الجواد
في مطلع الشهر الحالي، أعلن «هوارد شولتز» الذي كان يترأس شركة القهوة الشهيرة «ستاربكس» أنه سوف يستقيل رسميًّا يوم 26 يونيو (حزيران) الحالي من مجلس إدارة الشركة بعد أن كان مديرها التنفيذي، ثم رئيسها منذ عام 1986. وبهذا القرار فتح شولتز الباب على مصراعيه أمام وكالات الأنباء العالمية للتكهن بأن هذا القرار جاء من أجل الاستعداد لخوض الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة 2020.
وبنت وكالات الإعلام هذه التكهنات بناءً على انخراط شولتز في العمل السياسي مؤخرًا، من خلال دعمهلمرشحي الحزب الديمقراطي كما فعل مع «هيلاري كلينتون» في عام 2016، وهذا قد يشير إلى أن على الرغم من كون شولتز يتبع نموذج السياسي الوسطي المستقل، إلا أنه قد يترشح على بطاقة الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية.
وفي واقعة أخرى، صرح هاورد شولتز لصحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، وقال: «أنا أريد أن أكون صرحيًا دون التصريح بأي عناوين تكهنية، في الفترة الأخيرة أصبحت قلقًا على الدولة والانقسام الذي نعاني منه داخليًّا، والانقسام السياسي في العالم، من الأشياء التي سوف أفعلها هي أنني سوف أحاول أن ألعب دورًا لحل تلك الأزمات»، ولم ينفِ شولتز أي أسئلة تبحث عن إجابات صريحة بشأن ترشحه للانتخابات، مما يزيد من احتمالية ترشحه مستقبلًا، ولكن ماذا يحدث إن ترشح هاورد شولتز في الانتخابات القادمة؟
كيف أصبح رئيس «ستاربكس» الخيار المفضل لليبراليين في مواجهة ترامب؟
في سابقة هي الأولى من نوعها، وصل دونالد ترامب من خلال الحزب الجمهوري إلى منصب رئاسة الولايات المُتحدة، ليكتب سطرًا جديدًا في تاريخ السياسة الأمريكية؛ كونه أول رئيس دون خلفية أو خبرة عسكرية أو سياسية؛ فدونالد ترامب لم يسبق له الخدمة في الجيش الأمريكي، أو تقلد منصب في الجهات السيادية الأمريكية الثلاث (التشريعية، أو التنفيذية، أو القضائية).
وفي الواقع هذه كانت تيمة قيمة لدونالد ترامب أثناء حملته الانتخابية، من خلال استمالة عواطف الناخبين الذين سئموا من الفساد والفشل الإداري الذي يتسم به الكثير من السياسيين في الولايات المتحدة، كما رأى هو المشهد، وتشير بعض التحليلات السياسية إلى أنه على الرغم من أن تفضيلات مصوتي الحزب الديمقراطي تذهب دائمًا إلى أصحاب الخبرات الحكومية السابقة؛ فخيار شولتز قد يكون قيمًا للمصوتين الديمقراطيين هذه المرة، فضلًا عن وجود فرصة مهمة أن يكون شولتز ورقة مهمةلمواجهة دونالد ترامب، واستهداف المصوتين أصحاب الآراء السياسية المتأرجحة الذين فضلوا ترامب على هيلاري كلينتون في الانتخابات الماضية.
وقد يكون هذا مقارب للواقع لأن شولتز دائمًا يتحدث بخطاب يتسم باهتمامه بالطبقة الاجتماعية الدنيا في الولايات المتحدة؛ فهو يرى أن كل الشركات يجب أن تعطي مسؤوليتها الاجتماعية مقدار الاهتمام والتخطيط نفسه الذي تكرسه لأجل نجاحاتها الاقتصادية، وهذا هو خطاب مشابه للخطاب الذي استطاع دونالد ترامب أن يستهدف به شريحة كبيرة من المصوتين أصحاب الدخل المحدود، والتي رجحت كفته أمام هيلاري كلينتون في انتخابات 2016.
هوارد شولتز في الاجتماع السنوي للعاملين في ستاربكس بالولايات المتحدة
ولا يزال هاورد شولتز صائدًا ماهرًا محتملًا لأصوات الديمقراطيين والليبراليين، وذلك للكثير من المواقف والآراء التي تبناها تجاه الكثير من المشاكل الاجتماعية في الولايات المتحدة، مثل تأييده زواج المثليين، والقرار الذي اتخذته شركة «ستاربكس» الشهر الماضي بإغلاق جميع فروعها في الولايات المتحدة من أجل منح العمال تدريبًا ضد العنصرية بعد واقعة استقدام الشرطة مجموعة من الزبائن السود في أحد فروع الشركة بمدينة فيلادلفيا الأمريكية.
على جانب آخر، عندما قرر دونالد ترامب تقليص الضرائب على الشركات من 35% إلى 20% من أرباح الشركة؛ ثارشولتز ضد ترامب في الإعلام متهمًا إياه بتقليل أموال الخدمات التي تقدم للمواطن الأمريكي، والتي من المفترض أنها تمول من قبل الضرائب، وفي خطوة ذكية للغاية بعد قرار ترامب، قررت ستاربكس برئاسة هاورد شولتز منح العاملين في ستاربكس نصف نسبة الضرائب التي وفرها قرار دونالد ترامب للشركة، وكل هذه المواقف والقرارات دائمًا ما تقابل بحفاوة من الزبائن والمستخدمين الليبراليين، ويمكن أن نستدل على ذلك من خلال استطلاع رأي قامت به شركة «Sprout Social» لمعرفة إن كان المستهلكون في الولايات المتحدة يؤيدون فكرة إدلاء الشركات الكبيرة بدلوها في المشاكل الاجتماعية، وكانت نتيجة الاستطلاع أن المستهلكين أصحاب الفكر الليبرالي أيدوا انخراط الشركات الكبيرة في المشاكل الاجتماعية بشكل أو بآخر، بينما أبدى المستهلكون أصحاب الفكر المحافظ عدم اكتراث. ولذلك فإن هاورد شولتز أمامه فرصة كبيرة لحصد الكثير من أصوات الديمقراطيين إن ترشح في الانتخابات القادمة.
قصة النجاح والهروب من الفقر.. أداة دعائية مهمة في يد شولتز
على الرغم من أن البعض يرون أن شولتز قد يسير على خطى ترامب؛ فهو رجل أعمال شديد الثراء مثله، إلا أن قصة حياة شولتز ونجاحه تختلف تمامًا عما جرت عليه مسيرة دونالد ترامب، فلم يولد شولتز لعائلة غنية، ولم يعطه أبوه مليون دولار لكي يبدأ حياته كما حدث مع ترامب.
ولد شولتز وعاش طفولته في خمسينات القرن الماضي، في إحدى المساكن الاجتماعية التي تخصصها الحكومة للأسر الفقيرة، وقد حصلت أسرة شولتز على شقة في هذا المسكن بالأساس لأن والده الذي امتهن عملًَا في الصناعة كان من هؤلاء الذين حاربوا ضمن الجيش الأمريكي في الحرب العالمية الثانية. وفي واحدة من قصص النجاح المعتادة، استطاع هاورد شولتز الاستفادة من هواية ممارسة كرة القدم الأمريكية التي طورها في الملاعب الفقيرة بالسكن الاجتماعي من أجل الحصول على منحة كاملة للدراسة في جامعة شمال ولاية «متشجن»؛ ليحصل على درجة البكالوريوس في علوم الحاسب.
من هناك بدأت حياة الفتى الفقير في التحول إلى شكل آخر. بعد التخرج، تنقل هاورد شولتز بين الوظائف إلى أن استقر في إحدى الشركات السويدية التي تبيع المنتجات الكهربائية، وأثناء عمله مديرًا للمبيعات في الشركة لاحظ أن إحدى شركات القهوة تطلب الكثير من ماكينات القهوة، وكان الغريب أن الشركة تقع في مدينة «سياتل» في ولاية واشنطن، ولم تكن المدينة بهذا النشاط وقتها لكي تقوم إحدى الشركات الصغيرة باستهلاك هذا الكم الكبير من ماكينات القهوة، ولذلك قرر أن يذهب ويرى بنفسه ما سر نجاح هذه الشركة الصغيرة التي كانت تمتلك حوالي 11 فرعًا في المدينة.
وبعد فترة قصيرة أصبح هاورد شولتز المدير التنفيذي لشركة «ستاربكس»، وقاد كفاحًا وتجاوز الكثير من العقبات كانت أولها عدم رغبة ملاك الشركة في استخدام القهوة الخام الإيطالية وتقديمها على الطريقة الأمريكية، وهي المنتج الذي رفع مبيعات الشركة في وقت قصير، وتعود فكرته إلى شولتز، واستطاع هاورد شولتز قيادةستاربكس خلال ثلاثة عقود أصبحت فيها الشركة تمتلك ما يقرب من 30 ألف فرع، وتخدم حوالي 80 مليون مستخدم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق