علاقة محمود درويش وسميح القاسم قد تكون أحد النماذج المضيئة لهذا الصفاء الذي يمكن أن يجمع شاعرين كبيرين.
السبت 2018/07/07
شكل مفارق لطبيعة الكتابة الأدبية باعتبارها ممارسة فردية، تبرز في الكثير من اللحظات علاقات ثنائية بين الكُتاب. وفي الكثير من اللحظات قد تنتعش العلاقة بين الكاتب ونظيره أو نظيرته، إما بفعل الصداقة الحقيقية والتقاطع على مستوى نوع وأفق الكتابة والالتقاء حول قضية مشتركة ما ومشاركة نفس الحياة، خصوصا في حالة الاقتران، وإما بفعل الخصومة والجدل الفكري والتنازع حول مجد مفترض.
ولذلك، قد يتماهى الكاتبان، في الحالة الأولى، وإن كانت تبدو نادرة، في إطار صداقة شفافة، بشكل تزول معه الحدود بينهما ويصير الواحد مرآة الآخر. يفرح الأول حين ينشرح الثاني، ويتألم الثاني حينما يئنّ الأول، وإن كانت تفصلهما طرقهما في الكتابة أو ينتميان إلى زمنين مختلفين. كما قد تنحني أنا الكاتب لكي تصير طَيّعة أمام الآخر.
علاقة محمد درويش وسميح القاسم قد تكون أحد النماذج المضيئة لهذا الصفاء الذي يمكن أن يجمع شاعرين كبيرين. ولعلها العلاقة التي تُدونها بصدق رسائلُهما المتبادلة التي كانت تنشر بانتظام على صفحات مجلة “اليوم السابع″، حيث كانت الرسائل أشبه بفراشات تنقل المحبة والشوق والفرح والإحساس بالانتصار وبالهزيمة أحيانا.
وكانت تلك طريقة الشاعرين، بخلاف العادة التي تقتضي نشر رسائل الأدباء بعد وفاتهم، في الإعلان عن سمو صداقتهما المشتركة على العموم، وإن كان محمود درويش قد نبّه سميح القاسم في أول رسائله إلى أنهما لن يستطيعا قول ما لا يُقال باعتبارهما مطالبين بالعبوس وبالصدق والإخفاء، غير أنهما مع نهاية الرسائل كانا قد قالا كل شيء، كل واحد بطريقته.
ولعله من باب الصدفة أن تحتضن نفس المجلة حوارا ثنائيا، فكريا هذه المرة، كان بطلاه المفكر المغربي محمد عابد الجابري والمصري حسن حنفي. وهو الحوار الذي اتسم بقدرة كبيرة على الجدل الفكري وعلى الاختلاف وتدبيره، خصوصا اعتبارا لطبيعة الموضوعات التي تم تناولها، ومن ذلك العلمانية والأصولية والحداثة والتقليدية.
وبخلاف الأدباء الذين تربطهم صداقات أو عداوات ما بأدباء من لحم ودم، كان الشاعر البرتغالي الشهير فرناندو بيسوا حريصا منذ طفولته على تخيّل أصدقاء لم يوجدوا أبدا. وكان بإمكانه، كما يقر بذلك، أن يتبيّن وجوهَهم وقاماتهم وألبستهم وحركاتهم. بل إن بيسوا كان يتلقى رسائل من صديقه المتخيَّل الأول، شوفالي دو با، الذي خلقه منذ السادسة من عمره. ولم يكن كاتب الرسائل الحقيقي غير بيسوا نفسه. كما يعترف بذلك. بعد أكثر من ثمانين سنة على وفاته، مازال أنداد فرناندو بيسوا يعيشون بيننا، من خلال تجربة شعرية باذخة واستثنائية، اختار صاحبُها أن يتقاسم نجاحها، بكرم، مع أشخاص لم يوجدوا إلا في مخيلته.
يبقى أن انخراط عدد من الأدباء والكتاب في ثنائيات، بمعزل عن طبيعتها المسالمة أو المُشاكسة، تبدو أكثر رأفة على الإبداع، مقارنة مع الانتماء إلى الجماعات الذي يمكن أن يأتي على الكاتب وعلى إبداعه.
حسن الوزاني
كاتب مغربي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق