“إن الإسلام السياسي ليس الناتج التلقائي لقوى الإيمان الديني الحقيقي لدى شعوب هذه المنطقة، بل إنه حالة تمّ بناؤها بجهدٍ دؤوب من قِبل الإمبريالية، وطبعاً بتأييد من القوى الظلامية الرجعية والطبقات الكومبرادورية التابعة.”        د. سمير امين                                                                           
ما مقصودٌ بالدراسة هنا هو التمكين الإقتصادي، ومن ثم الرأسمالي، ومترتباته. فهو كممارسة تترتب عليها اوضاع إجتماعية وكذلك سياسية. عرفته المجتمعات البشرية منذ وقت طويل. ويمكن ان يؤرخ له بالظهور الاول للتراكم الاقتصادي في شكله البدائي، الذي وفي مجرى تحولاته النوعية أدى إلى ظهور الطبقات في تاريخ المجتمعات البشرية. ذلك التاريخ، الذي لم يعد ومنذها، سوى تعبير مباشر لصراع الطبقات التي خلقها التراكم الاقتصادي عبر مسيرته التاريخية الطويلة. وهي مسيرة عمدتها الدماء وعمدها كذلك الحرمان الغاشم الذي اصاب السواد الاعظم من البشر. كان التمكين، وبكل اشكاله، وإن إختلفت درجاته، هو الاداة الفاعلة والحاسمة في الفرز، وفي الصراع الطبقي على طول التاريخ البشري.
هذا المدخل النظري والتاريخي المختصر مهم حين النظر في امر “التمكين” الذي مارسته حركة الاسلام السياسي، أي الاسلام الحركي، بوجه عام، وفي السودان على وجهة الخصوص، وذلك لان الحركة الاسلامية السودانية وصلت بالتمكين إلى نهاياته المرتجاة، والمتمثلة في إقامة دولة توفرت لها وفيها كل اسباب الدولة التي تقوم على التمايز الطبقي، وذلك من تفاوت إقتصادي فاحش، وفرز إجتماعي عميق ومن ثم إنشاء أدوات مؤسسية للقمع معززة لذلك الفرز، تمثلت في اجهزة امنية وتشريعات قانونية مستبدة، ظالمة ومنحازة، ومنتجة للفساد على كل الأصعدة!.  
إن فكرة “التمكين” التي لازمت نشوء الاسلام الحركي في منطقة الشرق الاوسط لم تكن في مبتداها سوى مشروع تمّ الاعداد والتخطيط له بشكل مدروس من قبل قوى الاستعمار الحديث، اي بالتحديد من قِبَل الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا، وذلك في الربع الاول من القرن العشرين، حيث كانت اول اتفاقية بين بريطانيا والنظام الملكي السعودي، وذلك في العام 1915.
كانت القوتان، بريطانيا والولايات المتحدة، تعلمان ان حليفهما في المنطقة، وهو النظام الملكي السعودي، بعقيدته الوهابية القروسطية تلك يحتاج الى تبني وتوظيف، وبالتالي إلى سند، قوى حركية اخرى لها القدرة على تقمص اسلام سياسي يستطيع ان يُضْعِف، هذا إن لم يتمكن من صد المد الوطني والديمقراطي، الذي كان متوقعٌ له ان يسود كامل المنطقة، بعد ان يتم إستقلالها وتحرر شعوبها، وبعد ان يتم القضاء فيها على الاستعمار بشكله التقليدي المعروف. يرجع الكاتب “روبررت دريفوس” بالتوثيق لهذا المشروع إلى تاريخٍ ابعد من ذلك حيث يقول، “إنه وفي خلال نصف القرن الممتد من 1875 والى 1925 ثبتت الامبراطورية البريطانية الدعائم التي قام عليها اليمين الاسلامي. وتحت رعايتها كذلك تمكن الافغاني (يقصد جمال الدين الأفغاني – الكاتب-.) من خلق الاساس الفكري لحركة التوجه الاسلامي، وذلك بمساندة المستشرق البريطاني إي جي براون، والذي هو الآخر وبمساعدة القنصل السامي في مصر، ايرفنج بيرنج اللورد كرومر، تمكن من المساهمة في تأسيس الحركة السلفية، واليمين المتطرف والحركة الاصولية التي لا تزال موجودة إلى اليوم”.( روبررت دريفوس، لعبة الشيطان، ص 20-21)
لابد من الوقوف هنا قليلاً، اي ولو عرضاً، لتاكيد ان الكثير من الوثائق التي حصل عليها الباحثون أشارت إلى موضوعة تعاون جمال الدين الافغاني الإستخباراتي مع كل دول الغرب الاستعماري، بريطانيا وروسيا والولايات المتحدة والمانيا. وقد جرى إرث التعاون الاستخباري ذلك مجرى الدم في حركة الاسلام السياسي، بشكلٍ عام ودونما إستثناء، إلى يومنا هذا!. وتقصي التاريخ يعضد ذلك وبما لا يدع مجالاً للشك.
زار سعيد رمضان، القائد الإخواني والاسلامي المعروف، وزوج بنت حسن البنا، في صيف عام 1953 البيت الابيض في واشنطن بترتيب مسبق حيث إلتقى بالرئيس إيزنهاور، ولم يتعدَ عمره وقتها 27 عاماً. وصفه سفير الولايات المتحدة في تقييم سري على انه”حليف مبشر”، (دريفوس، سابق، ص 73). ونعتته التقارير السرية للسلطات السويسرية، كذلك، بانه عميل للامريكان!. 
وعلى نفس نسق الإرتباط بدوائر الاستخبار الغربية، كان الكثير من رجالات الدين في مدينتي النجف وكربلاء مدرجين ومسجلين في قوائم مرتبات واجور المخابرات البريطانية.( نقاش، إيزاك، الشيعة في العراق، ذكره دريفوس، سابق، ص 177). وفي تلك المواقع الشيعية المعروفة في العراق كان المهد لبروز المساهمات الفكرية الجادة حول الاقتصاد السياسي للاسلام السياسي، وإذ يعتبر كتاب السيد محمد الباقر الصدر المعروف بـ “إقتصادنا” هو الاهم من بين تلك المساهمات.
 وفي فلسطين كان الحاج امين الحسيني، الذي ايَّد النازية في وقتٍ من الأوقات، كان متعاوناً مع المخابرات البريطانية وانتهى بفضل التمويل السعودي إلى مربع العداء العميق لحركة التحرر والتقدم العربية. امتد ذلك العهد والسجل من التواطوء ليشمل فيما بعد حركة المقاومة الاسلامية (حماس)، وهي احدى تنظيمات الاخوان المسلمين في المنطقة، “حماس فرع من الاخوان نعم”، كانت تلك إجابة القيادي الاخواني العالمي “يوسف ندا” على سؤال الصحفي شارل فؤاد المصري، (فؤاد المصري، شارل، أسرار حياة يوسف ندا، الأب الروحي، س63)  ومعلومٌ، أن تاسست حماس ونمت تحت سمع وبصر قوات الإحتلال، حيث منحت حكومة مناحيم بيقن في عام 1978 التصديق لاحمد يسين مؤسس (حماس). وقد ذكر ديفيد شبلر الصحفي في صحيفة النيو يورك تايمز بان الجنرال ايزاك سيجيف، الحاكم العسكري لقطاع غزة، قد اخبره بانه يقوم بتمويل الحركة الاسلامية الفلسطينية، لانها الوحيدة القادرة على تعطيل وشل حركة منظمة التحرير الفلسطينية، (شيلر، ديفيد، العرب واليهود: الروحانيات الجريحة في ارض الميعاد، ذكره دريفوس سابق، ص 196-197).
و”يوسف ندا” الوارد إسمه اعلاه، هو القيادي في التنظيم الدولي للاخوان المسلمين، ومسئول العلاقات الخارجية فيه. وهو مؤسس بنك التقوى التابع لذلك التنظيم الدولي في باهاما، ويملك 25% من اسهمه، “وصفته وسائل الاعلام بالرجل الغامض..كما وانه ليس مجرد رجل اعمال مشهور او رئيس لبنك التقوى الذي اتهمه رئيس الولايات المتحدة بدعم الإرهاب، ولكنه لعب طوال الـ 25 سنة الماضية دوراً مهماً في جماعة الاخوان المسلمين”.( فؤاد المصري، شارل، سابق، ص 13) 
 و”يوسف ندا” هذا، هو نفس الشخص الذي كتب عنه المحامي والقيادي الاخواني المصري السابق “ثروت الخرباوي قائلاً، “وكان من تخطيط المخابرات الامريكية لدعم الثورة الإيرانية التي اطلقوا عليها “الإسلامية” ترتيب لقاء بين الخميني الذي كان في منفاه في فرنسا، وبين بعض قيادات الاخوان المسلمين، كان على رأسهم “يوسف ندا” رجل المخابرات البريطانية صاحب الأدوار العالمية الغريبة التي كان يتحرك لها باوامر من قياداته في المخابرات.”( الخرباوي، ثرروت، أئمة الشر، الإخوان والشيعة امة تلعب في الخفاء، ص 31).
وفي إيران يرجع تعاون “ايات الله”، إن كان اولئك الذين في مدينة قُم او في المدن الإيرانية الاخرى، يرجع تعاونهم مع مخابرات الغرب إلي نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، ومن ثمَّ امتد ذلك التعاون إلى ما بعد ذلك، “إن القادة رجالات الدين واسلامي الجناح اليميني الذين اسقطوا الشاه في عام 1979، هم انفسهم الذين دفعت لهم وكالة المخابرات المركزية الاموال في عام 1953 لاجل دعمه”( دريفوس، سابق، ص 109). وقد كان اية الله ابو القاسم كاشاني، الاب الروحي لآية الله الخميني، هو الرجل الاول لوكالة المخابرات المركزية في حملة الانقلاب على نظام رئيس الوزراء الأيراني المنتخب دكتور مصدق وإزاحته لأجل اعادة وتثبيت الشاه!.
وفي افغانستان، حيث كانت حرب المجاهدين بالوكالة، والتي كلفت اكثر من ثلاثة بلايين دولار، كان اشرس قادتها، حكمتيار وعبد الرسول سياف، يعملان ويتعاونان بشكل لصيق مع وكالة المخابرات المركزية التي كانت تقوم بتمويلهما بالاشتراك مع المملكة السعودية مناصفةً!. ولقد كان الوليد الشرعي لذلك التعاون هو دولة طالبان!، التي اضطرت الولايات المتحدة، فيما بعد، لاقتلاعها إقتلاعاً بموافقة المملكة السعودية، ايضاً!.
 لم تحد الحركة الاسلامية السودانية، في ظل سلطتها الحالية، سلطة الإنقاذ، لم تحد عن ديدن وعن تاريخ تبعية الإسلام الحركي لدول الغرب، وتحديداً امريكا،!، وخاصة بعد ان اصبحت الوكيل الرسمي لوكالة مخابراتها المركزية في المنطقة. وقد حدث، وفي إطار تلك التبعية، ان حضر مدير جهاز الامن السوداني “صلاح قوش” على متن طائرة خاصة تابعة لوكالة المخابرات في يوم 17 ابريل 2005، ومكث حتى 22 ابريل 2005، ليقدم ما عنده، وليحتفي بما انجزه، وليؤكد ايضاً قيامه بما هو مطلوب منه تنفيذه. كتب “إسكوت شين” في صحيفة النيويورك تايمز عن تلك الزيارة قائلاً، “إن زيارة صلاح عبد الله قوش للتشاور مع وكالة المخابرات المركزية في هذا العام، اراد بها مسؤولو المخابرات الامريكان رد الجميل لتعاون السودان منذ حدوث الهجمات في 11 سبتمبر 2001، وذلك لقيامه باعتقال كل الإرهابيين المشبوهين وكذلك لتوفيره لكل المعلومات عن تنظيم القاعدة.” (شين، إسكوت، نيويورك تايمز، 18 يونيو 2005). 
إن جزءاً كبيراً مما ورد اعلاه قد يكون ان أجمله المفكر سمير امين بشكلٍ حصيف واكثر تركيزاً في قوله، “ونعرف تاريخ الاخوان المسلمين الذين خلقهم الاستعمار البريطاني والملكية في مصر في العشرينيات لقطع الطريق على الوفد الديمقراطي العلماني. ونعرف تاريخ عودتهم بالجملة من منفاهم في السعودية، بعد وفاة عبد الناصر،على يد وكالة المخابرات المركزية والسادات. ونعرف تاريخ طالبان الذين جندتهم وكالة المخابرات المركزية لمحاربة “الشيوعيين” الذين فتحوا ابواب التعليم امام جميع الصبيان والبنات في افغانستان. ونعرف ان الإسرائليين دعموا حماس في بدايتها لإضعاف التيارات الديمقراطية والعلمانية في المقاومة الفلسطينية.” (أمين، سمير، سابق، ص 23).
وبالتالي فإن كل التعاون الاستخباري الكامل والعمل لصالح اجهزة المخابرات الغربية المدرج تفصيله اعلاه، ماهو إلا استحقاق تاريخي، يقوم به الاسلام الحركي رداً ليدٍ سلفتْ وإقراراً لدَيْنٍ ما زال يجري، ويظل على الدوام واجب السداد!.
و”التمكين” هو ذلك الدَيْن المستحق/
تبنتْ الدوائر الغربية ورعتْ حركة الاخوان المسلمين منذ البداية. كانت شركة قناة السويس البريطانية، هي التي قامت بتمويل ورعاية نشاط حسن البنا ليؤسس جماعة “الأخوان المسلمين”، راس رمح الإسلام الحركي او الاسلام السياسي المعاصر، الذي كاد ان تطبق على المنطقة. كان تاكيد هذه المعلومة المهمة، ولزمنٍ طويل، معتمدٌ في مرجعيته على كتابات ومساهمات باحثين واكاديمين غربيين، إلا ان امر ذلك التأكيد الآن لم يعد قصراً على اولئك البحاثة من امثال “ريتشارد ميتشيل” صاحب الكتاب المشهور، “تنظيم الاخوان المسلمين”، او “روبرت دريفوس” صاحب الكتاب الأكثر شهرةً والمعروف باسم “لعبة الشيطان”، والذي حظيَّ باتفاقٍ عريض على المجهود البحثي الرفيع الذي بذله الكاتب في تجويده.
 فقد كفتْ مهمة تاكيد الارتباط المشبوه عن الإتيان من دائرة الباحثين الغربيين لتجيئ مؤخراً من داخل حركة الاسلام السياسي نفسها، ومن مفكرين وكتَّاب كان ان إرتبطوا بها، جعلتهم الحقائق المذهلة التي وقفوا عليها يفيقون من غيبوبتهم، ليعرُّوا الزيف والخداع الذي مارسته وما زالتْ تمارسه حركة الاسلام السياسي باسم الدين.
كتب المحامي المصري والاخ المسلم السابق “ثروت الخرباوي” قائلاً، “وقد كانت جماعة الاخوان اكبر خديعة تعرض لها الشعب المصري عبر تاريخه، ولكن الخديعة لا تدوم.”( الخرباوي، ثروت، سابق، ص 59)
أقرَّ مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا في كتابه “مذكرات الدعوة والداعية”، وكما اشار الخرباوي، بانه استلم مالاً من شركة قناة السويس، اي من البريطانيين، لاجل دعم مشروع بناء دار للجماعة ومدرسة، وذلك في مدينة الاسماعيلية. وقد احتج حسن البنا على قلة المبلغ المدفوع للجماعة، وهو 500 جنيهاً، حينما قارنه بمبلغ الـ 500 ألف جنيه الذي اعتمدته نفس الشركة لاجل بناء كنيسة، وفي نفس المدينة!. وهنا اود ان اقتطف مقطعاً، قد يبدو مطولاً، من كتاب “ثروت الخرباوي”، الذي كتب متسائلاً ومستفسراً فيه حول ما قال به حسن البنا عندما دعاه مدير شركة قناة السويس “البارون دي بنوا “، إذ قال البنا: “فوجئت بعد ذلك بدعوة ثانية إلى مكتبه، فذهبت إليه فرحب بي ثم ذكر لي أن الشركة إعتمدت مبلغ خمسمائة جنيه مصري للمشروع، فشكرت له ذلك، وافهمته ان هذا المبلغ قليلٌ جداً، ولم يكن منتظراً من الشركة تقديره لانها في الوقت الذي تبني فيه على نفقتها كنيسة نموذجية تكلفتها 500000 خمسماية الف جنيه اي نصف مليون جنيه تعطي المسجد خمسمائة جنيه فقط، فاقتنع بوجهة نظري واظهر مشاركتي فيها ولكنه اسف لان هذا هو القرار، ورجاني قبول المبلغ، على انه إذا استطاع ان يفعل بعد ذلك شيئاً فلن يتأخر…….
والذي يلفت النظر في هذه الفقرة التي رواها لنا حسن البنا، ان مبلغ التبرع كان قدره خمسمائة جنيه مصري، اي ما قيمته وقتها خمسمائة وخمسة جنيهات من الذهب، هل تعلمون كم يوازي هذا المبلغ الآن وفقاً لسعر الذهب؟ يساوي مليوناً ونصف مليون تقريباً! في الوقت ذاته فإن ما ذكره البنا عن قيمة تبرع الشركة لبناء كنيسة هو من الامور التي بثها في مذكراته حتى يُسيغ لنفسه ـ امام الناس في الحال والإستقبال ـ قبوله هذا التبرع من محتل وضع يده على البلاد قهراً، إلا انه وقع في مبالغة ممجوجة حينما ذكر ان الشركة تبرعت لكنيسة بنصف مليون جنيه، وهو مبلغٌ تُبْنى به وقتها مدن كاملة، ويبدو انه عقد هذه المقارنة ليهون بها من قيمة المبلغ الذي تلقاه وقلة اثره، حتى إنه ان احد المتبرعين تبرع للمسجد بخمسمائة جنيه ايضاً، وكأن هذا المبلغ كان متوافراً لدى عموم الناس يدفعونه لانه من فضل اموالهم! إذن ما الذي دعاه إلى ذكر قصة هذا التبرع “المشبوه”؟  لم يذكر البنا هذه القصة الا لانها كانت حديث الساعة في مدينة الاسماعلية، تحدث بها كل الناس، وحدث بين الاخوان بسببها شقاق ادى إلى انشقاق  بعض الاخوة الذين انضموا للجماعة، فكان على البنا ان يكتبها ـ ما دامت قد اصبحت معروفة ـ بطريقة تبرئة، فكانت طريقة سرده تبدو وكأنه يدافع عن نفسه.
ولكن السؤال المهم هو: منْ الذي عرض التبرع؟ هل الشركة هي التي عرضته تلقاء نفسها حباً في فعل الخير؟! أم ان حسن البنا هو الذي طلب ذلك  وقدمّ من اجل هذا رسماً هندسياًً شفعه بالطلب؟
الإجابة نلجأ فيها للمنطق والإستقراء، فاذا كانت الشركة هي التي بادرت بالتبرع دون ان يقدم لها البنا طلباً بذلك لكان عليه وفقاً للخلق القويم ان يقبل التبرع دون ان يعاتب المتبرع بقلة التبرع، ودون ان يعايره بأنه تبرع في موضع آخر بمبلغ اكبر، هذا امر لا يحدث ابداً في هذا الظرف الإنساني، ولكن المساومة التي حدثت لا تكون الا عندما يكون هناك عرض يتدارسه طرفان، يقول احدهما للاول سادفع لك مبلغاً قيمته كذا، فيقول الثاني للاول هذا مبلغ بخس لا يكفي للمطلوب الذي ساقدمه لك، وتنتهي المساومة بوعدٍ بدفع مبلغٍ آخر في المستقبل.” (الخرباوي، ثروت، سابق، ص 64-66) ( إنتهى الإقتطاف)
وهكذا لم نعد في حاجة “للغرباء” لإثبات النسب المشبوه بين الاسلام الحركي ودوائر المخابرات الغربية!.    
واما فيما بعد، فقد اوكلت بريطانيا والولايات المتحدة الامريكية امر رعاية الإسلام الحركي ودعمه للمملكة العربية السعودية. وذلك في غضون الصراع، عبر مراحله المكشوفة وغير المكشوفة، بين حركة الاسلام السياسي، من جهة، والقوى الوطنية وحركة الاستنارة في المنطقة، من جهة أخرى.
اصبحت ارض المملكة السعودية، ومنذ بدايات النصف الثاني من القرن العشرين، هي الملجأ لقادة وكوادر الاسلام السياسي، أي الإسلام الحركي. وقد شهد تلك الفترة اهم واعظم حدث وسم تاريخ المنطقة، وكان له إنعكاسه على مستوى العالم، وهو النهوض الاقتصادي للاسلام السياسي.
وهنا ينبري السؤال، وما هو الاثر المترتب على استكمال تلك العملية التاريخية من التبنى والرعاية التي حفت نشوء ووجود حركة الاسلام السياسي؟!.
وفي الاجابة عن هذا السؤال نشير إلى ان الأثر المعني تجلي في حقيقتين:
الحقيقة الاولي هي ان حركة الاسلام السياسي، لم يخلُ برنامجها للتغيير من ذكر قضايا العدالة الإقتصادية والإجتماعية، ونصرة الفقراء ورفع الظلم عنهم وحسب، وإنما ناصبت حركة الإسلام السياسي العداء العميق لكل قوى سياسية اخرى تبنت برنامجاً من شأنه الدفاع عن حقوق المستضعفين الاقتصادية اوالاجتماعية اوالسياسية!. فقد ظلت حركة الاسلام السياسي، ومنذ تأسيسها، في حالة إنجذاب دائم تجاه الطبقات الثرية من الراسماليين وملاك الارض، وذلك لقناعة الاسلاميين التي تشربوها من دوائر الرأسمال الغربية بان تلك الطبقات، أي طبقات الرأسمل والإقطاع، هي مستقبلهم وحضنهم الآمن!.   
أما الحقيقة الثانية فهي السعي الحثيث نحو نهج وتنفيذ سياسة التمكين على هدى موجهات الغرب الرأسمالي ومؤسساته العتيدة. فعندما بدأ التأسيس لاقتصاد الاسلام الحركي من خلال تجارب الينوك والمصارف وبيوتات المال الاسلامية، في بداية سبعينيات القرن المنصرم، قدمت بيوت الخبرة ومراكز البحوث والمؤسسات المالية الغربية معارفها وجعلتها متاحة لاجل بناء اقتصاد اسلامي مرتبط بحركة الاسلام السياسي ومتكامل مع حركة الاقتصاد الغربي بشكل عام، وملتحم بحركة المال فيه على وجه الخصوص، “منذ الوهلة الأولى بدا نمو الاقتصاد الاسلامي متطابقاً تماماً مع الحرب الباردة التي صممتها واشنطن فيما يتعلق بالشرق الاوسط. وقد ظهرت كتزاوج بين المنظرين الاقتصاديين التابعين لليمين الاسلامي المتطرف في العالم العربي، وبين تكنولوجيا البنوك والمؤسسات المالية والجامعات البارزة في الغرب.” (دريفوس، وبررت، سابق، ص 169)
كان الإقتصادي “ميلتز لويد” صاحب المساهمة الكبري في صياغة نظرية تطبيقات الاوراق المالية التي لا تحمل فوائد، وهي ما إستخدمتها، وتستخدمها البنوك الاسلامية، كما ذكر “روبرت دريفوس”، ايضاً.
إن الحقيقيتين المذكورتين اعلاه، تجلتا اكثر ما تجلتا في نشاط وتجربة الحركة الاسلامية السودانية، بحسب انها الحركة الاسلامية الوحيدة في منطقة الشرق الاوسط التي إستطاعت عن طريق إستخدام العنف بان تصل للسلطة وتستمر فيها لاكثر من ربع قرن!.
استخدمت الحركة الاسلامية اموال البترودولار الخليجية في السبعينيات من القرن الماضي وبرعاية خاصة من الامير محمد بن فيصل آل سعود، الذي كان ان اقنعه المصرفي المصري والاسلامي احمد النجار المعروف باسم “ابو البنوك الإسلامية” بفكرة وضرورة بناء المؤسسات الاقتصادية الاسلامية. فإنطلاقاً منه اسست الحركة الاسلامية السودانية تلك القاعدة الاقتصادية التي اصبحت قابضة بالفعل على مجمل مفاصل الاقتصاد السوداني. وهو الامر الذي اغراها وهيأها للانقضاض على النظام الديمقراطي، ومن ثم إستبداله بنظام ثيوقراطي شرس ودموي وفاسد.
في تناول خط صعود الحركة الاسلامية السودانية، لابد من التميز بين حالتين من التمكين أنجزتهما حركة الاسلام السياسي تلك. الحالة الاولى، هي ما قبل سنة 1989، اي ما قبل سنة انقضاضهم العسكري على السلطة. اما الحالة الثانية، فهي ما بعد سنة 1989 حين استقر امر دولة الاسلام السياسي.
في الحالة الاولى إتسم نشاط الحركة الاسلامية بالانحصار في البنوك وشركات التأمين وشركات تمويل الاستثمار، والتجارة. وكان الهدف الاساس هو إنجاز تراكم راسمالي بوتائر متسارعة، وغير مألوفة. وبالفعل نجحت الحركة الاسلامية من انجاز تلك المهمة بشكل غير مسبوق في تاريخ السودان الإقتصادي، حتى كاد ان يصبح اقتصادها الذي تديره معادلاً لاقتصاد الدولة، وللحد الذي اضطرها لاستيعاب واستخدام كوادر من خارج نطاقها، لان حركة المال الطفيلية التي خلقتها كانت قادرة على استيعاب اكبر قوى إجتماعية واكبر عدد من الكادر البشري، وقد فعلتْ. وقد كانت تلك القوى الإجتماعية المستوعبة في نشاط الحركة الاسلامية هي بمثابة الحاضنة، او بالاحرى الرحم الذي تفرختْ منه “الرأسمالية الطفيلية الإسلامية” (رطاس)، التي  نراها اليوم، وهي تسيطر على كل قطاعات الاقتصاد في البلاد.
كانت المهمة الاخرى المنوطة بحالة التمكين الاولى هي إنجاز الإستيلاء على السلطة السياسية، وذلك هو ما تمّ في يونيو 1989. إن اكثر ما اتسمت به هذه المرحلة، اي قبل عام 1989، هو خروج مجمل النشاط المالي للحركة الاسلامية وإعفاؤه من الخضوع لاي رقابة قانونية في دولة السودان، وقد نجحت الحركة الاسلامية في الحصول على رفع تلك الرقابة القانونية من سلطة الطاغية النميري بعد ما سميّ بالمصالحة الوطنية التي كانت في عام 1977، وكان ذلك هو الوقت الذي بدأ فيه التأسيس الفعلي للتمكين المالي، او الإقتصادي،  اي في النصف الثاني من السبعينيات القرن الماضي. إن عدم الرقابة القانونية المشار إليه اعلاه، اوردته الشركة الاسلامية للتامين ولخصته في:
 “1/ تعفى اموال وارباح الشركة من جميع انواع الضرائب.
2 / تعفى من الضرائب مرتبات واجور ومكافئات ومعاشات جميع العاملين بالشركة،
 ورئيس واعضاء مجلس ادارتها وهيئة الرقابة الشرعية.
 3/ بالاضافة لتلك الاعفاءات يجوز للشركة التمتع باي اعفاءات اوامتيازات منصوص عليها في اي قانون آخر، كمثال لذلك فان كل المعدات التي تحتاج لها الشركة من اثاث ومعدات للمكاتب والمباني، وتعتبر معفاة من الضرائب، والرسوم الجمركية وكذلك علي ضوء قانون 1974 الخاص بتنظيم وتشجيع الخدمات الاقتصادية.
4 / لا يجوز مصادرة اموال الشركة اوتاميمها اوفرض الحراسة اوالاستيلاء عليها، بالاضافة لكل ما ذكر اعلاه فان الشركة قد اعطيت بعض الامتيازات التي تكفل لها حرية الحركة والمرونة، وكمثال لذلك فان القوانين الآتية لا تنطبق علي الشركة:
1)/ القوانين المنظمة للخدمة وفوائد ما بعد الخدمة علي الا تقل المرتبات والاجور وفوائد ما بعد الخدمة التي تحددها الشركة علي الحد الادنى المنصوص عليه في تلك القوانين.
 2/ القوانين المنظمة للتامين.
3/  قانون ديوان المراجع العام لسنة 1970، اواي قانون آخر يحل محله.” ( شركة التأمين الإسلامية، بدون تاريخ، ص 8. ذكره عبد الهادي، صديق، التأمين في السودان ملامحه وآفاق تطوره، موقع الإقتصادي السوداني، http://sudaneseeconomist.com)
 لقد وضحت من البحث حقيقة مهمة وهي إن امر إعفاء النشاط الإقتصادي الطفيلي للاسلام الحركي في السودان من القوانيين السائدة والسائرة، والعمل على تحقيقه لم يكن اصلاً من بنات افكار الحركة الإسلامية السودانية، وإنما كان هو تنفيذ لخطة إعتمدتها حركة الاسلام السياسي العالمية بشكلٍ اساس، وكجزء مهم من التمكين بشكل عام في منطقة الشرق الاوسط. فهي خطة تمَّ اول تبني وتطبيق لها عند تأسيس بنك فيصل الاسلامي المصري في عام 1976، “لقد مُنح بنك فيصل الاسلامي عند تأسيسه إمتيازات غير مسبوقة. إن القانون الذي تمّ بموجبه تأسيس البنك كفل الضمان بعدم تأميم البنك، وكذلك كفل إعفاءه من القانون المنظم لنشاط البنوك والمصارف، وإعفاءه من الضرائب مع السماح له بالعمل في سرية تامة. إن المسؤول الذي تقدم بهذا القانون للبرلمان المصري لم يكن وزير الاقتصاد وانما وزير الاوقاف الدينية. وقد تمت إجازتة بكل سلاسة لان حتى النواب اليساريين لم يقلوا شيئاً خوف الاتهام بانهم يصوتون ضد شرع الله”. (دريفوس، سابق، ص 165)
قد يلاحظ القارئ التطابق الذي يكاد ان يكون حرفياً بين قانونيّ الإعفاء اللذين تمتعت بهما الحركة المالية الطفيلية للاسلام السياسي في البلدين، أي مصر والسودان!.
واما حالة التمكين الثانية، والتي بدأت بعد العام 1989 فقد كانت المهمة الاساس فيها هي إستكمال التمكين الإقتصادي بعد ان تمّ انجاز التمكين السياسي بالإستيلاء على السلطة، اي ان يتم تحويل ملكية المؤسسات والشركات والمنشاءات العامة إلى القطاع الخاص، الأمر الذي يعني عملياً وموضوعياً تحويل ملكيتها للرأسمالية الطفيلية الاسلامية (رطاس)، بحسب انها اصبحت هي المسيطرة على مفاصل الاقتصاد في البلاد. ونقل الملكية ذاك لم يكن ممكناً في مرحلة التمكين الاولى، اي ما قبل 1989، لان القرار السياسي لم يكن متوفراً بعد ، وذلك بالطبع على العكس مما صار عليه الامر في مرحلة التمكين الثانية حيث اصبح القرار السياسي متوفراً وممكناً.
إن مهمة المرحلة الثانية من تمكين الاسلام السياسي توافقت تماماً مع سياسة مؤسسات الراسمال الغربية، إذ ان احد الاركان الاساس لسياسة البنك الدولي المعروفة بـ “التعديل الهيكلي”، هو “نقل ملكية المنشاءات العامة إلى القطاع الخاص.”( عبد الهادي، صديق، الجزيرة وجريمة قانون سنة 2005، ص 55.)
كان المرتكز الأساس في مرحلة التمكين الثانية، اي بعد العام 1989، هو سؤال الارض والعمل لاجل السيطرة على ملكيتها، وبكل السبل، إن كان ذلك عن طريق إعادة التشريع او عن طريق وضع اليد. كان لابد من وضع الإطار النظري من قبل الحركة الاسلامية لسؤال الارض، فمثلما اعتمد مشروع الحركة الاسلامية في إنشائه للدولة الاسلامية على نظرية انه لا يمكن قيامها بوجود الجنوب كجزء من دولة السودان ولابد من فصله، فإن الاطار النظري لسؤال الارض إعتمد ومن ضمن ما اعتمد عليه، ما عرف بـ”مثلث حمدي”!. إن الارهاصات الفكرية لذلك المثلث كانت تدور داخل اروقة مفكري الحركة الاسلامية منذ عقود طويلة.
يعتبر عبد الرحيم حمدي احد ابرز المنظرين الاقتصاديين للحركة الاسلامية، وهو عراب  منهج “التحرير الاقتصادي”. والذي بتفيذه، كان ان تمخضت عنه اخطر لجنة في تاريخ الاقتصاد السوداني الا وهي “لجنة التصرف في المرافق العامة” في العام 1994. تُعني نظرية “مثلث حمدي” بانه لو ارادت الحركة الاسلامية السودانية ان تستمر في السيطرة على الحكم في السودان فلابد لها من ان تركز سيطرتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في المنطقة الجغرافية التي تمثل إحداثياتها كل من دنقلا، سنار وكرفان. وهي من الناحية الهندسية تمثل احداثيات لمثلث، فلذلك سُميَّ ذلك المثلث بـ “مثلث حمدي”. وقد اقرَّ عبد الرحيم حمدي نفسه بانه قدم تلك المساهمة بناءاً على طلبٍ من الحركة الاسلامية. إن عبد الرحيم حمدي، وفي حقيقة الأمر، كان الوحيد الذي يمتلك القدرة النظرية لاجل صياغة الافكار الموجودة داخل حركة الاسلام السياسي حول ذلك المثلث.
 كان مشروع حمدي النظري ذا بعد عنصري، فهو يقول: “الأفتراض الثالث : أن الجسم الجيوسياسى فى المنطقة الشمالية المشار إليه أعلاه وسأطلق عليه اختصاراً {محور دنقلا – سنار + كردفان} أكثر تجانساً.. وهو يحمل فكرة السودان العربى/الاسلامى بصورة عملية من الممالك الاسلامية القديمة قبل مئات السنين.. ولهذا يسهل تشكيل تحالف سياسى عربى/أسلامى يستوعبه. وهو “أيضا” الجزء الذى حمل السودان منذ العهد التركى/الاستعمارى/الاستقلال.. وظل يصرف عليه.. حتى فى غير وجود البترول ولهذا فأنه حتى إذا انفصل عنه الآخرون {أن لم يكن سياسياً فاقتصادياً عن طريق سحب موارد كبيرة منه} لديه إمكانية الاستمرار كدولة فاعلة، يصدق هذا بصورة مختلفة قليلاً حتى إذا ابتعدت دارفور.. رغم إمكانية خلق علاقات اقتصادية أكثر مع دارفور حتى لو أنفصلت أو أبتعدت سياسياً.” (حمدي، عبد الرحيم، ورقة مستقبل الإستثمار في السودان، مؤتمر القطاع الإقتصادي للحزب الحاكم، المؤتمر الوطني، قاعة الصداقة الخرطوم، 11-12 سبتمبر 2005)  
قد تبدو للقارئ اللامبالاة التي يتعامل بها المنظر الاسلامي عبد الرحيم حمدي في نصه اعلاه، حين طرحه إفتراضاته بذهاب وانفصال أجزاء من الوطن وبقاء مثلثه الذي تصوره!. إنه، وفي حقيقة الامر نجد ان ما ساعد حمدي على صياغة نظريته، وبهذا الوضوح “المستفز”،  ليست  تصوراته الشخصية وإنما برنامج الحركة الإسلامية السودانية نفسه والذي يقوم جوهراً على فكرة النقاء الديني المسنود بالنقاء العرقي، وكذلك بكل ما هو قبلي وذلك مما فضحته تجربة ثلاثة عقود من الحكم. فقط للمرء ان يقف عند هذا المقتطف، “وسأطلق عليه اختصاراً {محور دنقلا – سنار + كردفان} أكثر تجانساً.. وهو يحمل فكرة السودان العربى/الاسلامى بصورة عملية من الممالك الاسلامية القديمة قبل مئات السنين.. ولهذا يسهل تشكيل تحالف سياسى عربى / أسلامى يستوعبه”.
فهل هناك من وضوحٍ عنصريٍ اكثر من ذلك؟!. ألا ليْتَه!.
إنتبه المفكرون والمثقفون والاكاديميون الوطنيون لخطورة ما طرحه الاقتصادي الاسلامي حمدي، حيث اشار د. صديق أمبدة إلى أنه، ” رغم كل شئ فالخطورة لا تكمن فقط في الأفكار الواردة في الورقة وإنما في السكوت عليها، خاصّةً من الحزب الحاكم. وذلك لأن بها رائحة عنصرية جديدة تزكم الأنوف ولأنها تُثير أسئلة كثيرة وتنكأ جراحاً قديمة حول المسكوت عنه.” (أمبدة، صديق، من اين اتى هذا العبد الرحيم؟، موقع الإقتصادي السوداني)    http://sudaneseeconomist.com
كان كل ما ورد اعلاه هو جزء من الاطار النظري الذي إعتمدته وتعتمده الحركة الاسلامية السودانية في تنفيذ المرتكز الاساس لإنجاز مهمة التمكين فيما بعد سنة 1989، اي الشروع في الاستيلاء على الأرض، ومقصودٌ به اهم الاراضي، وهي الاراضي السودانية التي تقع في “مثلث حمدي”. وهنا نشهد انتقالاً نوعياً في عملية تراكم الراسمال الطفيلي الاسلامي، فإذا كان في المرحلة الاولى، فيما قبل 1989، نتج التراكم الراسمالي للاسلام السياسي من توظيف الراسمال المالي، فإنه في المرحلة الثانية، فيما بعد 1989، نجد ان الجزء الاهم من عملية تراكم الراسمال خُطِّطَ له ان ينتج من عملية انتزاع ملكية الارض، ومن ثم إستغلالها بتوظيف راسمال الطفيلي الإسلامي الذي تمَّ نهبه وإكتنازه عبر كل المراحل السابقة، ومنذ منتصف سبعينيات القرن الفائت. إن محاولة إنجاز هذه المرحلة او الحالة من التمكين هي التي فتحت ابواب الجحيم الرأسمالي الطفيلي الإسلامي على اراضي مشروع الجزيرة والمناقل!.  
لابد من إعطاء خلفية قد تساعد في تشريح وفهم مرحلة التمكين الثانية للاسلام الحركي في السودان، والتي تقوم بتنفيذها الآن الحركة الاسلامية.
إن عملية الإستيلاء على الارض، اصبحت ظاهرة كونية مع مطلع القرن الواحد عشرين، تقودها قوى الامبريالية العتيقة المتمثلة في الولايات المتحدة وبريطانيا، وكذلك متمثلة في قوي الامبريالية الجديدة في لباسها “الإشتراكي”، اي جمهورية الصين، التي اضحت امبريالية اكثر من الامبرياليين انفسهم!. “إنه، وبناءاً على ما اورده البنك الدولي ان هناك 464 مشروعاً لاجل الاستيلاء على الارض بدأ تنفيذها فيما بين 2008 و 2009، وان 22 مليون هكتار (اي ما يعادل 54 مليون فدان _ الكاتب) قد تمّ الإستيلاء عليها فيما بين 2010 و 2011 لوحدها. إن اهم سبب من واء التكالب على الارض هو محاولة السماسرة العالميين تامين الغذاء اللازم للاقطار ذات الكثافة السكانية العالية، والتي تُوَاجهُ بمواسم زراعية متذبذبة وغير طبيعية ( مثل الصين، الهند وكوريا الجنوبية). فهذا التكالب والاستيلاء المسعور على الارض تمّ بشكل واضح في سبعة دول افريقية حيث ان سعر الهكتار الواحد بلغ اقل من دولار (اي ان الفدان باقل من نصف دولار – الكاتب).” (روس، اليكساندر، إسترداد الأرض، ص 9-10) 
إن الدول الافريقية السبعة المشار اليها اعلاه، من بينها السودان. كما وان الصين تعتبر واحدة من اكثر الدول المتكالبة لاجل الاستيلاء على الارض في القارة الافريقية، والتي تربطها علاقات فساد مشبوهة بكل الانظمة الديكتاتورية في القارة. 
إن رباطاً وثيقاً يمتد بين نظام الصين “الاشتراكي/ الامبريالي” وبين النظام الاسلامي/ الطفيلي في السودان، وذلك لا لسببٍ آخر سوى ان الحركة الاسلامية السودانية، وللطبيعة نفسها، اصبحت مغرمةً ولحد الوله بتجربة الحزب “الشيوعي” الصيني، وكذلك ببرنامجه للانفتاح الاقتصادي والتحول الإجتماعي والسياسي.  وبفضل ذلك صارت الحركة الاسلامية السودانية وكيلاً مشتركاً للامبريالية بشقيها، فبالتاريخ لامبريالية الغرب وبالتبني لقوى الامبريالية الجديدة الناهضة، اي الصين.
تشير تقارير عدة إلى ان اعلى نسبة في الاستيلاء على الاض داخلياً تحدث الآن في السودان حيث وصلت إلى 78%. (موسقير، بوسقي، الاستيلاء على الارض في افريقيا هو استعمار جديد، 24 مايو 2014، على الرابط التالي:
وقد اشار الى ذلك ايضاً الكاتب “قريف شيلوا” في مقال بعنوان “الإستيلاء على الأرض في افريقيا، انك لم تسمع به”، قام بنشره في سلسلة “اللامساواة”، وهي سلسلة تصدر بالاشتراك بين المنظمة النرويجية اللاربحية ومؤسسة الطلاب والاكاديميين المعروفة إختصاراً بـ SAIH.
إن ارتفاع تلك النسبة من الاستيلاء على الأرض داخلياً لم يتم او يحدث بمحض الصدفة، وانما تفسره الحروب التي تشعلها الراسمالية الطفيلية الاسلامية (رطاس) في كل انحاء السودان، والتي احد اهم اسبابها السعي لنزع الارض من السكان الاصليين ومن ثم الاستيلاء عليها، إن كان في مناطق جبل مرة، جبال النوبة او مناطق جنوب النيل الازرق. وذلك هدف، يعلم الجميع، أنه يلتقي وبالضرورة مع اهداف قوى الاستعمار الحديث، والتي من بينها هدف بالغ الدقة، وهو ضمان “تحول البنية الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية للمدن والدول، وبشكل خاص ليشمل ذلك التحول كيفية علاقة الناس بمدنهم وببعضهم البعض، وبل بارضهم.” (روس، اليكساندر، سابق، 15) 
إنه، ومهما بلغ حجم التعدي والاستيلاء على الارض في السودان بواسطة الرأسماليين الطفيليين الاسلاميين، فإن مرحلة التمكين الثانية التي يعتمد عليها إستمرار نظامهم وحكمهم في السودان سوف لن تتم ولن تبلغ غايتها ما لم يتم النزع لاراضي مشروع الجزيرة والإستيلاء عليها. وذلك، بالطبع، امرٌ صعب المنال. فلقد تكسرت كل محاولات الحركة الاسلامية التي ابدتها، إن كان بالإرهاب المباشر او عن طريق التشريع، مثل قانون سنة 2005 الجائر، تكسرت كلها على صخرة المقاومة الصلبة لحركة المزارعين. وذلك امرٌ محتوم.
وفي الختام، لابد من الإشارة إلى ان ما افصحت عنه تجربة الاسلام الحركي، أن الذي يربط بين مرحلتي تمكينه، فيما قبل 1989 وفيما بعدها، هو الفساد وبؤس وضعف البنية الاخلاقية والمهنية وبل المعرفية المتعلقة نظرياً، ثم تطبيقياً ببرنامج الحركة الإسلامية للتحول وعلى مستوياته المعروفة، الاقتصادية والإجتماعية والسياسية.
___________________________.
(*) ورقة بحثية منشورة كجزء من كتاب “مشروع الجزيرة وبؤس الحركة الاسلامية”، الناشر مؤسسة الاقتصادي السوداني، فلادلفيا، الولايات المتحدة، يونيو 2016.
-------------