التطرف مسيحي..ومشاكل الفقراء بسبب رجال الأعمال الفاسدين فقط!
عرض ورؤية: ماري فكرى
بعد توقف دام لمدة تربو عن السبع سنوات لانشغاله بالعمل السياسي.. عاد المخرج خالد يوسف ليطل على الساحة الفنية.. وربما طموحاً “العالمية”.. بفيلم “كارما”.. الفيلم الأكثر جدلاً على شاشات العرض حالياً.
الفيلم يدور حول “أدهم” رجل الأعمال المسلم الذي يظهره الفيلم كأكبر رجل أعمال بمصر يرتاع في الفساد والطبقية المفرطة، ولا يعبأ في سبيل مصلحته وزيادة نجاحاته أن يدوس على رقاب الفقراء والمطحونين..
وعلى الطرف الآخر هناك “وطني”.. رجل مسيحي فقير جداً يحلم بالثراء، والحصول على كنز.. وتحدث مفارقة بالأحداث.. قصدها مضمون الفيلم.. ألا وهي.. ماذا لو احتل كلا منهما مكان الأخر بالواقع.. المسلم مكان المسيحي.. والفقير مكان الغني؟ ولهذا تعمد المخرج أن يقوم بدور الشخصيتين نفس الفنان “عمرو سعد”.
* الفيلم يميل إلى الغموض من أوله حتى آخر لحظة فيه.. ليس فقط حول القضية الخارجية المباشرة هل “أدهم”، و “وطني” هما شخص واحد أم شخصيتان مختلفتان، ولكن بالأكثر ما الذي يريد العمل أن يقوله على المستوى الأعمق، خاصة مع تعمد ذكر تفاصيل صغيرة قد ترتبط برجل أعمال شهير بعينه.. وكأنما يرتبط الفساد به دون غيره..! ومن تلك التفاصيل: امتلاك رجل الأعمال “أدهم” لقناة تليفزيونية وجريدة وموقع ويُطلب منه التخلي عنها.. وأيضاً “بادج” أو ماركة الجاكت الشهير الذي نزل به “أدهم” في بداية الفيلم من الطائرة..!
* من المفارقات التي يحتويها الفيلم:
التركيز فقط على غيبيات الفقير المسيحي.. فطوال الوقت يعمل أهل “وطني” على تخليصه من “الشيطان المسلم” الذي لبسه.. سواء بصلوات القسيس.. أو بالضرب المبرح من الشيخ المسلم.. الأمر الكوميدي غير المتعارف عليه.. سواء على مستوى الايمان المسيحي (بحكاية عفريت مسلم).. أو قيام شيخ بإخراج عفريت مسلم من مسيحي.. والذي لا يمكن أن يحدث على الإطلاق على أمر الواقع..
عدم وجود قماشة ثرية للعمل الذي دار نصفه في الحارة المصرية الفقيرة ومع ذلك لم يكن هناك أي قصة أخري منفصلة لمشاكل وحياة أشخاص آخرين بالحارة، ولم يكن هناك سوى لقطة للفنانة “وفاء عامر” التي زفت زوجها مع سيدات الحارة تجريساً له على بيعه للبيت الذي يقطنه بالعشوائيات لصالح المشروع الجديد.
وجود رسائل وعظية مباشرة عن أهمية الحب وضرورة الاهتمام بالفقير، كثير منها على لسان الدكتور ياسين “خالد الصاوي”.. وكأنما تحول الفيلم لبوق عالي الصوت ببرنامج مذاع للتنبيه على قيم مهمة.. بدلاً من أن يكون ببساطة فيلم.. تحمل مشاهده فحوي رسالته.. وليس وعظات مباشرة على لسان أبطاله..
أمثلة للوعظات المباشرة: (سد الآذان عن أنَّات الغلابة آخرته سوداء.. الناس هي الدولة.. مش عائشين على أرض الدولة.. اللي بيحصلك ده – يقصد تقمص أدهم لشخصية وطني – حيلة من روحك للتغطية على حياتك وملذاتك.. الخوف أتى من عقلك الواعي.. وإحساسك بأنك فوق الناس).
أنه يدعو بحسب إعلاناته إلى محاربة التطرف والتمييز بين مسلم ومسيحي، بينما لمخرجه موقف شهير كان مفاجأة صادمة لعديد من الناس وقتها.. ألا وهو موافقته على المادة الثانية من الدستور (تطبيق الشريعة بمصادرها الكلية) والتي تدعم التمييز الديني بامتياز. (البوابة نيوز – 9 أكتوبر 2013) (http://www.albawabhnews.com/174608)
لم يحوي الفيلم مشهد واحد يبين التطرف الديني الحقيقي الذي يحدث بالأماكن الفقيرة بالذات بين المسيحيين والمسلمين، وجعل قضية الظلم الوحيدة التي يعانيها الفقير وبالأخص المسيحي هي مع وبسبب رجال الأعمال الفاسدين فقط!!!
لماذا اختار “وطني” وهو مسيحي.. أن يحفر دائماً تحت (جامع أبو السعود) الأثري المهجور بالذات.. وليس تحت أي بيت أثري مهجور حتى يجد الكنز! أيمكن أن يكون هذا رسالة مباشرة أخرى .. أن المسيحي لن يجد الكنز (الراحة والرفاهية والسعادة التي بحث عنها “وطني” المسيحي) إلا تحت قبة الجامع..!!
تزود الدولة الحراسة على “أدهم”.. فيُنصب له بالأكثر كمين.. ويصاب بكتفه.. وعلى طريقة أفلام الأكشن غير الواقعية تنشق الأرض عن مهندسة رقيقة “جيلان” أو (سارة التونسي) تدخله سيارتها – وهو غارق في دمه، بل ويحمل في يده مسدس.. عادي! _ ثم تدخل في مطاردة مع سيارة أخري مازال من فيها يتابعونه لقتله، وكل هذا من أجل سواد عيونه.. دون أن تعرفه.. عادي!!
فهمنا لماذا حاول “أدهم” أن يقتل “جيلان” في حوض السباحة بعد أن أحبها، (لأنه أيقن أن الحب ضعف واحتياج دائم لطرف آخر).. ولكن لم نفهم لماذا حاول وهو في الشخصية الأخرى “وطني”.. أن يقتل ذراعه اليمين “نهلة”.. أو (غادة عبد الرازق) رغم أنه لم يكن يحبها!؟ على أية نظرية علمية ينطبق هذا الفعل؟
وعلى أي نظرية علمية أيضاً ينطبق تفسير الدكتور ياسين لأدهم (أن الأحلام هي رد فعل منطقي لحياة ليس بها مشاكل)! وهل لا يحلم الناس العاديون من أصحاب المشاكل!.. أم يحلمون بالأكثر بسبب مشاكلهم ومصاعب حياتهم!!!؟
*ملاحظات على الفيلم:
الفيلم يمتلئ بالكلمات أو الإيمانيات المسيحية التي من المؤكد أن الكاتب رجع فيها لشخص مسيحي، ولكن بعضها استخدم أحياناً للتقليل من شأنها.. أو من شأن تدين الغيبيات بشكل عام.. من خلال حوار أبطال الفيلم أنفسهم..
مثال: دعوة “مدينة” (زينة) لوطني زوجها بوقوف البطل (مار جرجس) معه لمساندته.. فقال لها: لو كان بطلاً حقاُ، ولو كان أيضاً الشيخ له كرامات لكانا قضيا على الفقر والظلم.
“جيلان” تخاطب “أدهم” (عندك عقد و كلاكيع.. وهوسك تبقى فوق “ملك الملوك”.. رغم أنها في الفيلم شخصية مسلمة، وهذا اللقب متعارف عليه أنه متعلق بالسيد المسيح في الكتاب المقدس!!
قانون “الكرمة”.. أو (كما تدين تدان)التي شدد “أدهم”، وأيضاً “وطني” على أنه يجب أن يطبق على الجميع.. ومعروف أنه مبدأ وآية في الديانة المسيحية.. كما أن الكرمة هي رمز للسيد المسيح نفسه، وقد حرص الفيلم أيضاً أن يطلق نفس الاسم “كارما” على ابنة “وطني” التي هي في الواقع ابنة “أدهم” التي ماتت بحادث.. وسببت له كل هذا الانكار النفسي لموتها، بالدخول في شخصية “وطني” لإحيائها من جديد.
الخال يحاول قتل “أدهم”.. ظناً منه أنه “وطني” و أنه غير دينه المسيحي.. فتتلقى “مدينة” الرصاص فداءً عنه.. وتموت هي! معادلة على ما يبدو = تساوي أن التطرف الديني في النهاية قتل المدينة (البلد أو الوطن)، وعاش رجال الأعمال الفاسدين! بس الطريف أنه على منوال الكثير من الأحداث غير الواقعية بالفيلم، بل يغاير بعضها أرض الواقع تماماً، فإن التطرف الديني الذي قتل وهدم هنا هو التطرف الديني المسيحي.. وليس هناك أي تطرف ديني آخر سواه بالفيلم!!!.. رغم أنه ليس في الدين المسيحي ما ينص على (من غير دينه فاقتلوه).. وليس في تعاليمه أي غلو في الدين أصلاً!!
*الخلاصة:
الفيلم جذاب من ناحية الإخراج والنقلات السريعة ما بين حياة الغني متمثلة في “أدهم”، وحياة الفقر متمثلة في “وطني”، وكذلك في الأداء المتميز لعمرو سعد وزينة و دلال عبد العزيز وغادة عبد الرازق التي تميزت في مشهد جسدت فيه بعينيها كل مخاوفها من “جيلان” غريمتها الجديدة في حب “أدهم” في أول لقاء لها معها بمكتبه.
الفيلم أيضاً يحوى بعض الأمثال الشعبية التي على ما يبدو تراثية.. عن المواصفات الجسدية للزوجة كما ينبغي أن تكون على لسان “نرجس” أو (دلال عبد العزيز) – التي تميزت في دور أم “وطني”_ “مثل الست الزين.. القطة تعدي من تحتيها.. والنسر على رجليها”.. وذلك كنوع من الجذب الإعلاني للفيلم.
يفتقد الفيلم للمصداقية الكافية – بحسب رأي العديد ممن شاهدوه _ لتناقض المحتوى الذي يدعيه مع بعض مواقف صاحب رؤيته على أرض الواقع، إذ يتساءلون بتعجب: هل الفيلم حقاً ضد التمييز الطائفي والطبقي أو التمييز بشكل عام كما تدعي “نشرة الوعظات الموجهة” بالفيلم؟، وماذا عن (إعلان سينمائيون مصريون لرفضهم تمثيل المخرج لهم لقبوله التمييز على أرض الواقع ضد المدنيين بموافقته على محاكمتهم عسكرياً” في الدستور)! جريدة الأهرام 23 نوفمبر 2013
http://www.ahram.org.eg/NewsPrint/244169.aspx
الفيلم يفتقد الحبكة الدرامية، والتصريحات على لسان الدكتور المتخصص فيه “ياسين”.. كان من المفترض أن تكون علمية ومدروسة.. كما يميل الفيلم إلى بعض الغموض والأحداث غير المبررة على حساب المقبول والواقعي.
يصر الفيلم على الغموض للنهاية.. لدرجة ظهور طفلة “وطني” _وهي نفس طفلة “أدهم” التي ماتت_ في المقابر التي زارها “أدهم” للصلاة على روحها.. وظهور وطني أيضاً بالمقابر.. رغم تأكيد الدكتور على عدم وجود شخصية “وطني” .. وكأن الفيلم ينتهى على شاكلة (“اكس ليس له نهاية”.. لفؤاد المهندس في عودة أخطر رجل بالعالم ).. وكأن الغموض لمجرد الغموض وليس للبحث والتفكير والترقي الفكري.. هو هدف في حد ذاته للفيلم!
الفيلم من بطولة الفنانين عمرو سعد،، سارة التونسي، زينة، غادة عبد الرازق، دلال عبد العزيز، خالد الصاوي، ماجد المصري،، مجدي كامل، إيهاب فهمي.
والفيلم بكل تفاصيله المتعمد رصدها وتقديمها.. لا يخلو – في رأيي _ من أكثر من رسالة.. ليبقى الفيلم نفسه.. هو الرسالة اللغز.. التي يحتفظ من كتبها و أطلقها فقط بهدفها الحقيقي – وإن كان يمكن دائماً استشفاف ما بين السطور!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق